الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسي والمقدس أو علاقة العنف المادي بالعنف الرمزي

محمد امباركي

2006 / 11 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن التحديد العلمي ولو في عمومية لمفهوم "السياسي" يجعل منه ذلك الميدان لممارسة السلطة أو السعي نحو ممارستها، السلطة كتعبير عن علاقة قوة وسيطرة، داخل فضاء اجتماعي محكوم بمنطق تناقض المصالح الاجتماعية، أما "المقدس"فهو ذلك الإرث السوسيو ثقافي أو الرأسمال الرمزي في بعده الديني والذي يعتبر من مرجعيات إضفاء الشرعية على ممارسة السلطة في مختلف تجلياتها وتعابيرها ومن ثم جعل علاقة السيطرة والهيمنة حالة طبيعية.
لكن، كيف تتجلى العلاقة بين " السياسي" و"المقدس" في حمولته الإسلامية في ثنايا حقلنا الاجتماعي والسياسي؟
لاشك أن الحديث عن الحقل الاجتماعي والسياسي هو حديث كما عبر عن ذلك الباحث السوسيولوجي الفرنسي بير بور ديوP.bordieu عن رهانات اجتماعية وثقافية متناقضة هي موضوع لصراع طبقات اجتماعية تسعى كل واحدة منها إلى نفي النقيض والهيمنة على الحقل السياسي أو على الأقل إلى اقتسام بنية القرار السياسي، وإذا كان " المقدس " يبدو كدعامة من الدعائم المؤسسة لحقلنا الاجتماعي فانه يصبح في ذات الوقت خاضعا لتقاطبات سياسية مختلفة.
إن السلطة السياسة تبحث دائما عن شرعية، بناء عليها تتحول إلى سلطة مقبولة لدى المجتمع بشتى شرائحه وطبقاته، وقد تعتمد في هذا الإطار أسلوب العنف المادي كعنف تتجسد ميكانيزماته المؤسساتية في تنوع أجهزة القمع والردع (معتقلات سرية وعلنية، أدوات بوليسية وعسكرية، جهاز دولة يتميز بالمركزية الشديدة... الخ)، خدمة لإستراتيجية الهيمنة، إلا أنه قد لا تتحقق هذه الإستراتيجية في معظم الأحيان بالعنف المادي المجرد بالنظر إلى كونه لا يتيح لوحده إمكانية انتزاع رضا الطبقات والفئات الاجتماعية التي يمارس عليها إذ غالبا ما ينتهي إلى: " استنفار مقاومة نفيض"(1) بذلك تلجأ السلطة السياسية السائدة إلى تنويع مصادر شرعيتها، ومن جملة هذه المصادر يحضر "المقدس" سيما وانه آلية أساسية من آليات تشكل الوعي الجمعي: إذ أن الاستغلال الاديولوجي لهذا الرأسمال الرمزي يمكن السلطة السياسة من إدماج ذلك "الوعي الجمعي" في نسقها السياسي السائد وبالتالي تحويله إلى إجماع حول مشروعيتها وعمقها "التاريخين" في التحكم في المجتمع، بمعنى آخر يصبح احتكار مجال " المقدس " مدخلا نحو الانفراد بحق الهيمنة كحق لا نزاع فيه بل حق مقدس حيث " إن وحدة رموز السلطة والمقدس تنم عن العلاقة التي قامت بينهما على الدوام والتي مددها التاريخ دون أن يقطعها..."(2)
وهنا بالذات يمكن تلمس شكل آخر من أشكال العنف، شكل من العنف المغلف بلبوس دينية، انه العنف الرمزي الذي يراد منه أن يصبح عنفا ما فوق مجتمعيا تتحول معه السلطة السياسية إلى قوة خارقة ما وراء طبيعية لا تتأثر بالمنطق الجدلي للتاريخ بما هو حركة صراع وتناقض وتحول.
من هنا، فان تناقض الرهانات الاجتماعية والسياسية يجعل من حقل "القداسة" معرضا باستمرار للصراع الاجتماعي، بيد أنه إذا كانت السلطة السياسية السائدة تحاول جاهدة كما اشرنا أعلاه، الانفراد به باعتباره إرثا رمزيا وتاريخيا بمنحها شرعية استخدام العنف المادي حيث " من طبيعة السلطة أن تصون بشكل ظاهر أو مقنع – دينا سياسيا حقيقيا"(3) في إطار علاقة تجمع بين السائد والمسود "علاقة خضوع وإجلال لا يبررها العقل" (4) "وخوف من العصيان له طابع انتهاك القدسيات"(5)، فانه في المقابل، نجد رهانات الجماعات أو المؤسسات ذات الصلة المباشرة بمجال "المقدس" خاصة جماعات التطرق الديني التي تتمثل ذاتها كوصي واحد وأوحد على "القدسي" بدون منافس باحثة هي أيضا عن مشروعية لخطابها السياسي وإستراتيجيتها في الهيمنة ولبديلها الذي يتجاوز "جاهلية القرن العشرين" حسب أحد أقطابها المتمثل في : محمد قطب، وتحضر جدلية العنف المادي والرمزي في الخطاب والممارسة السياسيتين لهذه الجماعات من خلال لغة الجهاد والتكفير ونبذ الآخر المختلف بشكل يتحول معه الدين إلى "دين حرب"... !
إذن ، ما هي الخلاصة التي يمكن استجلاؤها في هذه التأملات التي تحتاج إلى تحليل أكثر شساعة وتفصيلا؟
نعتقد أن ما يمكن الجزم فيه هو أن الصراع حول مشروعية أولا مشروعية الانتماء إلى "المقدس" واحتكاره يعبر في جوهره عن ممارسات سياسية لصراع سياسي محوره هو" السلطة السياسية" وأداته " تديين الخطاب السياسي" بهدف كسب دعم شعبي وقوة مادية وروحية ضاغطة لان – في منطق هذه الممارسات المسكوت عنه- الادعاء بأحقية الوصاية على " المقدس" هو بمعنى من المعاني تدشين لوصاية على المجتمع بأسره وهيمنة مطلقة عليه، ولذلك فهذه هي التوتاليتارية في أوضح مظاهرها، لهذا فالرهان الديمقراطي الحقيقي المؤسس على الاعتراف بالتنوع و الاختلاف و حق الجميع في تقاسم خيرات البلاد بغض النظر عن معايير الجنس أو العرق أو المعتقد و بالتالي تمثل الممارسة السياسية خارج إطار المطلق و المقدس سواء بالنسبة للدولة التي ينبغي - في المنطق الديمقراطي- أن تكون مؤسسة علمانية، أو بالنسبة لجماعات التطرف الديني، هو السبيل الأمثل لهدم كل أشكال وتنميطات السلطة المادية والرمزية المحتمية وراء المقدس لأغراض سياسية محسوسة.
هوامش:
1- "الإعلام والأمن الثقافي" مجلة المستقبل العربي الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ، عدد: 192-2/1995 ص: 81.
2-3-4-5-: جورج بالندبيه: "الانتروبولوجيا السياسية. ترجمة جورج أبي صالح، منشورات مركز الإنماء القزومي بيروت الطبعة I ، 1986 ، ص: 83-84.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..


.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام




.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-


.. #shorts - 14-Al-Baqarah




.. #shorts -15- AL-Baqarah