الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتشنجون في الأرض

لبنى حسن

2006 / 11 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد يعتبر مقالي هذا سباحة ضد التيار في زمن سادت فيه ثقافة القطيع و أرهب فيه كل صاحب رأى و لكن ما باليد حيلة, فلم أستطع منع نفسي من التعقيب على كوميديا المتشنجين التي خلفتها تصريحات وزير الثقافة فاروق حسنى, و التي عبر خلالها عن رأيه الرافض "للحجاب" و "النقاب", لقد قامت قيامة الكثيرين بعد تلك التصريحات و انتشر الغضب على مواقع النت و بين معظم الكتاب و الصحف و شاركت الفضائيات في الجنازة, و كأن الوزير و تصريحاته و أفكاره أصبحوا رجساً من عمل الشيطان و خطر يهدد الأمن الدولي, فوجب وقف كل الأعمال و ترك كل المهام و الكوارث و استدعاء الاحتياطي للجهاد ضدهم, فاشتعلت المطالبات بإقالة الوزير و انهالت طلبات الإحاطة و انهمر سيل الاستجوابات في مجلس الشعب, و انتشر أعضاء الإخوان و نوابهم و أصدقائهم و أحبابهم و نسايبهم- من باب المجاملة- عبر مختلف وسائل الإعلام مكشرين عن أنيابهم و معلنين الحرب على الوزير, و سرعان ما انضم للزفة نواب آخرين منهم نائب محسوب على المؤسسة الدينية أطل علينا عبر شاشة قناة الجزيرة منفعلا و الشرر يتطاير من عينيه حيث تحدث زاعقاً و متوعداً ليؤكد بالحرف أن"غليل المؤمنين لن يشفى سوى بإقالة فاروق حسنى"!!!

إلى هذه الدرجة أصبح الرأي المخالف يصيبهم بالغل و التشنج؟ و هل ما طرحه الوزير أو المؤيدين لرأيه يعد بهذه الضخامة و يستعدى هذا التصريح الناري؟ و هل تفرغ نواب مجلسنا الموقر لهذا الموضوع العويص و وضعوا جانباً قضايا التوريث و استقلال القضاة و تعديل الدستور؟

الوزير فاروق حسنى ليس وحده صاحب هذا الرأي فهناك قائمة طويلة من المؤيدين له و المعبرين عن تلك الرؤية من قبله, فما الجديد خاصة و انه قد أَكد أن هذا رأيه الشخصي و لا يعبر عن وزارته و حتى لو كان يعبر عن الوزارة فما الجريمة؟ و لما الإرهاب و التهديد؟ و ما المشكلة و لما الانزعاج؟؟ أم هو فقط نوع من الاعتياد على ثقافة القطيع و انصياع أعمى لمشايخ الفضائيات الذين احترفوا تغيب العقول بالحديث عن الجن و تفسير الأحلام و الفتوى في الاقتصاد و النجارة - مش بس التجارة- والطب و السياسة و كيفية دخول المراحيض في ظل أزمة حقيقية متمثله في مقاطعة أمة أقرأ للقراءة.

أ لم يكن الأجدى الاكتفاء بالرد على التصريحات التي لم تروق لهم بتصريحات مضادة في إطار موضوعي هادى بعيد عن الغمز و اللمز و التشكيك في شخص الوزير, لأنه في النهاية يقدم لنا فكره لنقيمه و ليس شخصه لنصاهره, ثم هل اختزل الإسلام في تلك القطعة من القماش؟ ا لم يسيء الأصوليين بتشنجهم و عصبيتهم للإسلام كما لم يفعل احد من قبل؟ أ لم يضربوا مثلا في الضعف و التخلف بصراخهم؟ أ لم يكشفوا بمطالباتهم بالمنع و المصادرة و الإقالة عن منهجهم القمعي التسلطي ؟ أ لم يفشلوا في التحلي بالسلوك القويم و سماحة الإسلام و أصروا على تقديم صورة مشوهه و سلوك بدوى وهابي غريب على الثقافة المصرية؟

و هل من المفترض أيضا و طبقا لمنهج المتشنجين ملاحقة الآخرين المؤيدين لرأي الوزير و إقالتهم من مناصبهم لو كانت حكومية أو سياسية؟ أم أن هذه الهجمة البربرية على الرأي هي نوع من الإرهاب الموجه يصب جام تعصبه على شخص فاروق حسنى – لا على أفكاره فحسب- باعتباره ممثل لآخرين تنويريين في مصر و العالم الإسلامي, وجد بعضهم الشجاعة للتعبير عن رأى لا يروق للقطيع في حين صمت آخرون في انتظار التشجيع.

يبدوا أن المتشنجين بقيادة جماعة الإخوان قد أصروا على المبالغة في ردة الفعل حتى تكون حملة احترازية وقائية لردع أي محاولات مستقبلية لإعادة النظر في التفسيرات الدينية للمدعو "حجاب" الذي نجحوا في توظيفه درامياً و سياسياً ليصبح رمزاً لهم و دليلاً على اتساع نفوذهم و بسط سيطرتهم في الثلاثين عام الأخيرة, لقد بات واضحاً أن المقصود بالضجة الإعلامية هو إشاعة جو خانق و طارد لإرهاب كل من يتجرأ و يحاول التفكير أو إعلان "لا" لما هو مفروض بقوة التفاسير و المفاهيم الدينية الوهابية التي طرحوها و روجوا لها على أنها صحيح الدين لتحويل الناس لمجرد مهووسين موسوسين كارهين و رافضين لكل مختلف أو حتى داعي للتفكير والبحث و التطوير.

ما لم يستطع المتشنجون فهمه من فرط تشنجهم هو أن المعارضين "للحجاب" تقتصر معارضتهم على فرضه باسم الدين و ليس ارتداؤه هو أو غيره من الأزياء لأنهم يقدرون حرية الأفراد, و بالتالي فلا غضاضة لديهم من أن ترتديه المرأه كنوع من الحرية الشخصية دون أي محاولة للحديث باسم الله للوصاية و الإقصاء, و دون الدفع باعتبار المسائل الخلافية أو الجدلية ثوابت.

و لعل المثير للدهشة أو ربما للشفقة أيضا أن كلما ناقشهم احد بأسلوب هادي لا يجد سوى لغة الصراخ والعصبية و الشتائم و الاتهامات سابقة التجهيز بالخيانة و المؤامرة و العمالة, و الدعوة للإباحية و العري و كأن المقابل لغطاء الشعر هو خلع الملابس تماما فلا حل وسط!!! و هذا أن دل على شيء فيدل على محدودية ثقافة المتشنج و ضيق افقه الذي ينعكس على أسلوبه و ردة فعله المتوترة, أضف إلى ذلك كثافة الدخان الذي يبدأ في التصاعد ما أن تحدثهم عن روعة فترة الستينيات أي بعد ظهور الإسلام بقرون عدة وقبل ظهور الحجاب في مصر, فهل كانت مصر دار عراه في الماضي؟! و لو اعتبرناها كذلك فبماذا نفسر النهضة الثقافية و المجتمعية التي سادت تلك الحقبة و التي انعكست على السينما و الأدب و الموسيقى و الأخلاق و مظهر الشارع المصري حتى أننا مازلنا نترحم عليها و نفاخر بها و بما أفرزته من كتاب و مفكرين و روائع غنائية و سينمائية في ظل مناخ ساده التسامح و الشهامة و روح الجماعة و الأمان, و هي القيم التي تآكلت و أفتقدها المجتمع فيما بعد ليحل محلها التعصب و الانعزالية و التحرشات الجنسية في عصر ازدهار "التدين" المظهري و الدروشة المفتعلة و مشايخ البيزنس.

من المؤكد أن توقيت تصريحات السيد الوزير زاد الأمر حساسية بشكل كبير حيث واكب أحداث التحرشات الجنسية المتزايدة و التي طالت المحجبات و المنقبات فأسقطت لهم أسطورة الزى الإسلامي الذي يحمى المرأه و يمنع الفتنة عن الرجل و أثبتت بشكل عملي أن هذا الزى لم و لن يكون أبدا حصن الأمان للمرأة, و إلا فما تفسير أن النساء في الغرب المتحرر يتمتعن بالأمان و لا يتعرضن للمعاكسات و المضايقات و التحرشات, مما يؤكد أن القضية تكمن في أخلاق الرجل و نظرة المجتمع ككل و ليس في زى معين, و بالتالي الحل لا يكمن في تحجيب المرأة و لا حتى وضعها داخل الأكياس السوداء التي توزعها شركة أونيكس للنظافة و لكن في تربية الرجل و إعادة تأهيل المجتمع الذي سادة النفاق و السعار, و لمن يريد فقد وصلني فيديو يظهر سفالة التحرشات بالمنقبات و يسعدني إهداؤه للأخوة المتشنجين الذين يرون في قطعة القماش على الشعر حماية للمرأة!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س