الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميثولوجيا عراقية

هاشم تايه

2006 / 8 / 24
الادب والفن


إحدى قريباتي أرغمها القصف المدفعي الذي روّع البصرة إبّان حرب الثمانينيات على مغادرة مدينتها، فاستقرّت هي وزوجها وأبناؤها في بغداد، وهناك وجدت الأسرة عملاً أعانها على الإقامة والعيش ومواصلة الحياة... هذه القريبة التي تبغددت على مضض عادت قبل أيّام إلى البصرة مرغمة هذه المرّة أيضاً تحت هول حربنا الجديدة، حرب الأضرحة، وقد روت لي هذه الحكاية حين زرتها مهنّئاً بالنجاة من قاطفي الرؤوس:
قالت قريبتي النّاجية:
" في السوق القريبة من الحيّ الذي نزلنا فيه كانت بائعة الخضار (أم ...) تجلس، كعادتها، وراء زنبيلها النديّ بين أقرانها وقريناتها من الباعة والبائعات... في الظهيرة وقف على رأسها رجل واشترى منها باقات الخضار المنحوسة التي أخفقت في بيعها، وكسدت في زنبيلها وكانت توشك على العودة بها مرغمة إلى دارها..."
أسرعتُ أقول لقريبتي مقاطعاً بنشوة من يسدّد رميةً طائشة فيصيب هدفاً:
" لا بُدّ أنّ بائعتكِ (أمّ.... ) اعتبرت تصرّف الرّجل الذي أفرغ زنبيلها من أثقاله، وأنقذها من ظهيرة السوق الكاسرة، فألاً حسناً نزل عليها في ساعة متأخرة... ".
فتابعت هي تقول:
" ليس هذا فحسب ! فقد عزّز نفس الرجل السّخيّ كرمه فمنح المرأة المرهقة ما رأت فيه هدية أخرى من السماء في يوم لم يكن مطلعه طيباً...
كيس بدين من النايلون وضعه بين يديْها وهو يقول إنّها ( باجة ) خروف ذبحه قرباناً، وخشي أن يخيس في ثلاجته العاطلة بسبب الكهرباء، وبإمكانها أن تطبخه لعشاء ليلتها... ".
أوشك فمي أن يطلق كلمة، لكنّ قريبتي سبقته فأطلقت هذه الكلمات:
" عادت بائعة الخضار إلى دارها، وأنزلت هدية الرجل في مكان عزيز، وأمرت ابنتها بأن تضع ماء في قدر على نار ريثما تُحرّر جسدها من عرق السوق بماء الحمّام، أخيراً وقد أراحها الماء أقبلت على هديتها فوضعتها بين فخذيْها وفكّت عقدة كيس النايلون الأسود فإذا بها تواجه كيساً آخر داخله، أسود مثل أخيه، تخلّصت من عقدته بعناء، ولمّا فتحته على وسعه سقطت عيناها على يديْن بشريّتيْن مقطوعتيْن تحيطان برأس شابٍّ دامٍ، ما كانت قادرة على أن لا ترى فيه غير رأس ابنها المخطوف قبل أيّام، ويديْه المذبوحتين..."..........
كلّما رأيت قريبتي اعترفتُ لها ببراعتها في نسج أسطورتنا هذه، فقد أخفت عنّي إلى النهاية حقيقة معاناة بائعة الخضار بسبب ابنها المخطوف لكي تحرمني من التكهّن بما حواه الكيس الملعون، ولكي تصدمني في الختام، كأنّني لستُ مصدوماً !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا