الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوية الفرد فى مواجهة القطعنة

كريم عامر

2006 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


فى اللحظة التى سيتخلى فيها الناس - طوعا - عن أقنعتهم ، ويدققون فى تفاصيل بعضهم البعض التى كانت غير منظورة لهم ، سيدركون وقتها حجم غفلتهم وغبائهم عندما أضرموا نيران الصراعات العنيفة بينهم وبين إخوانهم من البشر لأجل خلافات طبيعية فى ثقافاتهم أو أساليب حياتهم أو سبل تفكيرهم ، منحوها أكثر مما تستحق ! .
فكلنا بشر ، متساوون تماما فى طبيعتنا البشرية ، ونحن - على إختلاف ميولنا ومشاربنا - ننتمى إلى أصل واحد ، فقد خرج أجدادنا الأوائل من رحم إمرأة عاشت وماتت فى عصر ولى وإنقضى ، وكانت هى الكائن البشرى الأول المتطور عن أسلاف له غير بشر ، وإن كان هناك ثمة إختلافات بيننا فى لغاتنا أو معتقداتنا أو إنتماءاتنا الجغرافية أو أصولنا القبلية أو إتجاهاتنا السياسية فهى لا تصنع سوى هوياتنا الذاتية التى تختلف من شخص لآخر ولا تتعارض - فى كافة الأحوال - مع الهوية التى تضم الجماعة البشرية تحت مظلة الإنسانية .
فالأصل أن نكون مختلفين ، والصُدَفُ - وحدها - هى التى قد تخلق فى الظروف الطبيعية تشابها أو إتفاقا بين كائنين بشريين فى صفات ما ، ولكن من المستحيل أن توجد هذه الصدف فى الظروف العادية تطابقا تاما - بنسبة مائة بالمائة - بين فردين ممن ينتمون إلى الجنس البشرى .
وفى ذات الإطار ، فإن إدعاء توافق وجهات نظر أفراد جماعة بشرية ما حول شأن معين ، أمر يدخل فى دائرة الشذوذ المقصود والمجافاة العمدية للطبيعة ، لأن حدوث ذالك منوط بفرض هذا التوجه قسرا على هذه الجماعة من قبل أصحاب المصلحة فى ذالك وهم غالبا ذوى السلطة والمال والنفوذ فى هذا المجتمع ، وهم يهدفون عن طريق ذالك إلى فرض سيطرتهم على الجماعة البشرية وقطعنتها لتسير بأمر الحاكم فى الطريق الذى يدفعها فيه ، وفى هذا ما فيه من طمس لهوية الإنسان - الحقيقية - الفردية التى يكتسبها من خلال تفاعله إيجابا أو سلبا مع البيئة المحيطة به من خلال قبوله أو رفضه لبعض القيم والمفاهيم ، وإيمانه أو كفره ببعض الأفكار والمعتقدات ، وإتيانه أو إجتنابه لبعض العادات والسلوكيات .
ولا تخلو عمليات القطعنة تلك من محولات تبرير منطقى من قبل من يفرضونها ، فنجدهم يزعمون أن هذا هو التوجه الحقيقي لمجموع الأفراد متذرعين أن غالبيتهم العظمى تدين بدين ما ، أو أنهم يتفاهمون بلغة ما ، أو أنهم يعيشون داخل إطار جغرافى ما ، أو غير ذالك من الحجج والذرائع الواهية التى تساق بهدف إلغاء الفرد لصالح التنظيم الإجتماعى وتبرير القطعنة لتحقيق مصالح فئة لها مصلحة فى ذالك ، فبدلا من أن تصبح لكل إنسان هويته الفردية الخاصة يتحول الجميع إلى قطيع يدين بدين ما ، أو قطيع ينطق لسانه بلغة ما ، أو قطيع تتحدد هويته بوجوده داخل إطار جغرافى ما ، أو قطيع تتجمع فيه كل الصفات السالفة الذكر ! .
* * * * *
الدين كهوية :-
ــــــ
إيمان الفرد علاقة خاصة بينه وبين إلهه ( إن كان يؤمن بإله ) ، ولذا فإنه يندرج تحت بند الهوية الفردية للإنسان ، مما يعنى أنه لا يمثل هوية تضم تحت لوائها العديد من الأفراد ، وإن كان البعض يرى أن الدين يمثل هوية لمجموعة الأفراد الذين يعتنقونه ، فإنه يُرَدُ عليهِ بأن فهم المؤمنين لتعاليم دينهم تختلف بصورة كبيرة بين أتباع الديانة الواحدة ، بل لا أكون مبالغا إن قلت أن ذالك يختلف من فرد لآخر ، وأنه إذا أخذنا فهم كل فرد لدينه - تفصيليا - بعين الإعتبار سينتج لنا عن ذالك كمَّاً هائلا من المذاهب المختلفة التى يدعى أصحابها أنها تنضوى تحت لواء دين واحد ، بل لا أكون مغاليا إن زعمت أن هذه المذاهب الدينية سيقدر عددها بإجمالى عدد المؤمنين بهذا الدين .
فقلما تجد إنسانا يفهم دينه - تفصيليا - كما يفهمه زميله فى العمل أو زوجه فى المنزل ، بل حتما ستجد إختلافات قد تصل إلى مرتبة أن تصبح جوهرية ، وقد تصل إلى الإختلاف حول أصل الدين وطبيعة الإله الذى يؤمن به أتباعه .
الأمر الذى يدل بوضوح على أن الهوية الدينية - إن وجدت - تختلف من فرد لآخر ، بل ربما يختلف فهم الفرد لدينه من لحظة لأخرى ، وعلى هذا فإن الدين لا يعد هوية ينضوى الناس - طوعا - تحت لوائها ، فهو بهذا المفهوم ليس سوى علاقة خاصة جدا بين الإنسان والكائن الغيبى الذى يؤمن به كإله على حسب فهمه لطبيعة هذا الإله وقدراته ، وعلى درجة إيمانه به وفهمه لتعاليم الدين الذى يدفعه إلى ذالك .
* * * * *
اللغة كهوية :-
ــــــ
أوجدت اللغة حاجة الإنسان الماسة للتفاهم والتفاعل مع من حوله ، فاللغة ليست سوى وسيلة لفهم الآخر والتعامل معه ، ولا يعد إختلاف اللغات التى تتحدثها الشعوب المختلفة ذا دلالة على أن اللغة هى إحدى الهويات التى ينتمى إليها مجموعة من البشر ينطق لسانهم بها بقدر ما يعنى أن ظروفهم وحدها هى التى جعلت من هذه اللغة وسيلة لتفاهمهم ، فالطفل يولد مجردا تماما من كافة مهارات التفاهم والتفاعل مع من حوله ، ثم يبدأ فى إكتساب هذه المهارات من محيط أسرته التى ينشأ كفرد من أفرادها ، وعندها يصبح ناطقا بلسانهم ، وإن نشأ نفس الطفل لدى أسرة أخرى تتحدث لغة أخرى فإنه بالضرورة سيصبح ناطقا بلغتها .
وفى عصرنا الحالى ، ومع تداخل المفردات والتعبيرات اللغوية بعضها ببعض ، وبعد أن أصبحت الإنجليزية فى حكم اللغة السائدة ، وأضحت عمليات الترجمة بين اللغات المختلفة أمرا بالغ اليسر بفضل وسائل التكنولوجيا الحديثة ، بدا جليا أن اللغة ماهى سوى وسيلة للتفاهم بين البشر ولا تمثل هوية لمجموعة أفراد ينطق لسانهم بها .
ومن أكثر الشواهد توضيحا لطرحى هذا لغة الإشارة وتعبيرات الوجه التى يتفاهم بواسطتها الصم والبكم فى شتى أرجاء العالم بأسلوب واحد دون وجود لهجات مختلفة لها كما هو الحال مع اللغات اللسانية ، فنجد الأصم الذى ولد ونشأ فى مصر يتفاهم بكل يسر وسلاسة مع نظيره الذى يقطن جزر الملايو ، فى الوقت الذى يصعب فيه على المصرى الصحيح التفاهم مع أهل هذه البلاد بلغتهم ، وهو أمر ذو دلالة جلية على أن وسيلة التفاهم تدخل تحت إطار هوية الإنسان الفردية ، لأنها تتبع ظروفه الخاصة التى يدخل ضمن إطارها المجتمع الذى نشأ فيه ومدى إستجابته للمؤثرات من حوله ومدى قدرته على التفاعل مع من يعيشون معه .
* * * * *
الهوية الجغرافية - الوطن كهوية :-
ــــــــــــــــ
لم تتوقف حركة الهجرة على مر التاريخ ، وإن كان إكتشاف الإنسان للزراعة وملكيته للأراضى قد ساعدا على إستقراره فى مكان ما إستوطنه وعاش فيه ، إلا أن ذالك لا يعنى توقف حركة الهجرة ، فالبحث الدؤوب عن المكان الملائم لسكنى الإنسان والبعيد عن كل ما يهدد حياته أو يعكر صفوها قد دفعه إلى الهجرة من مكان إلى آخر طلبا لظروف معيشية أفضل وهربا من بطش الحكام وبغيهم وإضطهادهم لكل من يختلف معهم أو يبرز بمواقف معارضة لهم .
وكما أن حركة التاريخ لم تتوقف يوما ما ، فإن التغيرات المناخية وحركة الظواهر الطبيعية لم تتوقف هى الأخرى ، ولقد كان لهذه الأخيرة دورا حاسما فى دفع الناس إلى الهجرة بحثا عن مكان آخر ملائم للعيش بعد أن تطاردهم الأخطار الطبيعية الناتجة عن الزلازل والبراكين وغيرها من ظواهر الطبيعة التى تهدد الحياة فى المناطق التى تحدث فيها .
كما لا يفوتنى هنا أن أذكر أن الحدود السياسية التى ظهرت خلال القرنين الماضيين لتمنع مواطنى أى دولة من المغادرة إلى دولة أخرى دون تصريح مسبق هى من صنع الساسة ، مما يعنى أن وطنية الإنسان مفروضة عليه من الحكام المسيطرين على المنطقة التى ولد بين أسلاك حدودها الشائكة .
وعلى هذا فإن الهوية الجغرافية هى الأخرى تندرج تحت مفهوم الهوية الفردية ، حيث أن الإنسان يجاهد فى سبيل العثور على مكان ملائم لحياته ، حتى وإن فشل فى الوصول اليه ، فإن إختياره - فى حد ذاته - يعد تأكيدا لرفضه الحياة فى المكان المفروض عليه ، الأمر الذى يؤكد المعنى السابق ، ويترتب على ذالك أن تصبح الوطنية هى الأخرى مفهوما زائفا للهوية يزول تماما بزوال عوامل الجذب نحو المكان الذى يتمتع الإنسان بمواطنته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254