الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل العربي و نظرية المؤامرة

أيهم نور الصباح حسن
باحث و كاتب

(Ayham Noursabah Hasan)

2020 / 8 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا ينفك العقل العربي عن إقناع نفسه بأنه ضحية , ضحية المؤامرات الإقليمية و الدولية .. و ضحية المؤامرات الدينية و الطائفية , و بأنه مستهدف دوماً و أبداً , فهو من خير أمة أخرجت للناس و إسلامه مستهدف كي لا يسود في الأرض و عرقه من أطهر الأعراق و أقواها ( فالقرآن قد نزل عربياً ), فإن تنفس الصعداء قليلاً من سماع المؤامرات التي تحيكها له أمريكا و الغرب و بني صهيون بمساعدة إخوته العرب في الدول الشقيقة " المعادية " باغته الوسواس الخناس في مقطع طربٍ لأم كلثوم أو لحسناء تتلوى كأفعى محاولاً النيل من صموده و قوة إيمانه , فيهرع للوضوء و الصلاة , مستغفراً متعوذاً .

و بين آذان المآذن و أخبار إعلام المؤامرات العربي , تاه العقل العربي في دوامة المؤامرة المريرة .

و عبثاً يحاول العقل العربي الخروج , فما إن يتجرأ على نقد نظرية المؤامرة التي وضعته بما هو فيه , و يستعد لأخذ زمام الأمور و الاعتماد على فكره و تفكيره , حتى يرى المعارك و المصائب تتالى عليه من كل حدب و صوب , فيرتد حسيراً مستكيناً , مسلِّماً و جازماً بأن هناك مؤامرة حتى في منعه من الخروج من دوامة المؤامرة !

فهل من حول أو قوة أمام مرض العقل العربي المتمثل بالتهاب نظرية المؤامرة الحاد و المزمن و المتجذر فيه بحكم تعاليم الدين و السياسة .. ؟

إن ما يدعو للجنون حقيقةً , و بغض النظر عن حقيقة وجود المؤامرة أو عدم وجودها , هو تيقن العقل العربي من وجود مثل هذه المؤامرات عليه و استمرار وقوفه كالأهبل في التفرُج عليها ... معتقداً أن مجرد أخذ العلم بوجود المؤامرة و بعلمه بمن يتآمر عليه هو حذر كاف و مواجهة ضارية و شرسة .. يستحق أن يأخذ عليها وسام بطولة و عبقرية !

لا يحتاج أي عدو للعقل العربي لأن يحيك مؤامرة ضده , فالعقل العربي أبسط و أسخف بكثير من أن يتعب أعداءه أنفسهم و عقولهم بالتآمر عليه ..

العقل العربي عدو نفسه .. لأن الجاهل عدو نفسه ..

العقل العربي مثقل بالقنابل الموقوتة الكامنة فيه , و التي لا تحتاج إلا لشرارة صغيرة كي تطيح به و بكل ما حوله ..

العقل العربي مرهق بالنفاق الديني و السياسي و الاجتماعي إلى درجة أنه لم يعد يفرق بين الوهم و الحقيقة ..

العقل العربي منغمس إما في متاع الجنة أو في متاع الدنيا , و لا وجود لمتاع الفكر لديه .

العقل العربي مشغول بنفس قضاياه اليومية ولكن بشكل دائم , فإن تبدت له فسحة فراغ تجده إما يتعبد الله أو يمارس الجنس و لا وقت لديه ليضيعه على الأمور الكبرى " التافهة " في الحياة .. " التافهة أيضاً " .

العقل العربي يأبى الاعتراف الواعي بهزائمه , لذا تراه منتصراً دائماً حتى في ذروة انكساره و تقهقره , و هذا ما يجعل من الهزائم نتيجة حتمية لحياته ..

العقل العربي يعترف بأن معلوماته بسيطة و بدائية و لكنه مع هذا أعلم من في الشرق و من في الغرب !

العقل العربي و رغم إدعائه العقلانية و تظاهره بتمثلها إلا أنه لا يزال في أولى خطوات رحلته الطويلة من القلب إلى الدماغ .

العقل العربي عقل لا يعرف الفرق بين الثقافة و الدراسة , لا يعرف الفرق بين العلم و الفقه , لا يعرف الفرق بين اليهود و الصهاينة , لا يعرف الفرق بين الله و الدين .

العقل العربي عقل مسطح لا يدرك الأبعاد , و كأنه يعيش في مستوى ذو أبعاد ثنائية لا وجود للارتفاع أو للزمن فيه .

العقل العربي عقل أسقطت عنه فعاليته فأصبحت أفعاله الإرادية كاللاإرادية , يتعمد الخطأ و يحاجج الناس بأن ما كان هو قضاء و قدر, ثم يحاجج الله بأن ما كان هو أمره و مشيئته سبحانه .

العقل العربي مكتف بما حققه أجداده من بطولات و أمجاد , فهو حفيد الرسول محمد و الصحابة و عنترة و أبو ليلى المهلهل و هارون الرشيد , أَ بعد هؤلاء من يستحق أن يُمَجَّد ؟ !

العقل العربي يضع عِقالاً فوق نفسه كي يُلزمه في مكانه لئلا ينفلت , لكنه يستخدمه إما للتلويح به فرحاً أو للضرب .

العقل العربي يؤمن بالديمقراطية و بوجوب احترام الرأي الآخر , و يؤمن أيضاً بأن شعبه لا يحكم إلا بالحذاء العسكري !

العقل العربي يؤمن بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس , لكنه يفضل أن يكون ساكتاً عن الحق على أن يكون ملاكاً مشنوقاً , خاصةً و أنه متيقن تماماً بأن الجداران لها آذان .

العقل العربي يؤمن بالحب و سموه , لكنه لا يرضى لأخته أن تُحِب و تُحَب .

العقل العربي إن يقرأ يصبح عبداً لما يقرأ , و يجبر غيره على فهم ما فهمه حصراً , دون زيادة أو نقصان .

العقل العربي يحب كل الناس , و لكن عليهم أولاً أن يحققوا شروطه و مقاييسه .

إن أراد العقل العربي يوماً الحوار فلابد للحوار من أن يستعر , و لابد للمحاور من أن ينكسر , و لابد للعقل العربي من أن ينتصر .

العقل العربي يؤمن بالعلم و الغيب معاً , فتارة تراه عند الطبيب و تارة عند المشعوذين .

العقل العربي يستخدم المناديل الورقية و جميع أنواع المنظفات الغربية , و لكنه يصر على اعتبار الأجانب قذرين نجسين لا يعرفون معنى النظافة .

العقل العربي يؤمن بأن دينه أمره بنشر السلام و المحبة , و لكنه في كل يوم يلعن كل الملل و النحل من غير طائفته و دينه .

العقل العربي لا يثق حتى بنفسه , لهذا تراه يبتعد عن التفكير و الخوض فيما قد يضره , مخافة أن يتعود على الكلام فيه .

العقل العربي شجاع و مقدام و لا يخاف في الحق لومة لائم , لكنه يفضل أن تبكي مئات الأمهات و لا تبكي أمه .

العقل العربي أقواله عظيمة , فِعاله عديمة , تبريراته سقيمة .

المتآمر الخبيث و الوحيد على العقل العربي .. هو العقل العربي .


أيهم حسن
7/8/2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى


.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة




.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا