الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ضرورة نقد الفكر السياسي والاجتماعي للنخب

جلال الصباغ

2020 / 8 / 8
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


دائما ما نقرأ أو نسمع عن ذم الايدولوجيا وأهمية أن "يرتقي" الفرد بفكره ونقده فوق هذه الايدولوجيا، وهذا الأمر مرتبط بالدرجة الأولى بمجموعات من المثقفين والأكاديميين الذين يصورون أنفسهم خارج أية أيديولوجيا.

في البدء تتكون كلمة ايديولوجيا من مقطعين "idea" وتعني فكرة، و"logos" وتعني علم أو دراسة. وعند تركيب اللفظين يصبح المصطلح "علم الأفكار" وقد فرق عالم الاجتماع كارل منهايم بين نمطين من الايدولوجيا هما:
الايدولوجيا الخاصة التي تتعلق بمفهوم الأفراد و تبريراتهم للمواقف التي تهدد مصالحهم الخاصة؛ والايدولوجيا الكلية التي تتعلق بالتفكير السائد داخل الطبقة أو الحقبة التاريخية، كما هو الحال لنمط التفكير السائد لدى البرجوازية أو البروليتاريا.

وتعرف الايدولوجيا على إنها مجموعة الآراء والأفكار والعقائد والفلسفات التي يؤمن بها شعب أو أو حزب أو جماعة بشرية.

بالعودة لفكرة ذم الايدولوجيا عند البعض فهي نابعة في جوهرها، من محاولة للابتعاد عن المجتمع والمحافظة على مسافة بين الفرد وبين عامة الناس عن طريق تصوير البعض لأنفسهم على إنهم فريدون ولا يشبهون أحدا! وليست قدرتهم الوهمية على الخروج من الايدولوجيا كما يدعون.
يأتي المثقف اللا ايدولوجي هذا راغبا بتغيير العالم عبر مقال أو كتاب أو قصيدة، صابا جام غضبه على كل من يتكلم أو يفكر أو يكتب وفق منهج معين وتحديدا المنهج الماركسي، معتبرا التفسير وفق هذه الايدولوجيا شر مطلق، بالذات إن تعلق الأمر بالسياسة. وبأحسن الأحوال فأنه يساوي بين الجميع بضربة واحدة، هكذا بكل بساطة يتساوى النقيضين وتختفي الاختلافات. عند هؤلاء الكل مسؤولون عن الخراب، كما إن الكل مسؤولون عن الخلاص من هذا الخراب. لا فرق بين أصحاب الفكر والسياسة التي تتبنى قضايا الجماهير، وبين من يحكم ويقتل وينهب. لا يميز أمثال هؤلاء بين شيوعيي النظام الذين جائوا مع الاحتلال وتحالفوا مع منتجاته الطائفية والقومية وبين الشيوعيين الذين وقفوا بالضد من العملية السياسية وتبنيها لنهج الخراب والتدمير، هؤلاء الذين يحمّلون الجماهير مسؤولية ما يحصل ويجلدونهم ليل نهار ويتهمونهم بأنهم من سمح ويسمح للسلطة بأن تظلم وتضطهد، لتتساوى الضحية مع الجلاد، فالجميع سواسية بحسب هذه الايدولوجيا- اللا ايدولوجيا! فهم يقفون في اللامكان الذي هو مكان وموقع البرجوازية.

إن هذا الفكر في محصلته النهائية يصور الطائفية والقومية والعشائرية وأشباهها، - حتى وان كانت تعمل وتمارس نفوذها في بلدان ومناطق محددة- على إنها قدر هذه البلدان الحتمي. الجواب جاهز لدى هذا الصنف من المثقفين. ببساطة نحن مختلفون، فالعراق أو لبنان أو سوريا لها خصوصية. الخصوصية تخلصهم من التفكير والتحليل والتعمق، ولأنهم عاجزون عن التفكير بفعل مصالحهم وكسلهم في ذات الوقت، فمن السهل التخلص من "وجع الرأس" بتفسير ظواهر اجتماعية سياسية بكلمات ومصطلحات مثل "طبيعة المجتمع العراقي" أو "فرادة المجتمع اللبناني" أو "الشخصية العراقية"، أو "العقل العربي". مثل هؤلاء دائما ما يستحضرون التاريخ ليؤكدوا للناس عبر حوادث حصلت في فترات مختلفة ومع ظروف مختلفة ليقولوا أن المجتمع هو ذاته دون تغيير منذ عشرات القرون، فهو لا يتغير ثابت ومتجمد عند مرحلة معينة، ولا تأثير للأوضاع الاقتصادية والسياسية.

إن هذه الايدولوجيا - اللا ايدولوجيا تتبنى إلى حد كبير أساليب التفكير الديني الغيبي الذي يأخذ ببعض الكليشيات على إنها حقائق مطلقة دون نقد أو تمحيص، فهم كما رجل الدين مستعد لان ينقض كل العلوم والحقائق إذا ما تقاطعت مع آياته. ففي نظرتهم للتاريخ على سبيل المثال، يبقى "العراقي" قبل عشرة قرون هو ذاته "العراقي" خلال السيطرة العثمانية وهو ذاته خلال الاحتلال الانكليزي. بل إن بعضهم يحاول أن يجد مشتركات بين السومريين والبابليين وبين سكان بغداد والجنوب ويحاول أن يماثل بين سلوكياتهم وأخلاقهم وأفكارهم، وهذه الرؤية المتحجرة إنما تعني وفق هذا المنطق التثبيت على صفات معينة مثل العدوان او العنصرية أو الطائفية أو الكرم أو غيرها ، ليؤكد عجزه على النظر بمتغيرات وظروف كل مرحلة وطبيعة الصراع الذي يحكم أية فترة زمنية. عند هؤلاء التاريخ واقف في مكانه لا يتحرك. وهنا تتحول هذه اللا ايدولوجيا إلى ايدولوجيا برجوازية بامتياز.

وفق هذا المنطق؛ الطائفية والتعصب والبداوة جزء من الجينات وهي قدر محتوم ولا حل إلا بالاعتراف بسيادة الطوائف والقوميات والعمل على التوفيق بينها وخلق نوع من التعايش المر، وكأن قسم من الشعب آت من زحل والآخر قد نزل من كوكب المشتري! أو أن بلدان وشعوب الأرض الأخرى تختلف جذريا عن من يعيش في العراق أو سوريا أو غيرهما، هكذا يجمّد هذا النوع من الفكر التاريخ ويجوهر الصفات.

لا نجد عند هذا الفكر تأكيد على جوانب الصراع الحقيقي داخل المجتمع وحتى وان وجدت، فأنها دائما ما تكون هامشية أو نتيجة للاختلافات العرقية والطائفية والشخصية، هكذا تنقلب الأشياء رأسا على عقب، فليست السياسة ومن خلفها الاقتصاد هي من تنتج الطائفية والقومية والأخلاق بل العكس! وليس التفاوت الطبقي وما ينتجه من صراع هو المتحكم بمسيرة التاريخ، إنما من يتحكم بالتاريخ هم القادة والأشخاص والحوادث، ولا ما تقوم به السلطة من توظيف للدين والقومية والطائفة من اجل ضمان هيمنتها هو السبب الحقيقي في نشر وتعميق هذا الفكر إنما السلطة الطائفية والقومية والعشائرية هي نتيجة لطبيعة المجتمع المنقسم طائفيا ودينيا وقوميا.انه منطق الفكر الذي يسير على رأسه وليس على قدميه.

هكذا إذن يحاربون الايدولوجيا من موقع إيديولوجيا السلطة والنظام وليس من موقع نفي الايدولوجيا. إن بؤس وعبثية وسطحية هذه التفسيرات تلاقي رواجا في أوساط المجتمع ويعود السبب في ذلك لغياب التفسير النقيض او تغييبه في ظل هيمنة مطلقة لكل الوسائل والأدوات، فالصحف والفضائيات ودور النشر ومراكز ألأبحاث والجامعات، وغيرها من المؤسسات المسيطر عليها من قبل السلطة البرجوازية، أدوات لزرع هذا الفكر والترويج له. والسبب الآخر المهم هو ترك هذه التفسيرات دون رد بحجة أنها لا تستحق من يرد عليها. ومن الأسباب أيضا هو انزلاق الكثير من مفكري ومثقفي الماركسية لمواقع الفكر البرجوازي المسيطر، بفعل انزلاق تيارات وأحزاب ينتمون لها لهذه المواقع. هذا الأمر جعل هذا الفكر الضحل يتغول ويعيش الغرور والنرجسية الفارغة.

لقد أعطى مفهوم الحقيقة النسبية لهؤلاء المثقفين الحجة في ان يجعلوا كل شيء نسبي فلا حقيقة عندهم، وما دامت الأمور كذلك فلا بأس من أن نضع نظرية دارون في التطور والارتقاء في نفس الخانة مع ترهات وخرافات رجال الدين! أعطت هذه النسبية الفرصة لهؤلاء السطحيين من إبداء آراءهم المصطبغة بصبغة علمية زائفة، وهي في جوهرها رؤية عبثية سحرية تدور في الفراغ. تخدم بوعي منهم أو بدونه القوى البرجوازية الحاكمة والمسيطرة في المجتمع، وما دام الأمر كذلك فليحافظوا إذا على فرادتهم وتميزهم الذي توفره لهم هذه الايدولوجيا.

إن نقد هذه التصورات وفي هذه المرحلة الانتقالية التي يشتد فيها الصراع بين الجماهير والسلطة، سواء في العراق أو في المنطقة اجمع، أمر في غاية الأهمية. فمع انتفاضة أكتوبر في العراق التي زعزعت الثقة بكل ما نتج وينتج عن سلطة الإسلاميين والقوميين وشركاؤهم، بالتزامن مع انتفاضات لبنان وإيران، والاضطراب والحروب التي تعيشها ليبيا واليمن وسوريا، يغدو النقد هنا ضرورة ملحة من اجل كشف وتعرية كل التيارات السابحة في فلك البرجوازية، حتى وان لبست ثوب المعارض والإنساني والعلمي، لان وظيفة هؤلاء هي خدمة السلطة الممثلة لطبقة معينة والتابعة للرأسمالية العالمية، لذلك نجدهم ضيوفا دائمين على فضائيات النظام وصحفه وجامعاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز