الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آن الأوان لإزاحة الأقنعة عن الوجوه..

عماد يوسف

2006 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


منذ انزياح قوى اليسار العالمية عن تأثيرها المباشر في الاستقطاب الدولي، وتوقفها عن لعب دور الضابط لوحشية القوى الرأسمالية العالمية، التي طورت أدواتها وشكلت قيادة بديلة تضم ثمانية دول تتحكم بمصير العالم أجمع ، منذ ذلك الحين والحروب ما فتأت تندلع هنا وهناك في أرجاء المعمورة، وبدأت النزاعات العنصرية والقومية الشوفينية والصراعات المذهبية تدمر الكثير من القيم والمبادىء التي أنتجتها البشرية خلال مئات السنين من نضالاتها التاريخية، وكان هدفها الوصول بالبشرية إلى حالة أسمى مما هي عليه اليوم، لكي ترأب الصدع أو الشرخ الموجود بين نزعات الإنسان الوحشية وفكره الإنساني الذي يقوم على حب الآخر، وقبوله، وتقاسم العيش المشترك معه ..!
يمكن في هذا السياق تقديم آلاف الأمثلة على ما تنتجه هذه القوى من آثار القتل والتدمير، والتي تشرعن وتقونن فن القتل، وكيف يمكن أن تبيد الآخر، أن تلغيه، كل آخر لايتفق معها بالرؤية والرأي، بالإرادة والرغبة، ولا يتفق بأن يكون تابعاَ لنزواتها وصراعاتها وتحالفاتها . يأتي ذلك كله تحت عناوين كثيرة، بإسم حقوق الإنسان تارة، والديمقراطية تارة أخرى، وبتجميل أوطان بعض الشعوب القاطنين فيها حيناً آخر، بذريعة أنهم الأوصياء على هذه الشعوب ومصائرهم وحياتهم البائسة التي يسعون من أجل تغييرها لهم إلى حياة رغيدة، تنعم بالديمقراطية من جهة ، وبسحق الآخر الضعيف المعدم من جهة أخرى ..؟
قد نفهم في لحظة من لحظات الخنوع المرّ للواقع العالمي المعاش، بأن القوي هو من يفرض شروطه، وهو الذي يضع جملة القوانين والتشريعات التي تحكم العالم وتتحكم بقدرته، وطاقاته، وامكاناته البشرية والعسكرية والاقتصادية، بل وحتى الثقافية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد هو التالي : لماذا لا تكشف هذه القوى أقنعتها، وتصرّح بالفم المليء بأنها الأقوى، وأن لها في حكم العالم كل الشأن والصلاحية وتريد أن تحكمه بشريعة الغاب، ولماذا لا تقول بأنها تريد الحياة فقط لهؤلاء الذين يملكون المال الذي هو المحرك الجوهر لوجودهم البشري، بدلاً من المواربة والكذب والرياء واستخدام أدوات الرسل والأنبياء والقديسين في السيطرة على العالم، بحجة نقله من حال إلى حال، من القمع إلى الديمقراطية، ومن الحقوق المهدورة إلى صيانة الحقوق في كل الأرض والمعمورة، وربما لو فعلت ذلك وطرحت خطابها الاستعماري لكان هناك الكثير من الناس تتقبل هذا الخطاب أكثر، وترى فيه شيئاً من العدالة يفتقدها البشر في يومنا هذا، فإذا ما طرحت قوى الرأسمالية الامبريالية منطقها في السيطرة والتدمير والقتل تحت مسمى أنهم الأقوى ولهم الحق في تسخير البشرية لمصالحهم، لكان هذا لعمري أكثر عدالة من أن يأتون الناس بعباءة الحريات والديمقراطيات المغّمسة بدم الأطفال والنساء والشيوخ والناس العزّل . هكذا تصبح الصورة أوضح، والرؤية أجلى، وتبدأ شعوب العالم الضعيفة والمستضعفة والمسحوقة الفقيرة بسبب القذارات البشرية التي ارتكبتها الرأسمالية خلال تاريخها المديد من عمر البشرية ، تبدأ ببناء ذاتها ومقدراتها ومجتمعاتها على أساس هذا الصراع الأزلي بين قوى الخير وقوى الشر، وبين مفهوم الحق ومفهوم الباطل الذي أصبح مستشرساً اليوم في تصيده للمناهضين له،" أي مفهوم الباطل" وهذا ليس بالسفسطة ، وليس لبوس في كلام لا يجدي نفعاً أو خيراً ، بل هو من عمق التراث الإنساني الذي يمتد آلاف السنين ، فالوصايا العشرة التي أتى بها كل الأنبياء كانت البذرة الأولى لقيم الحب والعدالة والإنسانية الحقّة ..! وامتدت طويلاً حتى لامست الكثير من قيم عصر التنوير الأوروبي الذي تجلى في مبادىء الثورة الفرنسية و النتاج الفكري الإنساني الذي أنتجه مفكروا ذلك العصر، ولكن هذه القيم بدأت بالتراجع بدلاً من التطور قدماً لصالح خدمة أهداف البشرية في الإزدهار والنماء ، وبدأت عصابة قليلة من رعاة البقر وأباطرة النفط والمال بالإزدراء بهذه القيم ودحرها وتدميرها في بنية العقل الإنساني على جميع المستويات، وبكافة الطرق والأشكال، فمن لم يخنع بالمال والغزو الثقافي والفكري، كانت له الحرب بالمرصاد، تخضعه وتكم فمه مانعين عنه حتى الحق في الصراخ، أو الاحتجاج ، وعليه أن يقبل تقديم الأضاحي من أطفال ونساء وأرض وشعب بسبب قصوره الحضاري عن فهم الآخر الديمقراطي العتيد والإنصياع له..؟؟!
هذا هو عالم اليوم، نتاجات غزيرة من الفكر الإنساني الجميل ذهبت و إندثرت في كواليس أسياد الحرب والقتل، قيم كثيرة ازدهرت في عصور البشرية الغابرة، أنبياء ورسل، مفكرين ورواد نهضة، وفلافسة يسمون بالعقل البشري إلى قيم الحبّ والخير، كل هذا اندثر كما الريح الجنونية في بنادق هؤلاء الذين يدّعون الديمقراطية ويبشّرون بها، ولا يقبلون أي صوت مغاير لديمقراطيتهم التي فصلت على قياس مصالحهم ونزعاتهم الاستعمارية والاستعبادية للشعوب الأخرى من هذا العالم البائس، لقد آن الأوان كي يزيحوا القناع عن وجوههم، وآن الأوان أن يتعاطوا مع البشرية بوجههم الحقيقي، الذي يجسد قيم الدم، والقتل، وشريعة الغاب . ولتبنى المعارك والحروب على هذا القانون الحق، وعلى مبدأ أن نكون أو لا نكون ..؟؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في