الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطة الطريق نحو الديمقراطية في سورية

كمال اللبواني

2006 / 10 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من الخطأ الحديث عن فرض الديمقراطية من الخارج ، فالديمقراطية لا يمكن أن تبنى إلا من الداخل , وبمشاركة فاعلة من قوى المجتمع المدني ، ومن دون درجة كبيرة من الحريات ، ومن دون تبلور الرأي العام ضمن برامج حزبية سياسية واضحة وعملية , ومن دون انتخابات حرة , لا يمكن تصور وجود سلطة ديمقراطية تحكم باسم الشعب , وفق قانون يرتضيه لنفسه, وتحت رقابة سلطة قضائية مستقلة ومحترمة من قبله ..
قد تستطيع القوة الخارجية أن تضغط على أنظمة الفساد والاستبداد ، ويمكنها أن تسقطها بالضغط الدبلوماسي أو الاقتصادي أو حتى العسكري , لكن ذلك غير كاف لإنتاج الديمقراطية ، فمن دون فعل شعبي حقيقي في الداخل لن يقوم أي نظام تمثيلي ديمقراطي .
ومن الخطأ أيضاً تصديق كذبة أن النظام الاستبدادي الحالي يحفظ الاستقرار في المنطقة ، لأن ما يسمى بالاستقرار ليس سوى حالة جمود وتعفن واضطهاد , سرعان ما ستتفجر عنفاً وفوضى وحروب .. فالنظام الحالي الذي جاء بدعم غربي صريح في ظروف الحرب الباردة ، والذي أطلقت يده الضاربة لقمع شعبه وسرقة بلاده ، حتى طار في النهاية يدفعها بقوة نحو الفوضى والحرب الأهلية , بسبب تراكم الأزمات وتعقدها في كل مستوى وكل صعيد , وصولاً إلى شيوع ثقافة الفساد والتعصب الديني والانغلاق الفكري والتزمت ، ونهاية برعاية العصابات التي صارت يده الضاربة في كل نقطة لا تطالها عصا القمع الرسمية .
فالنظام حريص كل الحرص على عدم وجود بديل آخر عنه سوى الحركات الأصولية والعنيفة ، من دون أن تصبح قوية وقادرة على الإطاحة به ، لكي يستمر بتلقي الدعم الغربي كحل وحيد لا يمكن استبداله إلا بالفوضى أو التطرف والإرهاب الديني . وهو بذلك يلعب لعبة خطرة سرعان ما ستنقلب عليه وينهار ، ويسلم البلاد فعلا للفوضى والتطرف , بالنظر لجهده المستمر من اجل تقويض أي مشروع وطني حقيقي يمثل مصالح الأغلبية ، ويفتح لها طريق الحياة والمستقبل ، مما سيدفع حتما للتمرد والذي سيكون عنيفا وعشوائيا بسبب غياب الوعي والمؤسسات السياسية القادرة على احتواء الإرادة الشعبية وفق وسائل سياسية سلمية ، وبذلك يضع الاستقرار الحالي على قنبلة موقوتة ، لا يمكن إيقافها إلا بإطلاق مسيرة الحريات ، أي أنه هو الذي يهدد الاستقرار والسلم بشكل جدي على المدى البعيد , وليست الحرية المنشودة هي التي تهدد هذا الاستقرار المزعوم .. فهو يسعى جاهداً لنشر الجهل والتخلف والفقر وتدمير مؤسسات المجتمع المدني ، و افتعال الصراع الأهلي والطائفي ، ليحكم قبضته على الجماعات المتنازعة والمجتمع المحطم ، ولكي ( في حال تهديده ) يدخل البلاد بالفوضى التي تمنع معاقبته ومحاسبته ، وتسمح له بإقامة دولة طائفية عصبوية خاصة به في حال سقوطه .
فالحرية التي نطالب بها لن تنشر الفوضى ، ولن تؤدي للحرب الأهلية ، بل ستسمح بنشوء منظمات مجتمع مدني قادرة على استيعاب متطلبات التغيير وتمثيل إرادة الناس في وطن ودولة تقوم على الحق والقانون وتحترم حقوق جميع مواطنيها .
والقفز إلى استنتاج سريع يقول أن أي حريات سوف تفتح الطريق للمتعصبين للوصول للسلطة , كلام مبالغ فيه ويراد به دعم النظام بل هو كلام النظام الذي يتهم الحكومات الغربية بالحنق , لأنها تريد إزاحته لصالح من هو أكثر عداء لها منه . فما نطلبه الآن هو قدر من حرية العمل السياسي , بهدف تحضير المجتمع لدخول بوابة السياسة والممارسة السياسية السلمية والعمل الديمقراطي ، والخوف من نجاح الإسلاميين لا يبرر التغاضي عن الديمقراطية ، طالما أنهم سيلتزمون بها ، ويمكن التعامل مع هذا الاحتمال باعتماد التدرج في السماح بالحريات ، ووضع نظم حزبية وانتخابية تعيق وصول الأحزاب الدينية المتزمتة وهذا ممكن , ومبرر لتناقض ذلك مع منطق الديمقراطية ذاته .
لكن يجب أن يكون واضحا أن البديل عن الديمقراطية هو حتما الحرب الأهلية والأصولية وليس العكس . الأصولية التي تجد القمع والفقر والبؤس تربة خصبة لها ، لن تنمو وتزدهر في مناخ الانفتاح والحرية ، فهي تتبادل الدعم والفائدة مع نظام القمع والفساد والخوف الذي نتوهم أنه يحفظ الاستقرار . والخاسر الأول من حالة الاستقرار هذه هو المجتمع المدني المسالم الراغب في وطن عصري وحياة سياسية عصرية وانفتاح وتعاون مع الجميع وبعدها السلم والأمن العالميين .
هذه الأصولية التي تظهر قوية اليوم بمواجهة السلطة المتعسفة القائمة على شراء الولاء مقابل المنافع وفرض الصمت بالخوف والإرهاب . لا تستطيع أن تحكم في حال انتشرت الحرية لأنه خلال فترة بسيطة سوف يتجه الناس نحو الخيارات الأخرى الأكثر عقلانية وفائدة , وهي اليوم إذ يبدو أحيانا أنها تدعم الأصولية فهي تفعل ذلك فقط لأنها تكره السلطة وترفضها رفضاَ مطلقاً ، وليس هناك خيارات أخرى متاحة أمامها ، تعبر بها عن رفضها لنظام التسلط والقمع والفساد الحالي .
ويجب أن نفرق بين الأغلبية المتدينة وبين من يدعم منها الحركات السياسية الإسلامية ، فالحركات تدعي أن كل مؤمن هو منتسب لها , وهذا غير صحيح طالما أنه ممنوع من التعبير عن رأيه السياسي , لأن أغلبية المؤمنين سوف يدعمون حركات سياسية أخرى بشرط ألا تستفز مشاعرهم الدينية وتتحدى إيمانياتهم ، وهنا خطورة استخدام الأيديولوجيات الملحدة والشيوعية والمعادية للدين ، فهي تدفع بغالبية القوى الاجتماعية لحضن السلفية والأصولية بربطها بين الحداثة والتنكر للدين . . وهنا أهمية خلق حركات سياسية ليبرالية ديمقراطية علمانية تكن الاحترام والتقدير للدين وتعترف بدوره القيمي والأخلاقي لكنها لا تعطي لرجال الدين حق الإشراف على السلطة السياسية والتشريعية . وتمنع فرصة نشوء تحزب سياسي ديني وطائفية سياسية وتسحب البساط من تحت التطرف والتعصب ، وتزيل الاحتقان المؤدي للعنف , وهذا الفارق مهم جدا وحساس وحاسم في صياغة البرامج السياسية . لذلك تحاول السلطة إنشاء منظمات علمانية شديدة العداء للدين أو على أسس طائفية معادية لطائفة الأغلبية بهدف تشويه المسار الليبرالي الديمقراطي العلماني .
وحتى لو افترضنا جدلا أن الحركات الأصولية قد تمكنت من الاستئثار بالسلطة , فهذا سوف يفقدها بسرعة شعبيتها , ويضعها مباشرة في مواجهة أغلبية الشعب , نتيجة عجزها عن تلبية متطلباته بالحرية والانفتاح والحياة العصرية .. فهي كحركات سياسية تتبنى الدين, نشأت كرد فعل على حالة الحرب التي تشنها السلطة الغاشمة على المجتمع , وسوف تفقد معظم مبرراتها في حال زوال هذه السلطة .
ومن حيث التركيبة السكانية الأهلية , وتوزع الطوائف والقوميات في سوريا , نرى أنه أقل من 60 % من الشعب السوري عربي مسلم سني ( حيث تنتشر الأصولية حصرا ) لأن الأصولية الشيعية متنافسة حتما معها ، وحتى لو افترضنا وحدة الحركات الأصولية وهذا أيضا مستحيل ، فإن 20% من هؤلاء ليسوا مؤمنين على الإطلاق ، وأكثر من نصف الباقين يرفضون الإسلام السياسي المتعصب جملة وتفصيلا . ليبقى الحديث عن 20% من المجتمع , أغلبهم يمكن استيعابه في حركات سياسية عصرية, وفي منظمات ثقافية دينية تفصل بين الدين والقيم والأخلاق وبين البرامج السياسية الانتخابية . وفي الواقع فإن أقل من 10% من المجتمع يمكنها دعم حركات أصولية متشددة , وأقل من 5% قد تؤيد العنف والديكتاتورية الدينية والتطرف والإرهاب .. وبذلك لا يمكن من حيث المبدأ قبول احتمال سقوط سورية في قبضة الإرهاب الأصولي , في حال تحولها السلمي نحو الديمقراطية برعاية دولية ومساندة عالمية ، ناهيك عن تأثير القوى التي سوف تسعى لإزالة السلطة والخطوات التي سوف تتبعها ..والضمانات التي سوف تفرضها القوى الدولية التي ستتبنى الإشراف على عملية التغيير ، وهي عوامل هامة وحساسة وحاسمة .ولن تستطيع الأصولية الإرهابية التحكم بسورية إلا من خلال نظام ديكتاتوري إرهابي مشابه للحالي ، وبسببه وكنتيجة له .
ومن الخطأ الدمج بين قوة الدين وقوة الإسلاميين السياسية ، فليس كل متدين هو أوتوماتيكياً من أنصار الحركات الإسلامية وسياساتها . ومن الخطأ الحكم على المعارضة من خلال التنظيمات القائمة الحالية ، فالشعب ما يزال صامتا ومتفرجا ولم يسمح له بالتعبير عن رأيه ، ولا يمكن تقدير مدى مصداقية وشعبية أي خط حاليا كما أن الظروف تتغير بسرعة , والمعارضة الحقيقية ليست هذه الظاهرة اليوم , والتي هي ليست أكثر من حالات صغيرة ومعزولة وضعيفة تكافح من أجل البقاء.. ومخترقة من قبل السلطات , التي تحاول عرقلتها وإشغالاها في صراعات داخلية وتنازع على الوجاهة والزعامة .
المعارضة الحقيقية هي ال 98% من المجتمع السوري الذي ينتظر لحظة الاندفاع للشارع , ومن يلامس هذا الشعب ومن يستعد فعلا لاستقباله هو الذي سيأخذ كأس السبق , ويفوز برضا من سيساعدهم على الخلاص , وهذا الأمر متروك للتاريخ ولم يحسم بعد .
حتى حزب البعث والقوى داخل السلطة , فهي في الواقع تنتمي للمعارضة أكثر منه للسلطة , وهي قد أجبرت على الإذعان والرضوخ , وهي بمعظمها لا تمانع التغيير , بشرط ألا تفقد الكثير من مصالحها , فكلها قد ضاقت ذرعا بالخوف والغطرسة والإرهاب .. وحزب البعث ليس أكثر من مجموعة طالبي الانتساب للسلطة , ولا علاقة لهم بأي مبادئ ولا شعارات ولا إيمانيات ، هم فقط يريدون الانتفاع أو اتقاء الشر . والكثير من موظفي الدولة سوف يسارعون للعمل تحت أي سلطة جديدة , بمن فيهم أغلبية ضباط الأمن والجيش الذين تعودوا الطاعة والتنفيذ .. فالمشكلة في عدد محدود جدا من الأفراد الذين يشكلون قمة الهرم والذين يحتكرون السلطة والثروة ، ومع ذلك فهم في حالة صراع وتنازع داخلي وعدم ثقة خطير , وبمجرد الضغط الحقيقي والجدي والشخصي عليهم سوف يتفجر تحالفهم وتنقسم السلطة وتنهار .
كل ما نحتاج إليه هو استمرار لعبة الرموز المعارضة في الداخل ، واستمرار الضغط من الخارج , وبشكل خاص استغلال انتهاكات حقوق الإنسان والاغتيالات التي تورط فيها النظام , ومن ثم السعي لاتخاذ القرار الدولي المناسب لجر رموز السلطة للمحاكم الدولية والمحلية .. ومن ثم المساعدة على تشكيل سلطة انتقالية مؤقتة بقرار دولي يضع آلية ملزمة لإجراء انتخابات حرة . ويمكن تشكيل سلطة مؤقتة تقود أجهزة ومؤسسات الدولة ، في حال عدم قبول السلطة الحالية بقرارات الأسرة الدولية ، أو في حال إزاحتها بحراك شعبي أو بتدخل خارجي , لتتكون سلطة بديلة من بعض رموز المعارضة وبشكل خاص ربيع مشق , والوجوه الإصلاحية في حزب البعث , وسوف تحظى مثل تلك السلطة بقبول ورضا شعبي كبير . وبتأييد أغلب المؤسسات الأمنية والعسكرية وغالبية الدول العربية والمجاورة وقبلها الغربية الديمقراطية .
وفي حال فشل المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات حاسمة , لا يبق أمام الشعب السوري سوى الاستمرار في المحاولة من الداخل , بدعم ومؤازرة الأصدقاء من الخارج ، لمتابعة تنشيط رموز المعارضة وتحريض الشعب على المشاركة ، وهو ليس بعيدا كثيرا عن تحقيق قفزة نوعية في مستوى ونوعية العمل السياسي المعارض ، تجعل من المستحيل على السلطات القائمة إعادة الشعب لدائرة الخوف والسلبية ، مما سيحرض نهاية سريعة للنظام على الطريقة الأوكرانية . فما نطلبه في حال الإبقاء على السلطة ، هو انتزاع حق العمل السياسي السلمي الديمقراطي العلماني , وبعد ذلك سوف نجذب أغلبية قطاعات المجتمع ونضمن تحول البلاد نحو الديمقراطية وليس نحو التطرف .
وإذا فشل هذا الاحتمال , سوف يستمر النظام في قيادة التدهور الشامل ، وعاجلا وليس آجلا سوف يفقد توازنه ويجر البلاد نحو الفوضى ، وربما الحرب الأهلية ، التي قد تنتهي بدويلات عنيفة تحكمها عصابات التطرف والإرهاب . . لذلك يصبح وقتها التغيير بالقوة واقعا لا مهرب منه ، وقتها علينا دفع الثمن والقبول بمقدار محدود من العمليات العسكرية الموجهة نحو رموز النظام ومفاصله وليس الدولة والوطن , و القبول بمرحلة محدودة من الفوضى للانتقال نحو الديمقراطية ، بكل ما تحمله من مخاطر ، لكن ذلك يبقى أفضل من انتظار التفجر التلقائي للنظام الاجتماعي السياسي برمته .
إن انتصار التحول الديمقراطي السلمي في سوريا , يمكن أن يحدث بسهولة ويسر وبشكل سلمي , بواسطة إرادة دولية وتعاون دولي , كالذي حصل في لبنان , و سوف يكون له عميق الأثر على استقرار الديمقراطية وتطورها في لبنان , ثم سوف يساعد على تعزيز فرص الاستقرار في العراق , و إذا تم تشكيل تحالف بين الديمقراطيات في سوريا ولبنان والأردن والعراق , وبمساعدة دولية ، سوف تسير كل المنطقة نحو المزيد من الانفتاح والتحولات الديمقراطية ، وسوف يتعزز السلام , و يصبح بالإمكان الحديث عن تغيير الأرضية التي تنتج الإرهاب ، عبر إجراء تغير ثقافي و إصلاح ديني حقيقي , يحقق المصالحة بين الإسلام وقيم العصر , والتي تأخرت كثيرا ، بسبب الصراعات والحروب والاستبداد والتخلف .
إن انتصار الديمقراطية الوشيك في سورية سوف يعزل المنظمات والدول المتعصبة والعنيفة , ويضعف نفوذ الفكر المتزمت , ويسهل طريق تحولها هي الأخرى .
إن انتصار الديمقراطية في سورية قريب وسهل , ومرهون بإرادة دولية حقيقية وتفهم وتعاون داخلي معها ، والسلطة الحالية قدمت كل ما يلزم لإثبات إفلاسها , واثبات أنها عقبة حقيقية في وجه السلام والتقدم والحرية .
وقد حان الوقت لرحيلها بعد أن جثمت على صدر هذا الشعب طيلة أكثر من أربعين عاما كانت كفيلة بجر سوريا كثيرا نحو الخلف ، لتصبح في مؤخرة الدول بعد أن كانت تهم بالانضمام للدول المتقدمة في نهاية الخمسينات .
ولن تكون سورية في المنظور القريب إلا دولة ديمقراطية ليبرالية علمانية , تلعب دورها في نصرة الحرية والسلام والأمن وحقوق الإنسان في المنطقة والعالم ، إذا تم تعاون حقيقي بين المجتمع الدولي , وبين قوى حقيقية محترمة في الداخل , وقادرة على تمثيل رغباته وتلبية طموحاته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س