الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى الرابعة للغزو ، العراق إلى أين؟

توما حميد
كاتب وناشط سياسي

2007 / 4 / 7
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟


يعيش المجتمع العراقي اليوم بعد اربع سنوات من الاحتلال ما نسميه بوضع السيناريو الاسود. سقطت السلطة وانهارت الدولة ومؤسساتها مخلفة فراغ سياسي واداري وتفكك نسيج المجتمع واختفت ابسط الخدمات وسادت الفوضى و صراعات و اعمال عنف مسلحة مفروضة من قبل قوى قومية وطائفية وعرقية مغرقة في الرجعية واليمينية تؤدي الى خسار بشرية ومعاناة وتدمير هائل في ظل تراجع القوى العلمانية واليسارية. هذا هو السيناريو الاسود بكل حذافيره.

فهل من طريق لانهاء السيناريو الاسود؟ في كل الدول التي سادها السيناريو الاسود مثل البوسنة والصومال ورواندا و افغانستان ولبنان كان حل اليمين هو اما تقسيم المجتمع عل اساس القومية والدين والعرق او بناء الدولة على اساس هذه التقسيمات بحيث يبقى احتمال انفجار الصراعات القومية والطائفية والعرقية واردا في كل وقت. بالنسبة للعراق الوضع اعقد واصعب من كل المجتمعات التي رزحت تحت السيناريو الاسود نتيجة للتدخل المباشر لقطبي الارهاب، اي امريكا والاسلام السياسي ونتيجة تدخل عدد كبير من القوى المحلية والعالمية. ان فرصة اليمين في انهاء السيناريو الاسود و اقامة مجتمع مدني او حتى نظام مستقر ضعيفة جدا.
ان الوضع الحالي لم ياتي نتيجة صدفة ولم يكن وليد لحظة بل كان نتيجة لسياسات امريكا وحلفائها قبل الحرب على العراق بسنوات وحتى هذه اللحظة. ان الادعاء بان الوضع الحالي في العراق هو نتيجة فشل المشروع " الديمقراطي" الامريكي لاسباب خارج عن ارادة امريكا وحلفائها مثل ضعف الثقافة الديمقراطية والطبيعة العنيفة للانسان العراقي وتقديسه للقائد وغيرها من الادعاءات التي تروجها امريكا وحلفائها وبعض الكتاب والمثقفين السطحيين هي ادعاءات سخيفة ورجعية. ان هذه الادعاءات هي محاولة لوضع اللوم على الضحايا بدل من القوى التي خلقت الوضع الحالي. ان المجتمع العراقي ككل المجتمعات المعاصرة كان مفتوحا على مختلف الاحتمالات عند سقوط النظام ولكن البديل الحالي قد فرض من قبل قوى معينة بعد جهود عظيمة وسنوات من العمل المثابر.
ان ماتقصده امريكا بالبديل الديمقراطي في العراق كان القيام بتقسيم المجتمع الى طوائف وقوميات واثنيات وتنصيب قوى قومية وطائفية واثنية ممثلين لاقسام المجتمع هذه وترتيب مسرحيات انتخابية تشترك فيها هذه القوى وبالتالي يتم بناء دولة على هذا الاساس. لم يكن للرفاهية و لحقوق الانسان الفردية والمدنية والسياسية ووضع المرأة والطفل وحتى حقوق القوميات والاقليات اي مكانه في ديمقراطية امريكا. وليس لم يكن لها اي مشكلة مع اسلمة المجتمع وفرض دستور اسلامي وتكريس الهويات البدائية وترسيخ القيم والاعراف الرجعية واشاعة الخرافات والجهل فحسب بل ان كل هذه الامور كانت اجزاء مهمة من سياستها. ان اي قوة تتعقب بناء الديمقراطية في العراق سوف لن تعتمد وتقوى القوى التي اعتمدت عليها امريكا لحد الان.
ولكن مشكلة امريكا ومشروعها هو انها لم تعي انه ليس كل ما تريده يتحقق. ان نفس هذه السياسة والاعتماد على القوى الرجعية الى جانب الغطرسة والعسكرتارية المفرطة قد دفعت الامور لتصل للوضع الحالي وتخرج من ايدي امريكا نفسها. اذ ليس للتعصب القومي والطائفي للقوى اليمينية اي حدود في صراعها على السلطة ومناطق النفوذ.


اليوم حيث وصلت الامور الى ما وصلت اليه فان اي من القوى اليمينية بما فيها امريكا والقوى الموالية لها و المعادية لها التي شاركت في خلق هذا الوضع غير قادرة على انهائه. ان بدائل كل القوى اليمينية في تخبط وازمة عميقة. الوضع في العراق سوف يزداد سوءا. و بدلا من ان تتمكن من وضع حد للصراعات هناك خطر جدي من ان تتسع وتمتد الى مناطق هادئة نسبيا وحتى الى دول الجوار. اذ بدأ قسم من مفكري اليمين نفسه يحذرون ضد هذا الخطر.
ان امريكا بالذات كاكبر قوة يمينية في العراق ليس لها مجال كبير للمناورة للخروج من الوضع الحالي. ان استراتيجية امريكا التي استندت على العنف العسكري والاقتراب مع الاسلام السياسي الشيعي وابعاد الاسلام السياسي السني والتيار القومي العربي ومعاداة ايران وسوريا واهمال القوى العالمية قد فشلت فشلا ذريعأ. وقد اعترفت بفشلها السياسي والعسكري في العراق هذا، لذا تجدها اليوم تتحرك حسب توصيات تقرير بيكر- هاملتون الى جانب الاعتماد على المزيد من العسكرتارية كطريقة للافلات من الفشل النهائي.
وهي تحاول التراجع عن بعض السياسات القديمة واهم مظاهرها هي محاولة دمج قوى الاسلام السياسي السني والتيار القومي العربي في العملية السياسة في العراق وتحقيق بعض مطاليبها من خلال تغير الدستور والغاء قانون اجتثاث البعث وطلب مساعدة الانظمة العربية والتعامل مع ايران وهي عملية سيصيبها الفشل لامحالة. ان الخلافات والعداوة بين القوى التي تريد امريكا جمعها معا في "حكومة وحدة" وخاصة التيار القومي العربي والاسلامي السني من جهة وتيار الاسلام الشيعي اعمق من ان يتمكنوا من تشكليل هكذا حكومة. كما ان خلافاتها مع ايران اعمق من ان تفضي تعاملها مع ايران الى التهدئة في العراق.

مع تزايد الضغط على الادارة الامريكية في العراق و داخل امريكا نفسها سوف يجعل من الاستمرار في السياسات الحالية صعبا. ان البدائل القادمة هي اجراء تغير جوهري في تركيبة الحكومة العراقية او ترك العراق او تقسيمه. وكل هذه البدائل الحالية والمستقبلية المفتوحة امام امريكا تعني اشتداد الحرب والعنف والسيناريو الاسود الحالي. ان تأويل اكثر على امريكا ومشاريعها يعيني تدمير اكثر للمجتمع وانزلاق اكبر نحو الفوضى والحرب والصراع. ان اي قوة تبحث عن حلول ضمن اطار العملية السياسية التي طرحتها امريكا سوف تفشل. والاكثر من ذلك، بدون إخراج القوات الأمريكية وحل كافة مؤسساتها ليست هناك إمكانية للحل و لإعادة الأمان والمدنية.
من جهة اخرى فان القوى الاسلامية والقومية المعادية لامريكا وعمليتها السياسية ليست قادرة على طرح بديل لانها قوى مكروهة ومعزولة وباعثة على انقسام اعمق في المجتمع.

ان القوة الوحيدة القادرة على انهاء الوضع الحالي هو اليسار ومن خلال اطار خارج اطار الاحتلال وقوى الاسلام السياسي والتيار القومي ويستند على طرد المحتل وحل مؤسساته وتقصير يد القوى القومية والطائفية و بناء حكومة علمانية وغيرقومية تتعامل مع الجماهير على اساس مبدأ المواطنة و تتخذ التدابير اللازمة لتوفير الأمن وبناء المجتمع المدني وتوفير أوضاع تقرر الجماهير بحرية ووعي على نظام الحكم التي تريده. انه ليس بحل بسيط ولكنه الحل الوحيد القادر على الخروج من الوضع الحالي. ان انهاء الطائفية والتمييز الديني والقومي والارهاب وبناء الدولة والمجتمع المدني في العراق هي اليوم وظيفة اليسار.

ان البديل اليساري يجب ان يستند على اعادة ثقة الجماهير بنفسها وتدخلها بخلاف البدائل اليمينية التي تستند على تهميش الجماهير وسلب ارادتها وعلى تقوية الجبهة العلمانية ومعاداة كل القوى والمظاهر الرجعية.
وهذا البديل الان موجود، وهو مؤتمر حرية العراق الذي يسعى لفتح بيوت الجماهير وتشكيل قوة الامان والامساك بادارة الاحياء والمحلات وتوفير الامن والقانون. وهناك بالفعل قوى حوله داخل العراق وخارجه. ان نمو عمل مؤتمر حرية العراق وسيطرته على مناطق متزايدة في العراق وتحوله الى قوة اساسية هو السبيل لفرض انتخابات في العراق، غير المسرحيات التي رتبتها امريكا وبالتالي تشكيل حكومة علمانية غير قومية لانقاذ المجتمع من هذا السيناريو. لذا فان جميع القوى التي تود ان ترى نهاية للوضع الحالي مدعوة للالتحاق بمؤتمر حرية العراق و تقوية وتوسيع نشاطه والعمل على تجاوز العوائق المالية والبشرية التي تقف عائقا امام توسيع مناطق نفوذه ونمو قوته المسلحة، قوة الامان وامام تحوله الى قوة اساسية في العراق. ان الكتابة والنقد وفضح القوى التي خلقت الوضع الحالي ليس كافيا.
باختصار شديد، عراق اليوم امام بديلين احدهما للقوى اليمينية وهو تعميق الوضع الحالي والاخر يساري يسعى لبناء دولة علمانية غير قومية تعمل من اجل رفاه الانسان وتحترم حرياته وحقوقه الاساسية ويمثله مؤتمر حرية العراق. ان تحقيق البديل الثاني يحتاج الى جهود عظيمة من القوى التقدمية في العراق وخارجه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي