الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا يُدعى مجزرة

أوري أفنيري

2006 / 11 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


"شكرا لله على الانتخابات في أمريكا"، هكذا تنفس الوزراء والجنرالات الصعداء هذا الأسبوع بارتياح كبير.

إنهم لم يباركوا الركلة التي ركل بها الشعب الأمريكي مؤخرة جورج بوش، فهم يحبونه.

ولكن الأهم من هزيمة بوش هي حقيقة كون الأنباء المثيرة الواردة من الولايات المتحدة قد أزاحت جانبا الأنباء الفظيعة حول الحادث في بيت حانون. هذه الأنباء قد هبطت إلى أسفل الصفحات بدل أن تشغل العناوين الرئيسية.



إن أول عمل انقلابي هو أن نسمي الأمور بأسمائها الصحيحة، هذا ما قالته روزا لوكسمبورغ. إذن كيف نسمي ما حدث في بيت حانون؟

"كارثة"، قالت المذيعة اللطيفة في إحدى نشرات الأخبار في التلفزيون، وأما زميلتها الحسناء في القناة المنافسة للقناة الثانية فقد قالت "مأساة". أما الثالثة فقد احتارت بين "خلل" و"حادث عارض".

لقد كانت هذه كارثة بالفعل وهي أيضا مأساة، ولكنها كانت بالأساس مجزرة. مـجـــز ر ة.

الكارثة هي حدث لا يوجد فيه مذنب، مثل السونامي في المحيط الهندي. المأساة هي وضع محزن، كوضع سكان نيو أورليانز بعد الكارثة التي حلّت هناك. ولكن حادثة بيت حانون لم تكن غضبا من السماء، بل غضب قرره أشخاص ونفذوه.



فور العلم بالأمر، تجندت جوقة المولولين، المعتذرين، المفسرين، المعبرين عن الأسف ومختلقي الأعذار، التي هي لدينا على أهبة الاستعداد دائما لمثل هذا النوع من الكوارث والمآسي.

"لقد كان ذلك خطأ مؤسف... يمكن لذلك أن يحدث في أحسن العائلات... يمكن لمنظومة مدفع أن يصيبها الخلل، يمكن للأشخاص أن يخطئوا... الخطأ هو من سمات الإنسانية... أطلقنا عشرات آلاف القذائف، وقد حدثت ثلاث كوارث كهذه فقط. (رقم 1، في عهد أولمرط-بيرتس-حالوتس في بلدة قانا، في حرب لبنان الثانية. رقم 2 على شاطئ غزة، حين قضي على عائلة كاملة.) ولكننا نقدم الاعتذار، أليس كذلك؟ ماذا يمكن أن يطلبوا منا أكثر من ذلك؟"

هناك أيضا ادعاءات من نوع "إنهم هم المذنبون بأنفسهم!" كالعادة، فالضحية هي المذنبة. إن أجمل تعبير قد عبر به نائب وزير الحربية، إفراييم سنيه حيث قال "المسؤولية الفعلية هي مسؤوليتنا، ولكن المسؤولية الأخلاقية هي مسؤوليتهم". إذا كانوا يطلقون علينا صواريخ القسام، فنحن نرد عليهم بالقذائف.

لقد عُيّن إفراييم سنيه لتوه في منصب نائب وزير الحربية. هذا التعيين هو أجر مقابل الزنى الذي اقترفه حزب العمل في موافقته على إدخال أفيغدور ليبرمان في الحكومة. لقد مُنحت له فرصة تقديم الشكر على التعيين المنشود بعد بضعة أيام فقط.

(إن لعائلة سنيه تراث في تبرير الأعمال الأثيمة. موشيه سنيه، والد إفراييم اللامع، كان زعيم الحزب الشيوعي في البلاد وقد دافع عن أعمال المجازر التي نفذها ستالين، ليس عن غولاغ فحسب بل دافع عن قتل الشيوعيين اليهود في الاتحاد السوفييتي وتابعاته وقضية الأطباء اليهود).

