الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-التطوير والتحديث والفوضى - الهلاكة

أحمد مولود الطيار

2007 / 3 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


هذا المقال بالدرجة الأولى احتوى , على مداخلة كنت قد تقدمت بها في معرض الردّ على الأستاذ الدكتور أشرف بيومي الذي زار محافظة الرقة في أقصى الشمال الشرقي من سورية وألقى من على منبر المركز الثقافي محاضرة حول المشروع الأمريكي في المنطقة , كذلك هو محاولة متواضعة تستجلي مدى التناغم والتناسق بين المشاريع الخلبية لأنظمة استبدادية والمشاريع الأمريكية في المنطقة العربية ومدى التلاقي والتحالف الموضوعي بينها.
بداية , لا بدّ من الإشارة أن محاضرة الأستاذ البيومي كانت من النوع التبشيري أو التسويقي إن جاز التعبير للنظام السوري .
كان عنوان المحاضرة " المشروع الأمريكي في المنطقة " لكن ما أفاض به السيد المحاضر يتجاوز حدود محاضرته , فلقد تطرق إلى كل المواضيع التي تشغل بال المنطقة , وكان يقفز من موضوع إلى آخر دون أي اتساق أو رابط منهجي , مما أثار عليه عاصفة من النقد من قبل جمهور الحاضرين , حتى أنه في معرض ردوده على مداخلات الحضور , بلغ منه الغضب والعصبية مبلغا أشفقنا منه عليه . فأن يصل محاضر أياً كان مستواه بردّه على أحد المتداخلين قائلاً : " أنا حمار مفهمش " , لا يكفي عندها الإشفاق فقط (...) .
المشروع الأمريكي والفوضى الخلاقة والهاء المنطقة بنزاعات مذهبية وعرقية ثم السبّ على فريق لبناني ومدح الفريق الآخر , ثم التهجم على " إعلان دمشق " وتخوين المعارضة السورية , وبالحرف يقول الأستاذ البيومي : " أنا مع النظام السوري , هذا النظام الذي لم ولن يوقع كنظام كامب ديفيد " .... الخ
ذلك غيض من فيض ما أدلى به الأستاذ المحاضر . خاب أمل أغلب الحضور – المداخلات التي ألقيت أكدت ذلك – في الاستماع إلى تحليل منطقي يشخص ويحلل أوجاع المنطقة. بدا الهدف جلياً : السبّ والشتم والتخوين لكل مختلفٍ عنه في الرأي , والتبشير والترهيب بالنظام السوري .
نص المداخلة التي تقدمت بها:
دكتور أشرف , سأتفق معك في النقطة والفاصلة حول مرامي وأهداف المشروع الأمريكي كيلا تتهمني أو يتهمني البعض بما ليس فيّ ولا أشتهيه , ولكن ألا تتفق معي بأن الفوضى الخلاقة , رأس الحربة في المشروع الأمريكي , تهدف إلى تفتيت مجتمعاتنا العربية إلى مكوناتها الما قبل وطنية : عرقية , طائفية , عشائرية .. الخ.
سكتّ منتظراً جواباً من السيد المحاضر إلا أنه رمقني بنظراتٍ لم أستطع فكّ محتواها.
تابعت : ولكن لكل استراتيجيه وسائل وأدوات تعمل في خدمة وتنفيذ أهداف تلك الاستراتيجية , ولو فتشنا في العراق لوجدنا أن النظام الإيراني خير من يطبق الفوضى الخلاقة بدعمه لفرق الموت العراقية , ولفريق ضد آخر . (معروف أن خطوط التدخل الإيراني مفتوحة على مصراعيها ماليا وسياسيا واستخباراتيا وحتى عسكريا ) .
تابعت, لو تركنا العراق وجئنا هنا إلى سورية حيث يسيطر نظام استبدادي ماذا سنرى ؟
سأستعرض لك دكتور , حزمة من الاحتقانات والانفجارات التي حصلت لدينا في سورية وسأترك لك الحكم وهي على سبيل المثال لا الحصر :
- أحداث محافظة السويداء , وهي بين حضر وبدو .
- الأحداث الدامية في القدموس , بين اسماعيليين وعلويين .
- الأحداث الدامية في مدينة القامشلي , بين عرب وأكراد .
(والكثير جدا من الاحتقانات المذهبية والطائفية والاقتصادية والطبقية ستنفجر لاريب فيما لو بقي النظام السوري يعاند ويكابر مستخدما النهج ذاته في إدارة البلاد والعباد وسينكشف زيف شعارات الوحدة الوطنية التي يتلطى خلفها ).
أليست هذه هي الفوضى الخلاقة ؟ هل يحلم المحافظون الجدد في الإدارة الأمريكية بتحقيق " فوضاهم الخلاقة " كما ينفذها فعلا على الأرض النظام السوري ؟! .
نقطة أخرى أودّ الرد من خلالها على بعض مما جاء في محاضرتك: جئت تبشرنا بأنك مع النظام السوري وبأن هذا النظام لم ولن يوقع. أقولها لك يا دكتور وبصراحة , يبدو بأنك متابع غير جيد للأخبار , فالنظام السوري لايمر يوم إلا ويبدي فيه استعدادا للحوار مع أمريكا وإسرائيل حتى أنه تنازل عما " دوخنا " به سابقا " وديعة رابين "وأنه على استعداد للحوار بدون شروط مسبقة.
أخيرا أود إخبارك , أننا في سورية, أمامنا ثلاث مواعيد يطلقون عليها جزافا انتخابية , - التنائج معروفة سلفا - انتخابات مجلس الشعب والإدارة المحلية واستفتاء على رئاسة الجمهورية ستجري قريبا وتدار بنفس العقلية القديمة, بالطريقة القديمة بالأدوات والوسائل القديمة. هل هذا هو التطوير والتحديث الذي بشرنا به ؟
انتهت المداخلة .
أجدا لزاما أن أجيب عن السؤال الأخير من مداخلتي وان لم يتخذ طابع السؤال الاستفهامي , لكن لابد من القول أن السكون والركود الأشبه ما يكون بركود المستنقعات أو سكون المقابر هو الوجه الآخر للفوضى ولا يهم هنا إن كانت خلاقة أو ذات مسميات أخرى فالنتيجة واحدة : اخصاء شعب .
يعرف كل من درس تاريخ سورية في عقود الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات حتى الوحدة السورية المصرية ثم تاريخ استلام البعث للسلطة , يعرف جيدا حيوية وديناميكية الشعب السوري , فلقد تمتع ذلك الشعب حتى في ذروة الاستعمارين الفرنسي والانكليزي آنذاك بهامش وحراك سياسي , يبرهن على ذلك مقارنة سريعة بين البرلمان السوري آنذاك ومجلس الشعب الحالي وتلك مقارنة لاأعتقد أنها تصب لصالح اليوم والخوف كل الخوف أن يغدو الأمس حنيناً ومطمحاً ورجاءً لو يستعاد .
إنّ أي متابع لانتخابات ما يسمى بمجلس الشعب , يرى المآل الذي أوصلنا إليه نظام الاستبداد الذي جفف كل الينابيع وغدا الشعب الذي قال عنه شكري القوتلي أثناء التسلم والتسليم إبان قيام الوحدة موجهاً كلامه للرئيس جمال عبد الناصر : " أسلمك شعباً نصفه زعيم والنصف الآخر يطمح في الزعامة " . مجتمع الأحرار ذاك تحول في الدولة الأمنية إلى مجتمعٍ خانعٍ ذليل أقعدته لقمة العيش عن أية مطامح تختص بعلو الشأن وسمو المكانة .
لم يستطع الفرنسيون ولا الانكليز إسكات شعب ناضل وبدون هوادة وحقت كلمته في النهاية فللشعوب دائما الكلمة العليا ولو بعد حين . لم يستطع الاستعماران إسكات ممثلي الشعب وهم يتصارعون بآرائهم ومناقشاتهم وأفكارهم حول سياسات الحكومات المتعاقبة وتمتع ذلك البرلمان الذي لا تزال حجارته في مكانها حتى الآن بحرارة الجو وغليان الحوار عكس ما تردده جنبات أصدائه الباردة الآن . وعندما ضاق الفرنسيون ذرعاً به , أسكتوه في قصف دمشق الشهير, أما الدولة الأمنية فعملت على إسكاته بجعله " مقبرة للتمثيل الجماعي " , ممثلي البعث وما يسمى بالجبهة التقدمية أما المقبرة الأخرى لكل رافض لألاعيب النظام , السجون والمنافي والمقابر أو " أمشي الحيط الحيط وأقول يا ربي السترة " .
عمل الفرنسيون بكثرة على تزوير الانتخابات والمجئ بأتباعهم إلى قبة البرلمان فنجحوا حينا وفشلوا في أحايين أخرى , أما دولة البعث فلقد نجحت دائما بالمجئ بأتباعها واستطاعت تزوير إرادة معظم السوريين .
ودائماً في معرض إيراد الأمثلة حول ماتفعله الفوضى الخلاقة والأنظمة الاستبدادية من تشويه ودمار وخراب في القيم والسلوكيات وأخلاق أي مجتمع مُبتلى , نورد المثال الفاقع التالي :
رفض الجبلان الأشمان – الدروز والعلويون – مؤامرات الفرنسيين ودسائسهم ولعبهم على وتر الوحدة الوطنية لإقناعهم بالانفصال عن الوطن الأم سورية وتشكيل دويلاتهم الخالصة وناضلوا ضد كل تلك الفتن والمؤامرات واستطاعوا إفشالها وانضموا إلى بقية الوطن السوري مشكلين سوريا بحدودها اليوم .
ماذا نشاهد في عراق اليوم ؟ إفرازات نظام استبدادي تلاقت مع أهداف طامع خارجي والنتيجة كل يسعى إلى دويلته الطائفية والعرقية وربما حتى العشائرية .
إدامة الاستبداد تعني أول ما تعني , الاستمرار في تفكيك لحمة الوطن إلى أجزاء مبعثرة متناثرة والولاء للوطن يصبح في ذيل الولاءات . تتعدد المرجعيات , ويغدو لكل شرذمةٍ دستورها الخاص ترفعه فوق كل الدساتير الأخرى معتبرة إياه قرآنها وتوراتها وإنجيلها . هل نحن هنا إزاء تطوير وتحديث أم فوضى خلاقة أو هلاكه أو ما شئت من مسميات الأخرى ؟
الواقع يقول في سوريا أو العراق أو معظم الأنظمة الكرتونية, أننا إزاء نتيجة واحدة: نحن نحتضر. تكالبت علينا قوى الداخل وقوى الخارج ولايهم عندها أيا تكن المسميات والتسميات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل