الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدونة الأحوال الشخصية السلطة الذكورية والهيمنة الطبقية - المغرب

خديجة رياضي

2004 / 5 / 18
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


 


 تقدم الأسرة خدمات كبيرة للبرجوازية في المجتمعات الرأسمالية. لهذا فهي تعتبرها النواة الأساسية للمجتمع . ففي الأسرة تتكثف علاقات الاستغلال و الاضطهاد  و التبعية المهيمنة على العلاقات الطبقية التي يتميز بها المجتمع الرأسمالي. و الأسرة مؤسسة إيديولوجية تعتمد عليها الطبقات السائدة لإعادة إنتاج ثقافة التمييز و القهر ، لتعطي المشروعية لعلاقات الولاء و الطاعة و الاستبداد الممارسة في الفضاء السياسي العام، و في علاقات الإنتاج بين مالكي وسائل الإنتاج و بائعي قوة عملهم.
 كما تعتبر الأسرة المجال الذي يوفر و يجدد قوة العمل التي تعتمد الرأسمالية على استغلالها لضمان استمرارها . و توكل للأسرة من أجل ذلك مهام الإنتاج الاقتصادي و العمل الاجتماعي دون الاعتراف بقيمتهما الاقتصادية التبادلية و اللذان من المفروض أن تتحملهما البرجوازية من خلال جعلهما عملية اجتماعية. وهكذا تساهم اسر الطبقات المستَََغَلَة في تراكم أرباح البرجوازية على حساب أفراد هذه الأسر الذين يقومون بهذه المهام وهم النساء في المقام الأول و الأطفال أحيانا.
 فمنذ أن تم تقسيم الأدوار بين الجنسين في إطار ما عرف بالهزيمة التاريخية للنساء، استولى الرجال على المجال العام و أقصيت النساء من عملية الإنتاج و أنيطت بهن عملية إعادة الإنتاج، و حوصرن في المجال الخاص و تشكل المجتمع البطريركي/الذكوري الذي وضع تراتبية اجتماعية بين الجنسين احتلت فيها المرأة المرتبة الدنيا.
لهذا، يعتبر بقاء المرأة في هذه المرتبة الدونية مسألة أساسية لاستمرار البرجوازية كطبقة، لأنها تستفيد من ذلك  بشكل مزدوج : فمن جهة تقدم لها المرأة خدمة باهظة الثمن دون مقابل ( حسب برنامج الأمم المتحدة للتنمية، ٌقّدر العمل المنزلي غير المؤدى عنه الذي تقوم به النساء في العالم سنة 1995  ب 11 مليار دولار، أي ما يناهز نصف الإنتاج العالمي الخام الذي وصل 23 مليار دولار). و من جهة أخرى توظفها في عملية إعادة إنتاج فكرها و تمريره عبر الأجيال بحكم موقعها داخل الأسرة. هذا، إضافة إلى تبضيع النساء و الاتجار في أجسادهن و كرامتهن الذي أخذ أشكال الاستعباد و تجارة الرق في إطار العولمة الرأسمالية.
إن الأدوار التي تؤديها المرأة داخل الأسرة حيوية بالنسبة للرأسمالية لا يمكن أن تستغني عنها. وفي مرحلة العولمة الليبرالية المتوحشة تم الارتكاز كذلك و بشكل أقوى على التمييز بين الجنسين و على الأدوار النمطية لكل منهما. لهذا توظف البورجوازية كل الوسائل للحفاظ على هذه الأوضاع و من أهمها   التشريعات التي تسنها الدولة .  و بالأخص قوانين الأسرة، أي مدونة الأحوال الشخصية بالنسبة للمغرب. فهذا القانون يلعب دورا كبيرا في إبقاء المرأة في مرتبة الدونية و التبعية الكفيل بجعلها أداة فعالة في خدمة مصالح الطبقة البورجوازية من داخل الأسرة.
إن قوانين الأسرة من القوانين التي تحرص البرجوازية كل الحرص على ألا تنفلت من قبضتها. و تعمل من أجل ذلك بكل الإمكانيات، من أبرزها توظيف العامل الديني لتمرير تصوراتها للأسرة خدمة لمصالحها. ذلك أن العلاقات الأسرية – أو بالأحرى – علاقة المرأة بالرجل بشكل عام، هي العلاقة الأكثر قابلية لإضفاء صبغة القداسة عليها، بحكم تداخل واجهاتها المختلفة و المتضمنة للعلاقة الحميمية التي تمس الأنا الخاص للرجل، كطرف مستفيد من وضعية اللاتكافؤ في هذه العلاقة . كما أن المقدس هو مجال مبني على الإطلاقية لا يقبل المنطق و الحجة و بالتالي خاضع للهيمنة البرجوازية و مكتسب من طرفها سلفا، مما يسهل تمرير مشاريعها خارج قنوات النقاش الديموقراطية.
إن الصراع الدائر حول قانون الأسرة بالمغرب يندرج في إطار الصراع بين مشروعين مجتمعيين متناقضين:
•        مشروع ديموقراطي متنور. يسعى إلى وضع قانون يضمن حدا أدنى من الكرامة للمرأة، في إطار أسرة قوامها المودة و الاحترام المتبادلين و العلاقة المتكافئة بين الرجل و المرأة المبنية على المساواة بينهما في الحقوق و الواجبات، عند عقد الزواج أو خلاله أو عند انحلال ميثاق الزوجية، واضعا حقوق الأطفال و مصلحتهم فوق كل اعتبار كما تؤكد على ذلك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. مما سُيَمّكن المرأة من الحد الأدنى من الحماية القانونية و الاستقرار و رفع الخوف و الوجل الجاثمين على صدرها باستمرار.
•        و مشروع رجعي و تراجعي يستهدف إبقاء المرأة في موقع الدونية و التبعية إعمالا لواجب الطاعة الذي يفرضه على المرأة لكونها خلقت لخدمة الرجل و أنها غير مؤهلة للقرار بما فيه ما يتعلق بحياتها الشخصية . و توضع المرأة موضع القاصر مدى الحياة، خاضعة لوصاية الرجل يمارس ولايته عليها حتى و إن كان ابنها بل أي رجل من عامة المسلمين. و كل هذا ما هو إلا غطاء إيديولوجي يتوخى استمرار الأسرة بمفهومها البرجوازي الرأسمالي، يخصص فيها للمرأة دور التابع الخاضع لأن تغيير موقع المرأة هذا يهدد بخلخلة بنى المجتمع الرأسمالي   المرتكز على الاستغلال الطبقي و على التوزيع النمطي للأدوار بين الجنسين داخل و خارج الأسرة أي اضطهاد النساء.
إن استغلال الدين لمحاصرة القيم الإنسانية و المساواة بين البشر و بين المرأة و الرجل بشكل خاص من مميزات الأنظمة الرجعية التي تستفيد من مجتمع يخضع نصفه لسلطة النصف الآخر و تخضع أغلبيته الساحقة لسلطة الرأسمال.
يندرج النظام المغربي ضمن هذه الأنظمة بصياغته لمدونة الأحوال الشخصية بين سنتي 1956 و 1957 التي طالبت بعض التنظيمات النسائية بتغييرها مباشرة بعد صدورها.  و إصراره - لمدة عقود-  على رفض أي تعديل لها و إحاطتها بهالة من القدسية و ترهيب كل من انتقدها بتهمة انتهاك شرع  الله.  بينما الواقع يفضح يوميا المآسي الاجتماعية و المعاناة الصارخة التي تطال النساء و الأطفال و المجتمع ككل من جراء تطبيقها.  و عندما اضطر النظام للتدخل في الموضوع ، سنة 1992 ، تحت ضغط التنظيمات الديموقراطية التي التأمت في إطار مجلس التنسيق الوطني لتغيير مدونة الأحوال الشخصية، كان ذلك بهدف احتواء و لجم تلك الحركة المطلبية و التي تَمََكَّن من إضعافها لسنوات. و في هذا الإطار قال أركون في إحدى محاضراته بباريس  في يونيو 1993 :
 إن الأنظمة السياسية تراقب الجمعيات و حركات الدفاع عن حقوق المرأة و تعمل على احتوائها، فأجهزة الدولة تعرف أن استمرار الأنظمة السياسية و الدينية رهين بإبقاء النساء في وظيفتهن التي هي إعادة إنتاج الأوضاع القائمة في المجال الخاص للأسرة، هذا ما يفسر أن المناضلات الأكثر جرأة لا يتقدمن في نقد ما يسمى "المقدس" و القيم التي تنبني عليها هذه الأنظمة و المصالح الدينية.
وحين طرحت من جديد مسألة مراجعة المدونة سنة 1999 في إطار مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ، تم اللجوء إلى نفس الغطاء الإيديولوجي لمناهضة أي تغيير لهذا القانون. و ما تعرفه الساحة السياسية من مستجدات لا يعدو كونه ناتجا عن بروز أحزاب جديدة، أو بالأحرى متجددة، دعمت موقف الطبقات البرجوازية في معاداتها لتحرر المرأة و مكنت النظام السياسي من التراجع عن المشروع و تأبيد واقع الحيف و الغبن تجاه النساء خدمة لمصالحها. و قليلة هي الإطارات التي فضحت  مناورة النظام هاته المتمثلة  في جر البساط من تحت أقدام المنظمات النسائية و طرح ملف المدونة على فقهاء  معروفين بمعاداتهم لحقوق المرأة. و قد سبق و عبروا عن ذلك مباشرة بعد صدور الخطة المذكورة و هي لا تضم إلا تعديلات طفيفة لمدونة الأحوال الشخصية قد لن تخرج النساء من وضع التبعية و التمييز و لكن قد تساهم في رفع شيء من المعاناة عنهن. ذلك أن العنف و القوة التي ووجهت بهما تكمن خلفيتهما في الوقوف ضد أي محاولة لإخراج هدا القانون من المجال الديني و يصبح بذلك شأنا عاما مثل باقي القوانين. و استعملت في تلك الحملة كل ما ُيَمّكن من حشد الناس و خاصة الترويج لكون التعديلات المقترحة مؤامرة أجنبية تقودها الصهيونية  تهدد الأمة و اتهام المؤيدين لها   بالعمالة و الخيانة  وصلت حتى إلى التهديد بالقتل و الدعوة إليه. و وظفت في ذلك المساجد أكبر توظيف و هي مؤسسات تحت مسؤولية الدولة.
 إن الصراع الدائر  حول مضامين مراجعة مدونة الأحوال الشخصية جزء من نضال الشعب المغربي من أجل الديموقراطية و حقوق الإنسان، بل هو أصعب واجهات هذا النضال. فقد عبر أركون في نفس المحاضرة المشار إليها آنفا على  "أن العنف الثوري هو الذي أزاح سلطة الكنيسة في أوروبا لصالح السلطة الشعبية، إلا أنه حين تم الدفاع عن حقوق الإنسان و المواطن لم يتم وضع موضع المساءلة المجال الخاص للأسرة إذ استمرت فيها مختلف أشكال الهيمنة و العنف التي تنفلت كليا لتدخل القانون" . فماذا سيكون الحال بالنسبة لمجتمعات لم تعرف بعد دولة الحق و القانون؟ و أية تعسفات ستمارس داخل الأسرة باسم المعتقدات و التقاليد و الرجولة...؟
إن المطروح على الفئات المناضلة من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية بما يضمن المساواة بين الرجل و المرأة في الحقوق و الواجبات أن تبني نضالها على مواجهة الأسباب السياسية و الاقتصادية الكامنة وراء التشدد المتزايد في مناهضة هذا التغيير. و تحليل مبرراته باعتبارها غطاء  للتمييز ليس فقط في تقاسم الثروة بين النساء و الرجال و لكن كذلك التمييز في توزيع الثروة في المجتمع ككل. مما يفترض ربط هدا النضال مع كافة الواجهات النضالية الأخرى التي تصبو إلى الحد من كل أشكال الاستغلال و إلى الوقوف ضد استنزاف خيرات البلاد و السطو على ممتلكات الشعب المغربي و ضد السياسات السائدة المسؤولة على نشر الفقر لأنها –ليس فقط لأن النساء لهن النصيب الأوفر من النتائج الكارثية لهذه السياسات – و لكن أيضا لأن تغيير التشريعات في فترات الجزر لا يخدم إلا الأعداء. مما يتطلب النضال من أجل تغيير موازين القوى لصالح الصف الديموقراطي.
لقد تمكنت الحركة النسائية العالمية التي تشكلت على إثر المسيرة العالمية للنساء 2000 أن تؤطر تحليلها لواقع النساء و مطالبها و منهجية فعلها من خلال هذين البعدين: فربطت بين العنف ضد النساء كأقصى درجات التمييز من جهة، وعدم التوزيع العادل للثروة في المجتمع و بين الشعوب من جهة أخرى. و أكدت انعكاسات العولمة الرأسمالية ارتباط هذين البعدين . فقد تبين أن التمييز و العنف و الاستغلال تجاه النساء يحتد كلما تزايد هجوم الإمبريالية على الشعوب وتفاقم استنزافها لخيراتها.


 









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مها أبو رسلان شقيقة شاب توفي تحت التعذيب


.. معرض --We Can صوت الأطفال النازحين من قطاع غزة




.. معلمات السويداء تشاركن في الصفوف الأولى للاحتجاجات


.. المحتجة إلهام ريدان




.. المعلمة المتقاعدة عفاف أبو إسماعيل