إن الموازاة بين صواريخ القسام والقذائف، التي سقط في شباكها بعض رجالات السلام أيضا، هي موازاة كاذبة. ذلك لأنه لا يوجد أي تماثل بين المحتل ومن تم احتلاله. مئات صواريخ القسام قد قتلت شخصا واحدا. القذائف، الصواريخ والقنابل قد قتلت المئات.



هل أطلقت القذائف على المنازل السكنية عن سابق قصد؟ يمكن أن يكون الرد على هذا السؤال بادعائين فقط.

يقول الادعاء الأكثر تشددا: نعم. إن سلسلة الأحداث تشير إلى هذا الاتجاه. لا يوجد لدى الجيش الإسرائيلي، وهو أحد أكثر الجيوش تطورا في العالم، رد على صواريخ القسام، وهو أحد أكثر الأسلحة تخلفا. إن صواريخ القسام (وقد أطلق عليها هذا الاسم تخليدا لذكرى عز الدين القسام، أول مناضل فلسطيني، سقط في المعركة ضد الحكم البريطاني عام 1935) ليس إلا أنبوبة معبئة بالمواد المتفجرة من صنع بيتي.

في محاولة فاشلة لمنع إطلاق صواريخ القسام اجتاج الجيش الإسرائيلي بلدات وقرى قطاع غزة مرارا وتكرارا وبسط عليها سلطة إرهابية فتاكة. قبل أسبوع واحد، اجتاح بيت حانون وقتل فيها أكثر من 50 شخصا، ومن بينهم نساء وأطفال. في اللحظة التي خرجت فيها قوات الجيش من البلدة، شرع الفلسطينيون بإطلاق مكثف لصواريخ القسام على مدينة أشكلون ليثبتوا أن مثل هذه الاجتياحات لا تردعهم.

هذا الأمر زاد من إحباط الجنرالات، ناهيك عن أن مدينة أشكلون هي مدنية نائية تعاني من ضائقة اقتصادية شديدة، ومعظم سكانها من القادمين من المغرب العربي، مثلها مثل سدروت، غير أن فيها أيضا سكان شكناز من علية القوم. قادة الجيش الذين سُحقت كرامتهم في لبنان كانوا متحمسين - حسب هذا الادعاء - لتلقين الفلسطينيين درسا لن ينسوه. وكما تقول المقولة الإسرائيلية: "ما لا يسير بالقوة، يسير بمزيد من القوة!

يقول الادعاء الثاني أنه قد حدث هنا خطأ بالفعل، خلل فني مؤسف. غير أن من يقود جيشا يعلم جيدا أن هناك نسبة معنية من "الأخطاء". هناك نسبة ما ممن يلقون حتفهم في التدريبات، ونسبة ما ممن يلقون حتفهم جراء "نار وديّة"، ونسبة ما من القذائف التي تسقط على بعد ما عن الهدف. الذخيرة المعينة التي استخدموها في بلدة قانا أيضا - معروفة بأنها غير دقيقة أبدا. يمكن لعوامل مختلفة أن تجعل القذائف تنحرف عن مسارها بضع مئات من الأمتار.

من يقرر استخدام هذه الذخيرة بهدف قصف هدف مجاور لمجمع مدني، يعرف أن من شأن هذه الذخيرة أن تؤذي السكان. لذلك ليس هناك فرق حقيقي بين الادعائين.

من هم المذنبون؟ بادئ ذي بدء: الروح التي تسود الجيش الإسرائيلي. منذ مدة قصيرة كشف غدعون ليفي النقاب عن أن قائد كتيبة قد كال المديح لجنوده الذين قتلوا 12 فلسطينيا، قائلا: "لقد فزنا 12:0)!".

المذنبة هي المدافع وقادتها، بالطبع. قائد البطارية، قائد الفرقة، قائد اللواء الجنوبي، يوآف غلانط، الذي يظهر عدم اكتراث تكتنفه شعارات ورعة. نائب قائد الأركان. قائد الأركان دان حالوتس، وهي رجل سلاح الجو، الذي قال في ظروف مشابهة أنه ينام قرير العين بعد أن يلقي بقنبلة تزن طنا على بيت سكني. وبطبيعة الحال وزير الدفاع، عمير بيرتس هو مذنب أيضا، حيث سمح بالقصف المدفعي بعد أن منع مثل هذا القصف في الماضي - أي أنه كان يعلم النتائج المتوقعة.

المذنب الرئيسي هو الرجل الذي يختلق الأعذار دائما: رئيس الحكومة إيهود أولمرط.

لقد تفاخر أولمرط منذ مدة قصيرة بأن إدارة حكومته الحكيمة قد أدت إلى "أننا قتلنا مئات الإرهابيين والعالم لم يرد". "الإرهابي" من وجهة نظر أولمرط هو أي فلسطيني يحمل السلاح، وبمن فيهم أفراد الشرطة الفلسطينية الذين وافقت إسرائيل في حينه على أن يحملوا السلاح، ولكن يُسمح بإطلاق النار عليهم الآن بشكل حر. "الإرهابيون" هم أيضا النساء والأطفال، الذين يُقتلون في الشوارع وفي بيوتهم. (هناك من يقول علنيا: سيكبر الأولاد وسيصبحون إرهابيين والأمهات ستلدن أولادا سيكبرون وسيصبحون إرهابيين.)

يمكن لأولمرط أن يستمر في ذلك، على حد أقواله، لأن حكومات العالم صامتة. لقد فرضت الولايات المتحدة اليوم حق النقض (الفيتو) على مشروع قرار استنكار متهاون من قبل مجلس الأمن. هل هذا يعني أن حكومات العالم - أمريكا، أوروبا والعالم العربي - شريكة في الجريمة التي ارتكبت في بيت حانون؟ على مواطني هذه الدول أن يجيبوا على هذا التساؤل.



العالم لم ينتبه إلى المجزرة، لأنها حدثت في نفس يوم الانتخابات في الولايات المتحدة. من الممكن أن نتائج الانتخابات تُحزن زعماءنا أكثر مما يحزنهم بكاء النساء والأطفال في قطاع غزة، ولكنهم فرحوا لتحويل الانتباه عما حدث.

سيقول المتفذلك: الديموقراطية هي أمر رائع: إنها تتيح للناخبين إقصاء الأحمق الذي انتخبوه في المرة السابقة، وتعيين أحمق آخر بدلا منه.

ولكن ليس من المجدي أن نكون متفذلكين أكثر مما يجب. إن حقيقة كون الشعب الأمريكي قد قبل، بعد مرور عدة سنوات وبعد سقوط عشرات آلاف القتلى، الادعاء، الذي اسمعه دعاة السلام في كل أنحاء العالم ومن بينهم نحن في إسرائيل، ضد الحرب على العراق منذ يومها الأول، أن هذه الحرب ستؤدي إلى كارثة، وأنها لن تحل أية مشكلة بل على العكس.

لن يكون التغيير سريعا ودراماتيكيا. الولايات المتحدة هي سفينة عملاقة، وعندما تستدير فإن ذلك يتم بدائرة واسعة جدا ويحتاج إلى وقت طويل - مثلها ليس كمثل إسرائيل، وهي طراد صغير قادر على الاستدارة في مكانه. ولكن الوجهة واضحة.

صحيح أن في مجلسي الكونغرس الجديدين سيكون للوبي المساند لإسرائيل (أي مؤيدو اليمين الإسرائيلي) تأثير هائل، ويمكن أن يكون أكبر مما كان عليه، ولكن الجيش الأمريكي سيضطر إلى البدء بالخروج من العراق. إن خطورة مغامرة عسكرية أخرى في إيران أو في سوريا هي أقل بكثير. المحافظون الجدد المتهورون، ومعظمهم من اليهود الذين يؤيدون اليمين المتطرف في إسرائيل، يفقدون من قوتهم، وكذلك الأمر بالنسبة للمتزمتين المسيحيين المتهورين حلفائهم.



قال رئيس الحكومة الأسبق ليفي إشكول ذات مرة: حين تسعل أمريكا فإن إسرائيل تُصاب بالزكام. عندما تبدأ أمريكا بالتماثل للشفاء، لربما سيحذونا الأمل أيضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة