الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخفاق الامبريالي بالشرق الأوسط

الاممية الرابعة

2007 / 3 / 21
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


I. الإخفاق الامبريالي
1. إن إجماع الحزبين الذي صادقت به الطبقة الحاكمة الأمريكية على الحملة العسكرية لإدارة بوش بعد 11 سبتمبر 2001، ومنها غزو العراق، قد تفكك بفعل إخفاقات احتلال هذا البلد الأخير. لكن النقاشات داخل المؤسسة الأمريكية لا تتعلق بما لا يزال موضوع إجماع داخلها، أي الأهمية الإستراتيجية الكبرى للتحكم بمنطقة الخليج والعراق. يتعلق الأمر بالأحرى بنقاشات حول أفضل سبل الحد من خسائر عملية العراق، بتأمين سيطرة واشنطن في المدى الطويل على هذا القسم من العالم. كما يتعلق الأمر بنقاشات حول كيفية مواجهة إيران. إذ ترى إدارة بوش في نظام الملالي بإيران معادلا إسلاميا لفنزويلا هوغو تشافيز، أي نظاما مستندا على ما تتيحه موارد النفط من هامش استقلال لرفض وصاية واشنطن ومعارضة هيمنتها الإقليمية. ويؤكد أعضاء من المؤسسة الأمريكية بالأحرى على إمكان بلوغ تسوية توفيقية مع طهران مبرزين انفتاح النظام الإيراني على النيوليبرالية، الذي يميزه بقوة عن التجذر الاجتماعي الجاري في أمريكا اللاتينية.

2. إن حصيلة الحملات الامبريالية التي خاضتها إدارة بوش منذ الهجمات على أرض الولايات المتحدة، حصيلة كارثية تماما. وحتى بأفغانستان ذاتها يوجد طالبان اليوم في وضع هجوم، حيث أن قسما مهما من البلد وقع من جديد تحت سيطرتهم، وأصبح وجود قوات الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء السبب الرئيس للتوسع الجديد لهذه الحركة التي ادعت واشنطن " تحرير" البلد منها. إن حياة السكان الأفغان تحت سلطة أمراء الحرب السلفيين الإسلاميين في تحالف الشمال وتحت وصاية قوات الاحتلال الغربية، بعيدا عن المزاعم الكاذبة بصدد إحلال الديمقراطية بأفغانستان وتحديثه وتحرير النساء، قد نجح في مأثرة دفع مناطق كاملة بالبلد إلى التحسر على طالبان.

II . العراق

1. لكن العراق هو الذي كان الهدف الرئيس للهجوم الامبريالي، ويمثل الإخفاق التام بهذا البلد الفشل الأكبر لإدارة بوش. كانت خطتها الأصلية- المحافظة الجديدة- تقضي بإقامة نظام واجهة "ديمقراطية" بالعراق له قاعدة اجتماعية أكثروية ويسيطر عليه حلفاء واشنطن. وقد برز بسرعة غياب تلك القاعدة، وكون القوى المهيمنة بين شيعة العراق- الطائفة التي أُفترض أن تعترف للولايات المتحدة الأمريكية بالجميل- قوى موالية لإيران. و حدا فشل تلك الخطة بالإدارة الأمريكية، مع غياب شركاء موثوقين من أجل سيناريو حقيقي لجعل النزاع عراقيا، إلى استعمال الانقسامات الطائفية والعرقية بين العراقيين للحفاظ على هيمنتها. أفضت هذه الممارسة إلى إذكاء دينامية حرب أهلية طائفية ـ شهدت انعطافا مأساويا بعد فبراير 2006( هجوم على الشيعة في السامراء)- وهي مأساة تمثل النساء إحدى أكبر ضحاياها. وبالمقابل أبرزت هذه الدينامية بجلاء فشل إدارة بوش.

2. قررت إدارة بوش المقامرة بكل شيء بممارسة تصعيد حربي يرمي إلى التحكم العسكري بالعاصمة بغداد مع السعي إلى عزل عدوها الرئيس المتمثل في تيار مقتدى الصدر. يفترض نجاح هذا التكتيك قدرة واشنطن على فض تحالف القوات الشيعية. وفي الآن عينه تزيد إدارة بوش ضغطها على نحو كبير على طهران، مكثرة الإشارات العسكرية الموحية بالإعداد لهجوم ضد إيران. وهذا كله معزز بسياسة إقليمية ترمي إلى التصدي لنفوذ إيران بتأجيج التوتر الطائفي بين الشيعة والسنة على صعيد الشرق الأوسط برمته. وتعمل واشنطن في سعيها الإجرامي هذا بتواطؤ مع حلفائها العرب السنة، أي الملكيات البترولية بالخليج، بقيادة المملكة السعودية، هذا النظام المغرق في السلفية والخاضع لواشنطن، وكذا مصر والأردن. وتستغل واشنطن المسألة النووية الإيرانية لإفزاع شركائها الإقليميين والدوليين.
ويتجلى الدافع الامبريالي لهذا الموقف بقدر ما أن إسرائيل، حليف الولايات المتحدة الأمريكية المفضل، قوة نووية منذ أمد بعيد. هذا علاوة على أنها، بعكس إيران، دولة غير موقعة على اتفاق الحد من الانتشار النووي.

3. تعادل سياسة إدارة بوش هروبا خطيرا إلى أمام، لكنه غير مفاجئ من جانب فريق أبان من قبل عن نزعة مغامرة تندد بها اليوم أغلبية عظمى من الطبقة الحاكمة الأمريكية. ويدعو الاختيار الآخر الكبير في صفوف المؤسسة ( بيكر- هاملتون) إلى السعي لإخراج الولايات المتحدة الأمريكية من المأزق بسبل سياسية في المقام الأول، لا سيما بالتفاوض حول مساومات مع إيران وسوريا. والمقصود بذلك الحد من الخسائر، ومحاولة تعزيز الهيمنة بطابع أقل إطلاقا وتسلطا مما كانت ترتئيه إدارة بوش. وترفض هذه الأخيرة هكذا اختيار باعتباره هزيمة كبرى لمشروع الهيمنة العالمية الأمريكية أحادية القطب الذي تتوق إليه منذ وصولها إلى السلطة.

4. أكدت أحداث الأشهر الأخيرة خاصية لـ"المقاومة" العراقية برزت منذ البدء: ليست مقاومة وطنية للاحتلال الامبريالي وحسب، بل أيضا قوة حرب أهلية طائفية. كانت المنظمات المسلحة الناشئة بالمناطق العربية السنية بالعراق تخوض في الآن ذاته، منذ ظهورها، حربا مشروعة ضد الاحتلال وحربا رجعية ضد سيطرة الأغلبية الشيعية. ومنذ عام، انخرط التيار الرئيس المتصدي للاحتلال بين العرب الشيعة بدوره في ممارسة دامية لإعمال انتقام طائفية. ويبدو مشروع مقتدى الصدر لتوحيد العرب العراقيين في معارضة وطنية مشتركة للاحتلال مشروعا ُمفسَدا بصفة نهائية. وتتمثل القوة الوحيدة التي تخوض معركة من شانها أن تحظى اليوم بدعم كل الطوائف العراقية في قوة طبقية: إنها نقابة عمال البترول. وهي معركة هامة بقدر ما تدور حول الرهان الرئيس لغزو العراق. لذا يجب دعمها من قبل المعادين للإمبريالية ومن الحركة العمالية بكافة البلدان.

III . لبنان

1. كان هجوم إسرائيل على حزب الله اللبناني في يوليو-أغسطس 2006 مندرجا في سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقويض النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط. إذ أن إدارة بوش انشغلت أولا وقبل كل شيء، فور إتمام غزوها للعراق، بمواجهة إيران، واختارت لبنان ساحة مفضلة لهذه المواجهة، حيث يوجد هدفان حليفان لطهران: الوجود السوري وحزب الله. وقد أمكن لواشنطن أن تعول في هذا الملف، بعكس ملف العراق، على تعاون نشيط من فرنسا. لكن عجز حلفاء واشنطن اللبنانيين على تحجيم حزب الله اقنع الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتماد على إسرائيل لإنجاز هذه المهمة.

2. ُمني الهجوم الإسرائيلي بإخفاق مدو، إذ لم يبرهن حزب الله بما يكفي على قدرته على ردع إسرائيل وحسب، بل نجح حتى في نقل المعركة إلى داخل إسرائيل ذاتها لأول مرة في تاريخ الحروب الإسرائيلية-العربية. و اضطرت واشنطن وباريس إلى اللجوء إلى "خطة ثانية": نشر قوات حلف الأطلسي ( ألمانيا، اسبانيا، فرنسا، ايطاليا، تركيا، بوجه خاص) بجنوب لبنان، تحت غطاء الأمم المتحدة بانتظار الفرصة السانحة لتساعد تلك القوات الحكومة اللبنانية، التي يسيطر بها حلفاء واشنطن وباريس، في محاولة جديدة لتحجيم حزب الله ونزع سلاحه.

3. مذاك احتدت التوترات السياسية بلبنان بين حلفاء واشنطن وباريس وحلفاء دمشق وطهران. ليست القوى المشكلة لكتلة المعارضة، بجانب حزب الله، مختلفة نوعيا عن قوى الأغلبية. إنها تخوض معركة من أجل إعادة توزيع السلطة بين معارضة وأغلبية على نحو "يشرك" المعارضة في القرارات الحكومية. وتدل جيدا الكيفية التي امتنعت بها المعارضة عن تنظيم تعبئة فعلية ضد البرنامج النيوليبرالي، المعد للمؤتمر المسمى "باريس 3" حول لبنان وديونه، على طبيعتها الاجتماعية-السياسية. ترمي المعركة الجارية إذن في المقام الأول إلى التفاوض حول مساومة داخل الطبقة الحاكمة، رغم أن المعارضة تقدم في الآن ذاته المطلب الديمقراطي المتمثل في قانون انتخابي جديد وانتخابات برلمانية قبل الأوان.
لكن إدارة بوش تدفع حلفائها اللبنانيين إلى اتخاذ موقف متصلب، لا بل يبدي أقرب حلفائها موقفا مستفزا، يكشف سعي واشنطن إلى إيقاع اللبنانيين في حرب أهلية.

4. ليس حزب الله، رغم كونه منظمة سلفية إسلامية، قابلا للمماثلة بتيارات إرهابية سلفية إسلامية: يجب التنديد بشدة بالكيفية التي يحاول بها بوش وإسرائيل مماثلته بتنظيم القاعدة. إن حزب الله حزب جماهيري أصبح الذراع المسلح الرئيس للطائفة الشيعية، التي تشكل أغلبية الشرائح الفقيرة من سكان لبنان، في مقاومتها لتعديات إسرائيل المتكررة. و بهذا المعنى تشكل المقاومة المسلحة التي يخوضها حزب الله نضالا مشروعا، ولا يمكن وضع المنظمة في نفس مكانة فصائل"المقاومة العراقية". لذا من المشروع أن يتحالف اليسار اللبناني مع حزب الله في مقاومة إسرائيل والقوى الامبريالية. ومن واجب اليسار العالمي المعادي للامبريالية أن يدعم سياسيا المقاومة اللبنانية، أيا كانت الطبيعة الاجتماعية والسياسية لقيادتها، ورغم قيادة حزب الله لها- مع انتقاد هذه المنظمة، من جهة طبيعتها السلفية و الطائفية، ومن جهة موقفها من المسائل الاجتماعية والسياسية. لكن اليسار اللبناني، وبوجه أخص منظمته الرئيسة الحزب الشيوعي المنخرط في المقاومة، هو من يجب أن يحظى بالدعم المميز من قبل القوى المعادية للامبريالية ومن قبل الحركة العمالية.

IV. فلسطين

1. يندرج هجوم إسرائيل على غزة منذ يونيو 2006، هو كذلك، في الإطار الاستراتيجي الإقليمي ذاته الذي حكم الأحداث اللبنانية، أي عمل إدارة بوش ضد إيران وحلفائها. اعتبرت واشنطن فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية في يناير 2006 إخفاقا جسيما، فمارست فورا ضغطا قويا على حلفائها الأوربيين لينبذوا الحكومة الفلسطينية الجديدة المنتخبة بكيفية ديمقراطية. و كانت واشنطن، في الآن ذاته، تضغط بقوة على شريكها الفلسطيني، محمود عباس وقطاعات اليمين المهيمنة في جهاز حركة فتح، لرفض أي منظور مساومة وحكومة وحدة وطنية مع حركة حماس. وقد شن الهجوم الإسرائيلي للحيلولة دون هكذا تطور.

2. يمثل التحالف مع حركة حماس، السلفية الإسلامية السنية، مكسبا ثمينا بنظر طهران، إذ يتيح لإيران الشيعية البرهنة على نزعتها الإسلامية الجامعة والتصدي لمحاولات عزلها، بصفتها شيعية، عن السنة الذين يمثلون الأغلبية العظمى بالعالم العربي وداخل الإسلام. هذا ما جعلها أول أهداف واشنطن وإسرائيل، في نفس مستوى حزب الله، علاوة على الموقف الجذري المعادي لإسرائيل الذي تشاطر فيه حليفها اللبناني. وكما الأمر بلبنان، أبانت إسرائيل عجزها عن تحجيم حركة حماس في قلعتها الرئيسية بغزة ما لم ُتعد احتلال القطاع بكلفة عسكرية باهظة. يتمثل إذن التكتيك الرئيس في مرافقة الضربات من خارج من طرف إسرائيل بدفع الفلسطينيين إلى الحرب الأهلية، لا سيما بتسليح الأجهزة الحليفة لواشنطن داخل حركة فتح ودفعها إلى التصلب والاستفزاز. حدت إخفاقات إدارة بوش بحلفاء واشنطن العرب إلى تفضيل مساومة بين الفصائل الفلسطينية كي لا تستفيد طهران سياسيا من دعمها لحركة حماس.

3. إن حركة حماس، مثل حزب الله، حركة ذات قاعدة جماهيرية، باتت المعبر عن إرادة المقاومة لدى قسم هام من السكان الفلسطينيين. ولها سمعة تفان ونزاهة على طرف نقيض من سمعة وواقع مافياويين لدى أجهزة السلطة الفلسطينية التي تهيمن فيها حركة فتح. لكن طبيعتها البرنامجية تنعكس في عجز عميق عن صياغة سياسة قادرة على الإسهام في كسر الإجماع الصهيوني، لا بل إن حركة حماس ساهمت مدة طويلة في إنتاج هذا الإجماع وتعزيزه بقيامها بهجمات انتحارية تستهدف المدنيين الإسرائيليين دون تمييز. وتمثل حركة حماس، بمعنى ما، "العدو المفضل" لليمين الصهيوني الذي أسهم كثيرا في تعزيزه باستفزازاته العسكرية وكذا بإهانة خصومه على رأس السلطة الفلسطينية.

4. يجب على المناهضين للامبريالية، وعلى الحركة العمالية، دعم حق الشعب الفلسطيني في اختيار حر لحكومته، والنضال بشدة ضد خنق حكومة حركة حماس من طرف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين. وعليهم أن يتضامنوا مع مقاومة الشعب الفلسطيني المشروعة للتعديات الإسرائيلية، دون اعتبار طبيعة القوى التي تقود هذه المقاومة. لكن يجب عليهم نسج علاقات تضامن مميزة مع منظمات اليسار الفلسطيني التي تخوض معركة سياسية مستقلة ضد اليمين الفلسطيني المتحالف مع واشنطن ومعركة إيديولوجية ضد السلفية الإسلامية بين السكان الفلسطينيين.

V. المهام

جلي أن الإخفاقات العسكرية والسياسية للهجوم الامبريالي بالشرق الأوسط تخلق إطارا مناسبا على نحو خاص لإعادة إطلاق فعالة للحركة المناهضة للحرب. إن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها منخرطون اليوم بتركيبات متباينة في ثلاث حروب إقليمية- أفغانستان والعراق وفلسطين- علاوة على حرب كامنة لحد الساعة، حرب لبنان. وارتمت إدارة بوش في الآن ذاته جهارا في تحضير حرب على إيران، ولا تتردد في توسيع الحقل الإقليمي لعملها العسكري، كما دل حديثا تدخلها بالصومال.
توجد الإدارة الأمريكية في ضيق شديد، لكنها كالوحش الواقع في ضيق شديد، أشد خطرا. إنه من الملح مضاعفة الجهود من أجل بناء حركة مناهضة للحرب قوية بقصد الوقف الفوري واللامشروط للحملات الامبريالية حول المحاور ذات الأولوية التالية:
- ضد أي عدوان على إيران.
- من أجل سحب قوات الاحتلال من العراق.
- من أجل انسحاب قوات التدخل من أفغانستان.
- من أجل سحب قوات حلف الأطلسي من لبنان.
- من أجل وقف التدخل في شؤون الفلسطينيين الداخلية ورفع العقوبات ضدهم.
ستقيم الأممية الرابعة في هذه المعركة علاقات التضامن المميزة مع القوى النقابية والسياسية التي تخوض معركة تقدمية بالمنطقة، وسترمي إلى دعم بناء يسار ديمقراطي نسواني ومعاد للامبريالية بالشرق الأوسط.

النسخة الإنجليزية: http://www.internationalviewpoint.org/spip.php?article1230
النسخة الفرنسية: http://www.europe-solidaire.org/spip.php?article5377










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في