الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر بين النقد والابداع

علي قاسم مهدي

2007 / 7 / 12
الادب والفن



((النقد الأدبي ، عملية معقدة ، شانها أي تجربة شعورية مهما حاولت تاطيرها ووضع الأسس لها ، فان إشكالاتها تظل تشغل حيزا واسعا من الشعور الإنساني من الصعب سبر أغواره ومعرفة كنهه ، واستشراف مضامينه وإبعاده ، لاسيما حينما يأخذ النقد على عاتقه تحليل الشعور الجمالي ومحاولة كشفه والتوصل إلى تلك الخيوط التي تآلفت وتناسقت في تشكيل الصورة الفنية ومدى تأثرها وتأثيرها في النفس الإنسانية التي تبقى مصدر الإلهام والحكم في العمل الأدبي " دراسات نقدية في الشعر العربي " د- بهجت عبد الغفور)) . إن الشاعر الذي يضطرك أن تفكر ، وان تجهد نفسك في أن تفهمه وتحسه وتشعر معه هو شاعر متمكن من الجمال أللفضي ومن خصائص الكلمة وبمعنى آخر يمتلك شاعرية عالية ، فأنت تجد فيه معنى يحرك فيك الوجدان ، إضافة إلى الصور المبتكرة .. لذا أنت لا تستطيع أن تنظر إلى صورة واحدة أو مقطع من القصيدة أي -النقد ألتجزيئي - لان هذا تعطيل لعملية النقد وإسقاط لإبداع الشاعر ،بل أن تنظر إلى القصيدة بشكلها العام . إن الشاعرية لدى معظم الشعراء في تغير مستمر تستحدث لغة وصور، وطبيعتها غيرت حدود القديم لكنها في النهاية محكومة بميزة الفطرية ، تلك القوة توجد لنفسها قواعد ولا توجدها قواعد . فالشاعر دون الفطرة قد يكون صائغ غير ماهر . فهو مبدع عندما يرفع النقاب عن الكلمات ويدخلها عالم القصيدة المبدعة ، وهو متمكن عندما تكون له صور شعرية متجددة ... إن امتلاك الشاعر لمقومات القصيدة تحتاج إلى الفكر والعاطفة ، لان الفكر والعاطفة لا يشكلان أي معنى دون لغة ولن يكونا مؤثرين واضحين دون وعاء لهما ،أما النقد - ذوقا انطباعيا وليس علما - إنما ينبغي أن يأخذ الناقد من العلم روحه الموضوعية . والذوق في النقد ليس معناه النزوات التحكمية ، فالجانب الكبير من الذوق لدى الناقد ماهو إلا رواسب عقلية وشعورية وبذلك يصبح الذوق وسيلة من وسائل المعرفة .. يعرف أرسطو الشعر :هو الخالق أي من يبتكر ويتخيل . أما الشاعر الإنكليزي وردز ورث، يعرفه : هو الحقيقة التي تصل إلى القلب رائعة بواسطة العاطفة .
((الشاعر وعسر التجربة ))
كيف يمكن للشاعر أن يمسك راس الخيط في تجربته ، سؤال طرح قديما ويطرح ألان في هذا الحراك الشعري ، هل إن البُنى والأفكار والثيمات اليومية الصغيرة إذا ما أحسن الشاعر اصطيادها وأزاحتها في دورقه تصلح تجربة أو إرهاصا لتجربه . إن خزين اللغة وحداثتها وجدتها لا يفرز بالضرورة تجربة حديثة ما لم يتبعها المران والقدرة على اقتناص اللحظة وضغطها بمساحات صغيرة لا تراها سوى عين الشاعر الخاصة وعلى هذا فالتفرد بشكل القصيدة وبنيتها الداخلية وإغراقها بالصور والاستعارات والكنايات والكثير من العلائق اللغوية الجديدة للألفاظ التي افرزها الشعر الحديث . وكل هذه الشكلانية لن تكون بديلا عن التجربة بأي حال من الأحوال حيث أنها لا تتواءم مع اختزال القصيدة الحديثة للكثير من رواسب اللغة وتكلس الأخيلة والبطالة المقنعة للألفاظ . يقول
هيوم " على الشاعر أن يبتكر أشكالا جديدة للتعبير على أساس من شهوة الدقة وهي اكبر محرك للفن" وهذا يعني أن وسائل الحياة الجديدة تفرض وسائل تعبير جديدة وهذه بدورها لا تستوفي بدون انفعال جديد وصهر وتمثل جديدة والذي يخلق بالتالي انذهال جديد لا يمت بصلة للانذهال القديم وهذا ما أراده هيوم بشهوة الدقة التي سبيلها التعابير بواسطة المماثلة الجزئية . إن التجربة إذن مخاض خاص وانذهال جديد لدى الشاعر لا يشاركه به احد آخر يعتمد على إثارة الحدس وأعمال الذهن الذي يقود إلى العجب والعجب حافز على الاستغوار والبحث . ولا اقصد من هذا أن يعتزل الشاعر الآخرين ويبحث عن تجربته داخل أغوار نفسه . لكن له أن يختلط بهذا الكم الهائل من الثقافات والأصوات ويتفاعل مهعا . ثم يعقد في ذهنه عملية فرز وصهر وامتصاص جمالي يضيفه إلى مساحاته الفكرية .
الشعر وصلة بالعالم واللغة

إن للشعر صلة بالعالم المحيط ، ينصهر بها الحسي بالمجرد والحلم بالواقع والمستقبل بالذكرى . ولأنه يمتلك الرؤيا أو هو الرؤيا كم يعبر هيدجر "يرفع النقاب في البداية عن كل شيء ، عن كل ما نتاوله ونتداوله بعد ذلك في لغتنا اليومية الجارية "( مصدر - في الفلسفة والشعر) مارنت هدجر .. انه يزيدنا معرفة لا بالأشياء المحيطة بنا ، بل بأنفسنا وما تشتمل عليه قوة ، واسى إنساني وتلذذ بالجمال . إن الشعر يؤكد في كل لحظة ، امتيازه القاسي وقدرته الكاشفة التي تتجلى في رؤية ما يخفيه عنا . والشيء الذي يحرك بعد الرؤيا الشعرية وقدرة الشاعر على الخيال ، اللغة . حيث تشكل اللغة في الكتابة الشعرية ركنا هاما لا تنهض بدونه قصيدة ذات رؤيا مؤثرة . ومع ذلك فإنها أي اللغة ما تزل ،إذا استثنينا بعض الشعراء المتميزين ، عرضة لكثير من سوء الفهم بدءا ، يكاد من المسلم به بين نقاد الشعر اليوم ، أن اللغة هي موطن الهزة الشعرية وفتنتها . ورغم ما يكون في هذا القول من إعلاء لفعل اللغة الشعرية ووضعها بالنتيجة في المرتبة الأولى للفعل الشعري إلا انه إعلاء يجد ، رغم كل شيء مصداقية في كل قصيدة ممتلئة . كما يكشف عن وجاهته في سياق الإنجازات المترابطة لكل شاعر عميق التائر في لغته القومية .
ماهو الشعر
((الشعر رؤيا مشتعلة يقظة تلتهم الواقع ، وتغور وراء قشرته الظاهرية ، اللامعة ، بحثا عن الجوهر الحي ، الراجف للحياة والإنسان والوجود . ولاشك أن هذه الرؤيا المتحركة لا تستسلم للعادة ، ولايخدعها سطح الحياة البراني المألوف بل تظل مأخوذة بالخفي الكامن من معناها ، ودلالتها المدهشة . وهذا امتياز الشعر ، الذي يبالغ سبندر في اعتباره حدا للكاتب الخلاق الذي يمتلك " أقصى قدرة على رؤية الغريب الشيق من وراء العادي والمألوف ، ويرى سبندر أيضا : أن كتاب الطبقة الثانية وحدهم هم الذين يحتاجون لكي يكتبوا إلى مؤثر خارجي غريب أو جديد أو شعري في ذاته )) المصدر " في حداثة النص الشعري " د- علي جعفر العلاق .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته