الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الأستاذ سعيد الكحل

عبد الواحد بلقصري

2007 / 7 / 23
مقابلات و حوارات


السؤال رقم 1
باعتبارك أحد أهم المهتمين بقضايا الإسلام السياسي والعلمانية ما هي أهمية هاته القضايا في نظرك في الفكرالعربي المعاصر ؟
بكل تأكيد أن قضايا الإسلام السياسي والعلمانية ،هي قضايا حديثة على الفكر العربي المعاصر الذي ، لأسباب تاريخية وسياسية ، لم ينفتح على قضايا الدين والسياسة والعلمانية ؛ ومن ثم لم يعالجها بالجرأة والموضوعية اللازمتين . فالأنظمة السياسية التي حكمت وتحكم العالم العربي لم تتخذ الحياد الضروري إزاء هذه القضايا . بل إنها لجأت دوما إلى الاستناد على الإيديولوجية الدينية في شرعنة حكمها . لهذا فالفكر العربي لم يشهد أبدا ثورة ثقافية تجعله يتعاطى مع قضايا الدين والسياسة خارج دائرة الإيمان والكفر . فعلى امتداد 15 قرنا ظل الدين رهين السياسة وظل الفكر ضحيتهما معا . إن الفكر العربي المعاصر لا يخرج عن القواعد السياسية والإيديولوجية التي تحكم الدول والمجتمعات العربية ، كما لا يستطيع أن يمارس حرية التفكير والنقد خارج الخطوط الحمراء . إنه يعيش سجينا داخل دوائر حمراء ما أن يقترب من ملامستها حتى تنصب ضده المشانق . فكل الذين حاولوا التأسيس لفكر متحرر من قبضة الحكام والفقهاء كان مصيرهم مشؤوما . إن مأساة الفكر العربي أنه ضحية اضطهاد مُركّب . اضطهاد يمارسه المجتمع الذي بقدر ما يخشى الحقيقة ويرفضها بقدر ما تشتد نقمته على قائل الحقيقة وكاشفها . واضطهاد تمارسه السلطة سواء الدينية أو السياسية أو هما معا . كل الشعوب عانت ـ في فترات من تاريخها ـ مما تعانيه الشعوب العربية ، لكنها تمكنت من تحرير الفكر والعقل باستثناء شعوبنا التي تعاكس مسار التاريخ البشري فتضاعف من قيودها على الفكر . وبسبب ذلك لم تبدع مجتمعاتنا سوى البشاعة سواء على المستوى السياسي /العلماني ( جمهوريات وراثية ، دكتاتورية مطلقة ) أو على المستوى السياسي / الديني ( حركة الطالبان والمحاكم الإسلامية ، السعي لإقامة دولة الخلافة بالوحشية التي لم تعرفها البشرية من قبل ) . إذن الفكر العربي المعاصر يعاني من الغربة والتمزق والاضطهاد خصوصا مع اجتياح الجماعات المتطرفة لعالمنا العربي . هذا الاجتياح حمل الأنظمة السياسية الحاكمة على التحالف مع تيار الإسلام السياسي في مواجهة الفكر واضطهاده ( المحاكم المصرية "الوضعية" تصدر أحكام التكفير والتطليق ضد المفكرين = نصر حامد أبو زيد نموذجا ) .

السؤال رقم 2
باعتبارك أحد المهتمين والباحثين في قضايا الحقل الديني بالمغرب. في نظرك هل استطاعت الدولة المغربية بمختلف إجراءاتها أن تجد حلا للمسألة الدينية؟ وهل يمكن اليوم في المغرب أن نتحدث عن سياسات عمومية مرتبطة بالشأن الديني؟
إن المسألة الدينية في المغرب تزداد تعقيدا بسبب حالة التسيب العامة التي استفحلت حتى غدا المجال الديني محتكرا من طرف الجماعات الإسلامية على اختلاف تمذهباتها . إن الدولة كانت قد فقدت السيطرة على المساجد حتى حدثت التفجيرات الإرهابية في 16 مايو 2003 ، حينها أدركت السلطات خطورة استغلال المساجد لتجنيد الإرهابيين ونشر التطرف . لكن ، ورغم هذا الوعي لدى السلطات ، لازالت المساجد خارج الضبط العملي والفعلي لوزارة الأوقاف ، بل إن المساجد التي تشرف عليها الوزارة الوصية لا تلتزم بالسياسة الدينية للدولة . أما المساجد التي لا تخضع لإشراف الوزارة ، وتمثل ثلثي مساجد المملكة ، فهي مقرات خاصة لنشر التطرف والكراهية ومناهضة السياسات العامة للدولة والمشروع المجتمعي الحداثي . وهكذا ، وفي كل مدينة أو قرية ، توجد مساجد تابعة للجماعات الإسلامية ومعروفة لدى عامة المواطنين دون أن تتمكن الدولة من كسر الاحتكار وتأميم المساجد . أكيد أن السياسة التي نهجتها الدولة في مرحلة سابقة حين عمدت إلى استيراد المذهب الوهابي وتشجيع انتشار الجماعات الإسلامية في إطار الصراع الإيديولوجي سواء ضد الماركسيين أو ضد الخمينية ، هذه السياسة هي التي أدت إلى حالة التسيب والفوضى في المجال الديني . وقد رأينا كيف أن "السيبة" لم تقتصر على مجال الفتوى ومنابر الجمعة ، بل شملت أساسا التمويل والنشر . فالسوق المغربية متخمة بالكتب والأشرطة والأقراص المدمجة التي تحرض على التكفير والكراهية ومناهضة مخططات الدولة ومشاريعها الإصلاحية . فالدولة التي لا تستطيع مراقبة وضبط المنشورات والكتب التي توزع وتباع في كل مكان والتي تناهض أسس الدولة نفسها وسياساتها ، هذه الدولة ستعجز عن ضبط المجال الديني بالضرورة . فالأئمة الذين يرفضون الالتزام بالخطب التي تضعها وزارة الأوقاف لن يلتزموا بتطبيق تعليماتها .
السؤال رقم 3
هل تمكن ما يسميه الجميع إعادة هيكلة الحقل الديني من بلوغ أهدافه الحقيقية ؟
أمام حالة الفوضى والتسيب وإغراق السوق بالكتب والأشرطة الخارجة على المذهب والمناهضة لثقافة التسامح ، سيكون من الصعب ضبط المجال الديني وتنقيته من الدخلاء الذين غزوا كل الهيئات الدينية ( المجالس العلمية ، الرابطة المحمدية ، خريجو دار الحديث الحسنية الخ ) . إن الغلو والتطرف والخروج على المذهب عراقيل تواجه كل هيكلة للحقل الديني . والدولة ليست حازمة في توجهها الإصلاحي . فهي تدرك أن الحقل الديني أصبح خطرا وملغوما ، وأي خطوة أو إجراء تقررهما الدولة سيكون لهما تأثير سلبي على نشاط الجماعات الإسلامية التي ستكون لها ردود أفعال تخشاها الدولة وتتجنبها . لهذا سيظل الحقل الديني ، في الأمور الجوهرية المتعلقة بالفقه والإفتاء ، عصيا على الهيكلة .
وقد رأينا كيف أن وزير الأوقاف السيد أحمد التوفيق عجز عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد الدعاة والخطباء الذين يستغلون المساجد لنشر التطرف .
السؤال رقم 4
هل يمكن للإصلاح الديني أن يكون مدخلا للإصلاح السياسي والثقافي في العالم العربي أم أن الإصلاح الديني يحتاج إلى ثورة ثقافية وفكرية؟
إن كل إصلاح ديني ناتج عن ضرورة مجتمعية . بمعنى أن تطور الواقع وتعقد ظواهره يخلق الحاجة إلى إصلاح ديني يجيب عن أسئلة الناس وييسر حياتهم . لكن في عالمنا العربي نعيش مفارقة خطيرة ، إذ كلما حاول المجتمع إيجاد حلول للمشاكل والقضايا التي تواجهه بفعل التطور وتعقد الظواهر والتفاعل الحضاري مع شعوب الأرض ، كلما كان الفقهاء وكل الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين وناطقين باسمه ، كانوا بالمرصاد وأصروا على تحنيط المجتمع عند فترات تاريخية قديمة . إن عالمنا العربي ـ للأسف الشديد ـ يعيش القرون الوسطى الأوربية من حيث هيمنة الديني على الدولة والمجتمع مما خلق تحالفا ـ طوعا أو كرها ـ بين الأوصياء على الدين ( الفقهاء ، الدعاة ، التنظيمات الإسلامية )وبين الأوصياء على الدولة ( الحكام ) . فجميعهم تلتقي مصالحهم عند المحافظة على الأوضاع كما هي ومناهضة التغيير والتطور والإصلاح . من هنا كل التنظيمات الإسلامية تسعى لإقامة دولة "الخلافة" التي لا سلطة فيها للشعب ، بل كل الأمر والنهي للحاكم . لهذا لن يكون من مصلحتها دعم الإصلاح السياسي والدستوري وضمان الحريات العامة والفردية . الأمر الذي يضع هذه الجماعات في خندق المحافظة والرفض لكل تغيير مع الأنظمة الحاكمة التي تجعل من الحاكم هو مصدر القرار والأمر والنهي ولا سلطة تعلو سلطته . فقد عرفت كل البلدان العربية حركات احتجاج دعت إليها وقادتها التنظيمات الإسلامية ضد أي إجراء أو قانون يمنح المرأة قدرا من إنسانيتها كحقها في التصويت والترشيح أو تولي القضاء أو تولي المناصب الوزارية أو حتى الولاية على نفسها في الزواج . ولا شك أن تجربة المغرب مع مدونة الأسرة أكدت حقيقة واضحة وهي أن الإرادة السياسية في الإصلاح تفرض على الأوصياء على الدين إنتاج فتاوى تستوعب هذا الإصلاح وتسايره . لذا يمكن التأكيد أن الإصلاح الديني في عالمنا العربي ، يتبع الإصلاح السياسي ولا يؤدي إليه أو يكون مدخلا له . ولن يعرف عالمنا العربي إصلاحا دينيا حقيقيا إلا إذا عاش إصلاحا سياسيا حقيقيا . من هنا لا يمكن أبدا المراهنة على الإصلاح الديني لخلق طفرة سياسية تقطع مع الحكم الفردي وتعيد للشعب سلطته . لقد تصدى ، بشراسة ، الإسلاميون في الكويت ضد المرسوم الأميري لمنح المرأة حقها في التصويت والترشيح ، وكذلك فعلوا في البحرين واليمن والسعودية والأردن ومصر والجزائر والمغرب . إنهم يقفون حاجزا في وجه التغيير والإصلاح . ويساندهم الفقهاء الذين يتمسكون بالقول المأثور المنسوب زورا للرسول ( إن شر الأمور محدثاتها وأن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة الخ . مع العلم أن الإسلام لا يحرم كل جديد يخدم مصلحة المجتمع . وبسبب هذا الاعتقاد ظل المسلمون يناهضون كل جديد ويحرمونه ( حرّموا المذياع والتلفاز والهاتف والفاكس والبارابول (الدش) والأنترنيت الخ . وهناك قصص طريفة تؤرخ لنوع الحيل التي سلكها ملوك السعودية حينما أرادوا إدخال هذه التقنيات إلى بلدهم .
السؤال رقم 5
في نظرك أمام جدلية الإصلاح والإرهاب الذي باتت تعيشه المجتمعات العربية في الآونة الأخيرة بفضل الأحداث الكثيفة للعمليات الإرهابية في عالم الألفية الثالثة، وأمام فشل الأنظمة السلطوية في التصدي لذلك بفعل عدم انفتاحها على الديمقراطية الحقيقية؟
هل نجحت في نظرك القوى الديمقراطية والتحديثية في التصدي للمنطلقات الفكرية التكفيرية للجماعات الراديكالية؟
بسبب التحالف المعلن أو السري أو القهري / الاضطراري بين الأنظمة الحاكمة وبين تيارات الإسلام السياسي ، فإن التصدي للمنطلقات الفكرية والعقائدية للجماعات الإسلامية عموما والتكفيرية على وجه الخصوص بات مغامرة معلومة العواقب . فالمثقف أصبح بين خيارين اثنين : إما الاغتيال في حالة المواجهة ، وإما الجُبن والمهانة . فالمثقف عموما عنصر غير مرغوب فيه سواء من الأنظمة الحاكمة أو من التنظيمات الإسلامية والجهادية . ولا ننسى أن هذه الأنظمة استندت إلى هذه التنظيمات الإسلامية في مواجهة القوى الديمقراطية ولازالت تفعل حتى الآن . وليس صدفة أن تصم الآذان فتاوى تكفر الديمقراطية وتزندق المتحزبين . ولازالت هذه الفتاوى تذاع وتنشر عبر منابر المساجد والفضائيات والكتب والدروس الوعظية . لهذا تظل مواجهة التيارات المتطرفة مسئولية الجميع : القوى الديمقراطية ، المثقفين ، الأنظمة الحاكمة ، المجتمع المدني .
كلمة أخيرة لقراء موقع الحوار المتمدن
أعتز بالانتماء إلى هذا الموقع الرائد في التأسيس لثقافة الحوار والاختلاف وإشاعتها بين رواده وأعضائه الذين أكن لهم كل التقدير وأشد على أيديهم ، كما أدعوهم إلى الانخراط في المشروع الثقافي الذي يحمله موقع "الحوار المتمدن" على اعتبار أن مجتمعاتنا العربية أصبحت ضحية التطرف وثقافة الكراهية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا