الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أممية النيوليبرالية والبشرية سوق نخاسة

الفضل شلق

2020 / 8 / 8
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



أنشأت النيوليبرالية أمميتها. فشلت الطبقة العاملة وأخواتها في إقامة أمميتها. النيوليبرالية تمارس مهامها التي رسمتها لنفسها وهي مراكمة الثروة على حساب الفقراء وعلى حساب من يعملون. الطبقة العاملة والفقراء جردوا من كل وسائل النضال تقريباً. أُعيدت صياغة “المجتمع الدولي” ليتشكل من طبقة لا تتجاوز 1% من سكان المعمورة مقابل شعوب محشورة في دول تتحكم فيها قوانين وايديولوجيات تمنع حركات الاحتجاج وتقمعها. ونشأت طبقة أكاديمية وفئات من المثقفين والإعلاميين الذين لا هم لهم إلا التطبيل والتزمير الايديولوجي لطبقة عليا لا يعرفونها ويتمنون أن ترمي لهم بالفتات. ضاق مجال الحرية مع الفقر والقمع وغاب الضمير الفردي.

سيطرت ايديولوجيا النيوليبرالية عالمياً. توسّع مجال التحرر. التحرر للجماعة أو للدولة، هو ما صادرته هيئات ومؤسسات ضمن عالم كان ثالثاً، يُحكم كولونيالياً وامبريالياً، وأصبح يقدم تحرره عن طيب خاطر للنيوليبرالية العالمية. طيب خاطر نتج عن ايديولوجيا إعادة تشكيل الوعي. أي اللعب بالعقول كي تكتسب هذه عند الفقراء رغبات ومصالح الطبقة العليا.

غاب الاحتلال المباشر. حل مكانه الدين العام. استثمارات (ديون) تتدفق الى البلد المعني كي يساء التصرّف بها، ويرزح البلد تحت الأعباء. عندما يصعب السداد أو يستحيل، تتدفق سيول الخبراء، مندوبو المستثمرين، لإعادة هيكلة اقتصاد البلد الرازح وتثبيت تبعيته. ما كان يتحقق بالاحتلال العسكري صار يتحقق بالاحتلال المالي. الدين العام (والخاص، أي ديون الأفراد والشركات ومن يستحق الحنان من الشركات الناشئة) يقوم بمهمة كانت تقوم بها الجيوش. الموضوع في الحالتين واحد، وهو نهب وسرقة موارد الدول والأوطان التي كانت تسمى عالما ثالثا. تحوّل التحرر الوطني، تحرر الجماعة والدولة، الى تبعية جديدة للوطن والدولة. المثال الصارخ على ذلك يوجد في فلسطين وجنوبي أفريقيا، كما في الصين والهند وروسيا.

ما يفرّق بين الطبقة العليا (النيوليبرالية وما يحيط بها من أطراف هم في الحقيقة عدة ايديولوجية-تسويقية-اعلانية-أكاديمية) وبين البروليتاريا وأخواتها عدة الشغل عند الفريقين. عدة الشغل عند الطبقة العليا هو المال. المال حول العالم يوحّد. مهما اختلفت أسعار الصرف هنا وهناك تبقى الأسس العملياتية موحدة، وتبقى العملات المحلية مقيدة بقواعد الهيكل ورهبانه في نيويورك ولندن. بدأ المال منذ عقود أو قرون، ربما سحيقة، كتعبير عن القيمة، وانقلب ليصير أساساً للقيمة. ثم ارتبط نهائياً بالقوة العسكرية. لم يعد تعبيراً اقتصادياً. صار رمزا للقوة. تميّز الدولار. صار العملة التي تنشّد إليها الأنظار. صارت هي العملة العالمية. يمكنك أن تتعامل في بلدك بالعملة الوطنية، لكن عينك دائماً على الدولار. العملات الوطنية، سواء ربطت بالدولار رسمياً أم لم تربط، تجري وراءه. ويرتبط مصيرها بمصيره. مصير الدولار مربوط بالقوة العسكرية الأميركية. وبالتالي فإن مصير عملات كل بلدان العالم مربوطة بالجيش الأميركي عن طريق الدولار. نظام مالي عالمي واحد تحميه شبكات عسكرية، وأحلاف، وتجمعات اقتصادية لدول تجتمع دورياً (مجموعة العشرين، مجموعة الثمانية، الخ…)، ومؤسسات رسمية (منظمة التجارة العالمية، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي)، ومؤسسات حقوق الانسان من جميع الأنواع.

اللاعبون في هذا النظام يتنافسون كما في إطار مؤسسة واحدة. جحافل الأكاديميين تتدافع من أجل التسويغ والتبرير. شاشات الأجهزة التواصلية تبث وتعيد تشكيل وعي مشاهديها ومتسخدميها. عملية غسل دماغ متواصلة. مراقبة دائمة. تُحصى أنفاس كل بشري على الكرة الأرضية. من يشذ، يُقمع أو يُقتل. أجهزة القتل لا تحتاج الى اعتقال الضحية. صاروخ أو طيارة من دون طيار تدار من مكان بعيد، تراقب الشخص المعني وتنال منه في أي وقت، على مدار الساعة. الدول على مدار الكرة الأرضية لها استقلالها وعلمها وعملتها الوطنية، الى جانب الكرامة الوطنية والاعتزاز بالتراث وأبطال التحرر القومي، وربما أبطال التاريخ السحيق في معارك تعتبر تأسيسية للوطن والأمة والقومية والإثنية. مسموح للدول أن تمارس محلياتها الفولكلورية ولو كان فيها عداء جزئي أو كامل للامبريالية الجديدة. فولكلوريات ضرورية للعزة الوطنية، ولتجذب السواح سنوياً. السياحة جزء هام من الاقتصاد العالمي. تتعرّف الثقافات على بعضها. ينضوي الجميع تحت قيادة المال العليا.

هي ليست حرب الثقافات كما عند هنتنغتون، بل اندماج الثقافات كما يتطلبه النظام المالي العالمي. ثياب موحدة حول العالم. خاصة عند الشباب. تي شيرت وبلو جينز وحذاء مطاطي من البلاستيك. السرور والبهجة يدخلان الى القلوب نتيجة أغاني ورقصات تأتي من بلد المال والعسكر. جامعات على مدار العالم. التعليم المفروض أن يكون أساسياً. صار مرتبطاً عند الجهاز التعليمي بالبحوث التي تمولها الشركات الكبرى ووزارة الدفاع الأميركية. بعضها سري إذا كان ذا حساسية أمنية؛ معظمها مفتوحة لجميع طلاب العالم. في الهيكل الأكاديمي تتم أدلجة أو إعادة تشكيل وعي الطلاب. لا مانع من بعض المشاكسين. هم دليل على الحريات للتعمية والتستر على القمع “الحضاري”. القمع بالقوة والعنف والتعذيب متروك للبلدان التي كانت عالم ثالثاً. هنا تقوم مخلفات حروب التحرر الوطني من أجهزة أمنية وطغاة “وطنيين” بالمهام المطلوبة. الذين لا يخضعون بالكامل يخضعون لعقوبات تفرضها الدولة الأم عشوائياً. تفرض العقوبات وكأن هذه الدول العالمثالثية سابقاً جزء من منظومة دولية اسقلالها مرهون لا بالدبلوماسية بل بالعقوبات. على هذه الدول أن تنتظم وألا…

العقوبات اقتصادية ومالية. لكن الإرهاب والاتجاهات التكفيرية (داعش وأمثالها) يتيح وجودها إنزال عقوبات القتل دون محاكمة. مراكز توجه القتل من فلوريدا ونيفادا أو أي مكان آخر في الولايات المتحدة. لكن الجيوش الأميركية المنتشرة حول العالم تتأكد من انتظام الجميع كما التلامذة في الصف الابتدائي. ليس معلوماً بأي نوع من التأكد إذا كانت المجموعة الإرهابية أو المجموعة التكفيرية أو نظام الدولة المارقة مجرد طابور خامس تدعمه أو تنشؤه القوة الكبرى. المعلوم الوحيد أن وجود كل من هؤلاء هو لزرع الخوف في شعوب هذه البلدان، وزرع اليأس في قلوبهم من إمكانية طرح مطالب تتحقق. والمطالب بالنسبة للفقراء المعدمين هي مسألة حياة أو موت. وليس معلوماً أن القوى الثانوية مثل الصين هي في حالة نزاع حقيقي مع الولايات المتحدة. لما كانت المدخرات في قسم كبير منها مربوطة بسندات الدين الأميركي فإن الأمر يبعث على الشكوك.

تشكّل الطبقة العليا التي تمسك بمفاصل العالم وتقرر سياساته وتنهب أكثر من 50% من ثرواته أقل من 1% من السكان. ربما كان من صالحها أو غير صالحها أن تتوحد ولكنها تتمتّع بايديولوجيا قائمة على المنافسة. المنافسة هي البارادايم الأعلى عندها، وهي ما تقدمه للبشرية على أنه يخفض الأسعار، ويلغي الأقل قدرة على الفعالية في الإنتاج وتقديم الخدمات. تتغنى بعشق المنافسة الحرة. تنكر الاحتكار. تؤمن أن السوق تتوازن تلقائياً. لا لزوم لتدخّل الدولة. لا لزوم للدولة إلا بالمهام الأمنية. حتى هذه يمكن تلزيمها للقطاع الخاص، ببيع أو شراء كل ما تملكه الدولة. حتى جسد الانسان للبيع. عبودية من نوع جديد. لا داعي للاسترسال في تعداد سمات وممارسات الرأسمالية في عصرها المتأخر (الحالي)، أي النيوليبرالية. ما يسترعي الانتباه هو أن الهيكل التنظيمي الذي شيدته لنفسها هو العكس تماما مما تبشر به. تدعو للمنافسة الحرة وتمارس الاحتكار. تقول بالأولوية للانسان وإنتاج ما يحتاجه، بينما الأولوية للمال. تقول بخفض الضرائب وتصغير حجم الدولة، وتفعل عكس ذلك، إذ تزيد الضرائب وتكبر أجهزة الدولة خاصة الأمنية والعسكرية. على العسكر أن يخيف العالم ويحمي وضعها. لا داعي للاسترسال فيما يثير الانتباه لكثرة ما كتب في الموضوع حتى صار مملاً الحديث فيه.

لكن ما يثير القلق، ويبعث على التفكير الدائم، هو بعثرة بقية المجتمع (أي 99% من البشرية) وتشويه صورة العالم. ما كان في تفكيرنا أو أوهامنا (يا عمال العالم اتحدوا) حول وحدة الطبقة العاملة، وتحالف الشعوب المغلوب على أمرها، وتعاون الفقراء الذين يستغلهم النظام الاقتصادي، ويتلاعب بمصيرهم النظام السياسي، ويضطهدهم نظام المراقبة الأمني، وتلاحقهم الأجهزة الذكية، وتتعدى على حياتهم الخاصة. الأشد معارضة لدخول المهاجرين هم الطبقات الدنيا. الأشد رفضاً للعمال الأجانب، حتى التي يأنف منها مواطنو البلاد هم طبقة العمال؛ الأكثر عنصرية هم الطبقات الدنيا. الأكثر احتكاكاً بالأعراق الأخرى، والأكثر تعلقاً بالهويات اللإثنية والقومية والطائفية هم المستضعفون والهامشيون في كل مجتمع. وفي الانتخابات الديمقراطية، حيثما الديمقراطية ما زالت موجودة، تكون الأرجحية بين الطبقات الدنيا لمن هم مرشحو اليمين الأكثر تشدداً ضد المصالح الحقيقية لهذه الطبقات.

ما يثير القلق حقاً هو أن الطبقة العليا موحدة وتعمل بما تمليه مصلحتها المادية، وأن الطبقات الدنيا مبعثرة، وتعمل ضد مصالحها بشكل عام. العاملون في بلدان أسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والوسطى يعملون لقاء رواتب أقرب للكفاف. رواتب بالكاد تكفي للعيش؛ والعاملون، من غير المدراء، في البلدان الصناعية والمتقدمة لم ترتفع رواتبهم منذ عقود. النقابات العمالية في هذه البلدان تدهورت أعداد أعضائها. صارت أقل من 10 بالمئة، والنقابات في بقية العالم ممنوعة أو تسيطر عليها الأجهزة الأمنية في ظل الاستبداد. ما تبقى من الديمقراطية محصور في الغرب، الاستبداد متروك لبقية بلدان العالم. بعد أن نُقلت صناعات الغرب، أو الكثير منها، الي بقية البلدان، يكون الأفضل للرأسمالية وجود أنظمة ديكتاتورية تمنع النقابات أو تبقيها تحت السيطرة كي تبقى الأجور متدنية. تتدفق “الاستثمارات” الى بلدان فقيرة. وهذه يجب أن تبقى فقيرة بسبب تدني الأجور، ولا ينفك تدني الأجور عن السيطرة الأمنية وتحكّم الطغيان. تقسيم عمل على مستوى العالم. امبريالية جديدة. ما عادت هناك حاجة لجيوش تحتل. هناك فقط “استثمارات” تحتل. الاحتلال المالي مكان الاحتلال العسكري. لكن الجيوش ضرورية لإبقاء العالم تحت السيطرة. إثارة الحروب الأهلية (لرفع شأن الهويات) وإثارة الاضطرابات في أي بلد في العالم هي مهمات عسكرية-سياسية بالدرجة الأولى. مهام الجيوش أمنية أكثر منها حربية. لا حروب بين الدول. هناك حروب بين متشددي الهويات القومية والإثنية والدينية والمذهبية والعنصرية.

صعود الفاشية متزامن مع صعود الرأسمالية النيوليبرالية. لم يكن ذلك صدفة. ربما كان الأول من صنع الثاني. تنازلت الطبقة العاملة عن أممياتها المتتالية التنظيمات قسريا وطوعيا. هذه التنظيمات كانت وما بقي منها، تدار من المركز الذي تخضع أطرافه لبلد المركز، تماماً كما تصف نظرية المركز والأطراف وشبه الأطراف الرأسمالية الكولونيالية. امبريالية الاشتراكية في بلد واحد، النظرية التي طبقها ستالين بأساليبه المعروفة، واستمرت بعده، جعلت من الأحزاب الشيوعية في البلدان الطرفية خاضعة للمركز كما في أية امبراطورية. في المجال الإسلامي، تسمى الأطراف أذرعا، كما عند ايران، وكما تحاول تركيا الآن.

لكن الشعوب التي ناضلت من أجل التحرر الوطني كانت تريد أن تكون لها دول مستقلة ذات سيادة. ولم تكن مهتمة بأمميات من أي نوع خاصة وأنها عانت الأمرين من الأممية الرأسمالية. فهي سعت لتحقيق أهدافها في بلد واحد، ولم تكن بحاجة الى نظرية ستالينية بثوب آخر. وهي سوف تخسر استقلالها وسيادتها عن طريقين آخرين. الأول هو المال أو ما يسمى تدفق “الاستثمارات”، والثاني هي الثقافة أو ما يسمى تدفق “المعلومات”. لم يكن تدفق الاستثمارات طلباً طوعياً للأطراف بل فرض عليها قسراً طوعياً. وكان ذلك مؤدياً الى تراكم الدين العام الذي صار أزمة منذ أوائل الثمانينات. بالطبع تآلف الدين العام (دين الدولة) مع الديْن الفردي وديْن الشركات. صارت الدولة، بل المجتمعات بأكملها، حتى آخر ضيعة معزولة، داخلة في شبكة أو شبكات من المال والتمويل التي لا تفهمها ولا تفهم تعابيرها ومصطلحاتها. الدراسات الأكاديمية لما يسمى الفاينانس صارت مستقلة في فروع جامعية عليها “القدر والقيمة”. إذا أخذنا القياس الفردي، أنت عندما تدخل المصرف لطلب قرض أو إيداع كمية من المال، تتوقف عن الفهم لأنك، أنت وغيرك، لا تفهم لغة المال؛ وتضطر الى توقيع أوراق مستندات عصية عن الفهم إلا لمختصين هم الذين صاغوها بالأساس. الموظف الذي يضع الأوراق أمامك للتوقيع هو أيضاً لا يفهمها. أما وفود الدول التي يحلو لها أن “تسافر” في وفود من أجل القروض و”المساعدات”، فهي أيضاً لا تفهم، وعلى الأغلب لا تريد أن تفهم، وعلى الأغلب أيضاً يكون عقلها مشغولاً بما بعد الاجتماعات. ومن التجربة الشخصية، حين سُئِل ممثلو البنك الدولي، قبل التوقيع على قرض ما، عن طريقة إيفاء القرض بموجب “سلة عملات” لم يعرف ممثلو البنك كيف وبماذا يجيبون. سألوا الأعلى قدراً في هرمية المصرف ولم يأتهم الجواب. على كل حال وُقّع القرض. وُقّعت أوراق القرض رغم كل ذلك. لم يكن القرض اختيارياً في قبوله أو رفضه لدى البلد المستدين. كانت الفرحة عارمة في البلد المستدين. وتم التصريح على أجهزة الإعلام المسموعة الرسمية، أن القرض كان دون شروط إلا ما كانت الدولة المستدينة تنويه أصلاً. حتى “المشاريع” التي كانت مدرجة في لائحة القرض، كانت من اختيار البنك الدولي (بالتوافق طبعاً مع الجهات المعنية في البلد المستدين).

لكن الأهم من كل ذلك هو “تدفق المعلومات”. ذلك عبر الانترنت والهاتف الذكي، والتلفزيون الذكي، والأفلام “غب الطلب”، و”تكنولوجيا الذكاء”. كل ذلك “الذكاء” يتدفق الى دماغ كل واحد منا بما يشبه الشلال أو الفيضان، ويحتل كل زاوية في وعي المتلقي حتى لا يبقى فيه مكان للذكاء الأصلي أو الطبيعي. المتلقي لا يفكر بالعقل الذي ولد فيه بل بعقل مستعار، بعقل مستدان. يصير التفكير ديناً عليك لا لك. أنت تفكر إذا أتيح لك ذلك، بعقل غيرك. وعندما تغيّر الاستثمارات اتجاهها وتتدفق الى الخارج بعد التدفق الى الداخل، يخرج معها العقل والوعي، والسياسة بكل تأكيد، وكل ذلك دين لغيرك ولغير بلدك.

فيض المعلومات هو في الوقت نفسه فيض الرقابة. أنت لا تتلقى وحسب، بل أيضاً تعيد وعيك وسلوكك الى المصدر الذي ينبع منه؛ مثل رد الديْن. يراقبونك باستمرار يعرفون عنك كل تفاصيل حياتك. يعرفون ماذا تأكل، ماذا تلبس، أي سيارة تركب، كيف تنتخب، وكيف تفكر. المعلومات التي ضخوها في دماغك صارت وعيك. يعرفون وعيك وسلوكك في المستقبل اجتماعيا، وسياسياً، واقتصادياً. تعتقد أنك شخص مستقل له حياته الخاصة وقراراته الشخصية. كل ذلك وهم. أنت منذ اللحظة الأولى التي تتعامل فيها مع الآلة الذكية تخضع لخوارزمية تحللك وتجمع معلومات عنك. يبيعها أصحاب المنصة أحياناً، بل في أكثر الأحيان، تصير أنت سلعة، أو شبه سلعة، على الانترنت. كل شيء سلعة. حتى الكورونا يعتقد كثير من الناس أنه سلعة.

يعاد تشكيل وعي البشر من خلال مراكز معدودة في العالم. حكام العالم النيوليبراليون يسرون جداً للنتائج. مؤسساتهم ضخمة، ودائعها ضخمة. الودائع عقول الناس ووعيهم. النتائج المالية مثيرة. يكفي نشر الشتائم والشتائم المتبادلة على منصاتهم الالكترونية كي تبدأ حرب أهلية في بلد ما، خاصة البلدان التي تكثر مقدساتها.

السؤال المهم هو كيف الخلاص من هذا النظام؟ كيف الخلاص من هذه الامبريالية الجديدة؟ وكيف تنشأ الثورات. وقد حصلت ثورات رغم قبض تكنولوجيا المعلومات على مصير البشرية. ربما كان الأمر أن الثورة لا تحصل إلا وتكون مفتعلة، أي لأهداف مخفية، أو أنها تحدث عندما يرتكب أحدهم خطأ مميتاً. لا نظام في العالم خال من الثغرات.

ما كنا نتحدث عنه عن أممية الطبقة العاملة كان أممية دوافعها مادية وشعاراتها ايديولوجية؛ الآن ما نتحدث عنه هو سيطرة ايديولوجية ذات أثار مادية. أممية النيوليبرالية لا يمكن أن تكون إلا من أجل القديم الجديد للرأسمالية وهو تراكم الثروة.

لا زالت الثورات تحدث. لكن أثارها مميتة. بقدرة قادر تحولت ثورة 2011 العربية الى حروب أهلية مدمرة، وكأنها عقوبة تنزل بالعرب لأنهم تجرأوا على النظام المحلي وعلى النظام العالمي.

إذا أردنا التفكير في أشكال النضال المقبلة فهي لن تكون ضد الاستغلال المادي وحسب، بل ضد تحويل البشري الى سلعة. ضد سوق النخاسة الجديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024