الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناصرية .. مدينة من غبار وأسى

احمد ثامر جهاد

2007 / 7 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


1-
طرفا الصورة في مدينة الناصرية هما : حضارة مهيبة شكلت يوما ما خطى البشرية الأولى نحو صناعة الحياة وصياغة أطرها ، وخراب حزين شكل منذ عقود حاضر سكانها في شكوى أبدية مريرة .
حينما تتجول في شوارعها الضيقة لن تغيب عن ناظريك ، زحمة وجوهها المتغضنة ، وهي تتقافز مهمومة بضياع أماسيها التي كانت على الدوام تلتئم مشفوعة بعبق حكائي عن أفول حضارات قديمة وبشر .
2-
يتكلم أهلها لغة بسيطة مباشرة، منفعلة، خائفة، ساخطة. لغة تتطاول حينا، وتسوغ حينا آخر. لغة انفعالية تتابع جديد الأخبار والحكايات التي صاغت بمرور الزمن مشهد باهتا من مشاهد الحياة اليومية المتواضعة لأبنائها.
هكذا وبلغة اشد تقريرية هي الأليق لإيصال المضامين الملحة ، سنرى ان هذه المدينة ما زالت رغم ما خصص لها من أموال خلال السنوات الأخيرة تعاني إهمالا كبيرا في الخدمات وتقصيرا ملحوظا من قبل دوائرها المعنية، وكأن عقبة خرافية فائقة القدرة توجه الرياح السليمة البناءة فيها بعيدا عن أرضها المغبرة.
ولأسباب أرضية جلية ستغيب أمجاد الأولين هاهنا في صور حديثة اخرى، أبطالها النفايات المنتشرة في عدد غير قليل من مناطقها وأحيائها السكنية بما يشبه لازمة معتادة تهيمن على أوسع المساحات وتطرق أجمل الأبواب في حصار أزلي مخيف.
3-
البراهين العينية لهذا الواقع المؤلم ستتجلى بالطبع في الأحياء الشعبية الفقيرة أكثر من سواها، وان تطاولت القذارات – هذه الأيام - زحفا على أحياء ميسورة لا تملك دفعاتها أمام سرطان خبيث يتحرك بخطى وئيدة . وبوضع جانبي الصورة مع بعضهما البعض ،تصبح الوطأة مضاعفة هنا ، حينها يفقد ذاك المواطن الصالح آخر متعه البصرية في الأحياء القريبة المجاورة ،مثلما يفقد فرصة استنشاق هواء لطيف ، كان قد اعتاد شمه للحظات خاطفة في مسيرة ذهابه إلى عمله اليومي، رغبة في اجتراح توازن ضئيل في معادلة الحياة كما لو في فسحة سجن كبير.
وأمام تردي الحال أو بقائه على حاله، يصدح عدد غير قليل من المواطنين باستهجانهم لسوءات هذا الواقع في غير مناسبة مطالبين بلسان فصيح برفع المستوى المتدني للخدمات بما يجعل العيش في مدنهم كريما ولائقا وإنسانيا. بل يستميت بعض الناس في سرد البراهين التي تؤشر سوء النية أو الإهمال العمد لمطالبهم أو انعدام الكفاءة لدى المعنيين بتحسين الأحوال، ولن يتوقفوا عن كلامهم ما لم يقارنوا بين حيوات شعوب دول البترول التي تنام عواصمها في سبات السعادة البشرية ،جاهلة بمعان عدة من قاموس الحياة العراقية ، من مثل: رداءة مياه الشرب ،انتشار النفايات ،انقطاع التيار الكهربائي ،رداءة الشوارع،ناهيك عن التشوه العمراني وتفشي الأمراض الغريبة.


4-
أحيانا تخلق المعايشة الطويلة المزمنة بين الناس وأزماتهم نوعا من المعرفة الشاملة لمكامن العلل، فترى المواطن أيا كان يفقه في تحديد السبل الناجعة لتعبيد الشوارع ،كما يعرف طرقا علمية تخلصه من رداءة مياه الشرب أو استبدال الشبكات القديمة والمتهالكة بأخرى محصنة ضد مختلف أنواع الشرور المجهري . وبالطبع حينما يسلم جسده الناقع إلى زاوية مأمونة على سطح المنزل ، لن يتوقف عقله النابه عن أيجاد حلول شافية لمعضلة النفايات الكريهة التي تلوث حتى أحلامه وهي تأخذه في التجوال المسائي الهادئ بين محال تجارية أنيقة تطل على شوارع آدمية، لا تتصادم فيها أجساد المارة ولا تتعثر خطاهم في حفرها أو في أتلال نفاياتها ولا تسلمك مأكولاتها الشهية إلى أطباء هرمين، ولا يتفطر دماغك المائع من عزف مولداتها الزاعقة .
والحال هذه سيكون من غير اللائق ولا المناسب على الإطلاق ان ينزاح الجسد الحالم ولو لحين إلى افتراض اتساع المدينة لفسحة عشب اخضر تتطاير عليه كريات أطفال محرومين باتت سحنهم مصبوغة بلون الرصاص. ولكن من يخفف عن الأم والزوجة والأخت والبنت بعضا من همومها؟ وأين؟ علها تكون حياة بشرية لمرة واحدة.
5-
ان أحدا لن يدعي غياب هذه الصورة المريرة ولن ينزع عنها أي قول آخر رسوخ واقعيتها . صورة ما عاد من السهل إخفاءها حتى مع سحب الغبار الرمادية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيول دبي.. هل يقف الاحتباس الحراري وراءها؟| المسائية


.. ماذا لو استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟




.. إسرائيل- حماس: الدوحة تعيد تقييم وساطتها وتندد بإساءة واستغل


.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع العقوبات على إيران بما يشمل الم




.. حماس تعتزم إغلاق جناحها العسكري في حال أُقيمت دولة فلسطينية