الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمة الناطق الرسمي باسم حزب العمال في مؤتمر -حركة التجديد-

حمه الهمامي
الناطق الرسمي باسم حزب العمال التونسي

2007 / 8 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


أيتها الرفيقات،
أيها الرفاق،

باسم مناضلات حزب العمال الشيوعي التونسي ومناضليه يسعدني أن أحييكم متمنيا لمؤتمركم النجاح والتوفيق. إنه لا يمكن لأي مناضلة تقدمية أو مناضل تقدمي أن لا يتطلع إلى نتائج مؤتمركم هذا، فكل خطوة تقطعها أطراف ديمقراطية تقدمية نحو توحيد صفوفها، إنما هي خطوة من شأنها أن تعزز الحركة السياسية، بل المعارضة السياسية في تونس. لذلك أجدد لكم تهانينا وتمنياتنا بالنجاح والتوفيق. واسمحوا لي بهذه المناسبة، وفي إطار الفسحة الزمنية القصيرة المتاح لي التحدث فيها إليكم أن أعبر عن موقف حزب العمال من بعض القضايا الهامة التي تشغل بالكم في مؤتمركم هذا كما تشغل بال كافة فصائل المعارضة السياسية في بلادنا، وقد تطرق بعض من سبقني إلى مخاطبتكم، إلى هذه القضايا أو إلى بعضها.

إن القضية الأولى التي أريد الخوض فيها تتعلق بالتقدم والتقدمية. نحن في حزب العمال متمسكون بالقيم التقدمية ومدافعون عنها. وهذا أمر ليس في حاجة إلى إثبات. نحن متمسكون بالقيم التقدمية ومدافعون عنها، بما تعنيه من انتصار للعقلانية والتحرر الفكري والأنوار ضد الجمود والتحجر والظلمات، وبما تعنيه أيضا من انتصار للحرية والديمقراطية ضد الاستبداد والدكتاتورية، وللعلمانية ضد الدولة التيوقراطية، وللمساواة ضد الميز بسبب الدين أوالجنس أو اللون أو القومية أو المركز الاجتماعي، وللعدالة الاجتماعية وللعمال والكادحين عموما ضد الاستغلال الرأسمالي وضد مصاصي الدماء أفرادا وجماعات، وللثقافة النيرة وللعلم ضد ثقافة التفسخ والتنميط والتجهيل والخرافة، وللحرية والاستقلال ضد التبعية والإلحاق الاستعماري، ولحركات التحرر الوطني والاجتماعي في العالم بأسره ضد القوى الامبريالية والرجعية، وأخيرا، للأخوّة الإنسانية ضد التعصّب القومي والديني، بل ضد التعصّب بجميع أشكاله.

هذه بشكل موجز التقدمية، أو بالأحرى القيم التقدمية التي نتمسك بها وندافع عنها والتي يتمسك بها ويدافع عنها مناضلات ومناضلون كثيرون في هذه البلاد. ولكننا نريد أن نؤكّد أن التقدمية تصبح بلا معنى وبلا مصداقية إذا ظلت مجرد شعارات ولم تتنزل في إطار الصراع الوطني والاجتماعي الدائر اليوم في تونس، إذا لم ترتبط بالنضال الملموس في بلادنا، وبعبارة أخرى إذا لم تتحول إلى خط سياسي وبرنامج واستراتيجيا وتكتيك تستهدف النظام الاجتماعي والسياسي الذي يعرقل إنجاز المهمات التقدمية في بلادنا، تستهدف أولا وقبل كل شيء نظام الاستبداد لأنه هو الذي يكرس الاستغلال والتخلف والجمود والتبعية. وإنّ من يريد حقا مقاومة الظلامية والسلفية في تونس عليه أولا وقبل كل شيء مقاومة هذا النظام الذي يوفر التربة المناسبة لظهورها وتطورها. وإن من يريد حقا مقاومة التبعية و"الولاء للخارج" عليه أن يقاوم أولا وقبل كل شيء هذا النظام الذي ربط بلادنا بـ"الخارج" وأغرقها في التبعية للدول والشركات الامبريالية. فمن باع المؤسسات العمومية لـ"الخارج"؟ ومن ساند العدوان الامبريالي على العراق؟ ومن هو عرّاب مشروع الشرق الأوسط الكبير في بلادنا؟ أليس هو أوّلا وقبل كل شيء نظام بن علي؟ لذلك نحن في حزب العمال نعتقد جازم الاعتقاد أن القوى التقدمية إذا أرادت حقا أن تسدّ الطريق أمام وصول القوى السلفية والظلامية إلى الحكم وتجنيب بلادنا قيام دكتاتورية جديدة، تدّعي النطق باسم "السماء"، عليها أن تكون هي في طليعة النضال ضد النظام القائم، في طليعة النضال ضد الاستبداد والاستغلال والفساد والتبعية، لا أن تتخذ من الحركة الأصولية والسلفية ذريعة لتهادن هذا النظام أو تخدم في ركابه بدعوى أنه "شرّ أهون".

هذا هو الدرس الذي على كل تقدمي أن يستخلصه من كل التجارب في العالم العربي والإسلامي، من السودان وإيران ومصر وفلسطين وغيرها. فكلما تخلفت الحركة أو الحركات التقدمية عن القيام بواجباتها، وفقا لما تفرضه عليها مصالح شعوبها، وكلما هادنت أنظمة الاستبداد والفساد بهذه التعلة أو تلك، إلا وفقدت مكانتها، إلا واحتلت الساحة قوى أخرى، خصوصا القوى السلفية اليوم، التي لا يتردد بعضها إن لم نقل جلها في تكفير التقدم والحرية والديمقراطية، وفي الدفاع عن أسس النظام الرأسمالي النيوليبرالي. وليس خافيا أن هذه الحركات تنجح في ظل الفراغ الذي تتركه القوى التقدمية، في كسب تعاطف قطاعات واسعة من الشعب وتبدو وكأنها المتمثلة لمصالحه وطموحاته، المدافعة عن هويته في وجه الغزو الامبريالي وعن حقوقه في وجه الحكام المفلسين. إن الحركة التقدمية هي المدعوة إلى تمثل مطالب الشعب، مطالب العمال والكادحين، وهي المدعوة إلى أن تكون في طليعة النضال ضد نظام الاستبداد فتبلور البرامج والخطط النضالية وتقدم التضحيات وتفتك بها عن جدارة هذا الموقع الطليعي، وقتها سيثق بها الشعب وسيختار السير معها، على السير وراء أيّة حركة سلفية أو ظلامية تعده بتعويض الاستبداد الحالي باستبداد من نمط جديد. وفي ما عدا هذا السبيل، لا يوجد سبيل آخر للحركة التقدمية كي تتطور وتؤثر في مجرى الأحداث وتكسب معركة التقدم والديمقراطية والتحرر والحداثة.

هذا في خصوص القضية الأولى، أما القضية الثانية فتهمّ العمل المشترك بين قوى المعارضة في تونس. لقد قال السيد محمد حرمل في الكلمة التي افتتح بها هذا المؤتمر إن "حركة التجديد" مع بناء "جبهة موحّدة" ومع "حركة وطنية تلتفّ حول الحدّ الأدنى"، ولا يسعنا إلا القول بأننا نحن في حزب العمال مع هذا التوجه، نحن مع التفاف قوى المعارضة حول حدّ أدنى يهدف إلى تحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الدنيا التي من شأنها أن تحسّن أوضاع شعبنا، وحالة مجتمعنا. وما من شك في أننا نختلف حول الموقف من "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" التي نساهم فيها نحن، كما نختلف حول الموقف من "الائتلاف الديمقراطي" الذي تساهمون فيه أنتم، وليس المجال هنا لنناقش أسباب هذا الخلاف ونقيّم مسار كلّ من "الهيئة" و"الائتلاف" ولكن دعوني أقول لكم: هل أن هذا الخلاف يحول دون القيام بأعمال مشتركة بيننا وبينكم في العديد من المجالات؟ جوابنا، لا، بالطبع. نحن نعتقد أن أمامنا مجالات واسعة للعمل المشترك حتى وإن اختلفنا حول المسألة المشار إليها، المهم هو أن نقتنع بذلك ونتجنب الشروط المسبقة، كما نتجنب الاتهامات المجانية. لقد سمعت من يتحدث عن "تحالف 18 أكتوبر" والحال أننا أوضحنا أكثر من مرة أن الأمر ليس كذلك، وأنه لا يتجاوز حاليا حدود "وحدة عمل" حول محاور محددة تهم الحريات. لأن التحالف يتطلب مقتضيات أخرى غير متوفرة اليوم. كما سمعت من يتكلم وكأن التقدميين واليساريين في "هيئة 18 أكتوبر" "باعوا جلودهم" وتخلوا عن هويتهم. وهذا ليس صحيحا، وخير شاهد على ذلك النصوص والمواقف التي تصدر عن "الهيئة" والتي تدافع بدون لبس عن مطالب فيها مصلحة للشعب التونسي وللحركة التقدمية والسياسية ككل.

ولكن دعونا من هذا كما قلت ولنتحدث عن إمكانيات العمل المشترك في ما بيننا. ألا توجد يوميا نضالات عمالية وتحركات اجتماعية، فـَلِمَ لا نتكتل من أجل دعمها؟ لِمَ لا نتكتل من أجل دعم تحركات أصحاب الشهائد المعطّلين عن العمل؟ لِمَ لا نتكتل من أجل الدفاع عن العمال الذين يُطرَدون يوميا بالجملة؟ لِمَ لا نتكتل للدفاع عن لقمة عيش الشعب، فالأسعار ترتفع يوميا وغلاء المعيشة يدمّر حياة الطبقات والفئات الفقيرة، بل يدمّر حتى حياة الفئات الوسطى من المجتمع؟ إنه بإمكاننا التكتل حول هذه المحاور كما بإمكاننا التكتل حول محاور أخرى كمحور الحريات، أو ضدّ الهجوم الامبريالي اليومي على بلادنا. إن الشركات الامبريالية تسيطر أكثر فأكثر على مصائر اقتصادنا وبلادنا ناهيك أنها، استأثرت، إلى حد الآن، استنادا إلى المصادر الرسمية الحكومية، على 85% من رأس مال الشركات المفوّت فيها، علما وأن موقعها سيتعزز أكثر في القادم من الأيام الذي سيشهد تفويتا في ما تبقى من ممتلكات عمومية. فأين هي الحركة التقدمية؟ وما هو موقعها من كل هذا؟ وما هو برنامجها وخططها للتصدي لهذا النزيف؟

إلى ذلك توجد مسألة أخرى على غاية من الأهمية تواجه الحركة التقدمية اليوم، وهي موعد 2009 الانتخابي. وقد تعرّض له بعض المتدخلين قبلي. إن هذا الموعد هام. ونظام الحكم أخذ يستعد له منذ مدة. ونحن نعتقد في حزب العمال أن الحركة التقدمية مطالبة بالاستعداد له حتى تكون مؤثرة في مجرى ما سيحدث مستقبلا. ودون إطالة، بالنظر إلى ضيق الوقت، نحن نعتقد أنه من الممكن أن يجمعنا في هذا الصدد شعار واحد وهو "لا للرئاسة مدى الحياة، لا للحكم الفردي المطلق". نحن نقول هذا لأنه طالما أن هناك رئاسة مدى الحياة وحكما فرديا مطلقا، لا أمل في انتخابات رئاسية حرّة، تعددية وديمقراطية، ولا أمل أيضا في انتخابات تشريعية حرة، تعددية، وديمقراطية، وبالتالي لا أمل في تداول ديمقراطي على السلطة، لذلك علينا أن نعرف على ماذا نركز جهودنا، كما أنه علينا الانتباه إلى مناورات السلطة التي تهدف إلى تمرير مشاريعها، بما في ذلك رئاسة بن علي مدى الحياة. فاليوم يوجد كلام هنا وهناك حول "انفراج" أو "بوادر انفراج" بناء على بعض الإجراءات التي اتخذتها السلطة [1] نتيجة ضغوط داخلية وخارجية. ولكن ما هو حجم هذه الإجراءات ومغزاها؟ لقد ذكرت السيدة ميّة الجريبي، قبلي، وهي محقة في ذلك، أن الإجراءات المقصودة هي بكل المقاييس دون الحدّ الأدنى الذي تطالب به الحركة الديمقراطية من جهة، ودون التضحيات التي قدمتها هذه الحركة من جهة ثانية. أما من حيث مغزاها فهي لا تخرج عن نطاق محاولة توسيع الخناق عن نظام الحكم، وتهيئة المناخ لاستدراج المعارضة أو بعض فصائلها إلى تفاهمات مغشوشة لتمرير بقاء بن علي في الحكم، فلنتصدى إذن موحدي الصفوف لهذا الوضع وخصوصا لمهزلة 2009 حتى لا تستمر مأساة تونس، مأساة الرئاسة مدى الحياة والحكم الفردي المطلق. إن نقد النظام السياسي في بلادنا ينبغي أن يبدأ، حتى يكون له معنى، بنقد الحكم الفردي المطلق المتجلبب بجلباب الرئاسة مدى الحياة، وإن أيّ تغيير للنظام السياسي في بلادنا، ينبغي أن يبدأ، حتى تكون له جدوى، بتغيير هذا النمط من الحكم والتخلص منه.

إن الحكم الفردي المطلق هو الذي قضى على المؤسسات وعلى دولة القانون كما قضى على الحريات وأفرغ الحياة السياسية من أي محتوى وهمّش الأحزاب والجمعيات وحكم على الشعب التونسي بأن يبقى في وضع الرعية. فلنتكتل ضد هذا الواقع، لنتصدى لمهزلة 2009 موحدي الصفوف. فذلك أدنى ما يمكن أن نقوم به وذلك من شأنه أن يقدمنا ويقدم قضية الشعب التونسي.

وفي الختام أجدد لكم الشكر والتحية.

[1] المقصود بالإجراءات ما يلي: رفع الحكومة يدها عن أموال جمعية النساء الديمقراطيات المقدَّمة لها من الاتحاد الأوروبي في إطار خطة "دعم المجتمع المدني" وهو أحد بنود عقد الشراكة الذي أمضته الدولة التونسية مع الطرف الأوروبي، ومنح الجمعية مبلغا آخر من صندوق رئاسة الجمهورية، إطلاق سراح عدد من المساجين السياسيين من بينهم من قضى حوالي 17 سنة سجنا، استقبال رئيس الهيئة العليا للحريات وحقوق الإنسان الرسمية رئيس الرابطة بطلب من هذا الأخير. وقد غذت هذه الإجراءات المحدودة والشكلية بعض الأوهام علما وأن القبضة الأمنية متواصلة: اعتقالات في صفوف الشباب، تعذيب، محاكمات جائرة، مراقبة مقرات الأحزاب والجمعيات، مواصلة منع الرابطيين من الدخول إلى مقرات منظمتهم وعقد مؤتمرها، منع انعقاد ندوة شبابية تابعة لجمعية النساء الديمقراطيات، تفتيش منزل رئيس فرع منظمة العفو الدولية بتونس، إلخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك