الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوميات المسيحية في كردستان وعلاقاتها مع الكر/دراسة

عزيز برو

2006 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


رؤية كردية لمذبحة المسيخين في بداية القرن
(( عاملو الآخرين مثلما تريدون أن يعاملوكم , هذه هي خلاصة الشريعة وتعاليم الأنبياء )) .. الإنجيل المقدس
تعتبر الديانة المسيحية أكثر الديانات انتشارا في العالم و كان لظهورها منذ حوالي الألفي عام بالغ الأثر في تغيير مسيرة التاريخ البشري , و رغم ظهور المسيحية في المجتمع اليهودي إلا إن المسيحية انتشرت و بشكل أكبر بين الشعوب الأخرى و انتشرت على يد الرسل و التلاميذ لتصل إلى روما , إلا إن انتشارها شرقاً كان يلاقي الكثير من الصعوبات لتدين الكرد و الفرس بالديانة الزردشتية ..

تعرض المسيحيون للاضطهاد منذ ظهورهم , بدأً بصلب المسيح وليس انتهاءًا بالمذابح التي اقترفت بحقهم في بداية القرن العشرين ..

حتى إنهم كانوا يدُخلون إلى المسارح الرومانية ليتصارعوا مع الأسود و غيرها من الحيوانات المتوحشة , و في سنة 312م قام الإمبراطور قسطنطين الكبير بتحرير الدين المسيحي و ذلك بإصداره القرار المعروف بقرار ميلانو , فيه أطلق الحرية للمسيحيين دون قيد أو شرط , و بعد استقلاله بالملك سنة 323م أعلن اعتناقه للدين المسيحي , وحارب البدع و أمر بعقد مجمع نيقوس سنة 325م..

كما إن والدة الإمبراطور "هيلانة " ارتحلت إلى الأرض المقدسة حاجةً, و إليها يعزى اكتشاف صليب المسيح الأصيل فكانت بذلك هي من رسمت في المسيحية فريضة الحج 1..

إلا إن رجال الدين المسيحي أبعدو المسيحية و لفترة طويلة عن جوهرها الذي يدعو إلى التسامح و العدل و الذي يعتبر بحق دين المحبة , فارتكبوا أعمالاً وحشية نهى عنها المسيح , ففي سنة 1023م قاموا بحرق العشرات من معارضيهم كما إن مجلس ديني عقد في تولوز عام 1229م , أصدر قراراً يقضي بالا يمتلك أي شخص من غير رجال الدين كتباً مقدسة , وحرم عليهم أن يقرأو الكتب المقدسة بغير اللغة اللاتينية و في نفس العام و نفس المكان و في أيام حكم البابا جريجوريوس التاسع قرر رجال الكنيسة الكاثوليكية إنشاء محكمة يقدم إليها كل من أتهم في دينه الكاثوليكي و كل من كان على دين أو عقيدة غير كاثوليكية كاليهود و المسلمين و المفكرين الأحرار و حتى البروتستانت و في سنة 1233م خول كاهن التفتيش الاستعانة بمن يراه مناسبا لمعاونته من الجواسيس , فقد وعدوا الجواسيس بغفران الخطايا وأحل لهم ارتكاب الجرائم مهما كان نوعها .*

وقد لاقى الكثير الأهوال على يد محاكم التفتيش هذه أما وسائل تعذيبها فقد استفاد منها الأتراك خلال مذبحة المسيحيين و الألمان أيام محرقة اليهود و النظامان السوري و العراقي ضد شعبيهما , فمثلاً سنذكر بعضاً مما يرده الأستاذ سليمان مظهر في كتابه قصة الديانات " مجادل من الجلد المعقود على الرصاص و دواليب و سحابات ذات مسامير صدئه حادة لتمزيق الأجساد و عضاضات حديدية لعض اللحم ثم أكاليل حديدية ذات مسامير ناتئة من الداخل تطوق بها جبهة الضحية ثم يأخذ المعذب في تضيقها شيئا فشيئاً بواسطة مفتاح يدور بلولب حتى تغرز المسامير في رأس الضحية ثم هناك كلاليب ذات رؤوس حادة لسحب أثداء النساء من الصدر و آلات لسل اللسان من أصله و أخرى لتكسير الأسنان و أحذية حديدية تحمى لدرجة الاحمرار يلبّسونها لمن ساء حظه ووقع في يد أولئك الوحوش و أحذية أخرى حديدية ذات مسامير من الداخل .....كما كانت في سقف الغرفة مشنقة تشنق المعذب نصف شنقه".2

لقد حول هؤلاء دين المحبة إلى دين الجبروت و الظلم " فتحولت محاكم التفتيش إلى طريقة جديدة لتحويل الناس إلى المسيحية , و من يرفض يعذب حتى الموت ". 3

اليوم وبعد مرور ألفي عام على ميلاد المسيح , ندخل الألفية الثالثة بجنون فكري , وإيديولوجية قائمة على القتل .

أناسُُ ما زالوا يعملون بنفس أسلوب من أقاموا محاكم التفتيش و لو كانوا ينتمون إلى ديانات أخرى , يقتلون كل من يختلف معهم بالعقيدة أو بالمذهب أو حتى الطائفة .. يعتمدون على شريعة غريبة عن جوهر كل الأديان و الكثير منهم يدفعون حياتهم ثمناً لتطبيقها .

و لكن إذا تعمقنا قليلاً نجد وراء هؤلاء , مؤسسات قائمة و ملحدة تبيع صكوك الغفران لهم و تدخلهم الجنة بأرواح شوهت الأحزمة الناسفة كل جميل فيها .

اللعبة كما كانت دائماً يديرها السياسيون أصحاب المصالح , أنظمة الظلام التي نخر السوس عظامها , تريد أن تعيد شبابها برسل الموت هؤلاء .

لعبة القتل و استغلال الدين و حتى القومية لأغراض سياسية لعبة قديمة بدأت مع بداية الحضارة .. فمنذ عهد الفراعنة و الميتانيون فالآشوريون و من بعد حتى وصلت إلى الدولة الفارسية , فالفتوحات الإسلامية كل منهم يحارب باسم الله و يعمل لنشر دينه بالسيف , و الحقيقة المطلقة هي إنهم جميعا كانوا يعملون أما لمصالح شخصية أو لمصالح شعوبية بحتة مستغلين اسم الله لتوسيع حدود إماراتهم و من بعدها إمبراطورياتهم .



1- سريان ولكن سوريون .. سمير عبده.

2- قصة الديانات .. سليمان مظهر... 3 – نفس المصدر

*قارن بين هؤلاء المبشرين بالجنة و الذين بشرهم رجال الدين المسلمين بالجنة لارتكابهم مجازر بحق المسيحيين في بداية القرن العشرين .

قبل أيام وقع تحت يدي كتاب " قتل أمة " لهنري مورغنطاو السفير الأمريكي في تركيا في الفترة الممتدة من العام 1913م إلى العام 1916م و عند قراءتي للكتاب الذي عشت معه أجواء تلك الأحداث أحسست بهؤلاء الأبطال الحقيقيين الذين دفعوا حياتهم ثمناً لأحلامهم في الحرية و المساواة , و لكن كانت لي ملاحظة واحد على الكتاب , فكان يجب أن يكون أسمة " استشهاد أمة " فالأمة التي تقتل من أجل حريتها و معتقداتها بالتأكيد هي أمة شهيدة وليست قتيلة , و أفرادها و كل من قتل من أجل حريته و حرية معتقده سواء كان مسيحياً أو كان يهودياً أو ايزيدياً أو مسلماً فهو شهيد , و قاتله لا يمكن تسميته سوى بأنه كافر و يستحق اللعنة و العقاب و نحن نعلم جيداً إن الشهداء في بداية القرن لم يكونوا من الأرمن وحدهم فلقد شملت المذابح كل المسيحيين بل و حتى الإيزيديين أيضاً , فالأشوريون و الكلدان و السريان و حتى الأكراد المسيحيين تعرضوا لحرب إبادة حقيقية .

أنا الكردي اليوم خير من يفهم شعور أفراد هذه الشعوب الجريحة الذين يتهمهم البعض بالانعزالية و الانتهازية و عدم الثقة بالآخر .

و أقول " لهذا البعض " أن جراحهم بليغة جداً و كانت تحتاج إلى قرن من الزمان كي تشفى فلا يمكن أن نسمي تلك المجازر بجريمة أو حتى إبادة جنس بل إنها أكبر من كل ذلك .

فما عليكم إلا أن تتخيلوا منظر أولئك الرجال الصامدون الصامتون و هم يساقون إلى الموت , أن تتخيلوا منظر الأم التي تتوسل من جلاديها أن يقتلونها قبل وليدها أن تتخيلوا مناظر تلك الفتيات كيف يغتصبن بأيدي قذرة و ليست هناك من كلمة معبرة عنها سوى قذرة و بربرية .. تخيلوا إن والي "وان" كان يدق نعال الأحصنة على أرجل المسيحيين 4 هل هناك وحشية وهدر كرامة أكثر من ذلك ؟؟.

يا أخوتي نحن الكورد عشنا تجربتكم , فهل لي أن أذكركم بأن فتاة كردية كانت تحمد ربها و هي معتقلة في سجون النظام العراقي لأنها قبيحة , فالجميلات جميعاً تعرضن للاغتصاب بنفس تلك الأيدي القذرة , فالأيدي القذرة واحدة و تعمل تحت أمرة عقول مريضة ولو اختلفت الأزمنة و الأمكنة .

قبل عدة سنوات حضرت ندوة لبعض المثقفين الكورد في مدينة دمشق و كان من ضمن المواضيع التي طرحت في الندوة هي : مدى مسؤولية الكرد عن المجازر التي ارتكبت بحق المسيحيين المتواجدين في كردستان في بداية القرن العشرين و كانت الآراء في مجملها تنفي المشاركة الحقيقية للكورد , ولكنهم كانوا يفتقدون إلى الدراسة المعمقة لتاريخ تلك المرحلة , و هذا لا يعني إنني أُدين الشعب الكردي , و قررت وقتها أن أكتب شيئاً عن تلك المجازر وأصبحت أراجع الكثير من الكتابات عن تلك المجازر و عن الشعوب التي تعرضت لها و تاريخ العلاقات الكردية مع تلك الشعوب و حتى اليوم أحس بأن الموضوع يحتاج إلى الكثير من الدراسة و بأيدي اختصاصيين من الكورد و الأرمن و الكلدو_ آشوريون حتى يقدموا لنا المعلومة الصحيحة و السرد الحقيقي لأحداث تلك المرحلة من حياة هذه الشعوب , حتى نرى مواضع الخلل في العلاقة بين هذه الشعوب والتي سمحت بإراقة كل تلك الدماء , والتي تحتاج إلى عشرات السنين حتى نجففها و نمحو آثارها.

نحن اليوم و في هذه البحث سنورد بعض المعلومات التاريخية عن هذه الشعوب و علاقتها مع الكورد و من ثم دور الحكومة التركية في إبادة المسيحيين و موقف الحكومات الغربية منها و مدى مسؤولية الكورد عن تلك المجازر .

1ً – القوميات المسيحية في كردستان " تعريفها – و متى سكنت المنطقة " :

أ – الأرمن : " إن أقرب جيران للأكراد هم الأرمن...................... إذا كان أصل الأرمن من الشمال الغربي فأن أصل الكورد من الشرق و إن هاتين الموجبتين قد قسمت طوروس إلى قسمين " 5.

- هناك رأيان حول أصل الأرمن :

الرأي الأول : هو لبعض الأكاديميين حيث يقولون أن الأرمن ليسوا من الشعوب المهاجرة , و إنما هم من السكان الأصليين حيث ينتمون إلى قبيلتين : الأولى اسمها "هاياسا" و الثانية "أروم أو أرم" و قد عاشوا مع القبائل القوقازية حتى وصول الهجرات الهندوأوروبية , واستعار الأرمن جزءاً من لغتهم من القبائل الهندوأوروبية الوافدة و يشرح اللغويون معنى كلمة أرمينيا ( هايستان ) بأنه اشتقاق من اللغة الهندوأوروبية .

و هناك رأي آخر يقول أن الأرمن من الشعوب المهاجرة و لكن هؤلاء أيضاً يقسّمون إلى فريقين :

حيث يقول الفريق الأول و حسب المؤرخ الجغرافي سترابو "القرن الأول الميلادي" إن الأرمن قدموا من اتجاهين , جماعة قدموا من الغرب و هم من االفريجيين و أخرى من الجنوب الشرقي أو ميزوباتامية .*

أما الرأي الآخر و السائد فهو أن الأرمن هم من الشعوب الآرية المهاجرة من أسيا الوسطى إلى أوروبا عبر جنوب روسيا و عاشوا لفترة من الزمن في شبه جزيرة البلقان مع المقدونيين و البريج ثم عبروا مضيق البوسفور مع البريج الذين تلاشى اسمهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* و حسب هذا الرأي فأن السومريون و شعب ميزوباتامية و الأرمن من أصل واحد و هناك بعض المؤرخين يذهبون إلى أبعد من ذلك حيث ينسبون اليهود أيضاً إلى هذه الشعوب ,أي أن اليهود ليسوا من الشعوب السامية.6

5- الأكراد ملاحظات وانطباعات........ ف.ف. مينورسكي.

6- التاريخ القديم و ما قبله....... الدكتور نعيم فرح .

أما الأرمن فبعد وصولهم إلى آسيا الصغرى حطوا الرحال خلال القرن السادس قبل الميلاد حول جبال آرارات حيث كان يقودهم جدهم الأسطوري "هاييك" و الذي أخذوا منه اسم "هايستان" و عند وصولهم إلى آرارات كانت المنطقة تحت حكم مملكة "أوراراتو" و هي عبارة عن مملكة من اتحاد قبائل ازدهرت من القرن التاسع و حتى بداية القرن السادس قبل الميلاد .

اتحد الأرمن مع مملكة أوروراتو كونفيدرالياً و أصبحوا جزءاً منها حتى انهارت هذه المملكة و تمكن الأرمن من السيطرة عليها , و استيعاب الشعوب التي عاشت تحت إمرتها و كانت أوروراتو في فترة ازدهارها , تمثل تحدياً كبيراً لمملكة آشور في سيبل السيطرة على الشرق الأدنى حيث امتدت أوروراتو إلى جبال القوقاز,ولكنها تقلصت فيما بعد و وهنت قواها حتى اندثرت حيث تلاشى اسم أوروراتو و أصبحنا نجد اسم أرمينيا في المخلفات الآشورية و غيرها منذ القرن السادس قبل الميلاد .

خضعت أرمينيا فيما بعد لحكم الفرس أيام حكم الملك الفارسي دارا (520 – 486)ق.م ثم خضعت لنفوذ الأسكندر المقدوني .

تأثرت في تلك الفترة معتقدات الأرمن الدينية بالديانة الفارسية حيث نجد إن الآلهة الأرمنية لهن أصل فارسي "أرمازن – أناهيت – فاهاكن و مهير".

كما انتقلت العديد من المعتقدات مثل الأرواح الخيرة و الشريرة "كالملاك و الغول .." وغيرها من الأفكار الدينية من الفرس إلى الأرمن , كما كان للآشوريين من قبل تأثيراً على المعتقدات الدينية الأرمنية و من آلهتهم التي انتقلت إلى الأرمن " بارشامي- نانه و استفيك " و كانت تعبد في جنوب غرب أرمينيا .

تأسست الدولة الأرمينية في القرن الرابع قبل الميلاد على أثر تقسيم إمبراطورية الإسكندر المقدوني بين قادته .

فقسمت أرمينيا إلى شطرين حكمهما أميران أرمنيان الأول " ارداشيش " حكم أرمينيا الكبرى و الأمير " زآره " والذي حكم أرمينيا الصغرى .

و في بداية القرن الأول قبل الميلاد أعتلى عرش السلطة في أرمينيا أعظم حكامها عبر التاريخ و هو الملك "ديكران" الثاني الكبير , حكم أرمينيا أربعين عاماً (94-54) ق.م و أقام إمبراطورية مترامية الأطراف من البحر المتوسط غرباً إلى بحر قزوين شرقاً و في عدة سنوات تمكن ديكران من احتلال كردستان الجنوبية و أذربيجان و الموصل و نصيبين و احتل مدينتي الرها و حران , و اتجه غرباً نحو مملكة الرومان , فاحتل صوفين وكبدوكية ثم كيليكية و سوريا , كما احتل فينيقية إلى أن بلغ عكا في فلسطين ثم اتجه نحو نهر دجلة حيث أسس عاصمة الإمبراطورية الجديدة (ديكرانا كيرو) قرب دياربكر الحالية و لكن إمبراطوريته ما لبثت في عصره أن واجهت الإمبراطورية الرومانية و انتهى الأمر بسيادة الرومان لأرمينيا , ووافق ديكران على شروط القائد الروماني "بينيوس" في الصلح و أصبحت أرمينيا بلد مفتوح أمام الجيوش الرومانية أثناء زحفها لملاقاة الفرس ووقعوا الاتفاقية في أنطاكية حيث جرى تجريد الملك ديكران من نفوذه في سوريا و فينيقيا و كيليكيا و كبدوكيا و كردستان و أصبحت أرمينيا محمية رومانية .

كانت أرمينيا الديكرانية أكبر حجما من مملكة أورارتو القديمة , أما وصول الديانة المسيحية إلى أرمينيا فالفضل يعود إلى القديس "جريجور المنور" وذلك في فترة حكم "درتادالثالث" (287-303)م و أصبح الدين المسيحي الأرثوذكسي دين رسمي للدولة الأرمنية اعتباراً من العام 301م و بذلك أصبحت أرمينيا أول دولة في العالم تعلن المسيحية كدين رسمي للدولة .

و قد تم القضاء على العبادات الوثنية على مدى عدة أجيال كما إن القديس جريجور المنُور شيد الكنائس على أرض الهياكل الوثنية التي هدمها , و شيدت أول كنيسة في أرزنكان على نفس أرض الهيكل الذي فيه صنم كبير الآلهة , ثم عمد الملك درتاد و القديس جريجور إلى بناء مدينة (ايتشميادزين) التي أصبحت المدينة المقدسة و المركز الروحي لمختلف طبقات الأمة الأرمنية و أزداد بعد ذلك دور رجال الدين في الحياة السياسية التي انتهجتها الدولة على مر العصور .

خلال فترة حكم الملك فاغارش 04140380)م قام العالم الكبير (ميسروب مشتوتسي) بوضع أحرف الأبجدية الأرمنية عام (405)م وفي عام 451م قام القائد الأرمني فارتان ماميكونيان بجيش أرمني بلغ قوامه (66) ألف مقاتل بالتصدي لجيش الفرس المكون من (90) ألف مقاتل قرب قرية آفاريار فسميت المعركة آفاريار و كبد الجيش الأرمني خسائر كبيرة في المعركة و قتل القائد الأرمني أيضاً و لكن رغم خسارتهم تراجعوا و نظموا دفاعاتهم و أخيراً أضطر الفرس للاعتراف باستقلال الدولة الأرمنية بعد قيام الجيش الأرمني بالتصدي للجيش الفارسي , و في القرن السادس عقد الفرس و البيزنطيون اتفاقية وضعت بموجبها معظم أراضي أرمينيا تحت السيطرة البيزنطية ولكن بعد وفاة القيصر الروماني (مافريكس) سنة 602م اندلعت الحرب الثانية بين الفرس و البيزنطيين و عانت أرمينيا كثيراً من تلك الحرب التي كانت تقام على أرضها و التي استمرت إلى الغزو الإسلامي .

تمكن العرب من احتلال أرمينيا بعد قهر الجيوش البيزنطية حيث دخلت القوات العربية أرمينيا سنة (640)م و في عام (652)م عقد الأمير (تيودوروس وشدوني) معاهدة صلح مع القائد العربي (معاوية) تم على أساسها الاتفاق على فتح أرمينيا صلحاً.

و قام الأرمن باسترجاع أراضيهم إلى مدينة (داربيزون) على شاطئ البحر الأسود و عين معاوية ابن أبي سفيان الأمير جريجور ماميكونيان في الفترة الممتدة بين عامي (661-685)م أميراً على أرمينيا , و تعهد الأرمن بدفع الجزية لدولة الخلافة العربية .

ابتداءً من القرن الحادي عشر و حتى القرن الرابع عشر الميلادي شهدت الأمة الأرمنية صراعاً من أجل البقاء حيث ظهرت القبائل السلجوقية و اجتاحت المنطقة و أعقبتها الحروب الصليبية و التترية و في بداية القرن الحادي عشر و عقب وفاة الملك (خاجيل الأول) حدثت حرب أهلية في أرمينيا بين أنصار (سنباط) ولي عهد الملك المتوفى و أخيه (آشوت) الذي أنكر عليه حقه في المملكة و نتيجة لذلك وقعت أرمينيا تحت سيطرة البيزنطيين الذين فرضوا عليها ضرائب فادحة , وقتلوا العديد من الأسر الأرمنية النبيلة و شردوا آخرين و قسم البيزنطيون أرمينيا إلى أجزاء حيث سيطروا على جزء منها و سمحوا للكرج بالسيطرة على القسم الشمالي بينما بقي القسم المحاذي للقوقاز في أيدي السلاجقة الأتراك الذين ظهروا في المنطقة و كانوا شديدي البأس و خرجوا من سهول التركمان فاحتلوا خرسان و شمالي فارس اندفعوا في زحفهم الجارف فطردوا الفرس و العرب ولم تستطيع أي قوة التصدي لهم و كانت هذه هي قبائل الأتراك السلجوقيين الذين اجتاحوا في زحفهم آسيا الوسطى بقيادة زعيمهم سلجوق .

اعتنق السلجوقيين فيما بعد الدين الإسلامي و استطاعوا أن يسيطروا على آسيا الوسطى ثم على الإمبراطورية العباسية سنة (842) و رغم مقاومة الأرمن إلا إنهم لم يتمكنوا من صد السلاجقة الأتراك لأن البيزنطينيين كانوا قد قضوا على مملكة (آنى) القوية و لم يكن في أرمينيا وقتها قوة قادرة على التصدي لهؤلاء حيث تمكن الأتراك في (6/8/1064)م من فتح كامل أرمينيا بما فيها عاصمتها آنى .

قام الأمير قسطنطين الأول بإنشاء إمارة أرمنية في كيليكية و تمكن من طرد السلجوقيين من أنطاكية و قام بتوسيع إمارته في كيليكية إلى أن وصلت إلى المتوسط.

و لكن فيما بعد تمكن الأتراك وفي إمارتهم الجديدة من إسقاط أرمينيا الصغرى و أسر آخر ملوكها "ليفون السادس لوسينيان " في 13 أبريل 1375م و سقطت إمارة كيليكية سنة 1487م تحت سيطرة الأتراك العثمانيين وضاع بذلك استقلال الأرمن إلى بداية القرن العشرين حيث استقلت أرمينيا سنة 1918م و لكنها ما لبثت أن فقدت استقلالها سنة 1920م بمؤامرة من السوفيتيين و الكماليين لتتحول إلى جمهورية سوفيتية استمرت إلى أن انهار الاتحاد السوفيتي لتحصل على استقلالها من جديد سنة 1991م و تبدأ رحلة جديدة من الحروب و المتاعب مع جارتها أذربيجان حول ناكورنوكرباخ و تعاني الحصار من تركيا إلى يومنا هذا , و خلال هذه الرحلة الطويلة تبدلت عاصمة الدولة الأرمنية اثني عشر مرة كان أولها "فان" في مملكة أوروراتو وآخرها "يريفان" في أرمينيا الحالية 7 .

تشعبت علاقات الكرد و الأرمن كثيراً فيما بينهما و لكنها في أغلبها كانت علاقات حسن جوار و تداخلت القوميتان حتى إننا نكاد لا نجد مدينة كردية إلا و تضم عدداً كبيراً منهم و العكس صحيح , حتى إن هناك قبائل كاملة و مع مرور الزمن قد نسيت لغتها الأصلية و تحولت إلى مخزون بشري للقومية الأخرى , و هذا ما حصل مع الكرد في القرنيين الحادي عشر و الثاني عشر حيث بدأ النفوذ السياسي الكردي يتراجع و بدلاً من أن تستكرد القبائل و العائلات داخل المحيط الكردي , فعلى العكس تحول الأكراد إلى مخزون بشري لتزويد محيطهم بدفعات من البشر الذين ينخرطون بشكل فعال و يذوبون أخيراً في هذه المجتمعات , فعلى سبيل المثال ثمة مناطق كانت دولاً و إمارات كردية إسلامية في أذربيجان و أرمينيا الحالية لم يبق فيها أي أثر للوجود الكردي8 .

أما مينورسكي فيقول بأن الكرد في بعض الأجزاء لا يعيشون على أرضهم الأصلية " حتى أن أرمينيا القديمة في أيامنا هذه هي كردية أرمنية من الناحية الأتنوغرافية"9 و في موقع آخر يقول "حيث إننا نرى في بعض أصقاع ولاية بتليس إن الأرمن قد نسوا لغتهم و إنهم يتكلمون الكردية فقط" , أما مارك سايكس فيشير إلى وجود عشائر كردية تحولت إلى المسيحية و عشائر مسيحية تحولت إلى الإسلام و يقول على لسان أفراد عشيرة محلمي "إن عشيرة محلمي على حد قول أفرادها كانوا مسيحيين قبل 350 سنة" فضلاً عن وجود عشائر أرمنية و كردية من أصل مشترك , كما و إن عشيرة السندي كانت و ما تزال عشيرة مختلطة من المسلمين و المسيحيين .

و حتى بدرخان الكبير كان يدافع عن فكرة الزواج بين الكرد و الأرمن و نظر إلى الأرمن نظرته إلى الكرد معتمداً على وجهة النظر المقنعة أو غير مقنعة , القائلة إن الكرد و الأرمن من أصل واحد ثم انقسموا إلى عشائر و ديانات.10



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

7- أرمينيا الأمة و الدولة ...... للدكتور أحمد فؤاد رسلان .

8- عن مجلة الحوار . العددان(5-6) عام1994م مقالة لآزاد أحمد علي حول تقيميه لكتاب سطع نجم الأكراد في ظل الحضارة العربية الإسلامية للباحث الكردي جمال رشيد أحمد.

9- الأكراد ملاحظات وانطباعات .. لـ ف.ف.مينورسكي .

10-تاريخ الإمارات الكردية في النصف الأول من القرن التاسع عشر ص 122 للكاتب جليلي جليل .

ب-الآشوريون " الآثوريون" :

يعيد بعضهم من أمثال الدكتور علي بوطاني أصلهم إلى الكرد و يقول بأنهم بقايا المسيحيين الكرد , و اتخذوا لغة الكنيسة بدلاً من لغتهم .

و بعضهم الآخر يرجعهم إلى اليهود حيث يقولون أنهم أحفاد الأسباط العشرة لليهود الذين سباهم الآشوريون القدماء و شردوهم في جبال كردستان , و لكنهم تنصروا و تركوا دينهم و حافظوا على لغتهم التي كانوا يتحدثون بها في إسرائيل.11

و لكن النظرية الأقوى و الأقرب إلى الحقيقة و إلى قلوب الآشوريين هي إنهم أحفاد الآشوريين القدماء , وأصحاب أكبر إمبراطورية في الشرق . حيث استقروا سنة 3000ق.م في منطقة دجلة الأوسط حيث كانت جبال زاغروس و كردستان من الشرق و الشمال حدوداً طبيعية لتلك المنطقة أما الحدود الجنوبية فكانت مفتوحة ولم يفصلها أي حاجز طبيعي عن بلاد الهلال الخصيب .

جاءت القبائل الآشورية عبر بادية الشام من الجزيرة العربية بعد هجرة الأكاديون بقليل و استقروا إلى الشمال الشرقي منهم و كانت تسميتهم بالآشوريين نسبة إلى الإله آشور كما سميت بلادهم ببلاد آشور و عاصمتهم مدينة آشور .اختلطوا مع السوباريين و مع غيرهم من القبائل الآسية و الآرية حتى تشكل الشعب الآشوري و تكلموا اللغة الآشورية السامية حيث استوعبت كلمات من مختلف اللغات الأخرى وخاصة السوبارية والسومرية والأكادية و غيرها.*

تميزوا بالقوة الحربية و شدة البأس , و جمعوا بين حضارة السهول و خشونة المرتفعات الشرقية و الشمالية و مروا بمرحلة مضطربة استمرت حوالي ألف عام قبل أن يؤسسوا دولة المدن الآشورية التي خضعت للسومريين ثم للأكاديين وبعد سقوط سلالة أور الثالثة حوالي 2015ق.م بدأوا بالمحاولة في الاستقرار في مملكتهم الخاصة بهم.

أسس الدولة الآشورية القديمة الملك (بوزورآشور الأول) في نهاية القرن العشرين قبل الميلاد و اصطدموا مع البابليين و انتهى حكمهم على يد حمورابي و ظلوا تحت حكم الدولة البابلية القديمة حتى سنة 1595ق.م حيث سقطت بابل على يد الحثيين , وأسس شمسي حدد الثاني الملك الآشوري الأسرة الثانية حيث امتدت دولتهم إلى أرمينيا و سواحل المتوسط حيث غزاهم الميتانيون الذين احتلوا أشور سنة 1450ق.م .

استغل الآشوريون ضعف الميتانيون و قضوا على دولتهم حوالي 1370ق.م و استمرت حروب الآشوريين مع الكاشيين في الجنوب و الحثيين و الآراميين إلى أن وصلت دولة آشور إلى أوج ازدهارها حيث وصلت في عهد "تيغلات بلازر الأول" إلى البحر الأسود و مدينة ملاطية في الأناضول و سواحل المتوسط و احتلوا بابل و أجبروا أمراء الشام على دفع الجزية لهم .

بعد ذلك و لمدة قرنيين أصيبت الدولة الآشورية بالضعف و لم يبقى تحت حكم الملك الآشوري سوى بلاده الأصلية في حوض دجلة الأوسط و في عهد الأسرة الرابعة تمكن "آشور دان الثاني" في نهاية القرن العاشر قبل الميلاد من إعادة تنظيم البلاد حيث تمكن أبنه "حددنيراري الثاني" من استعادة البلاد التي كانت تابعة لهم فيما سبق, أما "حددنيراري الثالث" فقد أستمر في سياسة التوسع حتى جاء من بعده ملوك ضعفاء فنصب الجيش من بينه سنة 745ق.م على العرش قائداً باسم "تيغلات بلازر الثالث " وضع حداً للفوضى و حقق أمجادًا جديدة للإمبراطورية الآشورية , حيث ألغى العرش البابلي و فتح دمشق و أخضع الفينيقيين و مملكتي إسرائيل و يهودا, ووصل إلى حدود مصر ثم قام "سرجون الثاني" بنقل العاصمة إلى كلح ثم إلى نينوى و بلغت الإمبراطورية أوجها في عهد آشوربانيبال حيث كانت تضم مصر وبلاد الشام و بلاد العيلاميين و أخضع بلاد العرب و القبائل البدوية المقيمة فيها , وأهتم بالعلوم و الفنون و الأدب , إلا إن القمع الذي مُورس بحق الشعوب الأخرى , دفعها إلى الثورة في كل من مصر و سورية و جنوب بلاد النهريين و المنانيين بجوار بحيرة وان و كذلك الميديين و أخيراً ثار عليه أخوه "شماس شواولين" .

أخمد آشور بانيبال جميع تلك الثورات بوحشية و أحرق أخوه في قصره بابل حيث كتب في أحدى اللقى الآشورية "دخلنا إلى قراهم و هدمنا بيوتهم و قتلنا رجالهم و سبينا نسائهم و قلعنا أشجارهم و ذبحنا حيواناتهم"

ولكن الدولة ضعفت في عهد خلفاء آشور بانيبال و حدث تحالف قوي بين الميديين في الشمال و الشرق , و الكلدانيين في الجنوب و استطاعوا أن يدخلوا نينوى مع الهجمة الثالثة لهم و أحرقوها سنة 612ق.م رغم تحالف الآشوريين مع أعدائهم التقليديين "المصريين".

أما آخر قلاعهم فقد كانت في مدينة حران بعد سقوط نينوى بثلاث سنوات و لكن سرعان ما أطفأ الميديين آخر مشاعل الإمبراطورية الآشورية .12

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

11- صفحات من تاريخ آثوريي كردستان أبان الحرب العالمية الأولى .. لياسين خالد سردشتي.

12- التاريخ القديم و ما قبله .... للدكتور نعيم فرح .

* كانت لغتهم أكثر اعتماداً على الحروف الصوتية "من اللغات السامية الغربية كالعبرية و العربية و ذلك لاختلاطهم مع الأقوام الآرية و لأخذهم من لغاتهم.

أعتنق الآشوريون الديانة المسيحية في القرن الأول الميلادي و تركوا ديانتهم الوثنية القديمة و اتخذوا المذهب المسيحي النسطوري العقلاني في القرن الخامس الميلادي و اندمجت عندهم الزعامة الدنيوية مع الزعامة الدينية في حكم ثيوقراطي و بقي الحكم بشكل وراثي في عائلة آثورية واحدة و يقال للزعيم لديهم "مار شمعون" و كان مقره في البداية في منطقة القوش شمال الموصل ثم نقل إلى "عين كاوا" قرب أربيل و أخيراً إلى قرية قوجانس قرب "جوله ميرك" في هكارى في عهد مار شمعون الثالث عشر "1660-1700"م.13

ج- الكلدان:

يقول الدكتور سعدي المالح : الكلدان ليست قومية بل طائفة أطلق البابا يوجينيوس الرابع عليهم اسم كلدان لأن آخر من حكم في المنطقة كان الحكم الكلداني و يضيف في القرن الخامس عشر لم يكن قد بقي مسيحي واحد في جنوب ووسط العراق حسب أوجين تسران14.

كما أن المطران"ادي شير" يرجعهم إلى الآشوريين حيث يقول:"بعد فتوحات العرب تلاشى الكلدان المنجمون الوثنيون من هذه الديار و سميوا مسلمين لاعتناقهم الديانة الإسلامية فعاد أجدادنا المسيحيون و استرجعوا اسم كلداني15.

أما الحقيقة الأقرب إلى التصديق فهي أنهم من الآراميين الذين جاءوا إلى بلاد النهرين من منطقة تعرف باسم بلاد البحر قرب الخليج الفارسي و هم قريبون من البابليين من حيث الأصل و اللغة و انصهروا بسرعة معهم .

أول من أسس الدولة الكلدانية هو "نابو بلاصر" و قد حكم بابل تحت السيادة الآشورية ثم أعلن نفسه ملكاً مستقلاً حوالي سنة612ق.م تمكن أبنه "نبوخذ نصر" من إلحاق الهزيمة بالجيش المصري عند مدينة كركميش "جرابلس" سنة 605ق.م و تقدم نحو سورية و إسرائيل و تمكن من إخضاعهم .

تمرد اليهود ضد الكلدانيين,فقام نبوخذ نصر بجر حملة على أورشليم سنة 586ق.م و سبى جميع سكان أورشليم إلى بابل أما سكان الأرياف اليهود فقد مروا إلى مصر .

ازدهرت بابل في عهد نبوخذ نصر الذي بنى الحدائق المعلقة و الكثير من القلاع و القصور, وتوسع الكلدانيين نحو الغرب و الجنوب و عقدوا الاتفاقيات مع الميديين و الليديين و كيليكية .

كان عدوهم التقليدي هم المصريون و سقطت حليفتهم ميديا على يد كورش الفارسي وأجتاح الفرس بلاد سورية و فلسطين و ليديا ,و عادوا ليدخلوا بابل في عهد الملوك الضعفاء و الذي كان آخرهم "نابونيد".

دخل الفرس بابل سنة 539ق.م وسط ترحيب من اليهود الذين عادوا إلى إسرائيل و بذلك انتهى حكمهم الذي استمر 86 عاماً منها 13عاماً قبل سقوط نينوى و 73عاماً بعد سقوطها16و بعد ذلك و في عهد داريوس.أدعى شخص من بابل "لندتو-بعل" انه نبوخذ نصر بن نبونيدس و استلم عرش بابل , فزحف عليه داريوس نفسه و سحق الجيش البابلي على دجلة و الفرات , ثم و بينما كان داريوس منهمكاً في القتال من أجل تاجه في ميديا و أرض فارس , أدعى شخص آخر انه نبوخذ نصر بن نبونيدس فوجه داريوس أحد قواده ضده و قتله في 27تشرين الثاني سنة 521ق.م و في السنة الرابعة من حكم أحشو يرش قام البابليون بآخر محاولة لاستعادة حريتهم عام 482ق.م و كان إخماد هذه الثورة وحشياً و ذبح الثوار بشكل فظيع.

أما ديانتهم القديمة فقد كانت وثنية و عند قدوم المسيحية كانوا يعبدون الآلهة اليونانية,و بعضهم يعبد الديانة الزردشتية و البعض الآخر كانوا يعتنقون الديانة اليهودية.17

د- السريان:

يقول البعض إن أصلهم يعود إلى العرب , أو بالعكس من ذلك بأن يعود أصل العرب إليهم و هذا ما يردده قله من السريان و الكثير من الكتاب العرب أمثال سليمان التكريتي بحيث ينسب السريان إلى العرب و يقول:"لكن السريان من سلالة الآراميين يخافون أن يقولوا إنهم عرب و إن لغتهم عربية حتى لا يجبروا على نبذ اللغة السريانية و كتابتها".

و لكن الحقيقة هي إنهم من الشعوب السامية , و امتداد للحضارة الآرامية حافظوا على اسم سرياني و نبذوا اسم آرامي الذي كان يذكرهم بوثنيتهم , فاسم آرامي له ارتباط وثيق بمدلول ديني وثني "فما زال آرامي في العبرية يعني وثني"19. و أصبح اسم سرياني يخص فقط من تدين منهم بالمسيحية و حافظ عليها فالكثير من السريان دخلوا الإسلام و فقدوا صفتهم كسريان باستثناء بعض القرى التي أسلمت و ما زالت تتحدث السريانية .و اللغة السريانية هي فرع من اللغة الآرامية و هي تنتمي إلى الآرامية الشرقية التي تضم إلى جانب السريانية الآرامية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

13- صفحات من تاريخ آثوريي كردستان لـ....ياسين خالد سردشتي .

14- الكلدان من الوثنية إلى الإسلام لـلدكتور سعدي المالح .

15- نفس المصدر .

16- التاريخ القديم و ما قبله للدكتور نعيم فرح .

17- الكلدان من الوثنية إلى الإسلام للدكتور سعدي الصالح .

18- مجلة آفاق المعرفة العدد452.

19- سريان ولكن سوريون لـ سمير عبده .

البابلية ـ المندائية و الحضرية و الآرامية الشرقية الحالية .*

تبنى الآشوريون اللغة الآرامية لغة رسمية في الأمور الإدارية سنة (1100)ق.م و كان المشرفون على الشؤون الإدارية يتقنونها أكثر من أي لغة أخرى .

و فيما بعد جعل داريوس (522-486)ق.م اللغة الآرامية لغة إدارية رسمية و أدبية للإمبراطورية و ذلك لسهولتها و بساطتها حيث إنها تتكون من 22 حرفاً هجائياً فقط .

وقد وصلت الحروف الآرامية إلى الصين كما أن أرنولد تويني يقول:"هوشع و زردشت و المسيح و محمد, هم من أبناء الحضارة السريانية"20 أي إنهم نتاج للحضارة السريانية .

إذاً من هم الآراميون؟

السريان أو الآراميون إجمالاً من الشعوب السامية الذين هاجروا في منتصف الألفية الثانية 1500ق.م من شمال الجزيرة العربية , وتوزعوا في المنطقة التي تمتد من بلاد الشام إلى أعالي بلاد النهرين حتى الخليج الفارسي و منطقة شرقي دجلة , وقد حاول الآشوريون و البابليون صدهم و منعهم من الاستقرار في بلاد النهرين و سوريا و لكنهم لم يفلحوا .

و أسس الآراميون عدة ممالك منها مملكة بيت عدن – مملكة بيت بخياني – مملكة فدان – مملكة بيت أغوشي – مملكة يادى – مملكة حماة – مملكة صوبة – مملكة دمشق و هي أهم ممالكهم ,إلا أنهم لم يجتمعوا تحت راية ملك واحد.

اتفق السريان و الآثوريين و الكلدان في أحدى مؤتمراتهم على تسمية موحدة و هي "كلدو-آشوري" وإذا لم يذكروا اسم سرياني فالسبب يعود إلى إنهم اعتمدوا السريانية لغة لهم .

إذاً ينقسم المسيحيون في كردستان إلى ساميون قدموا من الجنوب "الكلدو-آشوريين". و آريين قدموا من الشمال والغرب و هم الأرمن بالإضافة إلى أقلية صغيرة من اليونانيين و الأكراد المسيحيين.



















































ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*يورد السيد سمير عبده اليهودية ضمن الآرامية الشرقية مع العلم أن اليهودية تنتمي إلى مجموعة الآرامية الغربية مع السامرية و الفلسطينية المسيحية و النبطية و التدمرية و الآرامية الجديدة الغربية بحسب مقالة لثائر الصابر في الثقافة الجديدة في عدد تموز 1992.

20- سريان ولكن سوريون لسمير عبده.



2ً- ديانة الكورد :

"لن أقدم على سلب أو نهب ولا تخريب أو تدمير , و لن أخذ بالثأر , و اٌقر إني أعبد الإله الواحد أهورامزدا, و إني أعتنق دين زردشت............. و أقر إني سألتزم التفكير في الخير و الكلام الطيب و العمل الصالح " الأفيستا المقدسة " كتاب الزردشتية "

كان الكورد قبل الزردشتية يعبدون عدة آلهة منهم إله الشمس "ميثرا" و آلهة الخصب "آنيتا" و عبدوا الثور الذي مات ثم بُعثَ حياً , ووهب الجنس البشري دمه شراباً ليسيغ عليه نعمة الخلود و سموه "هوما"(لهذا نرى الكثير من تماثيل الثيران و بالأخص رأس الثور في المعابد القديمة في كردستان ) .

و عبد الكورد إله السحاب و إله الريح و كل آلهة الطبيعة و فيما بعد شاركوا مع عبادة هذه الآلهة عبادة آلهة القبائل , و آلهة العائلات و ظهرت التماثيل و الأصنام و أقاموا لها معابد و قدموا لها القرابين إلى أن ظهر زردشت , حيث كان ميلاده سنة 660ق.م في أذربيجان الغربية "في كردستان الشرقية الآن" و عند بلوغه الستين من العمر , انتشرت ديانته في بلاد فارس و ميديا ووصلت إلى اليونان رغم قلة معتنقيها هناك.

و الزردشتية تقوم على أن العالم يحكم من قبل قوتين و هاتين القوتين هما: القوة الأولى و هي قوة الخير و يمثلها الإله اهورامزدا و هو المسئول عن خلق كل ما هو خير في العالم و تساعده ملائكته السبعة و هي "العقل الخير و النور و الحكمة و الخير و التقوى و الخلود و الأمر الصالح". و أما القوة الثانية و هي أهريمان قوة الشر و إله الظلمات و المسئول عن خلق كل ما هو شر بالعالم و يساعده شياطينه .

فكما إن الليل و النهار لا يمكن أن تتغير طبيعتهما و أن يجتمعا , فأن الخير لا يصبح شراً و الشر لا يصبح خيراً و كلاهما لا يجتمعان و لكن الغلبة في النهاية ستكون لإله الخير أهورامزدا,لأن الإله الحكيم يذكر الماضي و يدرك المستقبل و لكن روح الشر لا تعرف الماضي ولا المستقبل و الشر لا يعيش إلا لفائدة الحاضر و لهذا سينتصر الحكيم الواحد في المعركة على الشر في النهاية 21.

رغم أن الإسلام أخذ الكثير من الديانة الزردشتية إلا إن الزردشتية تلاشت بقوة سيف المسلمين حيث قضى الكثير منهم قتلاً و الآخرون إما فروا أو أسلموا عنوةً فلم تصمد الزردشتية في وجه الإسلام , كما صمدت في وجه انتشار المسيحية شرقاً , فكما هو معروف أن المسيحية وصلت إلى اليونان ومصر والحبشة ,إلا إنها أصدمت بالزردشتية في كردستان , ولكن الفرق بين انتشار المسيحية و الإسلام إن المسيحية قدمت إلى المنطقة فكراً أما الإسلام فقدم بفكر يسبقه السيف . فكل من أسلم من أهل الشرق أسلم بعد أن احتلت بلاده و كما يقول الكثير من المؤرخين فأن المسلمون كانوا ينتقلون من مدينة كردية إلى مدينة أخرى وسط معارك طاحنة سالت فيها أنهار من الدم إلى أن أخضعت كردستان بالقوة و فر معظم سكانها إلى الجبال ,وأما من بقي في المدن و القرى فلقد أجبر على اعتناق الإسلام ليحافظ على حياته و أملاكه فالكورد لم يكونوا من أهل الكتاب ,حتى ينظر لهم نظرة الإسلام إلى المسيحية و اليهود و يكتفوا بأخذ الجزية منهم ,بل نظروا لهم على إنهم عبدهَ نار مشركين.*

و لكن رغم ذلك حافظ الكرد على بعض الديانات القديمة في جبال كردستان ,فكردستان رغم أنها تعتبر أرشيف العالم القديم بما تضمه من آثار ,فهي تملك بقايا الكثير من الديانات القديمة و حتى الأساطير و الحكايات الموغلة في القدم , فالكورد"عموماً لم يكن التعصب الديني من صفاتهم كما أن قبائل كردية عديدة اعتنقت الإسلام شكلاً ,ولو أن المذهب الإسلامية تطورت بين الأكراد بالذات "22.

فإلى جانب الإسلام بجميع طوائفه حافظ الكرد على الديانة الأزيدية "والتي يقول معتنقيها بأنها أصل الديانة الزردشتية" في المناطق المنيعة من كردستان و البعض الآخر قام بتحريف الإسلام لما يتناسب و معتقداته القديمة "كالعلي ألاهي" عند عشائر الظاظا في منطقة ديرسم و"أهل الحق" في جنوب كردستان على جانبي الحدود الإيرانية العراقية, ولكن أجمالاً بقي شيء من الديانة الزردشتية عالقاً في ذاكرة الأمة الكردية فاسم "أوجاع" لا زال يتردد يومياً لدينا و له قدسية خاصة و هو يعني بيت النار في الديانة الزردشتية ,و أسماء زردشت النبي و جومرد أول البشر في الزردشتية ما زالت تطلق على الكثير من أطفال الكرد.

وإذا كان أساس هذه المقالة هو تسليط الضوء على المذابح التي جرت في بداية القرن ,فيجب علينا أن ننظر إلى ما آل إليه حال الأزيديين و العلويين "علي ألاهي" و الأكراد الآخرين المتدينين بغير الإسلام في ظل الإمبراطورية العثمانية.

"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و أقعدوا لهم كل مرصد فأن تابوا و أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم" الآية(5)سورة من التوبة.

ما تعرض له الأيزيدين من مذابح تكاد تكون أكثر وحشية من مذابح المسيحيين في بداية القرن العشرين فلقد أمتد قتل الأيزيدين لقرون بدأت مع بداية الحكم الإسلامي للمنطقة ولم ينتهي بنهاية الحكم العثماني .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هناك وجهة نظر أخرى تقول أن الأكراد دخلوا الإسلام طواعية لما رأوا فيه من عدل و سماحة.

21- الديانات لـ سليمان مظهر .

22- القضايا القومية في تركيا لـ مانوفيل هسرتيان.

فأما من نجا من المذابح ,أما انه احتمى داخل حدود الدولة الروسية أو في أعالي جبال كردستان ,فنظرة المسلمين لهم على أنهم مشركين و عبدة الشياطين أثقلت ذنوبهم في نظر المسلمين و حللت دمائهم و لكنهم رغم ذلك تمكنوا و لفترات قصيرة أن يحكموا بعض مناطق كردستان ,كما حصل حين حكم أمير أيزيدي كلاً من أربيل و صوران و سنجار , كما أنهم تمكنوا أيام حكم صلاح الدين من الازدهار و انتشرت معتقداتهم و بلغوا الجبال المطلة على مدينة أنطاكية و البحر المتوسط و في نهاية القرن الخامس عشر كانت سبع تجمعات كردية من أصل ثلاثين تجمعاً قبلياً كردياً تدين باليزيدية23, و في سنة 1415م هدم المسلمون ديرهم "دير لالش" في جبل سنجار24, و في سنة 1534م أصدر مفتي الدولة التركية فتوى تبيح قتل الأيزيديين الكفار واستمرت حملات الإبادة بحقهم إلى عام 1918م و التي كان آخرها في جبل سنجار و بلغ عدد الحملات 72 حملة إبادة .حيث كان عدد الأيزيديين سنة 1910م حسب مينورسكي يقارب الـ"125"ألفاً

مئة ألف منهم في سنجار و الموصل و هكارى و 25ألفاً منهم في روسيا ,أما المناطق الأخرى من كردستان و التي يذكر كتاب شرفنامه وجودهم فيها فلقد أبيدوا بالكامل.

و إذا أخذنا العدد125ألفاً الذي أورده مينورسكي في بداية القرن العشرين و بمعدل الزيادة في الشرق الأوسط لبلغ عددهم اليوم قرابة الأربع ملايين و لكنهم في الحقيقة لا يتعدون المليونين نتيجة للسياسات و المذابح التي جرت بحقهم.

أما الديانة الأخرى المنتشرة في كردستان فهي العلي ألاهي "القزل باش" فأتباعها لم يؤدوا الخدمة و كانوا على الدوام أقل أماناً بالنسبة للدولة التركية في الأناضول و منطقتهم ديرسم وما حولها ,لم تهدأ الثورات و الاعتداءات من جانب الحكومة التركية فيها أبداً ,فبعد معركة تشالديران قام السلطان سليم الأول بارتكاب مذبحة بحقهم حيث قتل أربعين ألفاً منهم .أما الفضل في بقاء القزل باش كما الأكراد الغير مسلمين الآخرين فيعود حسب قول الضابط البريطاني ميلينغر العامل في الجيش التركي "أن جبال ديرسم تعد قلعة الأمة الكردية".

إذاً الجبال دائماَ الملاذ الأخير للشعب الكردي كما كانت جبال هكارى ملاذاَ للآشوريين .

أما الأكراد المسيحيين فأن المسعودي في مروج الذهب يذكر اسم ستة عشر عشيرة كردية أثنين منها من العشائر المسيحية و هي (اليعقوبية و جرُقال) يسكنون حوالي الموصل و جبال جودي25.

و اليوم لا نكاد نجد منهم سوى أقلية صغيرة جداً , أما الكورد المعتنقون لليهودية ,فلقد هاجر معظمهم إلى إسرائيل في بداية قيام الدولة اليهودية و القسم المتبقي منهم و المتواجد و بشكل رئيسي في كردستان الجنوبية و الغربية فلقد هاجروا في بداية التسعينات إلى سنة 1995م26,كما أن بعض المستشرقين في القرن التاسع عشر تحدثوا عن عبدة الشمس في كردستان,واليوم لا نجد لهم أي أثر .

3ً- علاقة القوميات المسيحية في كردستان مع الكرد حتى نهاية القرن التاسع عشر :

تميزت علاقات الكرد مع الأرمن من جهة و الكلدو-آشوريون من جهة أخرى عن علاقتهم بالقوميات الأخرى المجاورة لهم كالعرب و الفرس و الترك ,و كان من أهم أسباب هذا التمييز هو التكامل الاقتصادي بين الكرد و المسيحيين واليهود من جهة و التنافس المستمر على المراعي و الأراضي الخصبة, الذي ساد علاقات الكرد مع القوميات المسلمة المجاورة لها , بالإضافة إلى وجود ارث حضاري مشترك بين مسيحيو كردستان و الكرد, بحيث يمكننا القول بأن المسيحيون و اليهود كانوا على الدوام بالنسبة للمدن الكردية ,كالملح للطعام.

كانت علاقة الكرد مع المسيحيين و اليهود في كردستان تقوم على أساس العيش المشترك و المصلحة المتبادلة, حيث كان الكورد في مجملهم عشائر رحل و مزارعين يقضون ربيعهم و صيفهم في الجبال "زوزان" و شتائهم في السهول حيث كانوا يزرعون الأرض قبل مغادرتها و عند عودتهم إليها يحصدونها.

فكما تميز اليهود على الدوام بالتجارة و اكتناز المال, تميز مسيحيو كردستان بالصناعات الحرفية المتنوعة بالإضافة إلى الزراعة فكانت العلاقات الاقتصادية في المجتمع الكردستاني علاقات متكاملة تقوم على الأركان الثلاثة (التجارة في أغلبها بيد اليهود و الصناعة للمسيحيين و الزراعة و تربية الماشية التي ميزت القبائل الكردية .

و إلى جوار هذه العلاقات المتميزة, أقام الكرد و المسيحيون و اليهود علاقات اجتماعية ربما تفوق في متانتها العلاقات الاقتصادية, فكانوا يحتفلون سوية بالأعياد الدينية و القومية, كما أن ظاهرة "الكريڤ" التي يذكرها كاتب مسيحي, قد أنفرد بها المجتمع الكردستاني, و هي علاقة اجتماعية تربط الكردي المسلم مع المسيحي أو اليزيدي بغض النظر عن أصلهم القومي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

23- أمة في شقاق لـ جوناثان راندل.

24- الأكراد ملاحظات وانطباعات لـ ف.ف.مينورسكي.

25- دائرة المعارف الإسلامية .

26- أمة في شقاق لـ جوناثان راندل.

لو راجعنا كتب التاريخ لرأينا الكثيرين من المواقف الإيجابية التي جمعت الشعب الكردي مع الشعوب المسيحية و ربما القصة التي تثبت لنا مدى قوة العلاقة بين الشعبين هي ما ورد ذكره في كتاب "شرفنامه" لشرف خان البدليسي حيث يذكر قصة "زرين جنك" و إعادة حكم هكارى إلى الأمراء الأكراد بعد قيام "الآق قونيلية" التركمان باحتلال هكارى في يوم الأربعاء يوم الاستراحة في هكارى*, و قتلوا حكامها و يقول شرف خان البدليسي ((....و أخيراً كانت جماعة من الرعاية من نصارى تلك الولاية المشهورين بالآشورية قد ذهبت حسب العادة إلى مصر و الشام للتكسب و العمل, فأتيحت لهم الفرصة بأن يروا بأنفسهم أسد الدين"زرين جنك" و ما عليه من مكانة و علو الشأن و هو أحد أبناء حكماء هكارى سافر إلى مصر و فقد أحد ذراعيه في معركة بجانب سلطانها فوضع له ذراعاً من ذهب, فأستقر رأيهم على أن هذا الشخص يليق لحكومة هكارى.

ولما عرضوا هذا على أسد الدين رضي به, فسافر معهم إلى ولايته الموروثة هكارى سراً, و لبث وقتاً ما مختفياً بين الطائفة الآشورية هذه, منتظراً الفرصة السانحة.و في يوم السبت اليوم الذي يقوم فيه النصارى بنقل الذخيرة و الحطب و غيره من اللوازم إلى قلعة "دز".

في يوم من أيام السبت عمدوا إلى إلباس أسد الدين مع جمع من أبطال العشيرة ثياب النصارى و أزيائهم و قد أخفوا أسلحتهم و عتادهم في أحمال التبن و الحطب و دخلوا جميعهم حسب العادة القلعة و ألقوا فوراً الأحمال و تقلدوا السلاح و باغتوا حامية القلعة بهجوم خاطف فلم يتركوا لهم مجالاً للدفاع و المقاومة قط, و سمي أحفاد أسد الدين بحكام "شنبو" لأنهم فتحوا القلعة في يوم السبت, و يوم السبت في الآشورية "شنبو"))27.

أما انتفاضة يزدان شير فلقد شارك فيها الأرمن و الآشوريين بقوة حسب كمال مظهر حيث يقول "ناضل الآِشوريون ضمن صفوف الانتفاضة التي قادها يزدان شير ضد الأتراك سنة 1854م و بلغ تعدادهم حوالي 100ألف شخص * و امتدت من وان إلى الموصل " و عن نفس الانتفاضة يقول مينورسكي "مما تجدر الإشارة إليه هو أن الحركة لم تكن ضد المسيحيين و إنما بالعكس فأن النسطوريين و اليونانيين الذين كانوا يعيشون في كردستان قد نهضوا أيضاً و حاربوا تحت راية يزدان شير", وهناك العشرات من الأمثلة الرائعة عن الصداقة و التعاون المتبادلة بين مكونات شعب كردستان بكل قومياته وأديانه فكثيراً ما كان الأرمن يحثون الروس على مساعدتهم هم و الأكراد على التحرر من النير التركي وقد قام الشخصية المعروفة في حركة التحرر الأرمنية سنة 1701م "إسرائيل أوري" بتسليم رسالة إلى بيوتر الأول في موسكو من أمراء و ملوك الأرمن مطالبين بضم أرمينيا و كان يذكر من بين حلفاء الأرمن الكرد و الجورجيين و اليونانيين و العرب 28.كما أن داڤيد نازار في مذكراته 6 ديسمبر1725م يذكر مشاركة قوى عديدة كالأرمن و الكرد و الأزريين في النضال المشترك ضد العدوان التركي29.كما أن الأرمن و الأكراد سنة 1828م قاوموا الأتراك و تمكنوا بفضل قواتهم المتواضعة قرب قلعة رادوڤان القريبة من الموصل من إبادة الجيش التركي بشكل كامل تقريباً و كان قوامه ثلاثين ألفاً و ذلك حسب قول خ.أبو ڤيان30.

حتى أن جميع الثورات الكردية تقريباً كانت تضم إلى صفوفها إلى جانب الكرد الآشوريين و الأرمن أيضاً, ففي سنة 1877م كان الوطني الأرمني "حاجي جرك أوغلي" هو الذي يقدم السلاح للأكراد في ديرسم.

و يقول مينورسكي على لسان الكاتب الأرمني أبو ڤيان سنة 1846م كلمات رائعة عن الأكراد حيث يصفهم "بالروح الحربية - الصدق والإخلاص- الخضوع الواعي لأمرائهم- الوفاء بالعهد- حب الضيف- الثأر بين الأقرباء- الميل إلى السلب والنهب- الاحترام اللامتناهي للمرأة.. هذه هي الصفات العامة للشعب الكردي".

و في بداية القرن العشرين في (1903-1904)م أثناء الاضطرابات في ساسون قدم الأكراد مراراً الدعم للأرمن في السر و العلن, و الذي بفضله لم يتمكن الأتراك من القيام بمذبحة جديدة على ذلك النطاق الذي تم قبل عشر سنوات.31 أما جليلي جليل فيقول "عندما نعود إلى التاريخ نجد للكورد و الأرمن علاقات أخوية وطيدة و هي خاصة جداً, حتى إن حب الأرمن للفلكلور الكردي لا يقل عن حب الكورد أنفسهم لهذا الفلكلور و هذا له جذور تاريخية"32.

وكتب الدكتور ليبتسوس في مقالة "الأكراد والأرمن" المنشورة سنة 1904م في مجلة الشرقي الأرمني عن علاقات الصداقة بين الأكراد و الأرمن ما يلي:"كانت تسود بين الأرمن و الأكراد حتى سنة 1848م علاقات صداقة حميمة وتم العديد من حالات القرآن بينهم, كان الأكراد يحترمون جداً شعائر و طقوس الأرمن الدينية".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*إجمالي عدد المنتفضين.

27- شرف نامه لشرف خان البدليسي.

28- ملخص أبحاث علمية كردية لـ خاليت مرادوفيج جتويق. 29- نفس المصدر. 30- نفس المصدر.

31- الحركة الكردية في العصر الحديث"عن نشرة أركان مقاطعة القفقاس العسكرية الروسية.لمجموعة من المؤلفين.

32- نفس المصدر ...مجموعة من المؤلفين.

كما إن علاقات الحركة التحررية الكردية مع حزب طاشناق غنية عن التعريف و استمر التنسيق بينهم إلى الثلاثينات من القرن العشرين حيث ساند الأرمن الكرد في تشكيل أول حزب سياسي كردي و هو حزب "خويبون" و استمروا في دعمه إلى نهاية الثلاثينات.

4ً- بداية الحروب الطائفية:

"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون۝و قالت اليهود عزيز أبن الله و قالت النصارى المسيح أبن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون۝الآيتين"29-30"من سورة التوبة.

الحروب الطائفية أول ما بدأت و الشرارة الأولى لها كانت من لبنان و تحديداً بين الدروز والمسيحيين المارونيين, والسبب في إشعال تلك الحرب كان تدخل القوة الخارجية من جهة والوضع المزري للمسيحيين داخل الدول الإسلامية المتعاقبة .

ففي البداية كان إبراهيم باشا بن محمد علي الكبير والي مصر المسؤول عن إشعال نار الفتنة بينهم, حيث طلبت الدولة المصرية من الأمير الشهابي بأن يجمع أربعة آلاف من النصارى و يقوم بتسليحهم و يقاتل بهم الدروز الذين فروا من الخدمة العسكرية و أعلنوا العصيان و تمكن المارونيين من دحر الدروز والتغلب عليهم و هذا ما أدى إلى إشعال نار الحقد و الكراهية بين الدروز, و كانت بداية الحرب الطائفية في المنطقة في العصر الحديث33.

رغم وجود أشباب اقتصادية و اجتماعية أخرى حيث قام الفلاحون الموارنة بالثورة في وجه الإقطاعيين الدروز مما دفع بالإقطاعيين إلى تشجيع الطائفية بين الفلاحين, إلا إن السبب الأساسي لاستمرار الصراع كان التدخل الغربي حيث قام الانكليز بدعم الدروز و قدم الفرنسيين الدعم للمارونيين, ولم تبقى تلك الحرب الطائفية محصورة في لبنان بل انتقلت سنة 1895م إلى ولاية حلب حيث حدثت صدامات بين الحكومة العثمانية والأرمن في قضاء الزيتون من أعمال مرعش قتل على أثرها عدد كبير من الأرمن .

كانت أحوال المسيحيين واليهود وجميع الرعايا من غير المسلمين مزرية داخل الإمبراطورية العثمانية ومن قبلها الدولة العربية الإسلامية "العباسية", وبسبب ضغوط القوى الغربية ونظراً لتفاقم المشكلة وانفجارها في بعض المناطق اصدر السلطان سنة 1839م منشور"خط شريف كلخانة" الذي ساوى بين المسلمين وغير المسلمين, وكان ثورة خطيرة على المبادئ الدينية حيث ضمن المنشور "أمنية الروح والعرض والمال" و في أيار 1855م صدر أمر سلطاني يرفع الجزية عن غير المسلمين ومنحهم امتياز حمل السلاح وفي شباط 1856م أصدر السلطان منشور "همايون" الذي كان من أهم مبادئه "معاملة جميع تبعية الدولة معاملة متساوية مهما كانت أديانهم و مذاهبهم وأبقى الامتيازات والحقوق الممنوحة لرؤساء الملل الغير مسلمة"34

فقبل ذلك كانت المساواة لا تتحقق إلا بوحدة الدين, وكان على المسيحيين و اليهود و غيرهم من أتباع الديانات غير المسلمة الكثير من الأعباء المالية وأهمها الجزية التي كانت مقررة على الذكور البالغين القادرين على العمل,أما الوظائف والمناصب العليا في الدولة والجيش فقد كانت محرومة عليهم رغم وجود بعض الاستثناءات.

وقف رجال الدين الإسلامي في وجه الإصلاحات كما أن الرعية لم تقبل بالمساواة لأنها تخالف نصوص الشريعة والدين, "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء, بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين"

وبقيت العناصر الجاهلة و المحافظة والمستفيدة من النظام السابق تحارب هذه الإصلاحات, ولم ينتبهوا إلى إنهم بوقوفهم في وجه هذه الإصلاحات يشعلون نار الفتنة التي استمرت من نهاية القرن التاسع عشر إلى الثلاثينات من القرن العشرين.

5ً- الأتراك ودورهم في إبادة المسيحيين:

"تركيا الحديثة التي تحررت من الوصايا الأوروبية احتفلت ببعثها القومي بقتل ما يقارب مليوناً من أتباعها" السفير الأمريكي هنري مورغنطاو.

نشأت الإمبراطورية العثمانية التركية في أرض بعيدة عن أراضي الشعب التركي و الذي يقطن آسيا الوسطى, حيث خرج الأتراك العثمانيون وحسب ادعائهم من منطقة "توران" شمال شرق إيران و استوطنوا غرب هضبة الأناضول وآسيا الصغرى, كما فعل الأكراد أيام الدولة الأيوبية والعرب المسلمين في الأندلس ولكن الفارق بينهم من جهة وبين الكرد والعرب من جهة أخرى هي أنهم تمكنوا من تتريك الأناضول نتيجةً لبطشهم من جهة و استغلالهم للدين الإسلامي من جهة أخرى لتحقيق مطامع قومية وشخصية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

33- تاريخ المشرق العربي المعاصر للدكتور أحمد طربين.

34- نفس المصدر.

تم تتريك آسيا الصغرى على حساب الشعب الأرمني في جزء من طوروس وكيليكية وولاية ترابزون و البيزنطي "اليوناني" في الجزء الغربي من البلاد بما فيها القسطنطينية وقسم من شبه جزيرة البلقان والموانئ اليونانية في آسيا الصغرى.

ولعل ما ساعد القبائل التركية على احتلال الأناضول هو العداء الاجتماعي بين الفلاحين و طبقة الإقطاعيين من جهة والعداء القومي بين الأقليات و بخاصة الأرمنية و السلطة البيزنطية من جهة أخرى, حيث كانت السلطة البيزنطية تحاول فرض مركزية شديدة على الأرمن والقوميات الأخرى.

بعد أن تمكن الأتراك من استعباد البلاد, استفادوا كثيراً من الشباب اليوناني و الأرمني حيث قاموا بتدريبهم وتربيتهم تربية عسكرية ليكونوا وقوداً للغزوات العثمانية وليشكلوا مع شباب البلقان القوة العسكرية العثمانية الرئيسية و التي سميت بالإنكشارية.

كما أن خزينة الدولة ازدهرت بسبب الغزوات من جهة والجزية التي فرضوها على من بقي من الأرمن واليونانيين وغيرهم من المسيحيين على ديانتهم من جهة أخرى.

والنتيجة أن الشعوب المسيحية عاشت حياة استعباد في ظل السلطة العثمانية, ختمت الدولة العثمانية تلك العبودية بالمذابح الأرمنية والتي كانت من أبشع صور التطهير العرقي والتطرف الديني في بدايات القرن العشرين والتي لم ينج منها الآشوريين والسريان واليونانيين والأكراد المسيحيين والإيزيديين .

حاول الأتراك مراراَ ويحاولون حتى اليوم التهرب من تلك المذابح وإلقاء الذنب على الشعب الكردي وهذا ما يقوله أرميانسكي فينسيك "عندما أثارت أنباء الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في آسيا الصغرى السخط والاستنكار خارج البلاد, حاولت حكومة تركيا الفتاة و على لسان طلعت باشا صاحب المبادرة والمنظم المباشر للإبادة الجماعية إلقاء الذنب كله على الأكراد بغية التشهير بالحركة الكردية التحررية من جهة وتبرير التنكيل الجماعي من جهة أخرى"35.

ويقول أرشيف سياسة روسيا الخارجية في مكان آخر:"سعت السلطات التركية في كل فرصة مناسبة وخاصة أمام الشخصيات الدبلوماسية والرأي العام الغربي لإظهار الأكراد في المقام الأول دون التعرض عن أسلوب كهذا (مثلاً ارتداء الجنود الأتراك الزي الكردي القومي)".

ولكن المسئولين الأتراك في تلك الفترة يدينون أنفسهم بتصريحاتهم فمثلاً يقول طلعت باشا وزير الداخلية التركي أمام أصدقائه "أنني أنجزت من القضية الأرمنية خلال ثلاثة أشهر فقط ما عجز عنه عبدا لحميد خلال ثلاثين سنة"36.

أما جودت باشا حاكم وان وبعد أن قتل أربعة وعشرين ألف مسيحي قال"إذا أطلق المتمردون طلقة واحدة سأقتل كل رجال ونساء المسيحيين وكل طفل إلى هنا(ويقصد ركبته)"37.

ولهذا كان رجال الدين وزعماء المسيحيين يقولون لذويهم "حتى إذا أحرقوا بعض قرانا لا تثأروا لان قتل البعض منا أفضل من تدمير الأمة"38.

ويقول نيكتين على لسان أحد قادة لجنة الاتحاد والترقي ما يلي:"يجب أن تطهر بلادنا من العناصر الغير تركية"39. وكما هو معروف بعد مذابح المسيحيين بدءوا حرباً شاملة ضد الشعب الكردي وأفرغت مناطق كاملة من السكان "فبعد تهجير الأرمن سنة "1915-1916"م صدرت مراسيم سلطانية عن تهجير الأكراد من المناطق المجاورة لجبهات القتال إلى غرب الأناضول بنسبة 10أكراد مقابل100تركي في هذه المناطق وكان مصير الأكراد المهجرين لا يختلف عن مصير الأرمن قبلهم فقد تم خلال سنوات الحرب تهجير 700ألف كردي مات أكثر من نصفهم في أثناء الطريق حتى أن الأراضي الواقعة جنوبي وغرب بحيرة وان التي كان يعيش فيها ثمانية آلاف كردي أصبحت خالية تماماً من الناس40.

وفي رسالة للجمعية الآشورية إلى عصبة الأمم في 10آب 1925م "لا تكتفي تركيا بنهب الممتلكات وسرقة المواشي وحرق المدن وشنق القادة واستعمال العنف ضد السكان المسالمين فتلجأ إلى تهجير ما تبقى من الأكراد الناجين من الحرائق والمجازر بشكل قسري..... ولقد أعدم أغلبية الرجال في الطريق, أما النساء اللواتي لم يسعدهن الحظ بالموت جراء الهمجية والقهر فلقد اغتصبن وبعن في أسواق مدن وقرى الأناضول"41.

لقد كان منهج القيادة الثلاثية في تركيا سنة 1915م في المسألة القومية يقوم على إبادة الأرمن ومن ثم يلحق بهم الآشوريين فالكورد والقوميات الأخرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

35- الحركة الكردية في العصر الحديث عن أرشيف سياسة روسيا الخارجية – مذبحة الأرمن في الإمبراطورية العثمانية وثائق يريفان سنة1966م ص27......مجموعة من المؤلفين .

36- قتل أمة..... هنري مورغنطاو

37- نفس المصدر. 38- نفس المصدر

39- الحركة الكردية في العصر الحديث........مجموعة من المؤلفين.

40- كردستان تركيا بين الحربين ........هسرتيان.

41- كردستان تركيا بين الحربين ص139...........هسرتيان.



ففي برقية لوزير الداخلية التركي إلى محافظ حلب كتب فيها "لقد أبلغناكم قرار الجمعية المتخذ بشأن تصفية الأرمن القاطنين في تركيا – إن من يقف ضد القرار يمنع من التوظيف في دوائر الدولة أو الاستمرار فيها ومهما تكن الإجراءات قاسية, فهي ضرورية للقضاء عليهم,لا تثيروا اهتماماً للعمر ولا للجنس ولا لتأنيب الضمير"42.

أما تقرير لجنة كينغ – كراين بخصوص تقسيم الإمبراطورية العثمانية فيقول" إن تعداد هذه المذابح التي سبقت يشير إلى أن هذه الجرائم هي جزء من سياسة الزعماء الأتراك التي تعود إلى زمن بعيد وتم تكرارها باستمرار"43.

وفي شهادة لصديق الساسة الأتراك والمدافع اللدود عن سياستهم الداخلية السفير الألماني وانغهايم فيقول "أرسلت إنساناً ليقوم بتحقيقات وأخبرني أن أبشع الاعتداءات الوحشية ارتكبت من قبل الرسميين الحكوميين الأتراك وقطاع الطرق والسجناء"44*1.

ويضيف السفير الأمريكي هنري مورغنطاو "1913-1917"م :"حتى أن بعض الجنود الأتراك كانوا يقومون بصلب المسيحيين على الخشب بالمسامير و يصيحون,فليأت مسيحك لإنقاذك".

كما أننا سنورد المزيد من رسائل طلعت باشا وزير الداخلية التركي إلى ولاية حلب, فبتاريخ 5أيلول1915م كتب ما يلي:"كما تم إعلامكم سابقاً, فأن الحكومة وبأمر الجمعية (جمعية الاتحاد والترقي) قررت إبادة الأرمن الذين يقيمون في تركيا على نحو تام,وكل الذين يعارضون هذا القرار والأمر, لا يستطيعون الاستمرار في خدمة الحكومة يجب وضع حد, دون سماع صوت تأنيب الضمير ودون أي استثناء لوجود النساء والأطفال والمرضى اللذين حالتهم سيئة". وفي برقية أخرى في 29أيلول1915م يقول:" علمنا أن بعض أفراد هذا الشعب بالإضافة إلى الضباط قد تزوجوا من أرمنيات, هذا الأمر ممنوع بصرامة وأعتبر أن من الأهمية بمكان أن يتم طلاق هؤلاء النساء و إرسالهن إلى الصحراء". وبتاريخ 2كانون الأول1915م كتب يقول:" علمنا أن بعض الضباط الأجانب يقتربون من جثث الأفراد اللذين تعرفون على طول الطريق ويقومون بالتقاط صور لهم, أحيطكم علماً أنه أمر في منتهى الأهمية أن يتم دفن هذه الجثث مباشرةً وأن لا تترك مكشوفة في الطرقات"45.*2

ومن كل ما سبق نجد أن المسئول الأول عن تلك المذابح هو العقلية الطورانية القائمة على العنصرية وإلغاء الآخر والنظرة الدونية للشعوب الأخرى.

فبعد مجازر الأرمن وفي ذروة ارتكاب مجازر بحق الكرد أعلن عصمت باشا رئيس الوزراء التركي في 30آب 1930م في سيواس" للأمة التركية وحدها, حق المطالبة بالحقوق الجنسية والعنصرية في هذه البلاد ولا حق في هذا لأية عناصر أخرى".

وقد قال الكولونيل توركيش أحد قادة انقلاب 12أيار1960م "إذا ركض الكرد وراء وهم خلق دولة فإن قدرهم سوف يزال من على وجه الأرض, لقد أظهر العرق التركي الطريقة التي يستطيع فيها أن يعامل أولئك الذين يشتهون الوطن الذي حصل عليه على حساب دماء كادحيه, لقد أزال هذا العرق الأرمن من هذه الأرض عام 1915م واليونانيين عام 1922م"46.

ويقول رمز العدالة التركية محمود أسعد بك وزير العدل في خطابه في أوديميش "لن أكتم شعوري فالتركي هو السيد الأوحد والصاحب الأوحد للبلاد, أما الأشخاص المنحدرين من أصل تركي غير نقي فلهم حق واحد فقط في هذه البلاد وهو أن يكونوا خدماً, أن يكونوا عبيداً وليسمع هذه الحقيقة الأصدقاء والأعداء ولتعلمها كذلك الجبال".

ونعتقد أن المقصودين بالجبال هم شعوب كردستان القديمين في تلك الأرض قدم الجبال.









ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*1 قامت الدولة التركية بفتح السجون في كل أنحاء تركيا وأطلقت سراح المجرمين وأوصتهم أن يتصرفوا كمسلمين جيدين تجاه الأرمن اللذين يقتربون" قوافل المهجرين من الأرمن"...هنري مورغنطاو.

*2 قام الأتراك بإتلاف أكثر الوثائق التي تدينهم, إلا أن الوصول الصاعق لقوات اللورد اللنبي أنقذ بعض الوثائق و التي عرضنا بعضها. .إدوارد هايل بريستاد.

42- كردستان تركيا بين الحربين ص64... هسرتيان.

43- الخيانة الكبرى.......إدوارد هايل بريستاد.

44- قتل أمة......... هنري مورغنطاو.

45- الخيانة الكبرى.......إدوارد هايل بريستاد.

46- كردستان صراع لم يهدأ ..... فيليب ج بروك – ستيفان سبيرل.



6ً- موقف الحكومات الغربية من المذابح:

"هؤلاء يغطون بدهاء سياسة النهب بستار نشر المسيحية " لينين.

كان انهيار الدولة العثمانية يعني اختلال التوازن في القارة الأوروبية وكان هذا يتناقض مع مبدأ التوازن الذي أقرته الدول العظمى في مؤتمر ڤينا في بداية القرن التاسع عشر, كما أن قيام دولة قومية في الشرق سيهدد مصالح الدول الغربية وامتيازاتها لدى "رجل أوروبا المريض" ومنه فأن أي حركة تهدد وحدة الدولة العثمانية أو وجودها إنما تهدد مصالح الدول الغربية, ولهذا نفهم وقوف الدول الغربية ضد كل الثورات الكردية وعدم التزامها بوعودها للشعوب الكردستانية الأخرى.

فكما يقول جليلي جليل "أراد الغرب أن تكون كردستان بيد الرجل المريض (العثمانيين) بدلاً من أن تنشئ دولة قوية وفتية سرعان ما ستقوم بتهديد مصالح الدول الاستعمارية في المنطقة وتأخذ زمام المبادرة في الشرق حيث الصراع التاريخي"47.

ومن جهة أخرى كان هناك تناقض في مصالح الدول الغربية نفسها فبقاء الدولة العثمانية يعني تحقيق هدف الحكومات الغربية بحرمان روسيا من الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج والبحر المتوسط وتفكيكها يعني العكس, أي وصول الروس وعبر تحالفهم مع الكرد والمسيحيين في كردستان إلى قلب الشرق الأوسط ومن ثم إلى المتوسط والخليج ويقول لازاييف بخصوص ذلك "لم تكن فشل الإصلاحات الأرمنية* لصالح اسطنبول وبرلين حيث لم تكن مقاليد السلطة فيهما بأيدي أعداء حرية الأرمن وحسب وإنما كانت لصالح لندن و باريس اللتين تخشيان تقوية نفوذ روسيا في شرق آسيا الصغرى, ووقفت تركيا والدول الغربية الرئيسية في جهة واحدة ضد روسيا"48.

ثم أن الدولة العثمانية كانت قد وقعت مع الغرب اتفاقيات اقتصادية تحول بموجبها الشرق إلى سوق تصريف البضائع للدول الغربية فمثلاً عقدت بريطانيا سنة1838م اتفاقية مع تركيا بهدف تسويق بضائعها إلى الشرق الأوسط وحصل التجار الفرنسيين والبريطانيين على امتيازات داخل الإمبراطورية العثمانية لم يحصلوا عليها إلا في مستعمراتهم.وما يؤكد أن الغرب كان يريد الحفاظ على وحدة الدولة العثمانية هو التدخل السافر لصالح الدولة العثمانية لإسقاط جميع الثورات الكردية, حيث كان لهم اليد الطولى في إسقاط ثورتي بوطان الأولى بقيادة بدرخان و الثانية بقيادة يزدان شير حيث تدخل القنصل البريطاني وقام بمصالحة عدد من زعماء العشائر الكردية مع السلطة التركية وتمكن من خداع يزدان شير بعد أن أقسم له قسم الشرف ليخرج من القلعة للتفاوض مع الأتراك وبعد أن وقع في يد الأتراك نكث بوعده. واستمر تدخل الغرب لصالح الأتراك حتى بعد سقوط السلطة العثمانية وقيام تركيا الكمالية.

ويتحدث الدكتور رزق الله هيلانة عن دور الغرب في الحفاظ على الدولة العثمانية:"هذا الجيش الذي كان يرهب الأوروبيين منذ القرن السادس عشر, ها أن الأوروبيين سيعملون على تحديثه وتسليحه وتنظيمه من أجل تحديث الاقتصاد وإنشاء هياكله الأساسية من سكك الحديد ومرافئ ومصالح وطاقة كهربائية وغير ذلك تحت ستار نظام الامتيازات......"49.

إذاَ كانت إستراتيجية الغرب هو المحافظة على بقاء الأمور على حالها, أما بالنسبة لوعودهم للكورد أو المسيحيين من أرمن وكلدوآشوريين فكانت وعود جوفاء لا قيمة لها, وإنما كانت لغايات تكتيكية ومرحلية ولم يكن ضمن إستراتيجية الدول الغربية إنشاء أي دولة كردية كانت, أم آشورية ولا حتى أرمنية.

فكما يقول لازاييف "في الواقع لم يستطع تدخل أوروبا التخفيف من وطأة وضع الأرمن بسبب تحويل الدول الكبرى المسألة الأرمنية إلى عملة صرف في صراعها التنافسي على الساحة الشرق أوسطية". ويضيف في موقع آخر"لم تهتم لندن بالقضيتين الكردية والأرمنية بحد ذاتها, بل كوسيلة ضغط على الإمبراطورية العثمانية وإيران من جهة وعلى روسيا من جهة أخرى"50.

ولكن الدول الغربية تدخلت وبشكل سافر وبمساعدة الأتراك والإيرانيين في تأجيج الصراعات القومية والدينية في المنطقة, ففي رسالة بعث بها بيركينس عام 1836م إلى مار شمعون يقول فيها:"إن العذاب الذي تتحمله أنت وشعبك هكذا طويلاً في هذه المنطقة ما هو إلا نتيجة الظلم الإسلامي .......وقد أسترعى ذلك عطف الأشقاء المسيحيين في أمريكا وأثار اهتمامهم بالموضوع"51. ولكننا سنجد لاحقاً أن هذا العطف بقي على الورق عندما تعرض الآشوريين للمذابح تكراراً منذ بداية القرن العشرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* اتفاقية بين روسيا وتركيا بهدف حماية الأقليات المسيحية في الإمبراطورية العثمانية وفي مقدمتهم الأرمن.

47- من تاريخ الإمارات في الإمبراطورية العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر ...... جليلي جليل.

48- الحركة الكردية في العصر الحديث .......... مجموعة من المؤلفين.

49- المديونية حصان طروادة للاستعمار الجديد في البلدان المتخلفة .......د.رزق الله هيلانة.

50- الحركة الكردية في العصر الحديث ......مجموعة من المؤلفين.

51- من تاريخ الإمارات في الإمبراطورية العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر..... جليلي جليل.

كان للمبشرين الدور الأكبر في تأجيج تلك الصراعات وأول من دخل المنطقة كانوا المبشرين الإنكليز*1, ثم تلاهم الأمريكان*2 في نهاية القرن الثامن عشر, ومن بعدهم جاء الروس وتطور عمل المبشرين عملاً عاصفاً في نهاية القرن التاسع عشر وكانوا في أغلبيتهم انتربولوجيين يعملون بصفة دينية, ويدرسون العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لدى شعوب المنطقة.

فهم في أوروبا وأمريكا وفي نفس الوقت الذي كانوا يبعثون بالمبشرين إلى المنطقة, كانوا في بلادهم قد تخلصوا من حكم الكنيسة وتحولوا إلى حكومات علمانية, واستغلوا أسم المسيح فقط لكسب المسيحيين في العالم إلى جانبهم في حروبهم الاستعمارية. فسياستهم لم تكن أفضل من سياسة الساسة الأتراك الذين استغلوا التطرف الديني لارتكاب مجازرهم وتحقيق طموحاتهم القومية البدائية, أما حلفائهم الألمان فلقد نشروا بين المسلمين دعاية تقول بأن الملك الألماني أعتنق الإسلام فكانت كذبته أكبر من كذبة نابليون عندما أعلن إسلامه في مصر.

يقول أحمد طربين:"أدى نشاط مراسل أمريكي لدى النساطرة في الجبال الكردية إلى صدام مع الأكراد ووقوع أحداث دامية كان سببها التدخل الأوروبي في تلك الجبهات"52. وما يؤكد ذلك أن المبشرين وعلى رأسهم "غرانت" أقنع مار شمعون بأن سلطة الدولة العثمانية في كردستان أفضل من سلطة الأمراء الأكراد لأنهم في حال التنكيل بالآشوريين فأن العثمانيين كدولة رسمية سيتحملون المسئولية الكبيرة أمام دول الغرب على عكس الأمراء الأكراد اللذين لا سلطة عليهم.53*3.

كان القيصر الروسي قد وعد كلاً من الآثوريين والأرمن بتحريرهم ومنحهم الاستقلال مقابل تقديم الدعم والمساعدة للجيش الروسي وضرب طرق المواصلات للمؤن القادمة للجيش العثماني, وفي سنة 1915م أمر مارشمعون وبإيعاز من روسيا القيصرية بتعبئة القوات الآثورية وكان هدف الروس هو استغلال قوة الآشوريين كدرع بشري لإعاقة تقدم الجيش العثماني المهاجم نحو منطقة أذربيجان الغربية في إيران, حتى تتمكن من سحب قواتها من هذه المنطقة بسلام لتفادي خسائر كبيرة في صفوفها أمام القوات العثمانية المندفعة.

أعلن الاتحاديين الجهاد المقدس ضد الكفار الخونة كما سموهم بعد قرار المارشمعون, وبدءوا بالتقتيل فيهم أما الروس فلم يوفوا بالتزاماتهم ولم يقدموا أي مؤن أو سلاح لهم, فسحب مارشمعون جميع السكان الآشوريين من ولاية هكارى إلى شمال غرب إيران ليكونوا تحت حماية الجيش الروسي,

ولكن الجيش الروسي من جديد لم يفتح لهم الحدود وتركهم كدرع بشري بين قواتهم الآخذة بالانسحاب من أذربيجان الإيرانية و الجيش العثماني.

وبعد ثورة أكتوبر وانسحاب الجيش الروسي من المنطقة, قام وقتها ممثل بريطانيا (D.F.غريسي)بتقديم وعود للآشوريين أمام ممثل فرنسا وأمريكا في أورمية سنة 1918م بإقامة دولة آثورية للآشوريين, مقابل منع الدولة التركية من العودة إلى المنطقة.

وأول عمل قام به الآشوريين وقتها, كانت حرب انتقامية استمرت 159يوماً راح ضحيتها مئة ألف كردي ولكن بعد مهاجمة الدولة العثمانية لهم لم يفي أي من حلفائه بتعهداته بتقديم العون لهم فلجئوا إلى القوات البريطانية في كردستان الجنوبية وجندت بريطانية منهم حوالي الألفين عرفوا "بالليفي" واستخدمتهم ضد حركات العرب والكرد المعادية لها, وتركتهم فيما بعد تحت رحمة الحكومة العراقية التي رفضت أي اعتراف بحقوقهم القومية بالحكم الذاتي الذي كانوا قد حصلوا على وعد من الانكليز بتحقيقه.

وقام الانكليز بتأليب السلطات العراقية والإقطاعيين الرجعيين والشيوخ الكرد وغيرهم ضد السكان الآشوريين, و نفذت الحكومة العراقية وبمساندة الرجعيين الكرد مذبحة بحقهم سنة 1933م ونتيجة تلك المذبحة وصل عدد كبير منهم إلى مدينة تل تمر السورية حيث هاجر قسم كبير منهم إلى أوروبا والأمريكتين.

بعد كل تلك المذابح بحق الأرمن والآشوريين وغيرهم من المسيحيين أكتفت الدول الغربية بعبارات دبلوماسية حيث يقول داڤيد كرديان سنة 1922م وعلى لسان فتاة أرمنية:"في الوقت الذي كنا نتدحرج في الشوارع كان الجنود الفرنسيون والأمريكان يجوبون صفوفنا جيئةً وذهاباً, بحثاً عن مواطنيهم, وقال أحدهم لماذا يبحثون عن مواطنيهم وحدهم؟ لم أجب بشيء فقال موضحاً: الآخرون جميعاً لا أهمية لهم.....وفي الوقت نفسه بدأ الجنود الأتراك ينهبون ويسرقون وينهالون بوحشية على كل من تسول له نفسه الاعتراض ولم تبدر أي إشارة من السفن الفرنسية والأمريكية والبريطانية توحي بأنها مستعدة لحمل اللاجئين على منتها"54.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*1 الجمعية الكنيسية التبشيرية التي تأست في لندن عام 1779م.

*2 مكتب السماسرة الأمريكي للمهمات الخارجية تأسس سنة 1810م.

*3 في الواقع أن حسابات مار شمعون والقادة الآشوريين إجمالا ومنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الثلاثينات من القرن العشرين كانت خاطئة إذ كان عليهم أن لا يستفزوا السلطات المحلية لمجرد وعود من قبل الغرب لم تنفذ, ودفع الآشوريين ثمناً غالياً لذلك.

52- تاريخ المشرق المعاصر ..... للدكتور أحمد طربين.

53- تاريخ الإمارات في الإمبراطورية العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر... جليلي جليل.

54- قدر فتاة أرمنية........داڤيد كرديان.

أما ألمانيا فقد شجعت في الخفاء سياسة تركيا اتجاه المسيحيين وشارك بعض الضباط الألمان بقصفهم أيضاً, ويقول الملحق البحري الألماني في القسطنطينية (هومان)" عشت أكثر حياتي في تركيا وأعرف الأرمن وأعرف أن الأرمن والأتراك لا يمكنهما يتعايشا في هذا البلد يجب على عرق واحد منهم أن يذهب, لا ألوم الأتراك على ما يفعلونه بالأرمن أظن أنهم مبررون تماماً, الأمة الأضعف يجب أن تخضع وتموت, يريد الأرمن تقطيع أوصال تركيا, هم أعداء الأتراك والألمان في هذه الحرب لذلك لا يحق لهم أن يحيوا هنا".*

وعندما أصر السفير الأمريكي على السفير الألماني (وانغهايم) بالتدخل لوقف المجازر أجابه:" لن أتدخل في المسائل الداخلية لتركيا أن هدفنا الوحيد هو الانتصار في هذه الحرب".55

وفي مكان آخر يقول السفير الأمريكي على لسان السفير الألماني :"من حق الأتراك أن يفعلوا بالأرمن ما يرونه ضرورياً لحماية مؤخرتهم وهم في حالة حرب"56. وأخيراً نورد ما كتبه إدوارد هايل بريستاد سنة 1924م في وصفه الدقيق للحلفاء حين وقعوا مؤامرة لوزان مع تركيا حيث يقول :"......يمكن تشبيه تركيا في لعبة الإمبريالية الدولية الكبيرة, والتي تهدف إلى اكتساب القوة وفرض السيطرة بذلك الشخص, الذي قام بقتل جاره والاستيلاء على ثروته ويتم الحكم عليه من قبل محكمة غير نزيهة حيث يتم إعفائه من كل تهمة موجهة إليه لأن كل واحد من القضاة يرغب في حصة من المسروقات, ليصبح شريكا معه في الجرم".57

7ً- موقف الأكراد من المذابح :

"نحن الأكراد يحتاج إلينا الترك للقضاء على المسيحيين, وإذا ما أبدنا المسيحيين سيقضي الأتراك علينا"

عبيد الله النهري زعيم انتفاضة 1880م

كتب الكثير من الكتاب والمؤرخين عن دور الأكراد في مجازر المسيحيين وتحديداً مجازر الأرمن, فبعضهم يبرأ الكرد من دم الأرمن ويصفهم على أنهم الضحية ويذكر أرقاماً كبيرة لقتلى الكورد على أيدي الأرمن والروس والآثوريين إذ كانت حروبهم مع الدولة العثمانية تجري على أرض كردستان, وكان الشعب الكردي يدفع في هذه الحروب ضريبة تدينه بالإسلام.

ومن هؤلاء الكتاب محمد أمين زكي "1880-1948"م حيث كتب عن المجازر الرهيبة بحق السكان الكرد والتي اقترفتها الوحدات حسنة التسليح من الأرمن اللذين عملوا كقوة أمامية للجيش الروسي,58كما أن حسن عرفة في مؤلفه الأكراد يقول "أن هؤلاء المتطوعين الأرمن من أجل الثأر لمواطنيهم اللذين قتلوا بيد الكرد قد ارتكبوا أبشع أنواع الجرائم حيث قتلوا في أعوام (1915-1918)م أكثر من ستمائة ألف كردي"59. ونفس العدد من الضحايا يذكره الدكتور كمال مظهر.

أما إحصاء سنة 1897م لعدد سكان المجموعات العرقية في روسيا فأنه يحدد تعداد الكرد بـ99900كردي, ويقول عصمت شريف وانلي :"بقدر ما يهمنا أصول السكان الكرد في أرمينيا السوفيتية اليوم فأن القليل منهم تنحدر أصولهم من أولئك المذكورين في إحصاء 1897م لأن معظم الآخرين قتلوا خلال الحرب العالمية الأولى, أو في ظل حكم جمهورية أرمينية الطاشناقية (1918-1920)م وحل المهاجرون الكرد الأيزيديون من كردستان الشمالية محلهم خلال الحرب العالمية الأولى.60

هذا بالنسبة للذين يصورون الكردي على أنه الضحية, أما الرأي الآخر فأنه يصور الكردي بصورة الجزار الذي يقوم بقتل المسيحيين دون رحمة, وراح يعيد تلك القصص جيلاً بعد جيل حتى تبقى في ذاكرة الشعوب المسيحية في كردستان وحتى يبقى المسيحي حذراً في علاقاته مع الكورد.

ونحن اليوم وبعد أن دخلنا القرن الواحد والعشرين ليس لنا إلا أن نورد مقتطفات من الرأيين, والحكم فقط للقارئ وللشعوب الكردستانية التي عاشت على هذه الأرض معاً منذ أكثر من أربعة آلاف عام, وسنبدأ من النصف الفارغ من الكأس.

فلقد كان الأكراد المشتركين في المذابح التي أقيمت للمسيحيين "الأرمن والكلدوآشوريين والكرد المتدينين بالمسيحية" ينقسمون إلى قسمين:

أولاً: بعض رجال الدين والمتعصبين دينياً, والذين قامت الحكومة التركية بتحريضهم حسب قول لازييف"عملت الحكومة وبجميع السبل على تدهور العلاقات الكردية الأرمنية فقامت بتأليب الأكراد خصيصاً ضد الأرمن وأججت نار التعصب الديني الإسلامي وضمنت عدم معاقبة القائمين بالمذابح".61

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كما هو معروف كان الألمان يعاقبون الشعوب الخائنة بالقتل.

55- قتل أمة .......هنري مورغنطاو.

56- نفس المصدر.

57- الخيانة الكبرى .......إدوارد هايل بريستاد.

58- كردستان صراع لم يهدأ.....فيليب ج كرين بروك – ستيڤان بريستاد.

59- الأكراد دراسة سياسية تاريخية ص54 ..... حسن عرفة.

60- كردستان صراع لم يهدأ.....فيليب ج كرين بروك – ستيڤان بريستاد.

61- الحركة الكردية في العصر الحديث .......مجموعة من المؤلفين.

وزع عملاء الحكومة التركية في رؤوس المتدينين الكورد أن من يقتل مائة مسيحي سيدخل الجنة, حتى أن السفير الأمريكي يصف بعض النساء الكرديات بالقول :"بل أن النساء الكرديات جئن بسكاكين الجزارين الكبيرة لكي يكسبوا ثواباً من عند الله وذلك بقتل مسيحي".62 أي أن دماء المسيحيين كانت "الڤيزا" إلى الجنة!!!!!.

حتى أن أحد هؤلاء الجزارين وبعد مرور خمسين سنة على المذابح وعندما دنا أجله وبدلاً من أن يبدي ندمه كان يقول "لو أنني أتممت المائة!!!!!!!!".

نفس الفكر الذي ساد وسط المتشددين في بداية القرن العشرين نراه اليوم في القرن الواحد والعشرين, فهؤلاء اللذين يفجرون أنفسهم كل يوم في العراق وأفغانستان والكثير من البلدان الأخرى, يرون في دماء الأطفال والأبرياء مهر دخولهم الجنة.

كتب مينورسكي قبل حدوث المجازر سنة(1915-1916)م عن تحريض الدولة التركية للكورد ضد الأرمن بصورة مستمرة مستغلةً الشعور الديني. وعن نفس الموضوع يقول هنري مورغنطاو "كانت كل هذه الإضطهادات والمذابح نتيجة التعصب الديني وكل الرجال والنساء اللذين حٌرضوا عليها كانوا بالفعل يؤمنون بصدق وإخلاص أنهم يخدمون خالقهم بورع وأنهم سينالون على ذلك ثواب الآخرة.

إن التعصب الديني عند الغوغاء والرعاع الأتراك والأكراد بدون شك كان الحافز الذي دفعهم لذبح الأرمن "خدمة لله" ولكن الرجال اللذين فكروا, وخططوا للجريمة كانوا عملياًَ كلهم ملحدين لا يحترمون لا الإسلام ولا المسيحية والباعث الوحيد عندهم كان تمرير سياسة الدولة الماكرة المجرمة".63

أما القوة المنظمة والتي تحولت إلى ذراع للساسة الأتراك لضرب وحدة الأكراد مع القوميات المسيحية المتعايشة معها فكانت الخيالة الحميدية, واللذين شكلهم السلطان عبد الحميد من بين العشائر الكردية عام 1891م,كانت الحميدية مؤلفة بأسرها من الفرسان الكرد المسلمين والسنة على وجه الخصوص.

وفي البداية كانت تحت أمرة الضباط الكرد اللذين كانوا أبناء الزعماء القبليين والمدربين في الأكاديمية العسكرية في اسطنبول, وفيما بعد تحت إمرة الأتراك الفتيان منذ عام 1910م.

كانت الفرسان الحميدية عام 1895م تضم 57 فرقة, ازداد عددها إلى الـ64 فرقة عام 1910م وكانوا تحت إمرة السلطان مباشرةً ومنفصلين عن الجيش العثماني.

ويقول السفير الفرنسي بول كامبون عن الحميدية :"جعلت السلطات التركية الفرسان الحميدية جهاز حكومي لنهب الأرمن المسيحيين", ولكن هل كان للفرسان الحميدية توجه ديني ضد المسيحيين فقط؟! فلنقرأ ما قاله القنصل الروسي العام في أرض روم ف.ماكسيموف :"كان أفراد القوات الحميدية يأتون إلى القرى ويأخذون كل ما فيها من ماشية ويجمعون المحاصيل الموجودة في الحقول ويأخذونها, هذا بالإضافة إلى نهب أموال عدد من الأشخاص, ولم يتعرض لأعمال النهب هذه السكان المسيحيون فقط بل والسكان المسلمون أيضاً".64

كما يقول لازاييف :"...وقد ساءت أوضاع السكان الأرمن اللذين عانوا كثيراً بسبب الظلم والنهب الذي تعرضوا له من جانب الحميدية ومفارز البكوات الأكراد إلا أن ضحايا هذه التجاوزات لم تكن من المسيحيين فقط بل من معظم السكان العزل بغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي بما فيهم الأكراد".65

ويقول جليلي جليل على لسان أ. يرميان :"أن الأرمن والكورد كانوا في وضع مشابه عند الإقطاعيين, كان زعماء العشائر الكردية ينهبون غالباً في أثناء الحروب ويقتلون أحياناً الخاضعين والمهزومين بغض النظر أكراداً كانوا أم مسيحيين والجدير بالذكر أن أي زعيم أو إقطاعي كردي كان يدافع بكل إمكاناته حتى آخر رمق عن صاحبه الأرمني ولحمايته من جشع موظفي الدولة المتوحشين".66

أما وقد عرضنا القسم الفارغ من الكأس فعلينا أن نعرض القسم الآخر:

ثانياً: وسنبدأ بكلمة مشهورة للشيخ عبيد الله نهري قائد انتفاضة 1880م حيث يقول:"نحن الكرد يحتاج إلينا الأتراك الآن للقضاء على المسيحيين وإذا ما أبدنا المسيحيين سيقضي الأتراك علينا" وهذا يدل على درجة عالية من الوعي لهذا لا يمكن للكردي الذي يعي مصلحة شعبه أن يشترك في إبادة شريكه في الخلاص والتحرر, ودعونا نقرأ بعض الكلمات لكردلوفيسكي :"كان للأرمن أصدقاء من الأكراد في كل مكان ينقذونهم عند الملمات من بين أيدي الترك", أما الأستاذ عبد العزيز يامالكي فيقول :" إن كان قد بقي في الأناضول أرامنه فهم اللذين نجوا من سيوف الترك وبدون مبالغة فأن ثلاثة أرباع هؤلاء نجوا بمساعدة الكرد".

ونحن نطلب من أخواننا المسيحيين أن يكونوا أكثر إنصافاً, فبالفعل أن أكبر نسبة نجت من الأرمن والمسيحيين الآخرين كانت هي التي أحتمت داخل القرى والمدن الكردية, أو عند بعض العشائر الكردية ويورد كمال مظهر بعض الأمثلة على ذلك دعونا نورد بعضها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

62- قتل أمة ........هنري مورغنطاو.

63- نفس المصدر.

64- الحركة الكردية في العصر الحديث .... مجموعة من المؤلفين.

65- نفس المصدر.

66- تاريخ الإمارات في الإمبراطورية العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر... جليلي جليل.

"لقد أنقذ محمود زادة بيت الله بك الذي عرف برجولته وشهامته جميع سكان منطقة مكس من الموت فهو لم يكن أثناء المذبحة موجوداً في المنطقة وخوفاً من أن يستعمل الأشقياء غيابه ويفتكوا بالأرمن, خفّ وعاد على جناح السرعة وجمع حوالي أربعمائة فارس كردي شجاع وطارد فرسان الحميدية اللذين كانوا يتوجهون إلى مكس للإسهام في المذابح, وقدم مساعدات عينية للأرمن فضلاً عن المساعدات الأخرى"

أما في ديرسم فقد أنضم الأكراد إلى الأرمن وقاوموا الأتراك والموالين لهم وآوى أكراد ديرسم حوالي خمسة آلاف أرمني وأنقذوهم من الموت, وهذا ما أكده العالم الأكاديمي الأرمني "أوربيلي".

وفي رسالة من أرمن "فاتسو" أن أكراد عشيرة محمد آغا تصدوا بالسلاح للقوات العثمانية ومنعوهم من نقل الأرمن, وذكروا في الرسالة أيضاً أن عشيرة محمد آغا كانوا يقسمون آخر كسرة خبز لديهم مناصفة مع الأرمن .

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عثر على لاجئين أرمن في كل أنحاء كردستان وبعد عقد هدنة مودرس بفترة قليلة زار مندوبين أكراد ممثلي السلطات البريطانية في حلب حاملين إليهم رسالة خاصة بشأن الأرمن اللذين آوّهم, وقد كتب هؤلاء في رسالتهم أنه "يوجد في قرانا وخيامنا ستمائة وخمسين أرمنياً معظمهم من النساء والأطفال, وعند جيراننا أكثر من ثلاثة آلاف وثمانمائة شخص, لقد أطعمناهم أربع سنوات ولسنا نرغب في أن يذهب الخبز الذي أطعمناه هدراً وفي خيام قبائل صديقة تقطن المناطق الشرقية وعلى مسافة جداً بعيدة عنا يوجد ستة آلاف وثمانمائة أرمني يصعب علينا الاتصال بهم", وقد أبدى أولئك الأكراد استعدادهم التام لتقديم أية مساعدة ضرورية للبحث عن الأرمن المشردين وجمعهم, كما اتخذوا الآلاف من الأرمن كردستان الجنوبية والشرقية ملاجئ لهم ضمنوا فيها حياتهم.كما أن الأكراد الأيزيدين والعلي ألاهي, لم يقصروا في إيواء الأرمن وغيرهم من المسيحيين.

أن ما أثقل ذنب الكرد هم الفرسان الحميدية ولكن من بين 51عشيرة كردية كبيرة, فقط 13عشيرة قدمت أفراد للحميدية, كما أن القيادة التركية العسكرية لم تتمكن من تشكيل وحدات مستقلة كبيرة من الكورد مثل الألوية والفرق".67 وفي رسالة لـ فائق باشا قائد فرقة وان إلى القائد العام التركي مختار باشا يقول :" لا يمكن الحصول على أي فائدة من الأكراد".

حتى أن التجنيد لدى الكرد في الجيش التركي كان يتم دائماً بالقوة ويشير ع . مولتكه إلى سخط السكان الأكراد تجاه السلطات التركية ويقول أن التجنيد كان يشبه (صيد الناس) حيث كانوا يقبضون على الناس ويوثقون أياديهم ثم يسوقونهم إلى الجيش.

كما كان من ضمن قرارات الجيش التركي سنة 1878م "أخذ الخيول من الفرسان الأكراد وتحويلهم إلى مشاة لمنع فرارهم من الجيش". وهذا يدل على عدم الثقة المتبادلة بين الكرد والدولة التركية في ذاك الوقت تماماً كما كان الحال بين الأرمن وتلك الدولة.

لقد حاول الساسة الأتراك مراراً أن تتم المجزرة بأيدي الكرد حتى يتخلصوا من المسيحيين ويدينوا الأكراد, ولكن ولمتانة علاقات الكرد مع مسيحيي كردستان لم تنجح تلك المؤامرات إلا في حالات استثنائية وبدافع التعصب الأعمى للدين وليس للقومية ولمصالح شخصية أحياناً أخرى "الحميدية".كما اشترك في المذابح وبشكل محدود وبدافع التعصب الديني بعض الشركس المتواجدون في كردستان.

8ً- الخاتمة:

اليوم وبعد مرور أكثر من تسعين عاماً على تلك المجازر, مازالت المذبحة حية في ذاكرة أطفال الأرمن والكلدوآشوريين والسريان قبل كبارهم وعلينا نحن جميعاً ومن واجبينا الذي تفرضه علينا إنسانيتنا والتاريخ المشترك بيننا, أن نمحو ونزيل تلك الصور من ذاكرة أطفال هذه القوميات حتى يعيشوا الطفولة كباقي أطفال العالم وحتى لا تحمل نفوسهم النقية, أي بغض أو كره لغيرهم.

دعونا نعلمهم مقولة يوحنا في رسالته "من أبغض أخاه فهو قاتل, وأنتم تعلمون أن القاتل لا تثبت الحياة الأبدية فيه".68

فيا أخوتي هل تحبون أن تكونوا قتلة وأنتم أكثر من عانى من هذه الجريمة, دعونا نعلمهم مقولة "من لا يحب لا يعرف الله لأن الله المحبة, إذا قال أحد( أنا أحب الله ) وهو يكره أخاه كان كاذباً" .69فلنزرع في داخل أطفالنا المحبة والأمل في المستقبل حتى تشفى نفوسهم ونشفى نحن بهم.

أننا اليوم ندخل القرن الواحد والعشرين, قرن التكتلات السياسية والاقتصادية فالعالم اليوم يضم ثلاث كتل اقتصادية كبيرة ولو أمعنا النظر فيها تاريخياً لوجدنا أنها كانت تحوي داخل الكتلة الواحدة الكثير من الاختلافات المذهبية والأثينية ولكنها تغلبت على كل تلك التناقضات وكلما زاد التعداد الأثني والديني داخل الدولة الواحدة ,أو الكتلة الواحدة كلما زاد تقدم تلك الدولة أو الكتلة.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

67- تاريخ الحركة الكردية المعاصر......مجموعة من المؤلفين

68- الإنجيل المقدس.

69- الإنجيل المقدس.

أن الهدف الأساسي من تشكيل هذه الكتل هو تحقيق الرخاء الاقتصادي لشعوبها وتحقيق الأمن الاجتماعي والإسراع في تحسين الديمقراطية بالمعنى الشامل بدأً بحق العمل والتعليم والرعاية الصحية وحماية الطفولة والمساواة بين الجنسين وانتهاءً بحق الشعوب في تقرير مصيرها مهما كان قوام هذه الشعوب.

الصراع الحقيقي اليوم هو بين الدولار واليورو والين واليوان وليس بين المسيحي والبوذي والمسلم أو الأرمني والتركي والكردي والعربي.

لماذا لا نسعى لأن نكون كتلة رابعة في الشرق الأوسط. كتلة اقتصادية سياسية تقوم على أساس كونفدراليات أو حتى فيدراليات يكون الهدف الأسمى لنا هو تحقيق الرخاء الاقتصادي والتطور الاجتماعي لشعوبنا مجتمعة, لماذا لا نستفيد من كل الطاقات الموجودة لدينا لخدمة شعوبنا الشرق أوسطية, بدلاً من مقايضتها بأسلحة لنفتك ببعضنا البعض أو لنحصل على اعتراف من واشنطن أو لندن أو حتى موسكو وبكين. أما آن الأوان لترحل هذه الغيمة من سماء المنطقة وليعيش المسلم والمسيحي واليزيدي واليهودي جنباً إلى جنب.

أليس المسيح القائل "أحبوا أعدائكم وصلوا لأجل اللذين يضطهدونكم, فتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات".70 وهو القائل "سمعتم أنه قيل: عين بعين وسن بسن, أما أنا فأقول لكم : لا تقاوموا من يسيء إليكم, من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر, ومن أراد أن يخاصمك ليأخذ ثوبك فأترك له رداءك أيضاً"71. ونحن هنا لا نطلب من أحد أن يحول خده, أو أن يترك رداءه لأحد, ولكننا أيضاً لا نجد من العدل أن تبقى المذبحة حية فينا إلى الأبد, ولا أن يؤخذ الشعب بأكمله بجريمة بعض السياسيين قبل قرن من الزمن. نحن اليوم في الشرق بحاجة إلى سماحة و محبة المسيح, بحاجة إلى نشر التعاليم التي تدعو إلى التسامح والتعايش في الإسلام ثم نقول من جديد أن جوهر الدين هو العدل ولهذا علينا أن نطهر الدين من العناصر الجامدة والمقيدة للتفكير السليم وأن نطوره ليلائم عصر الحريات والتعددية واحترام الآخر, والأهم من كل ذلك أن يلتزم الدين الجوامع والكنائس وقلوب معتنقيه وأن يحصل فصل حقيقي بين الدين والسياسة, فكما هو معروف فأن السياسة هي فن المراوغة والدهاء فكيف يمكن الجمع بين الدين والمراوغة والدهاء.

وفي النهاية أريد أن أقول بأنني لست بباحث تاريخي ولا اجتماعي, ولكنني أرى أن أول خطوة نحو مستقبل أفضل لنا جميعاً ولأجيالنا القادمة, هو التخلص من الأسوار التي نحيط بها مجتمعاتنا القومية والدينية المغلقة والبدء بمد الجسور. وهذه الخطوة تبدأ بالاعتراف المتبادل فيما بيننا وبخصوصية كل شعب من شعوبنا القومية والدينية.

كما أنني وباسم الشعب الكردي أوجه دعوة صادقة إلى الأخوة الآشوريين والأرمن والسريان والكلدان واليهود اللذين عاشوا على أرض كردستان و اللذين هم اليوم يعانون من الاغتراب مثلنا نحن الكرد.

نوجه لهم دعوة حقيقية بالعودة إلى وطنهم الذي هو بحاجة لهم, كما هم بحاجة له, واليوم أكثر من أي وقت مضى, ونريد مساهمتهم الفعالة في تحريره, ونريد أن نذكر الأخوة اللذين يعيشون على أرض كردستان وفي المهجر, أنهم كردستانيون بكل معنى الكلمة والكردستاني سواء كان كردياً أو آشورياً أو أرمنياً أو ............ الخ,

عليه واجبات لهذه الأرض التي احتضنته طوال آلاف السنيين, عليه أن يساعدها على التحرر.

نريد من كل الأخوة من كل القوميات في كردستان, أن يكونوا يداً واحدة يفهمون واجباتهم كما يعرفون حقوقهم, فالشيء الظاهر أمام أعيننا جميعاً أن هذه الأرض تنتظر منا أن نقدم لها اليوم مثلما كانت تقدم لنا دوماً وضمتنا بكل اختلافاتنا فعارُُ علينا أن نقبل لها أن تداس اليوم بأرجل العسكر والدكتاتوريات والمتطرفين أياً كان دينها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد هجوم إيران على إسرائيل..مقاطع فيديو مزيفة تحصد ملايين ال


.. إسرائيل تتوعد بالردّ على هجوم إيران وطهران تحذّر




.. هل تستطيع إسرائيل استهداف منشآت إيران النووية؟


.. هل تجر #إسرائيل#أميركا إلى #حرب_نووية؟ الخبير العسكري إلياس




.. المستشار | تفاصيل قرار الحج للسوريين بموسم 2024