الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع تنظيم انتفاضتنا ضد تقديس عفويتها

محمود سعدون
كاتب وناشط سياسي

2020 / 8 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


منذ الاول من تشرين الاول 2019 وحتى الان سطرت الجماهير العراقية اروع البطولات و التضحيات من اجل عراق آمن مستقر بعيدا عن نهج المحاصصة الطائفية والانتقال نحو البديل المدني الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات والقانون والحريات والعدالة الاجتماعية , لكن بعد مرور اكثر من تسعة اشهر على الانتفاضة صار من المهم بل والضروري جدا التفكر في تنسيقها وتوحيد صفوفها , قبل ذلك علينا معرفة بعض الحقائق المهمة التي لا يجب اغفالها , هي ان موضوعة الانتفاضات والثورات المسلحة التي يتكلم عنها معظم كلاسيكيو الفكر , نادرة الحدوث في ظل التطورات التي شهدها العالم خصيصا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اوساط الاربعينات من القرن الماضي وتطور حركات التحرر الوطني التي كان الاتحاد السوفيتي الداعم الاساسي لها , فقد عمدت الدول الامبريالية و الاستعمارية على اشاعة مفهوم الارهاب ولصقه في كل حركة تحرر وطني تحمل السلاح بوجه الاستعمار , مما يتيح الامكانية للتدخل العسكري للبلدان , وهناك تجارب عديدة حول هذا الموضوع منها تجربتي سوريا و ليبيا وهذا موضوع اخر ممكن ان نتكلم عنه في مناسبات اخرى , لكنه يبين المأل الذي يمكن ان يحدث في ظل انتشار السلاح ومليشيات الاسلام السياسي , فليس امامنا الا الحلول السلمية والضغط الجماهيري المتواصل لأحداث التغيير .
وبخصوص انتفاضة تشرين فقد تفجرت جميع التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في وقت واحد , فقد جاء ادراكها لضرورة اعادة بناء وتشكيل هوية وطنية عراقية معاصرة جامعة لكل الهويات الفرعية , هوية وطنية قائمة على اساس دولة المواطنة والقانون والحريات , و قد لا يختلف اثنان على ان النقطة الاساسية في الانتفاضة هي عفويتها لحظة انطلاقها ، حيث نلاحظ عدم وجود تنظيم فيها يشير الى قيادة سياسية ذات مشروع ورؤية متكاملين ، باستثناء اشكال تنظيم محدودة . وهذا يترك آثاره على افاق الانتفاضة ومشروعها .اذ أن عفوية الانطلاق ليس في الجوهر غير الشكل الجنيني للوعي فليس من الممكن ان تستمر بعفويتها وتشظي قواها لان قوة انتفاضتنا تكمن في يقظتها ، وان ضعفها يكمن في عدم كفاية وعي ومبادرة منتفضيها في التنسيق والتنظيم وفي التشديد على سلميتها ، كونه شكل النضال المتاح في ظل هذه التطورات التي عصفت بالبلد , فقد جاءت انتفاضة تشرين انعكاسا لواقع متردٍ وسيئ ولتناقضات احتدمت وتراكمت، ولهوّة سحيقة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع، ولغياب العدالة الاجتماعية واحتكار السلطة.
واذا تعمقنا في جوهر الامر ، واذا طرحنا جانبا النزاعات الشخصية ، يجب علينا الان كمنتفضين التفكير في شكل تنسيق وتنظيم الانتفاضة ، لان التنظيم بالنسبة للمنتفضين هو السلاح الوحيد الذي نملكه بأيدينا في نضالنا امام طغمة الفساد والمحاصصة ، اذن على الحراك الان ، رغم كل الخلافات الثانوية عليه ان يهتم بمسألة التنظيم بقدر من التجانس يجعله كتلة لا يستهان بها ، فالتجربة الثورية والمهارة التنظيمية امران يكتسبان اكتسابا ، وحسب المرء ان يعي النواقص ، وهو ما يعادل في العمل الثوري اكثر من نصف اصلاح الخطأ . لكن المصيبة تكمن في ان الوعي هذا اصبح يخبو ، متجها نحو الخضوع الذليل امام العفوية وتقديسهم لها , رافضة كل شكل من اشكال تنظيمها , وعلى انتفاضتنا ان لا تقيد يدها ،و لا تقيد نشاطها باي شكل او اسلوب يوضع سلفا من اشكال او اساليب النضال ، عليها ان تعترف بتنوع اشكال احتجاجها ، كالإضرابات والتظاهرات المناطقية والقطاعية ، والتصعيد السلمي لها .
الى اين نسير في انتفاضتنا ؟
لقد تعاظم نهوض الجماهير واتسع باستمرار واطراد ، وهو فضلا عن انه لم يتوقف في الاماكن التي بدأ فيها ، اخذ يشمل مناطق جديدة وفئات جديدة من السكان ممن تضرروا بسبب الادارة السيئة للحكم والتفريط بخيرات العراق ,هذا الامر يضع على عاتقنا ان نفكر في كيفية اشراك مختلف الفئات الاجتماعية الممكنة والضرورية لأحداث التغيير المطلوب , بعد كل المشاكل الموجودة سابقا واضيفت لها مشاكل اخرى , من المرجح بل والاكيد ان تتجدد انتفاضتنا بالتالي ينبغي الدعوة لخلق تنسيقية اهل لتوحيد جميع القوى لقيادة الانتفاضة ، لا بالاسم وحسب بل بالفعل ايضا ، اي ان تكون مستعدة على الدوام لتأييد كل احتجاج وكل غليان سلمي ، وللاستفادة من هذه الاحتجاجات والغليان الجماهيري في زيادة وتعزيز زخم الانتفاضة لحسم معركتنا امام قوى الفساد والطائفية , ان كل يوم نؤخر فيه تنظيم صفوفنا يسبب لنا متاعب اشهر وتضحيات جمة وربما ادى تأخرنا الى فقدان قضيتنا بالتغيير الجذري ، واذا لم نستعجل وننظم انفسنا اليوم ، فسيرسم مصيرنا من رسم ماضينا , سيقرر مصيرنا الطغمة الفاسدة المبنية على اساس المحاصصة الطائفية . لذا يتطلب منا تنسيق الجهود لمواجهة هذه الطغمة الفاسدة ، مما يتطلبه هذا الحال هو خلق قيادة حكيمة وجريئة لا تتردد ولا تضيع الفرص بحجة انتظار الفرص الجديدة , وعدم افساح مجال العمل امام الصياحين ومنمقي الجمل ، الذين يؤخذون ويفتتنون بالثورية (( البراقة )) العاجزون عن القيام بعمل ثوري دائب ، عاقل ، موزون ، يحسب الحساب لأصعب الاطوار الانتقالية .
قد تكون هذه الخطوات كفيلة بتحقيق مطاليب الانتفاضة التي اكدت وشددت على اتمامها منذ الايام التي تلت انطلاقها, وهي التغيير الجذري عبر الانتخابات البرلمانية المبكرة بأشراف اممي فاعل ووفق قانون انتخابي عادل ومفوضية مستقلة , كذلك الكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للقضاء لينالوا جزائهم العادل , وعلينا ان نتذكر دائما ونحن نفكر بتنسيق انتفاضتنا هو ان لا نقطع الطريق بأنفسنا امام انفسنا أي نرفض كل اشكال التنسيق والتعاون فيما بيننا الى ان تحقق كل مطاليب انتفاضتنا ، فالنجاح بأيدينا ، وعلينا ان لا نفرط به ابدا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة