الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إذا كانت الحرائق لم تنرها

لبنى حسن

2006 / 7 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


"نورت مصر" جملة رددها عدد كبير من الفنانين و المشاهير في إعلان ترويجي عن السياحة في أم الدنيا, لم تكن مساحة الإعلان مخصصة لعرض الأماكن السياحية بقدر ما كانت تستعرض المشاهير أنفسهم و كل منهم يردد على حدا جملة "نورت مصر", شاهدت الإعلان الذي أنفق عليه الملايين- أو فلنقل أهدرت عليه الملايين - عدة مرات و لكن في كل مرة كانت النتيجة واحدة...لم استطع التركيز للنهاية فكلما سمعت احدهم يردد عبارة "نورت مصر" قفزت فورا إلى ذهني مصر!!!

كلما حاولت التحديق في شاشة التلفزيون لمتابعة الإعلان تتداخل أمامي مشاهد أخرى لمصر...مصر التي يضطهد و يعذب فيها المواطنون..التي تنهب فيها الملايين بل قل المليارات ليعيش شعبها على الفتات, و قد شاهدنا مؤخرا مواطن يبكى أمام كاميرا احد الفضائيات من زيادة أسعار المواصلات أو للدقة البنزين الذي اثر على أكثر من 52 صناعة ليرفع متوسط الأسعار المرتفعة أصلا على المواطن محدود- و بلاش معدوم - الدخل..المواطن الذي صار وجهه مرآه تعكس كم الأعباء و الهموم التي تراكمت عليه بفضل حكوماته الرشيدة ذات السياسات المجيدة و العواقب غير الحميدة...تداعى إلى ذهني العيون الزائغة و الوجوه البائسة التي ألقاها و لو بشكل عابر أينما سرت في شوارع المحروسة...تذكرت المشردين ساكني الشوارع من أطفال و بالغين, الذين نشاهدهم ينبشون القمامة ليقاسموا القطط فتاتهم..تذكرت عدم الشعور بالأمان في الشوارع, فإما سرقات أو معاكسات أو مضايقات من اى نوع...طبيعي.. و ماذا ننتظر و هل وفرَ لهم البديل؟ بين شباب عاطل و كهول محبطة..شباب بكل ما فيه من طاقة و قوة و حيوية لا يجد لنفسه مكان سوى على المقاهي مع أرباب المعاشات و حتى تلك ضاقت بهم عندما خوت جيوبهم فلم يجدوا سوى التسكع في الطرقات بعد أن باتوا يمثلوا عباً على الأسرة التي تعانى هي الأخرى..هؤلاء هم الأسر و الشباب الذين عانوا الأمرين في مواجهة كابوس الثانوية العامة بكل ما تعنيه من تخبط و ما تبعها من دروس خصوصية و مصاريف و توترات و ما لحقها من صراع على مقعد في جامعة منهارة لا تقدم سوى حطام أو أطلال تعليمية لا تنافس أو ترقى إلى مصاف الجامعات العالمية حيث صارت شهاداتها كرخص قيادة محلية!

و كيف ينصلح الحال و قد تم تطفيش الكفاءات, و من أين إذا كانت الأموال و هي للحق كثيرة في خزانة مخرومة لها "مصب" ذو اتجاه واحد فقط... نعرفه؟...الأموال التي كانت ستوفر تعليم جيد المستوى و فرص عمل و بالتالي حياة طبيعية كتلك التي تؤدى إلى تكوين بيت و أسرة طار اغلبها إلى الخارج و أهدرت على القصور و الطيارات الخاصة لأصحاب المقام الرفيع, ناهيك عن الأموال التي تبتلعها مؤسسات حماية المصب!..فكم من الأموال تتكلف آلات التعذيب و التجسس و التصنت و تدمير مواقع النت و تكميم الأفواه..و طبعا تعرفون كم هم ماديون و جشعون أشاوس فرق الكاراتية و بلطجية المناسبات التعيسة.

مصر التي أتحاشى مجرد مشاهدة قنواتها الحكومية أو مطالعة صحافتها المسماة زوراًً و بهتاناً قومية...مصر التي اختنق كلما تذكرت حالها و يا حسرتي على شعبها المحكوم أو للدقة المرهون بالطوارىء.

مصر؟ اى مصر؟ هل هي مصر التي تراقب فيها التليفونات و الموبايلات و الانترنت و حتى أبناء الشعب من المشتبه في تورطهم بالمطالبة بالحد الأدنى من الكرامة أو المتهمين بالتفكير الذي يشكل خطراً ضخماً على الكبار حيث لا سمح الله قد يؤدى إلى الفهم بل و قد يستفحل خطره أكثر و ينتج عنه تفهيم الآخرين و توعيتهم و تحريضهم...على التفكير.

مصر التي شدت لها أم كلثوم "مصر التي في خاطري و في فمي أحبها من كل روحي و دمى"؟ هل هي نفسها مصر اليوم التي تسيل في شوارعها دماء أبناءها لو غامروا بالتعبير عن أنفسهم في مظاهرة سلمية دون أن يدركوا أن مجرد التعبير بالهتاف و لو عن قضية خارجية لا سياسة محلية قد حرم عليهم أيضا.

ييياه....مصر؟ التي تلفق فيها القضايا للأبرياء و يسحق فيها الفقراء و يخطف فيها الأبناء بينما يعلو شأن من يحرق و يغرق و يسرطن و ينهب و يبطش و يقمع و يشرد و ينتهك و يعذب و يظلم و ينصب و يهرب!

تذكرت عدد ضحايا حرائق القطار و مسرح بنى سويف الذي كان يكفى في اى بلد متحضر ليثور الشعب.. على نفسه.. لتصحيح الأوضاع و مواجهه منظومة الفساد, تباً لهذا الإعلان الذي جعلني أستعيد كل تلك الصور... كيف لأحد أن يستمتع بأجازة في بلد يعلم أن أكثر من 44% من شعبه تحت خط الفقر و لا أقول على الخط, من أين يأتي النور المزعوم تحديداً و الصحف تطالعنا بأن الآلاف محبوسين احتياطيا على ذمة قضايا انتهى فيها التحقيق, و 22 ألف معتقل ينتهكون و يتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب و 18 مليون إنسان (25% من السكان) يسكنون العشوائيات و المقابر ومساكن الإيواء و العشش و الأكواخ و الخرابات فيتعرضوا لانتهاكات و تعذيب من نوع أخر.

أكاد اسمع صوتا يحاول جذب انتباهي إلى الإعلان السياحي, محتجاً على شرودي في مآسي ماضي و حاضر و متسائلاً: ما الجديد و لما الآن بالتحديد؟ ا لم أكن أتقبل تلك الإعلانات السياحية ببساطة في الأعوام الماضية و التي لم يختلف فيها حال البلد كثيرا عن ما وصلنا إليه؟

لعل الجديد ليس في حال البلد بل في حالنا نحن..الجديد هو فقدان الأمل الذي كنا نعيش عليه..الأمل في الغد الذي اختفى آثره بعد أن كان له ضوء خافت نترقبه و نسير خلفه, لقد قضى على القضاة و خنق الصحفيين و كسر الشباب و هزم المواطن معنويا و تاه في دوامة الحياة و المشاكل التي تحاصره و التهديدات التي تتربص به...مهما انفقوا كل صيف ملايين على الدعاية و مهما أتوا بمشاهير و فنانين للابتسام و مهما كرروا على مسامعنا "نورت مصر" فستظل مظلمة... بنظامها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا