الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاتمة كتاب المشاركة السياسية في الانتخابات النيابية - مصر 2005

سامر سليمان

2007 / 1 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تميزت انتخابات 2005 بمعدل محدود من مشاركة المواطنين فيها، وقد توصلنا إلى محدودية المشاركة من بعض المؤشرات مثل ضعف معدلات التصويت (8 ملايين صوت من 32 مليوناً مسجلين في الجداول الانتخابية)، بقاء 9 ملايين مواطن خارج هذه الجداول ولكن تنطبق عليهم شروط ممارسة الحق، ضعف مشاركة فئات بعينها في المنافسة على مقاعد المجلس مثل النساء والأقباط، ضعف تمثيل فئات اجتماعية مثل العمال.
هذا الميل الضعيف إلى المشاركة لا يمكن بحال من الأحوال اعتباره من طبائع الأمور، أو نتيجة لأي خصائص مزعومة للمصريين مثل السلبية وضعف الاهتمام بالشأن العام. فقد كانت نسبة التصويت في آخر انتخابات قبل نظام 23 يوليو 60%. في حقيقة الأمر إن ضعف المشاركة السياسية بوجه عام، والمشاركة في الانتخابات على وجه الخصوص، هي مشكلة حديثة نسبياً عمرها من عمر نظام يوليو. فبالرغم من أن المشاركة في انتخابات ما قبل 1952 كانت تصب غالباً في صالح الطبقة الأرستقراطية والإقطاعية التي كانت تستأثر بالأغلبية الساحقة لمقاعد البرلمان إلا أن مشاركة المواطنين بالتصويت كانت مرتفعة.
كان لابد وأن تُعاد صياغة قواعد الانتخابات المصرية لكي تؤتي إلى البرلمان بأعضاء ينتمون إلى فئات اجتماعية متنوعة وليس فقط النخبة الأرستقراطية. ولكن ما حدث في الخمسينيات كان تدميراً شاملاً للعملية الانتخابية، وهو الأمر الذي بدا واضحاً من أول انتخابات تُجرى في عهد يوليو، انتخابات 1957، والتي قامت فيها السلطات بشطب معظم المرشحين، الأمر الذي جعل مرشحين كثيرين يفوزون بالتزكية. منذ ذلك التاريخ بدا واضحاً للمواطنين أن البرلمان خاضع للسلطة التنفيذية وغير مسموح له أن يكون ساحة ديمقراطية حرة يستطيع من خلالها المواطنون والتيارات المعارضة تغيير السياسات العامة. وإذا كان نظام الليبرالية المحدودة 1922-52 قد تميز بسلطات غير عادية للمؤسسة الملكية في مواجهة البرلمان، أعطتها حق حل البرلمان نفسه، فإن نظام الشعبوية-العسكرية الذي جاء بعد 23 يوليو قد حول البرلمان إلى منتدى للنقاش تابع للسلطة التنفيذية.
كان الفضل الأساسي لنظام يوليو على النظام الانتخابي هو تطبيق نظام التمييز الإيجابي لصالح فئة مهمشة سياسياً طوال العهد شبه الليبرالي وهي العمال والفلاحون، وكان ذلك بتخصيص 50% من مقاعد البرلمان لهم. ولكن التطبيق العملي أثبت أن معظم هؤلاء الذين يدخلون تحت هذه الصفة ليسوا عمالاً ولا فلاحين فعلاً، أو لا يمثلون فعلياً مصالح العمال والفلاحين بسبب انتمائهم إلى الحزب الحاكم، أو لخضوعهم للنظام بفعل عملهم في القطاع العام الذي تسيطر عليه المجموعة الحاكمة من خلال أجهزة الأمن.
إن أي تفسير لضعف نسبة المشاركة في انتخابات 2005 بسلبية المواطنين يتغافل المعوقات التي تجعل من المشاركة أمراً شديد الصعوبة. فقوانين اللعبة الانتخابية نفسها طاردة للمواطنين، من حيث إجراءات الترشح غير العادلة وغير الآدمية في معاملتها للمرشحين، باستثناء مرشحي النظام وذوي الثروة والنفوذ، ومن حيث ملابسات التصويت التي تجعل منه عملية شاقة، بل ومحفوفة بالمخاطر في ضوء سيطرة عصابات من البلطجية على بعض اللجان، وفي ضوء سلبية الأمن أو مشاركته في الاعتداء على المواطنين لإثنائهم عن المشاركة، وأخيراً وليس أخراً بسبب السيطرة التي يفرضها الحزب الحاكم من خلال اعتماده على أجهزة الدولة الخدمية والأمنية. من هذا المنطلق يمكن القول إن نسبة المشاركة في 2005 التي وصلت إلى 20% ممن لهم حق التصويت هي نسبة مرتفعة جداً إذا ما قيست بالتكلفة الباهظة والمخاطر الشديدة التي تكتنف عملية التصويت، وإذا ما قيست أيضاً بعائدها المحدود، حيث إن نجاح الحزب الحاكم في الانتخابات مضمون، وفي كل الأحوال البرلمان لا يحظى في مصر إلا بسلطات محدودة مقارنة بسلطات رئيس الجمهورية، أو بسلطات أجهزة الأمن غير المنصوص عليها في الدستور. إذن فرفع مستوى المشاركة في انتخابات مجلس الشعب يتطلب بادئ ذي بدء الارتفاع بدور البرلمان في العملية السياسية، وإزالة القيود والموانع التي تعوق المواطنين عن المشاركة في الانتخابات.
لا يمكن الحديث عن رفع مستوى مشاركة المواطنين في الانتخابات بدون التعرض لقضية الأحزاب والتيارات السياسية. فالأصل في الانتخابات هو وجود مرشحين يحاولون الوصول إلى البرلمان ككتل متجانسة، سواء اتخذت شكل أحزاب أو تيارات. إن ضعف المشاركة في مجلس الشعب يعود في جزء كبير منه إلى ضعف الأحزاب والتيارات السياسية إلا جماعة الإخوان المسلمون. هذا هو التنظيم السياسي الوحيد القوي في مصر. فالحزب الوطني، الذي يلعب دور الواجهة السياسية للنظام، ليس أكثر من تجمع لشبكات من المصالح، وهو سينهار غالباً لو تخلى عنه رئيس الجمهورية وأصبح عليه أن ينافس الأحزاب الأخرى وفقاً لقواعد نزيهة وعادلة.
قامت الأحزاب في أوروبا تاريخياً على السياسة الانتخابية، فارتبطت تشكيلاتها التنظيمية بالدوائر الانتخابية، كما تجمعت كوادرها في البداية على استخراج بطاقات الانتخابات للمواطنين. والحقيقة أن نجاح جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات 2005 يكمن في سيرها على نفس النهج. فلقد اتخذت الجماعة قراراً استراتيجياً في الثمانينيات بتعديل هياكلها التنظيمية كي تنتظم حول السياسة الانتخابية، فأصبح لها تواجد خدمي داخل الدوائر الانتخابية، ومن خلال هذا التواجد أصبح لها أنصار ومتعاطفون، فقامت باستخراج بطاقات انتخابية لهؤلاء الأنصار. والنتيجة الآن واضحة. إن حصول الإخوان على مليون و900 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة على الرغم من كل التدخلات الأمنية ضدهم لا يجب أن يثير أية غرابة. فهو نتاج لعمل دءوب عمره أكثر من ربع قرن. لذلك فإن كل مطالب تغيير القوانين الانتخابية وقواعد اللعبة الانتخابية بشكل يجعلها أكثر نزاهة وعدالة، وكل مطالب رفع القيود والعوائق أمام المشاركة الانتخابية، لا يجب بأية حال من الأحوال أن يُفضى إلى حالة انتظارية تُعلق المشاركة في الانتخابات على تغير قواعد اللعبة السياسية. لأن حالة الإخوان المسلمون تثبت أن هناك الكثير مما يمكن القيام به في ظل شروط لعبة مجحفة كالتي تسود الآن. بالإضافة إلى ذلك هناك مساحات مجتمعية شاغرة يمكن للتيارات وللأحزاب المختلفة اللعب فيها. فهناك حوالي 9 مليون مواطن لا يملكون بطاقات انتخابية يمكن العمل على تسجيلهم، وهناك حوالي 24 مليون مواطن مسجلين في الجداول الانتخابية لكنهم لا يشاركون بالتصويت يمكن العمل على دفعهم إلى التصويت.

الطبقة الوسطى المتعلمة: غائبة إلا لدى الإخوان :
إذا كانت نسبة التصويت في انتخابات 2005 ضعيفة، فقد أوضحنا أن التصويت يصل إلى أدنى مستوى له لدى الفئات المتعلمة والميسورة. ولقد أبرزنا بالتحليل الإحصائي العلاقة العكسية بين مستوى الدخل والتعليم من ناحية والميل التصويتي لدى المواطن من ناحية أخرى. فالتصويت في الانتخابات المصرية يتركز أساساً في الفئات الفقيرة محدودة التعليم. وقد فسرنا ذلك بالطابع الزبائني للسياسة المصري التي تقوم على سادة وتابعين: سادة يجلبون بعض المنافع المباشرة وغير المباشرة للمواطنين في مقابل أصواتهم، سواء كان السادة يحققون هذه المنافع من خلال علاقتهم بجهاز الدولة (مرشحو الحزب الوطني) أو من خلال انتمائهم إلى تيار سياسي يمتلك مواد مالية هائلة (مرشحو الإخوان) أو من خلال مواردهم الذاتية (رجال الأعمال). إن صعود جماعة الإخوان المسلمون في الانتخابات الأخيرة لا يمكن بأي حال من الأحوال فصله عن أفول الدولة الرعوية والتي باتت غير قادرة على الإنفاق على المواطنين، لذلك انصرف عنها المواطن وأصبح يصوت أكثر فأكثر لصالح القطاع الخاص، سواء كان مدنيّ النزعة أو إسلاميّ الهوى.
إذن فهناك كتلة كبيرة من الطبقة الوسطى المتعلمة لا تزال خارج المعادلة الانتخابية في مصر. وهي قادرة على قلب المعادلة الانتخابية إذا قررت المشاركة. والحقيقة أن الدارس للسياسة المصرية ليس بوسعه إلا الوصول لنتيجة أن امتناع هؤلاء عن المشاركة في الانتخابات هو النتيجة الطبيعية لسياسية مقصودة فرضتها المجموعة الحاكمة. فقواعد الانتخابات المصرية بما تحتوى على فساد وعنف وشعبوية وغياب للبرامج، إلخ، تكون طاردة لمثل هذه الفئات المتعلمة. كما أن محاربة المجموعة الحاكمة لأي تيار سياسي يستطيع جذب تعاطف شرائح متعلمة مثل التيار الليبرالي أو اليساري تشي بأن الأمر مقصود. والمثل الأخير على ذلك هو وأد حزب الغد الذي انطلق بزخم كبير في بدايته واستطاع جذب قطاعات نشيطة من الطبقة الوسطى المتعلمة، خاصة من الشباب.
القطاع الوحيد من الطبقة الوسطى الذي يشارك بقوة في الانتخابات هو القطاع الإسلامي الهوى. لقد نجح الإخوان المسلمون بالفعل في الاغتراف بمهارة من الطبقة الوسطى في الثلاثين سنة الماضية. لكن يبدو أنهم كادوا أن يصلون إلى مرحلة التشبع. لأن هناك فئات واسعة من الطبقة الوسطى لا تزال تنتظر تيارات أو أحزاب تمثلها، فهي لا تريد الإخوان، كما بالتأكيد لا تريد الحزب الحاكم. أضف إلى ذلك أن نسبة لا بأس بها من الأقلية المسيحية في مصر تتواجد في الطبقة الوسطى المتعلمة، وهي لا تجد نفسها في الحزب الوطني ولن تجد نفسها بالتأكيد في الإخوان المسلمين. إن رفع نسبة المشاركة الانتخابية بشكل محسوس في الانتخابات القادمة يتوقف بشكل أساسي على قدرة التيارات المدنية – ليبرالية ويسارية – على الدفع بقطاعات الطبقة الوسطى التي لا تزال خارج المعادلة الانتخابية.

الأحزاب.. الأحزاب :
الحديث عن تنمية المشاركة الانتخابية لا يمكن أن يكون بدون التعرض لقضية ضعف الحياة الحزبية. فمن أهم وظائف الأحزاب السياسية دفع الناس نحو المشاركة في الانتخابات. من المهم التأكيد على هذه الحقيقة الآن بعد أن شهدت المرحلة الماضية زخماً شديداً في أوساط ما سمي بجماعات التغيير من "كفاية" و"حملة شعبية للتغير" و"تجمع وطني من أجل التغيير". لقد كشفت هذه المجموعات عن حركية عالية ومرونة شديدة جعلتها قادرة على جذب بعض قطاعات الشباب، مقارنة بعجز الأحزاب التي بدت عليها الشيخوخة. ولكن الانتخابات الرئاسية أتت، ثم أعقبتها الانتخابات البرلمانية وأصبح من الواضح حدود الأدوار التي يمكن أن تلعبها جماعات التغيير. لم تنجح هذه الحركات في التقدم بمرشحين قادرين على النجاح، كما أنها لم تستطع إنجاح المرشحين الذين قررت دعمهم. والخلاصة هي أن هذه الحركات ليست بديلاً بأي حال من الأحوال عن الأحزاب السياسية، ولكنها يمكن أن تمهد التربة لها أحياناً أو تغذيها بعناصر جديدة. فحركات التغيير يمكن أن تكون المفرزة التي من خلالها تدخل كوادر جديدة إلى السياسة ومن ثم تتلقفها الجماعات السياسية.



الطبقة العاملة..الطبقات الفقيرة :
بيّنا في الفصل الخاص بالتصويت العلاقة العكسية بين مستوى الدخل والتعليم من ناحية والتصويت من ناحية أخرى. وهذا يعني أن الطبقات العاملة والفقيرة هي أكثر الطبقات مشاركة بالتصويت. ولكن حالة تصويت هذه الطبقات تدفعنا إلى معالجة المشاركة من الناحية الكيفية وليس فقط من الناحية الكمية. فالتصويت الكثيف لا يعني في كل الأحوال مشاركة إيجابية من قبل المصوتين. فعندما يصوت المرء مقابل يوم إجازة، أو وجبة أو ياميش رمضان وخلافه، هنا لا يمكن اعتبار التصويت مشاركة إيجابية. لقد عالجنا جذور هذه المسألة في الفصل السابع، ولا يسعنا هنا سوى التذكير بأن مواجهة ظاهرة شراء الأصوات بشكل مباشر أو غير مباشر تتطلب تشديد العقوبات التي ينص عليها القانون ضد من يقترفها، وتفعيل هذه العقوبات في الممارسة. فكما رأينا من قبل، لقد تجاوز معظم الناجحين في الانتخابات الحد المالي الأقصى الذي حدده القانون للدعاية الانتخابية بدون أي تدخل من السلطات المعنية.
ولكن الأمر يتطلب أكثر من ذلك. لأن صعود الرأسمالية وزيادة نصيب القطاع الخاص من الموارد الاقتصادية يجعل من الطبيعي زيادة حضور المال في المؤسسات السياسية النيابية. الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في سياسة التمييز الإيجابي لصالح العمال، سواء بإحكام تعريف العامل في القانون أو باستحداث آليات تحقّق من صفة العامل التي يترشح على أساسها المواطنون، بحيث يُستبعد منهم من لا يمارس فعلاً العمل اليدوي أو شبه اليدوي بأجر. بل إنه من الممكن المطالبة بإلغاء هذا النظام كلية وتبني التمييز الإيجابي لصالح العمال بواسطة إرساء نظام انتخابي يقوم على القائمة النسبية، وليس على المرشحين الفرديين، على أن يشترط في القائمة أن تحتوي على حد أدني من العمال.


القائمة النسبية بدلاً من الانتخاب الفردي :
إذا كان لنا أن ننظر بشكل إجمالي للنظام الانتخابي المصري، وأن نطرح نظاماً بديلاً يحل المعضلات التي لا يستطيع النظام الحالي أن يتعامل معها، فسنطالب في النهاية بإلغاء نظام الانتخاب الفردي وتبني نظام القائمة النسبية. نظام القائمة النسبية ليس جديداً على مصر، فقد تم تطبيقه طوال الثمانينيات في انتخابات 1984 و1987. ولكن تطبيقه كان من التشوه بحيث عاد النظام الانتخابي إلى طريقة الانتخاب الفردي. وأهم المشاكل التي لم يتعامل معها نظام القائمة الذي طبق كان دستورية قانون الانتخابات نفسه، والذي لا يجب أن يقوم على مبدأ التمييز بين المواطنين. فقد تم الطعن في دستورية نظام الانتخابات بالقائمة مرتين، وفي الحالتين، قررت المحكمة الدستورية حل البرلمان، لأن نظام القائمة الذي طُبق كان يخل بمبدأ المساواة بين المرشحين الفرديين والمرشحين على القوائم الحزبية. ولكن هذه مشكلة قابلة للحل بواسطة خبراء القانون الدستوري.
المشكلة الأهم التي نشأت نتيجة تطبيق نظام القائمة النسبية تمثلت في نسبة الثمانية بالمائة التي فرضها النظام كحد أدنى على كل قائمة حزبية تسعى إلى شَغل لمقاعد في البرلمان، وذلك لاستبعاد المعارضة. فعلى سبيل المثال استُبعد حزب العمل من البرلمان في انتخابات 1984 لأنه حصل فقط على 7% من إجمالي الأصوات على المستوى القومي. لقد كانت نسبة الثمانية بالمائة مبالغاً فيها، فنسبة الحد الأدنى المطبقة في الدول التي تتبني نظام القائمة تكون غالباً 2%. بالإضافة إلى ذلك منع قانون الانتخابات المستقلين من التقدم بقوائم خاصة بهم، وقصر القوائم على الأحزاب، هذا في الوقت الذي يظل تكوين الأحزاب في مصر قضية بالغة الصعوبة، ويظل هناك تيارات أساسية في الشارع - خاصة الإسلام السياسي - لا تحظى بأي حزب رسمي. لقد كان الهدف من منع القوائم غير الحزبية هو إقصاء تيارات معينة من المنافسة، أو إجبارها على المنافسة من خلال التحالف مع أحزاب رسمية.
في ضوء هذه الاعتبارات يمكن القول إن فشل نظام القائمة النسبية في الثمانينيات لم يكن راجعاً إلى عيوب خاصة بهذا النظام في حد ذاته، أو إلى عدم موائمته للظروف المصرية، بقدر ما كان راجعاً لاستخدام هذا النظام من قبل المجموعة الحاكمة لإقصاء المعارضين وضمان تحقيق أغلبية مصطنعة.
وإذا كنا نُعيد الآن طرح نظام الانتخابات بالقائمة النسبية، فذلك لأن هذا النظام يحل عدة مشكلات خاصة بالسياسة المصرية. فبواسطة هذا النظام يمكن تفعيل الأحزاب المصرية التي تعاني من ضعف شديد. في الواقع يدفع نظام الانتخابات بالقائمة المرشحين إلى التكتل في قائمة واحدة، على برنامج واحد، وهو الأمر الذي يعالج مشكلة غياب البرامج السياسية عن المنافسة الانتخابية، كما هو الحال الآن. كما أن نظام الانتخابات بالقائمة يمكنه أن يعالج مشكلة الفئات المهمشة سياسياً مثل العمال والنساء والأقباط. فلكي تجتذب القوائم الناخبين يجب أن تخاطب أوسع شرائح منهم. لذلك فمن الطبيعي أنه إذا كانت قائمة معينة تريد الحصول على أصوات الأقباط، سيكون عليها إبراز أنها غير مستبعدة لهم، بأن تضم في صفوفها بعضاً منهم، وكذلك الأمر بالنسبة للنساء والعمال. بل ويمكن للمشرع أن ينص على حدٍ أدنى من التمثيل لهذه الفئات والجماعات.
وبغض النظر عن تقييم مقترحنا بتبني سياسيات التمييز الإيجابي من خلال القائمة النسبية، فمن المؤكد، وكما أوضحنا في الفصل التاسع، أن كل سياسات التمييز الإيجابي (الرسمية لصالح العمال وغير الرسمية لصالح النساء والأقباط) قد فشلت تماماً، الأمر الذي يفتح الباب لإلغائها واستبدالها بسياسات أخرى. على أن تقوم السياسات الجديدة على أساس تفعيل مشاركة هذه الفئات في الانتخابات وليس التعيين الفوقي لممثلين لها كما يفعل النظام السياسي المصري مع فئتي الأقباط والنساء.
***

حاولت هذه الدراسة التعرض لمشكلة المشاركة السياسية في مصر من جوانب مختلفة، ووضعت يدها على بعض العوائق التي تحول دون المشاركة، كما على المتطلبات اللازمة لرفع نسبة المشاركة المجتمعية في الانتخابات. لا يسعنا في النهاية إلا القول بأن دفع قطاعات جديدة من المجتمع للمشاركة الانتخابية يقتضي أكثر من مطالبة السلطات بإزالة عوائق المشاركة، أو بصياغة قوانين وسياسات حافزة لها. فالمنطق يقول أن من له مصلحة في الارتفاع بدرجة المشاركة عليه العمل على ذلك. إن الارتفاع بنسبة المشاركة السياسية هي قضية المجتمع المدني والمجتمع السياسي في مصر.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر