الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة والمعارضة والسباق المحموم نحو الإنفجار

محمد مصطفى علوش

2006 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


لقد جاء اغتيال وزير الصناعة بيار جميل والذي ينتمي الى تيار 14 آذار الحاكم في لبنان ليعطي زخماً للحكومة في الإيغال باقرار مشروع المحكمة الدولية لقتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وكان قبل اغتيال الوزير السابق قد جمعت المعارضة أنصارها من كل ألوان الطيف السياسي المعارض وعلى وشك النزول لإسقاط الحكومة اللبنانية على اعتبار أنها ليست حكومة دستورية عقب انسحاب وزراء حركة أمل وحزب الله الشيعيين منها والتي كان من سيناريو الإنسحاب أنه يمهد لإستقالة الحكومة لمناقضة وجودها لصيغة العيش المشترك حسب الفقرة "ي" من مقدمة الدستور وكذلك للمادة 59 والقاضية بأن تتمثل كل الطوائف اللبنانية في الحكومة.
إلا ان عدم خضوع الحكومة لمطالب المعارضة وبالتالي الإستمرار في عملها أجج الإحتقان لدى المعارضة مما دفعها الى التوجه نحو خيار الشارع إلا ان إغتيال بيار جميل عدّل من الدفة وبالتالي أربك المعارضة إرباكاً كلياً في الوقت الذي قام فريق 14 آذار باستغلال الحدث لتحقيق أكبر مكاسب سياسية للفريق الحاكم.
والدليل على هذا الإستثمار السياسي للإغتيال ان والد القتيل كان يرغب في اي يكون المأتم عائلي لولا ان فريق 14 آذار كان قد أقنعه بالعدول عن ذلك خلال اجتماع معه في مساء اليوم الذي قتل فيه الوزير ليحولوه الى مأتم جماهيري يحمل في ثناياه استفتاء شعبي حول بقاء الحكومة

لماذا الإصرار على المحكمة الدولية.
يعتقد فريق 14 آذار وخصوصا تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي برئاسة وليد جنبلاط ان المحكمة الدولية هي التي ستضع حداً للنظام السوري الذي يقف خلف هذه الإغتيالات من مفتي الجمهورية حسن خالد الى رئيس الجمهورية السابق رينه معوض الى رئيسي الحكومة رشيد كرامي ورفيق الحريري الى النواب والوزراء والذي كان من آخرهم الوزير بيار جميل.
وفي رأي هؤلاء فإن سوريا تعمل على إرهاب المجتمع اللبناني منذ دخولها لبنان حتى خروجها منه وأن خروجها غير المشرف من لبنان جعلها تحمل عقدة لدى زعماتها حيث يقول وليد جنبلاط بأن حاكم سوريا بشار الأسد رجل مريض وهو معقد لخروجه من لبنان ويحاول اغتيال كل من ساهم في إخراج سوريا من لبنان وهو بحسب ما يقول جنبلاط فقد وعد بأن يدمر لبنان فوق أهله ، ويؤكد جنبلاط ان حرب تموز والإعتداء الإسرائيلي على لبنان لم يكن لولا دفع سوريا وإيران حزب الله للتحرش بإسرائيل حتى تقوم وتدمر كل شيء كما وعد الأسد.
وتصر قوى 14 آذار على أن المحكمة الدولية لقتلة الحريري هي التي ستضع حداً للنظام السوري من اعتدائاته المتكررة على اللبنانيين وتتهم المعارضة التي تربطها مع سوريا علاقات قوية كحزب الله الذي أقام احتشاداً جماهيرياً عقب خروج النظام السوري تحت عنوان"شكراً سوريا" بأنها تعرقل المحكمة الدولية وإن صدّرت البيانات الواحد تلو الآخر كما حدث ليلة انعقاد مجلس الوزراء بغياب الوزراء الشيعة السبت الماضي حيث صدّر كل من حزب الله وحركة أمل بياناً مشتركاً يؤكدون فيه موافقتهم على المحكمة الدولية لقتلة الحريري من حيث المبدأ وإن كانوا بحاجة لدراستها بشكل معمق ويبدون خشيتهم من أن تتحول الى وصاية دولية ويرفضون اتهامهم بعرقلة المحكمة الدولية قائلين بأن استقالاتهم جاءت من اقصاء الفريق الحاكم لهم وان مشاركتهم في الحكومة لطالما كانت شكلية وليست حقيقية ويطالبون بالثلث الضامن(3/1+1) للعودة عن استقالاتهم. إلا ان خطاب السيد حسن نصر الله قبل ايام من اغتيال الوزير كان قد اتهم الحكومة بالضعف والوهن واتباع الأوامر التي تأتيها من سفارة الولايات المتحدة في عوكر بل ذهب الى حد ان دعى الناس الى اسقاط الحكومة قائلاً انها حكومة فيلتمان اي السفير الأمريكي وليست حكومة السنيورة.

الأزمة الدستورية والسباق المحموم
لم تفلح استقالة الوزراء الشيعة في تعطيل عمل الحكومة وحملها على الإستقالة كما كان متوقعاً للمعارضة ما دفع الرئيس لحود والمصنف ضمن فريق المعارضة بعد تقديم الوزراء استقالاتهم تصدير بياناً الى رئاسة الحكومة يعتبرها غير شرعية وبالتالي كل ما يصدر عنها يجعله في حل من كل التزام تجاهها، مستندا الى الفقرة "ي" من مقدمة الدستور التي لا تعترف يأي سلطة تناقض صيغة العيش المشترك ما فجّر جدلاً قانونياً ودستورياً بين المعارضة والحكومة فرئيس مجلس النواب نبيه بري يُصر أن الحكومة لم تعد حكومة شرعية إلا ان الدكتور حسن الرفاعي النائب السابق والخبير في الشئون الدستورية يؤكد ان الحكومة ما زالت شرعية وان بقاءها لا يناقض صيغة العيش المشترك وان الفقرة "ي" من مقدمة الدستور لا يُفهم منها ما ذهبت اليه المعارضة حيث ان الفقرة الآنفة الذكر القائلة" لا شرعية لأي سلطة تناقض صيغة العيش المشترك" يُقصد بها كل ما يؤدي الى تقسيم البلد من فدرالية أو كونفدرالية او تقسيم للرقعة الجغرافية للبنان ، وأما بخصوص المادة 95 من الدستور التي تدعو الى اشراك جميع الطزائف اللبنانية في الحكومة فيقول الخبير الدستوري حسن الرفاعي بأن المادة يفهم منها بأنه لا يجوز إلغاء طائفة من المشاركة في الحكم وأن خروج وزراء الشيعة من حيث الظاهر يجعل من الحكومة كأنها تحرم طائفة من المشاركة في الحكم وهذا مذهب له وجه قوي وصحيح إلا أن الخبير ينفي بأن يكون الوزراء الشيعة هم في حكم المستقيلين حيث ينبه الى انه ينبغي ليكون الوزير المتقدم للإستقالة في حكم المستقيل ان يصدر مرسوم جمهوري موقع من قبل رئيس الجمهورية بعد توقيع رئيس الحكومة لقبول الإستقالة يوافق على تلك الإستقالة فإذا لم يتم ذلك فهذا لا يعني قانونياً بأن الوزير هو في حكم المستقيل وهذا حتماً لم يحصل من قبل الوزراء الشيعة حيث ان رئيس الحكومة اللبناني فؤاد السنيورة لم يقبل باستقالاتهم كما انه لم يصدر مرسوم جمهوري بذلك ، وبالتالي المادة 95 لا تنطبق على هذه الحالة ما يعني ان الحكومة تبقى حكومة شرعية وكل قرار يتم اصداره بحضور الثلثين من أعضائها يعتبر قرار حكومي كامل الشرعية، ومن هنا فما قامت به الحكومة من الموافقة على المسودة النهائية لمشروع المحكمة الدولية بغياب الوزراء الشيعية يعتبر من صلب مهامها وبالتالي يأخذ طابع الشرعية ، ويشاطره في هذا الرأي الدكتور شفيق المصري استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية حيث يقول ان المشكلة في لبنان ليست مشكلة دستورية بقدر ما هي مشكلة سياسية تتقنع بلباس دستوري مؤكداً بأن اقرار المحكمة الدولية جاء تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة وان لا لبنان ولا غيره يستطيع إيقافها ، ويتخوف بعض المراقبين من أن تقر الأمم المتحدة المسودة إذا استمرت رئاسة الجمهورية بعرقلة المشروع حيث ان الدستور ينص على ان يحيل مجلس الوزراء المشروع بعد إقراره الى رئاسة الجمهورية في مدة أقصاها 15 يوماً فإذا لم يوافق عليه فمن حق الحكومة طرحه على مجلس النواب لإقراره ، ولا يبدو ان رئيس الجمهورية سيقر مشروع المحكمة حيث لا يعتبر أن الحكومة موجودة أصلاً ، ما يعني ان الحكومة ستحاول طرحه على مجلس النواب ولإقراره في المجلس ينبغي موافقة رئيس المجلس نبيه بري دعوة المجلس للإنعقاد لإقرار المشروع مما يجعل المعركة محموما حالياً بين الحكومة التي تعمل على مغازلة بري خلال الأسابيع الأخيرة طمعاً في موافقته على المشروع في الوقت الذي تراهن فيه المعارضة على عدم موافقة بري الذي يربطه حلف استراتجي مع حزب الله المعارض الأول حاليا للحكومة على المشروع وخصوصاً انه ليس من صلاحية مجلس النواب تعديل المشروع بل تنحصر صلاحيته في الموافقة او عدم الموافقة ليتحول المشروع بعد ذلك الى مجلس الأمن للشروع في تنفيذه.
السيناريو الأخطر في حال استمرار التصعيد
يؤكد بعض المراقبين بأنه في حال امتنع رئيس مجلس النواب نبيه بري من دعوة مجلس النواب للإنعقاد فإن نائب مجلس النواب فريد مكاري الموالي للأكثرية سوف يدعو المجلس الى الإنعقاد لإقرار المشروع وبما أن الأكثرية من النواب تتبع لفريق الأكثرية فإنه من المرجح ان يوافق المجلس على المشروع بتصويت الأكثرية عليه، وهذا السيناريو في حال تجاهلنا رأي القانون حول حق وصلاحية نائب المجلس في دعوة المجلس للإنعقاد وما هي الشروط التي ينبغي توفرها حتى يتمكن نائب المجلس من القيام بدور الرئيس في حال عدم غيابه ما يعني أزمة دستورية جديدة حول شرعية الدعوة.
من جهة أخرى فإذا قامت الأكثرية بحث مجلس النواب على الإنعقاد واذا ما تم إقرار المشروع فإن أصوات بعض المعارضة المطالبة رئيس الجمهورية دعوة النواب للإستشارات النيابية حول تشكيل حكومة جديدة سوف تجد قبولاً إذا كان لا يزال يعتبر ان الحكومة الحالية غير شرعية ، إلا ان هذا التحرك سيحول دون تحقيقه عائق كبير حيث ان الذين سيحضرون الإستشارات النيابية من النواب سيبلغ في أحسن حالاته 53 نائب معارض أي أقل من نصف مجلس النواب مما يحول دون تأليف حكومة جديدة في ظل وجود حكومة حالية مما يجعل البلد أمام سيناريو جهنمي ما يعيد للأذهان الحرب الأهلية في لبنان خصوصاً إذا لاحظنا النبرة التهديدية التي تلازم تصريحات حزب الله حيث يقول رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني محمد رعد بأن"الحكومة تخاطر بالإنزلاق الى نفق مظلم بعد إقرارها المحكمة الدولية" وكان قبل يومين قد اتهم رئيس الحكومة السنيورة بأنه يمارس النكد السياسي.يأتي هذا الكلام في الوقت الذي حظر فيه مسئولون كبار في حزب الله أي دولة من التعامل مع الحكومة اللبنانية كحكومة شرعية .
ويبقى السئوال حول مصداقية المقولة القائلة:"لبنان لا يمكن ان يحكم نفسه بنفسه وهو دائما بحاجة الى وصاية من الخارج" فهل صدّقت كل من فرنسا والولايات المتحدة وسوريا وإيران وغيرهم ممن له مصلحة في لبنان وما أكثرهم هذه المقولة فبدأوا بالتسابق على كسب الوصاية على لبنان ، بدأًً من سوريا والتي اشترطت على بريطانيا لفتح حوار معها ومع الولايات المتحدة حول الوضع في العراق وفلسطين كما أوردت صحيفة "ذي اكومنست" البريطانية ان يعود النفوذ السوري الى لبنان ومروراً بفرنسا الذي أوعز وزير خارجيتها دوست بلازي الى قوى 14 آذار ألا يتراجعوا عن التصعيد ضد قوى الإرهاب والمقصود هنا سوريا كما لا يفوتنا ما قاله بولتون اخيراً من أنه لا بد من دعم الديمقراطية الناشئة في لبنان حتى اسرائيل تغار على الديمقراطية في لبنان فتدعو الى دعم حكومة السنيورة في الوقت الذي يؤكد محمد حسنين هيكل بأن تسمية الرئيس اللبناني كانت ولا تزال لا بد لها من موافقة من سوريا ومصر والسعودية في بلد ليس إلا انعكاس لما يدور حوله من متغيرات إقليمية ودولية، فهل هذه المتغيرات تدفع بلبنان الى الإنقلاب والإنقلاب المضاد بين الموالين للشرق والموالين في الغرب؟

وحتى انقضاء مهلة 15 يوم يبقى التوتر والتصعيد سيد الموقف بين المعارضة والحكومة في الوقت الذي يصرح به بطريرك صفير صاحب الكلمة العليا في الصف المسيحي بأن لبنان يمر في مأزق وان عودة الأفرقاء المسيحيين الى الصف المسيحي الواحد يبدو شبه مظلم فهل خرج الموقف من إرادة اللبنانيين؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القريبة والقريبة جداً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار