الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأيام دول-.. من الأسوأ؟ الدولة أم المجتمع؟-

سامر سليمان

2007 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


"الأيام دول".. هكذا نقول للتعبير عن فكرة التغير. فنستدل على فكرة التغير من تبدل أحوال الدول. فالدولة التي تتسيد اليوم ليست التي سادت بالأمس. والدول هنا غالباً" مقصود بها البلدان، فالدولة التي يعترف القانون الدولي بها هي أرض يعيشه عليها شعب تحكمه حكومة. لكن استخدام كلمة الدولة لوصف بلد ما بكل ما عليه من أرض وشعب وحكومة يثير اللبس أحياناً، لأننا نستخدم الدولة أيضاً بالمعنى السوسيولوجي، أي المؤسسات العامة، مثل القضاء والشرطة والمستشفيات العامة، الخ، تلك المؤسسات التي يمتلكها المجتمع كله. هكذا نشير لمؤسسات الدولة في مقابل مؤسسات المجتمع، والعاملين بالدولة في مقابل العاملين بالقطاع الخاص. يأتي اللبس عندما ينتقل مصطلح الدولة من المجال الدولي إلى المجال الوطني. فعندما ننظر لمصر من الخارج نحن أمام دولة بالمعنى القانوني، أي مساحة أرض، يعيش عليها شعب، تحكمه سلطة. وهذا الاستخدام القانوني لمصطلح الدولة يكون سائداً داخل النخبة في البلدان الساعية للاستقلال ولاعتراف المجتمع الدولي بها، وهو ما تحقق في مصر في القرن الماضي. من الطبيعي أن ينتقل الخطاب السياسي في مصر الآن للتركيز على "الدولة" بمعنى المؤسسات العامة. فالناظر لمصر من الخارج له أن يتعامل مع الدولة المصرية باعتبارها كل ما تحتويه هذه المساحة من الأرض من مؤسسات عامة وخاصة، من زرع وحيوان، من ثروات على الأرض وفي باطنها، الخ. أما من ينظر لمصر من الداخل فهو يحتاج إلى أكثر من هذا، فيحتاج أن يرى الفواصل بين ما ينتمي للدولة، أي للمؤسسات العامة، وما ينتمي للمجتمع أو للقطاع الخاص. نحن نحتاج لفض الاشتباك بين المصطلحين لكي نعرف ماذا نقصد حينما نتحدث عن تردي الأحوال، وخطاب التردي خطاب شائع ومهيمن. يتذكر كاتب السطور أنه عوتب من بمرارة مرة لأنه تكلم مرة عن تردي تمر به الدولة المصرية منذ عقود طويلة، ولكنه في الحقيقة كان يعنى بالدولة هنا المؤسسات العامة، وليس كل ما يدب ويتنفس في الأراضي المصرية. فليس كل ما هو مصري قد تردى، فالقول بهذا يخرج من مجال العلم إلى الايدولوجيا الرومانسية/التشاؤمية، التي تنظر بحنين للماضي باعتباره أفضل من الحاضر ومن المستقبل. تعكس تلك النزعة غالباً حنين الناس لطفولتهم وشبابهم، حينما يشعرون أن ما مروا به أفضل مما هو آت.
والغريب أن تمجيد الماضي ولعن الحاضر والمستقبل تسلل إلى الشباب وفرض نفسه عليهم. أنظر لأحاديث نجوم الموسيقى والفن من الشباب، ستجدهم مضطرين لترداد خطاب تردي المجتمع: "فين أيام أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم؟". والحقيقة أن هؤلاء الفنانين ليسوا مضطرين لخفض شأنهم لحساب الماضي، فالماضي يظل حلو بقدر ما يظل من الماضي. فإذا أتيت به للحاضر أصيب الناس بالإحباط. كل الفنانين الذي أقاموا مشروعهم على استدعاء الماضي شيدوا قصوراً على الرمال. كان نجاح سوزان عطية قصير الأمد لأنها بنت شهرتها على غناء أم كلثوم. كذلك أمال ماهر التي طالماً تحدث عمار الشريعي عن عبقرية صوتها. لقد صدقت سوزان وأمال أن الجمهور يريد عودة الماضي، وفي الحقيقة الناس تحب الماضي كحلم جميل انقضى، ولكن لو جرأ أحد على استحضاره أو إعادة إنتاجه سيقولون له "هائل، عظيم" ثم ينصرفون. فالناس يحاربون الجديد في البداية ولكنهم لا يتسامحون مع من يلوث الماضي بالحاضر.
لا تصدقوهم حينما يقولون أنهم يريدون موسيقى الماضي، فهم يقولون ذلك ويفعلون عكسه. خذ المثال الآتي: الشاعر العبقري لأغاني شعبان عبد الرحيم، إسلام خليل، يقول من خلال قصيدة "خلاص هابطل أغني" أن المَغنى في مصر أصبح مجرد رقص وتنطيط، وانتهى بالتهديد بالعود لمهنة الكواء إذا لم ينصلح حال الفن. ولكن إذا كانت هذه الأغنية قد نجحت نجاح ساحق، فذلك لا يعود فقط للكلمات، ولكن أيضاً للحن الوحيد ولكن الفذ الذي أبدعه شعبان والذي يسير عكس اتجاه كلام إسلام. فإسلام خليل يمجد أم كلثوم ويلعن التنطيط في الغناء، ولكن شعبان ينطق بذلك وهو يمارس التنطيط والرقص. ربما لذلك لم يجد المخرج الرائع داود عبد السيد أفضل من شعبان لكي يجسد إشكالية التواطؤ بين المثقف والسلطة. فشعبان يعلن الخضوع لسلطة الفن الكلاسيكي، ولكنه يفعل ذلك وهو يرقص على الواحدة ونص. وهذا غالباً لا يؤرق رواد الفن الكلاسيكي مثل عبد الوهاب والذين انتقلوا إلى السماء. فهؤلاء يعرفون كل المعرفة أن الأيام دول، وأن العصر غير العصر، والاحتياجات غير الاحتياجات، والناس غير الناس. ومن كان يقبل أن يجلس على كرسي ثلاثة ساعات للتطريب يريد اليوم أن ينتفض ليحرك جسده. عندما سُئل عبد الوهاب عن أحمد عدوية، الذي رجمه المثقفون بالحجارة، قال عنه كلاماً جميلاً. فخطاب "الماضي أجمل من الحاضر البائس" هو خطاب غير علمي، يحمل نوعاً من العرفان المبالغ فيه للراحلين ترعاه وتدعمه السلطة لأن السلطة لا تميل للتغيير، فلا يجب أن نأخذ هذا الخطاب مآخذ الجد، فالناس تريد المستقبل. بهذا المعنى المجتمع المصري لا يزال حياً، ما على المثقفين والفنانين إلا أن يصدقوا ذلك. التردي الأساسي والأخطر يصيب الدولة، وليس المجتمع. الأيام دول.. وأيام دولتنا حالياً صعبة. وهذا موضوع المقال المقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي