الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناقشة لبيان مؤتمر رابطة الانصار الشيوعيين العراقيين

سمير طبلة
إداري وإعلامي

(Samir Tabla)

2007 / 7 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


توجّه عشرات الانصار والنصيرات الشيوعيين العراقيين القدامى الى أربيل، عاصمة أقليم كردستان، خلال الاسابيع الماضية، قادمون من بغدادهم المنكوبة وباقي مناطق العراق، ومن مدن العالم المختلفة، التي طالت منافيهم فيها، ليلتئموا في مؤتمر رابطتهم الرابع، وليجدّدوا آمالاً وهبوها أحلى سنوات عمرهم، بعد ان وهبها المئات من رفاقهم، غير هيابين، أرواحهم الزكية، شهداء برّرة. وإنطلاقاً من ايمانهم، وايمان حزبهم الشيوعي، المطلق بأن الانسان أثمن رأس مال. فقد حلموا وعملوا لعراق لجميع العراقيين، تصان فيه حياة الانسان وعرضه، وتتّحقق مصالحه المشروعة والعادلة، ولا يزال اغلبهم يواصل هذه المهمة النبيلة. ويشكل حضورهم، بهذا العدد الكثيف الى أربيل، دليلاً لا يقبل الدحض على أخلاصهم لتاريخهم النضالي، وتواصلهم معه اليوم.
انعقد المؤتمر يومي 5 و6 تموز الجاري، ورعى افتتاحه السيد رئيس حكومة الأقليم، ليعقبه اضخم مهرجان ثقافي للرابطة، للأيام 8 و9 و10 من الشهر ذاته. وأبى النصير (البيشمه ركَة) كاك مسعود البارزاني، رئيس أقليم كردستان، إلا ان يفتتحه بنفسه، مما أوجب تأخير الافتتاح أربع ساعات. ثم أرتجل كلمة قصيرة وحميمة، فاحت اخلاصاً لأيام النضال المشترك ضد الدكتاتورية، وأشادت بمساهمة الانصار الشيوعيين العراقيين "الكبيرة" في "تعزيز الاخوة العربية – الكردية"، وفي "الدفاع عن مبادئ وقيم الديمقراطية والحرية". وأقرّ أمتناناً ان "حضوري هنا اليوم هو تعبير صادق عن مشاعر التقدير والاحترام لدوركم". زادها وفاءً بذكر حقيقة ان "دماء البيشمه ركَة والانصار اختلطت في جبال كردستان دفاعاً عن العراق، كل العراق. وأعتقد لا يزال ذلك الدور ينتظر"هم "لانقاذ العراق".
وتأخر، للأسف، وصول الرفيق حميد مجيد موسى، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، الى المهرجان لصعوبة المواصلات بين بغداد اربيل، مما اضطره للمشاركة في اليوم الأخير، بعد ان شارك مسؤولون آخرون فيه منذ البدء. وهذا دليل اهتمام وتقدير للرابطة وأنصارها، وما يعول عليهم، اليوم وفي المستقبل.
فأين هو "البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الرابع لرابطة الانصار الشيوعيين العراقيين" من هذا، خصوصاً وأن صدوره تأخر عشرة ايام، من دون ذكر أي مبرّر؟ (نشر في مواقع الكترونية في وقت متأخر مساء 15 الجاري). بل وأين المؤتمر الرابع ككل من كل هذا؟
بدءاً لا تهدف هذه المناقشة، بأي شكل كان، التقليل من الجهود الرائعة لمن هيأوا، بإخلاصٍ حقيقي، لمؤتمر الرابطة ومهرجانها، ولا من أي مساهمة مهما كانت على هذا الطريق، بقدر ما تهدف الى التنبيه لما هو أهم وأجدى ووضع المعنيين أمام مسؤولياتهم. فالمؤتمر الرابع عقد تحت شعار "نناضل من أجل عراق آمن (كُتب أمن) ديمقراطي فيدرالي موحد ومستقل"، وهو ما يستوجب التدقيق والتعديل، لخطورة خطأ وضع تسلسل أولوية المهمات، خصوصاً وأنه اُقر في بدء المؤتمر من دون نقاش مستفيض من عراقيين حملوا هم الوطن وشعبه، في صلب افئدتهم (وافئدتهن بالتأكيد) أينما كانوا.
العراق، اليوم، وشعبه يمران بكارثة بكل المعايير. فهل هناك من يختلف بتشخيص هذا الواقع المأساوي؟ ولا يحتمل حجم هذه المناقشة سرد تفاصيل الكارثة المعروفة للداني والقاصي، وأفظعها قتل ما يقارب مليون عراقي، منذ سقوط النظام الدكتاتوري في نيسان 2003. ولا يؤثر في النقاش اختصار هذا الرقم الى الخُمس بإقرار تصريحات مسؤولين. اضافة لتعرض البلد لاكبر هجرة في المنطقة بعد نكبة فلسطين عام 1948، إذ وصلت أرقام المهاجرين والمهجرين الى اربعة ملايين ونصف المليون عراقي، عدا نخر الفساد الاداري للدولة من قمة رأسها حتى أخمص قدميها (تعرض العراق ويتعرض وسيتعرض لأكبر سرقة في التاريخ!)، دع عنك الاستقطاب الاثني والديني والطائفي والمناطقي والعشائري المفزع، والفشل الذريع لما سميَّ بـ "العملية السياسية" (أ مِن يُعرفها؟!) و"حكومة الوحدة الوطنية" وكذبة "المصالحة الوطنية". وقائمة الفضائح والفشل تطول هنا.
ويأتي مؤتمر لنخبة مخلصة من أبناء العراق وبناته ليضع أولوية مهماته بـ "الأمن"، وهو موقف صائب ومسؤول حقاً، ولكنه يلحقه مباشرة بـ "ديمقراطي فيدرالي موحد"، وأخيراً يضيف "ومستقل"(!) وهكذا فالعراق "المستقل" يأتي بعد الكلمات - الأهداف الأربعة الأولى. ومِن مَن؟ من أناس وهبوا العمر، ويهبوه، ولن يتردّدوا بوهبه مستقبلاً لـ "وطن حر وشعب سعيد".
لا مبالغة بالقول ان الانصار الشيوعيين العراقيين، ومن ورائهم حزبهم الشيوعي، على الرغم من ان غالبيتهم المطلقة لم تعد مرتبطة به تنظيماً، بالمفهوم الكلاسيكي البالي، هم من أخلص وأصدق المدافعين عن مصالح العراق وشعبه. والاخير - ولا تزعم هذه المناقشة النطق بلسانه - كفر بـ "الديمقراطية" الزائفة والبائسة، التي نفذها الغزو ثم الاحتلال، تحت ضغط مرجعية دينية معروفة لأهداف لم تمت، ولن تمت لمصلحة البلد وأهله بشيء. وهما، اليوم، يدفعان ثمن نتائجها الكارثية بأشلاء أهاليهما البريئة.
اما هدف "فيدرالي"، وفيدرالية كردستان العادلة مستثناة هنا لثبوت نجاحها المشهود على الرغم من نواقصها، فكان عامل تخريب وتعميق للأزمات، هدّد ويهدّد البلد ووحدته، وهو المقسم عملياً لكانتونات آمراء الحروب والنفوذ، بمختلف تسمياتهم: احتلالية، ارهابية، صدامية، تكفيرية، طائفية، قطاع طرقية، حواسمية، أثنية، جيرانية، وقائمة طويلة يصعب سردها.
فكيف فات تلك النخبة المخلصة تقديم "مستقل وآمن" على "ديمقراطي فيدرالي موحد"؟ وهل من مهمة أسمى، اليوم، من مهمة وقف، أو على الاقل الحد من، طوفان الدم العراقي المرعب؟ وأين هذا الهدف من الايمان المطلق بالانسان كأعلى قيمة، غاية ووسيلة؟
ومؤسف حقاً ان نرى ان المؤتمر غرق، على مدى يومين من النقاش المستفيض، بتفاصيل أقل أهمية. بل والطامة انه لم يتوقف كثيراً عند كارثة العراق الحالية، ومندوبيه هم من خيرة أبنائه. وهو خطأ درجت عليه أغلب منظمات الحزب الشيوعي، مقدمة قضايا التنظيم البيروقراطية على أهدافه السياسية السامية. لا بل أن مؤتمره الوطني الثامن، الذي وإن شكل مجرد انعقاده، في قلب بغداد المنكوبة، تحدياً بطولياً للارهاب، إلا ان وثائقه – بتقديري – لم ترتق لمستوى كارثة البلد وأهله، ولم تنسجم مع السفر المجيد لتاريخ الحزب، بعد ان منح مناقشة التقارير والوثائق الداخلية وقتاً أكثر من المهام الاساسية لوجود الحزب نفسه وما ينتظره من مهام خطرة لانقاذ البلاد والعباد.
وربما جسد شعار المؤتمر الوطني الثامن (لنعزّز صفوف الحزب، ونعمل على توحيد قوى الشعب الوطنية، لإحلال الأمن والاستقرار، واستكمال السيادة الوطنية، وبناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد) عدم الوضوح في أولوية المهام، التي يتوجب القيام بها، إذ قدم "تعزيز صفوف الحزب" على مهمة أخطر منها بكثير، مهمة انقاذ البلد وتحقيق حريته وسعادة شعبه، وهي المهمة التي وجد الحزب الشيوعي أصلاً لها.
فيما تجاوز المؤتمر الرابع للرابطة، وعسى ان لا تكون بقصد، قرارات هامة خرج المؤتمر الثالث، الذي عقد العام الماضي، وفي المكان ذاته، وتحت شعار "من أجل تعزيز المسيرة الديمقراطية واحلال السلام في بلادنا".
معروف ان زبدة المؤتمرات هي ما تخرج به من قرارات وتوصيات. فالمؤتمرات، في آخر المطاف، محطات مراجعة لدراسة ما نفذ من مهام، ولما ينبغي القيام به لاحقاً. وما أشير اليه في خاتمة "البيان الختامي" بـ "تمت مناقشة العديد من القرارات والتوصيات، التي تقدمت بها لجنة الصياغة" مبهمة، بل ومحبِطة، خصوصاً وانها تناست، أولاً، القرارات الهامة السابقة، وثانياً لم تذكر القرارات الجديدة، في وقت ذكرت الجملة اللاحقة للبيان "جو من الشفافية". فأين هذه الشفافية؟ وما هي القرارات التي اُتخذت؟ وأين قرارات العام الماضي، خصوصاً المطالبة باستصدار قرار اعتبار شهداء الحركة الانصارية شهداء للوطن والشعب، إن لم يكن من مجلس النواب العراقي المشلول، فعلى الاقل من المجلس الوطني الكردستاني؟ وكذلك قرار اعتبار نضالات الأنصار جزء من نضالات شعبنا ضد الدكتاتورية؟
لا يمكن نكران حقيقة ان أغلب الانصار الشيوعيين القدامي حصل على إقرارٍ لبعض حقوقه، خصوصاً التقاعدية منها، وينبغي تقييم جهد القائمين بهذه المهمة. ولكن من المجحف، بل والمخجل، ان تُختصر هذه الحقوق على التقاعد فقط، او حتى على بعض الامتيازات الأخرى. فمهمة الاقرار بنضالات الانصار وتضحياتهم، خصوصاً الشهداء الأبرار منهم، تبقى مهمة أساسية للرابطة، ويلحقها مهمة الاستفادة من طاقاتهم الخلاقة في انقاذ البلد وشعبه من كارثتهما الحالية.
ويمكن الجزم هنا، بلا تردّد، ان الغالبية المطلقة من الأنصار الشيوعيين القدامى يتطلعون لإقرار سياسي ومعنوي بما قدموه، ويستهجنون تصريف ذلك بمكاسب مادية مجردة، وهم الذين يدركون، بعمق ومسؤولية، ان جوهر كارثة البلد الحالية هو الصراع على المكاسب والسلطة والنفوذ.
وإذ شكّل انعقاد المؤتمر الرابع ومن ثم المهرجان الثقافي، والاهتمام الكبير الذي حضيا به، ومن فعاليات سياسة واجتماعية واعلامية مؤثرة، مكسباً كبيراً ينبغي المحافظة عليه وتطويره ودفعه للأمام مساهمة في اعطاء كل ذي حق حقه، فعلى اللجنة التنفيذية الجديدة، وبدعم من الحزب الشيوعي طبعاً، بذل كل المساعي لأن تقر جميع حقوق الانصار القدامى، خصوصاً الشهداء منهم، وبالمقدمة منها اعتبارهم شهداء للشعب والوطن، والنضال المستمر لتحقيق ما وعد به كاك مسعود، مخاطباً الانصار بكلمة افتتاحه مهرجانهم الثقافي "بدون شك سيكون لكم دور متميز كما كان لكم دور متميز في السابق". بل والسعي المتواصل، وعلى كل الصعد، لافهام جميع مسؤولي الدولة بهذه الحقيقة الساطعة سطوع الشمس في بلاد الرافدين، والمطالبة بسن التشريعات المطلوبة بهذا الجانب. فليس للعراق غير أبنائه وبناته البرّرة، وفي القلب منهم أنصار الحزب الشيوعي العراقي، سوية مع كل من وضع، ويضع، مصلحة شعبه ووطنه فوق مصالحه الذاتية، بعد ان عمّدوا نضالهم المشرف بدماء خيرة رفاقهم ورفيقاتهم وبسنوات زهرة شبابهم. وعليهم، اليوم، مهمة أسمى من مهماتهم الجليلة السابقة، مهمة "إنقاذ العراق" وشعبه من الكارثة.
وهم لها حقاً!


سمير طبلة
20 تموز 2007

ملاحظة: لمزيد من المعلومات راجع مقال "لمحات من تاريخ حركة أنصار الحزب الشيوعي العراقي"، الذي امتنعت "طريق الشعب" عن نشره، فيما نشرته مواقع إلكترونية عشية مؤتمر الرابطة الرابع، على الرابط التالي:
http://www.yanabeealiraq.com/Politic%20mappe/Samir%20Tabla%2020-07-07-01.htm











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن