الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعقيبا على مؤتمر المضطهدين و المهمشين

لبنى حسن

2006 / 12 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قامت منظمة "الأقباط متحدون" بطرح توسيع دائرة نشاطها لتشمل كافة الأقليات المضطهدة حيث ستعد المؤتمرات و الدراسات و الكتب التي تتناول شتى طرق التمييز و الاضطهاد للأقليات فى الوطن العربي. أرى أن فكرة توسيع دائرة النشاط خطوة موفقة و من شأنها جذب المزيد من الاهتمام الاعلامى و التعاطف الجماهيري كما ستساعد في إلقاء الضوء على الاضطهاد و التهميش من زوايا مختلفة من خلال تقديم رؤية أوسع و أشمل.

و لكن آ لا نرى أن الأمر ربما يتطلب ما هو أعمق قليلا من هذا فى تلك المرحلة؟

أتمنى أن يتسع صدركم و لا يساء فهمي و لكنى فقط أحاول التفكير بصوت مسموع و طرح الموضوع للنقاش فلعلنا نصل إلى ما هو أفضل للجميع .... و لأهمية الإيجاز سوف أركز حديثي بشكل أساسي عن مصر, و هى بكل حال من الأحوال قد تكون نموذجا لغيرها من الدول المجاورة.

نحن أمام كارثة حقيقية في مصر....لقد أمضيت وقت ليس بقليل في القراءة و البحث و التنقيب لأن مصادر المعلومات الأصلية أغلبها محجوب, و لكن النتيجة التي توصلت لها عن قناعة شديدة أن الغالبية في مصر ينتمون الآن للوهابية التي بدأت كحركة و لكن انتشرت و تطورت و أصبحت ديانة مستقلة بذاتها لها أركان مختلفة و طقوس و تعاليم جديدة تم تقديمها تدريجيا للناس على أنها الإسلام فيما وصفوه بالصحوة الإسلامية, و قد صدق هذا الشعب نظرا لأميته الثقافية و َدعم حكومته بكافة مؤسساتها لهذا التوجه خاصة بعد أن وجدت في المد الوهابي توافق مع مصالحها, فالديكتاتورية السياسية و التسلط الديني وجهان لعملة واحدة مكملين لبعضهم و لا يمكن ترسيخ أحداهما على المدى الطويل دون الأخرى.... من في أول الأمر سمح لجماعة الإخوان بالتوغل و الانتشار بهذا الحجم؟ من حجب الظهور الاعلامى للشخصيات المستنيرة (أين المستشار سعيد العشماوي ود. زينب رضوان) ؟ من تجاهل التعددية الدينية في مصر و قصر البرامج الدينية في التلفزيون الرسمي على الوهابية التي أطلقوا عليها إسلام؟ من ترك "مدعى الدين" يروجوا لأفكارهم في الميكروباصات و على الأرصفة؟ من دعم تحول الأزهر إلى الوهابية؟ من جلب و دعم كل هذا و سعى إلى ترسيخه؟!

و لو نلاحظ تم إقصاء جميع رجال الدين الذين اعترضوا على هذا فيمكننا إلقاء نظرة سريعة على التطور الذي حدث في مصر و مراجعة التاريخ لنرى مثلا الاضطهاد الذي وقع على الشيخ محمد عبده و أتباعه في الأزهر ثم نرى الإقصاء الذي حدث لأزهريين و غير أزهريين من أمثال سيد القمني و صبحي منصور و حلمي عسكر و نصر أبو زيد و جمال البنا و غيرهم (مع حفظ الألقاب للجميع)... و بالرغم أنني شخصيا لا اعتقد فيما يسمى سنة و شيعة أصلا لأسباب كثيرة و اعتذر لمن يضايقه هذا... لكن أستطيع الجزم أن في مصر لا يوجد سوى قلة عددية جدا مسلمة و الباقي ينتموا للوهابية و يسموها إسلام بالرغم أنها لم تهبط عليهم سوى من ثلاث عقود فقط فلم نرى مظاهرها بهذا الوضوح سوى في الثلاثين عام الأخيرة و المشكلة الرئيسية أن معظم الشعب مغيب و مصدق أن هذا هو إسلامهم .. و لمن يريد َفهم هذا بصورة أعمق يراجع موقع الدكتور صبحي منصور.

المضطهدون هم غالبية الشعب المصري المغيب الذي تحرضه قوى ظلامية و أخرى نفعية ديكتاتورية على بعضه و لا تهدف سوى لنهبه و تدميره و هذا هو ما يحدث الان... الشعب في مصر ضحية و المواطن المتعصب مسكين علينا أن نرحم جهله و نأخذ بيده قبل أن يخذها من يوظفه لخدمة أهدافه.. معظم المنتشرين على الفضائيات ليسوا "دعاه دين" بل هم "مدعى دين" و ازعم أن ما في وطننا الان لا يمت للإسلام الصحيح بصلة.

أكثر أقلية مضطهدة و مهمشة جدا في مصر بل و في العالم كله هم المسلمين الرافضين للوهابية..تصوروا وصلتني رسالة من َمن يطلق على نفسه لقب "شيخ" يدعوني للهداية و الدخول في الإسلام بعد بضع مقالات لي و كأن هناك من وكله على الأرض للتحدث باسم الرب و أعطاه المفتاح فخرجني و بعدين ح يدخلني لما أسمع كلامه الوهابي الذي قدمه لي على أنه الإسلام بعد الصحوة !!!...نحن أمام ماساه حقيقية لا يجب تجاهلها أو أختذالها.... جمع الأقليات أو المضطهدين و المهمشين جميل لكن لا تنسوا المشكلة الأساسية, لا تنسوا أن تضامنوا مع من يواجه الوحش الوهابي فهذا هو لب الموضوع و أساس المشكلة التي تتحدثون عنها لأن مهما حاولنا الحديث عن حقوق و قوانين لأقليات عددية لن يجدي مادام هناك غالبية تعتقد أننا نعاديها و نهاجم ما يعتقدون أنه دينهم و صلب عقيدتهم بعد أن ألتبس عليهم الأمر و اعتنقوا الفكر الوهابي و اتخذوه دينا و دنيا.

المشكلة المزمنة لدى اغلب المثقفين أو المجتهدين هي الخلط بين الإسلام السياسي و هذا يشمل - على سبيل المثال لا الحصر - الشيعة (كحزب الله في لبنان) و السنة (كحركة حماس في فلسطين), و بين الوهابية في صورتها الحالية كديانة مستقلة ترتدي رداء السنة و تقوم على تدمير كل مختلف و إقصاء كل مجتهد أو داعي للتفكير حتى لو كان من بين صفوفهم و قد انتشرت بسرعة فائقة نظرا لأسباب بعضها اقتصادي و معظمها سياسي, و أخيرا يتم خلط هذا بالقرآن و الذي يتبعه فعليا قلة قليلة جدا - هم من تبقى من المسلمين- تسعى لتجميع بعضها بالعافية لتكوين حائط صد ضد الهجمات التتارية الوهابية.

و ليس هذا كل شيء فحسب بل أرى أن المصادر المتوفرة و الطاقات المبذولة حاليا يمكن توظيفها بشكل أكثر فاعلية...فاكم من مؤتمرات و مناقشات و مؤسسات و جمعيات و حركات و اجتماعات و أبحاث و مقالات و كتب فاخرة و تنديدات و مناشدات حدثت و تحدث و سوف تحدث, و عمليا لا تصل للمستهدفين بل تبقى في دائرة اهتمام المؤيدين لها فقط و لا تحدث التغيير الحقيقي الذي ننشده, بالتأكيد لا أنفى أهمية ما بذل فقد نجحت تلك المجهودات في دفع المشكلات للسطح و لكن يجب لفت الانتباه لضرورة تخطى تلك المرحلة (مرحلة طرح المشكلة على نطاق ضيق نسبيا) إلى مرحلة تقديم حلول ملموسة و مؤثرة تصل للناس و لا تظل حبيسة الأوراق و الكتب و تسجيلات الفيديو.

مازلنا نحاول علاج النتائج بتطيب الخواطر و مناشدة حكومات من الطرشان دون أن نقترب من التصدي للأسباب الحقيقية فكأننا نحاول مليء الكوب المخروم كلما فرغ, مع علمنا أنه سيفرغ دائما مادام سيظل مخروما...دورنا هو الوصول للشارع (للناس) تماما كما وصل طيور الظلام و بنفس أسلحتهم وليس بمناشدة الحقوقيين و المثقفين و لا المجتمع الدولي والسياسيين المنتفعين في الداخل و الخارج الذين يحملون أجندة برجماتية و لم يقدموا لنا أو لغيرنا يوما ما يفيد, علينا دعم و تكوين جبهة فعالة و ظاهرة إعلاميا لمواجه التخلف الفكري و التأسلم السياسي المنتشر حتى نواحه الإرهاب المعنوي و نصل للعامة (أساس المشكلة) لحثهم على إعمال العقل المخدر بدلا من تركهم فريسة لمشايخ الوهابية و دعاه الإرهاب و كتب التكفير.

فلنستفيد من الواقع و نفكر كيف وصل بنا الحال لما نعانى منه؟ كيف تغلغل ما يؤرقنا؟ كيف نجح المد الوهابي؟ كيف تضم جماعات الإسلام السياسي المزيد لصفوفها يوما بعد يوم؟ كيف استغلت الوهابية "قطعنة" المجتمع و حجب وسائل المعرفة عنه؟ ا لم يكن من خلال التعليم و الإعلام بشكل أساسي؟؟

على الأقل لا نملك تطوير التعليم الآن و لكن ماذا عن الإعلام و لا أعنى الإعلام المقروء فلا مواقع نت و لا حتى صحف و مجلات و كتب بلغات العالم ستؤثر في تلك المرحلة المتأخرة, و أيضا تلك ليست الأساليب المثالية لمخاطبة غالبية أمية مغيبة هي السبب الرئيسي في مشكلتنا و ليس الغرب أو المثقفين, كما لن تفيدنا القوانين كثيرا لأنها لا تطبق و أن طبقت لا تكفى بأي حال من الأحوال و لن تعالج سوى القشور!

ا لا يمكن أن نقدم ما يخترق حالة الجمود الفكري لمواجه السموم التي تبث في العقول لان مشكلتنا لن تحل إلا إذا أزحنا الغبار عن تلك العقول؟ ا لا يمكن توظيف المصادر بشكل أخر لمخاطبة قاعدة عريضة في ظل السماوات المفتوحة؟ ا لا يمكن لكل القائمين على هذه المؤسسات و الجمعيات الاتحاد و محاولة طرح إعلام مرئي تنويري يصل بالمغيبين - و هم الغالبية التي تقودها أقلية- إلى مرحلة من الوعي لنواجه الأصولية والانغلاق و الالتهاب المجتمعي, حتى نتخلص تدريجيا من الهمجية و التشنج و الطائفية الناتجة عن الجهل الذي أحسنت استغلاله قوى التسلط الدينية المتحالفة مع قوى الشر السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س