الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسونامي والله Tsunami and God (بقلم الربي بنيامين بليخ)

محمد المدلاوي المنبهي

2007 / 8 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تقديــم المترجــم (محمد المدلاوي المنبهي)

الربـّي بنيامين بليخ (Benjamin Blech) كاتب الصيغة الانجليزبة للمقال التالي أستلذ للتلموذ بجامعة ييشيفا (Yeshiva University (New-York)) بالوالايات المتحدة. واشتغل لمدة 37 سنة كربّي لجماعة "Young Israel" في أوشنسايد (Oceanside). له عشرات المؤلفات، منها : "إذا كان الله عادلا فلم كل هذا الشر في العالم؟"؛ "من أجل فهم الديانة اليهودية"، الخ. قمنا بترجمة مقاله هذا، الذي كتب أصلا بالإنجليزية على إثر المد البحري الكارثي الذي كان قد أصاب البلد المسلم، أندونيسيا، في ديسمبر 2004 فهبّ عالم الذين يشعرون ويستشعرن فعلا رسالة الاستخلاف في الأرض وفي الكون وتجندوا وتجندن ماديا وبشريا في عين المكان، وكذا إعلاميا على المستوى العالمي لنجدة هذا البلد بقطع النظر عن ملته، بينما انصرف اهتمام قوم آخيرين من رهط المُــؤَثـَِـمة على اختلاف مللهم ومذاهبهم إلى الخوض، من موقف إدانة ضمنية مسبقة للضحايا، في البحث عن أسباب الظاهرة مشيرين بأصابع الاتهام إلى ما رموا به هذا البلد من تحوّل إلى ما اعتبروه "وكرا للسياحة الجنسة" استحق بسببه لعنة وغضب السماء. ولقد فمنا بهذه الترجمة طلبا لاعتبار أولي الألباب، انطلاقا من الترجمة الفرنسية التي وقفنا عليها، وهي من تحرير المترجمة Bethsabée Zarka . ما هو موضوع بين معقوفين في ترجمتنا هذه عناصرُ معلومة بالبداهة عند قارئة النص الأصلي من ذوي الثقافة اليهودية--مسيحية، ارتأينا ضرورة التصريح به بين معقوفين في هذه الترجمة الموجة إلى قارئة اللغة العربية الذين تغلب في أوساطهم وأوساطهن ثقافة أخرى هي الثقافة الإسلامية (المترجم، محمد المدلاوي المنبهي).

صلب ترجمة نــــص المقـــــال
[[غداة هذه المأساة، مأساة تسونامي، يتعين ألا يكون سؤالنا الأول هو "لماذا حصل ما حصل؟". إنما على كل فرد منا أن نتساءل بالأحرى: "ماذا بإمكاني أن أفعل لأقدم نصيبي من المؤاساة؟"]]
لقد كان جوزيف ستالين على خطإ حين قال: "إن وفاة فرد من الأفراد يعتبر مأساة؛ أما موت مليون من البشر فمجرد مسألة إحصائيات". [على كل حال،] ما هكذا كان ردُّ فعلِ العالم إزاءَ الكارثة الفظيعة التي أصابت جنوب شرق آسيا على إثر مدّ بحري غير مسبوق، لا يبقي ولا يـَذَر، والتي ما تزال تداعياتها مستمرة.
إن رقم 130000 هالك [في تسونامي أندونيسيا]، وهو الرقم المعلـَنُ عنه إلى حدود كتابة هذا المقال، يتعدى كل حدود التصور. ومع ذلك فإننا نُحسّ بأننا قريبون من تلك الأحداث النائية، المقربة منا عبرَ التغطيات الإعلامية التي جعلت منا شهودا مشدوهين أمام هول كوارث تتحدى تصورَ الإنسان. أفهناك كلماتٌ لوصف أسى أمّ تتمسك يداها بابنيها الاثنين، وهي مضطرة للاختيار فورا بينهما، [أيهما تـُسـْلم لعتوّ الموج] لكي تُحرّر إحدى يديها لتعتصم بخشبة إنقاذ عائمة؟

ما هي هذه اللغة التي بإمكانها أن تنقل بأمانة ذلك الرعب الذي أصاب ذينك السائحين الإسرائيليين اللذين اكتشفا بغثة بأن اللجج الغادرة قد جرفت معها، من عقر غرفة الفندق، رضيعهما ذا الأحد عشر شهرا؟ إن مجرد التفكير في ذلك ليورث الدوار وينهمر له الدمع. أفهـذه سُنّـة الحياة؟ ذلك هو الواقع على كل حال. فعلى غرار النبي نوح، كنا شهودا شاهدين على خرابٍ خلـّفه اجتياحُ موج طوفاني عاتي. ولكن هذه المرة، لم نكن قد تلقينا إنذارا [من السماء]. على عهد نوح، شملت النكبة حقا نسبة من سكان المعمور أكبر بكثير، بما أنه لم يسلم حينئذ إلا نوح وأهله. ولكن إذا ما تم اعتبار الأرقام المطلقة الخام، يمكن تقدير حجم الكارثة على سلّــم أعلى بكثير. لقد أخذ الناجون يلقـَّـَبون من الآن بلقب "نوح" (الأزمنة المعاصرة). أما ذلك الطفل الذي بقي متسلقا متـنَ نخلةٍ هندية لمدة يومين، فهو تمثيل معاصر لسفينة نوح.

هذه الأوجه من أوجه المقارنة والمعادلة، هي بالضبط ما وقفتُ من خلال امتداداته على جانب يورث الاضطرابَ والقلقَ. إنه الجانب الذي بدأ فعلا يفصح عن نفسه بشكل مخزٍ ومقيت من خلال بعض الكتابات التي تنتحل صفةَ الدين. [لقد أخذ البعض يتساءل:] كيف حصل أن وقع ما وقع؟ ويبدو أن الفرد من هولاء لا يتردد في أن يخلع على نفسه بُردة الأنبياء، معلنا في الملإ اطلاعَه على فحوى المقاصد الإلهية اطلاعا محكَما غيرَ متشابه، كما لو أن الله يكلمهم "وجها لوجه" كما كلم موسى تكليما.(*1) فغداة هذه المأساة، لم يتورع أنبياء الإفك في عصرنا، ولم يترددوا ولو لحظة واحدة خلال حملة محاكماتهم التشهيرية لمجمل الضحايا. والحال أنّ كونه تعالى قد فسر بنفسه مقاصدَ أفعاله المحكية في الكتاب المقدس حقيقةٌ قائمة؛ غير أن مدعي حماية العقائد والإيمان يعتقدون بأنه يتعين، بناء على ذلك، أن يتم التشنيع بضحايا كل الآلام لكي يتم إحقاق حقيقة العدل الإلهي. وهكذا فإن فساد العقيدة ليس بأهون من فساد السلوك. ففي غالب الأحيان، يمكن تجاوز الألم المترتب عن أفعال الآخرين؛ غير أنه من الصعب جدا أن يتعافي المرء من وقع بعض التمثيلات المخطئة التي يكون قد روجها عنه بعض القوم باسم الدين، والتي تفسد في النهاية فهم الانسان لجوهره تعالى ولحقيقة أفعاله.

في هذا الباب، يشكل المشهد الشهير من مشاهد الشريط الدرامي "أنياص الرب" (َAgnès de Dieu)(*2) مثالا جيدا. فمن خلال ما يمكن أن يعتبر أكثرَ اللحظات درامية في هذه المَعلمة الفنية، يكشف الطبيب النفساني، الذي عينته المحكمة، للمديرة الراهبة عن العلةَ التي تكمن وراء ضياع شعور الإيمان منها. فقد [ذكـّرها بأنها] كانت قد رزئت في شرخ صباها في صديقتها التي أودت بحياتها حادثةُ سيرٍ مروّعة. ولما عادت إلى مدرستها الكاثوليكية بعد الحادثة، فسرت لها المعلـّمة الراهبة أسباب تلك الحادية قائلة: "إن صديقتك لم تؤدّ صلاة الصبح لذلك اليوم؛ لذلك عاقبها الله بحادثة سير". فعوض أن يلقن ذلك "التفسير" إحساس التقوى والشعور الديني اللازمين، بعث في النفس تقززا ونفورا إزاء إله "يردّ" بتلك الدرجة من القساوة والوحشية على سهو طفلة صغيرة سهت عن صلاتها.

يعلمنا الكتاب المقدس بأن الكوارث لا تترتب ضرورة عن عقاب إلهي

الحقيقة أن الكوارث لا تستلزم العقاب الإلهي بالضرورة؛ أو فلنقل، على الأقل، بأن الأمر ليس كذلك دائما. إن سفر أيوب، الذي هو سفر من أسفار الكتاب المقدس، لَــيعبرُ عن قمة الألم والمعاناة. فلما شاهد صَحبُ أيوب كافةَ المصائب المفزعة التي حلت بصاحبهم، لم يستخلصوا من الأمر إلا مغزى واحدا، ألا وهو أن ذاك الانسان، الذي كانوا يعتقدون أنه كان تقيّا ورِعا، لا يمكن أن يكون [في حقيقة أمره، بعد كل الذي شاهدوه مما حل به،] ألا قد خدعهم. وكل عبارات مواساتهم اللفظية لا يمكن أن تكون [مع ذلك الإحساس] إلا كلمات إدانة [في جوهرها]. لقد صاحوا في وجه صاحبهم [وهو في صميم بلواه] قائلين: اسمع، أيها الصاحب؛ إنك لحائر في أمر العلة الكامنة وراء ما أنت فيه. فأنت لا تفهم لماذا سُـلـّط عليك المرضُ؛ ولماذا رزئتً في مالك وبنيك [اللذين هما زينة الحياة الدنيا]. ومع ذلك تنادي وتجاهر بأنك رجل ورع وتقوىً، وأنك تؤمن بإله ليس بظلاّم للعبيد. إذن فأنت، بذلك، تعرفُ يقينا بأن ربك ما كان ليعذبك لو لم تكن قد استحققت غضبه. بـُح لنا إذن، أيها الصاحب، بما تكون قد اقترفته من إثم، وأقلع عما أنت متمادٍ فيه من نفاق ورياء! فتماديك في تأكيد ادعاء التقوى والورع، بينما حُكمُ الله وقضاؤُه يجعل منك بوضوح فردا آثما مذنبا، تمادٍ لن يعمل إلا على الزيادة في حجم آثامك. اعترف إذن وتقبل العدالة الإلهية!

ما أسهل أن نصدر الأحكام على الآخرين ! وما أيسر أن نؤكد على أن "العقاب في مستوى الإثم"، ولو لم تكن لنا أي بيـّـنة على أن الضحية مذنب.
من الواضح أن أصحاب أيوب كانوا على غير هدىً. فقد كان ينقصهم عنصر أساسي من عناصر المعرفة بواقع الأمور. فما عانى منه أيوب وما كابده لا علاقة له بالإثم. ذلك أن أيوب وليٌّ [من أولياء الله الصالحين] إلى درجة أن الله تعالى عمل على ابتلائه، لأن الله يبلو عباده [أيـّــُهمُ أحسنُ عملا]. إن النبي أيوب لمثبِتٌ بذلك لإبليس مدى رباطة جأش ذوي الإيمان، ومدى رسوخ عقيدة الأولياء الصالحين، ومدى قوة صبر وتحمـّـُل أولئك الذين يقوون على مساءلة أسس إيمانهم دون أن يتخلوا قط عن جوهر الإيمان. فبعيدا عن أن تثبت معاناة النبي أيوب أنه آثم، تقوم على العكس دليلا على مقامه المتميز عند الله. ولقد أدان الله الضالين من المتكلمين في العقائد حين قال [مخاطبا أحد أصحاب أيوب]" حيث قال: "إن غضبي لمنصب عليك وعلى صاحبيك لأنكم لم تتكلموا قط عني عن يقين كما هو شأن عبدي أيوب" (سفر أيوب: 42: 7). ولقد اتخذت قصةُ الكتاب المقدس منحىً غيرَ متوقـَّع في نهاية السفر حيث تواصلت المؤاخذةُ بقوله تعالى مخاطبا الأصحاب بقوله "سيدعو عبدي أيوب ربـَّه من أجلكم؛ فإذْ لن ينالكم منّي مكروهٌ فإنما اعتبارا لمكانة عبدي عندي؛ ذلك أنكم لم تتكلموا قط عني عن يقين" (سفر أيوب: 42: 8).

زلة من زلات المنـطق
ما أغرب أن نصادف اليوم بأشكال مختلفة أصداءً عن النظريات الفاسدة لأصحاب أيوب. فبعض الخطباء الشعبيين من الأمريكان يؤكدون اليوم بأن الله قد قيـّض هجومَ الحادي عشر من سبتمبر [2001] كرد فعل إزاء ما يعتري المجتمع من عناصـر لا-أخلاقية. إن تفسيرا من ذلك القبيل غير قادر طبعا على تفسير وتعليل اختيار آلافٍ من الضحايا الأبرياء ليقع عليهم ذلك العقاب. فالله قادر لا محالة على أن يسدد وجهة عقابه بشكل أكثر دقة.

كيف يحصل إذن أن يقع هؤلاء الدعاة الدينيون في الخطإ إلى هذه الدرجة؟ إن ذلك يعود إلى سقوطهم في زلة مألوفة وجارية من زلات المنطق. فما من طالب من طلاب مادة الفلسفة في السنة الأولى إلا ويعرف بأن قضية مفادّها (العامل س يسبّب المعمول ص ) لا تستلزم منطقيا قضيةً أخرى مفادها (المعمول ص نتيجة للعامل س دون غيره). فمساميرُ مستنبةٌ في الطريق السيار تفشّ العجلات لا ريب؛ غير أنه ليس كل فشّ لعجلة بناتج عن مسامير مستنبة في الطريق السيار. علينا إذن أن نقرّ بأن التنزيل يعلمنا بأن الإثم يجرّ ويلات ومآسي؛ غير أن هذا لا يعني بأن كل مأساة تبعة من تبعات الإثم.

لماذا يحصل أن تعتري حياة بعض ذوي التقوى أوجه قاسية من البلاء؟ إنه نقاش كلامي ينتمي إلى أجيال. لقد عالج هذا الأمر ثلةٌ من أكبر متفقهي كل الأزمان، فتوصلوا إلى خلاصات مختلفة. فكثير من المقاربات ممكنة؛ وكذلك عدد هائل من الأجوبة. فمنهم من يرى بأن محدودية الأبعاد النهائية للإنسان لا تسمح له بإدراك الأبعاد اللانهائية للذات وللأفعال الإلهية. ففي اعتبار هؤلاء المتفقهين - وكما عبر عن ذلك "حاييم غرينبرغ" في بلاغة وبيان - "من لا يقوى على حمد الله، وهو ممرّغٌ في أكوام العـفر والرماد دون أن يجد تفسيرا لمصابه وآلامه، انسان عديم الإيمان".
بينما هناك آخرون ممن يفضلون الإلحاح على أن المعاناة تسمو بالإنسان، وأن التحديات فُرص يرتقي من خلالها الإنسان في سلـّم الروحانية، وأن المآسي تحفز الإبداع عند الإنسان في طريق التطور؛ أي، كما قال "فيليب جيمس بيلي" : "الأسى يطهر القلب وإن كان يعجّـل الشيب".
أما المتصوفة فإنهم يفضلون الإلحاح على تفاهة الشؤون الدنيوية إذا ما قيست بنوع الحياة بعد الممات. أما أئمة الأخلاقية اليهودية فإنهم يعلـّمون الناس بأن إصدار الأحكام على الآخرين ليس من اختصاص الفرد. وبدلا من ذلك، يتعين على المرء، إزاء كل نائبة ومأساة، أن يعود إلى نفسه ليسائلها كيف يمكنه أن يساهم في تحسين العالم.

العامل المشترك بين كل هذه الرؤى، إضافة إلى مئات الاجتهادات الأخرى التي تسعى إلى حل لغز التوفيق بين وجود إله خيــّر وعالم يستشري فيه الشر، هو الجزم بــأنْ ليس كل ضحية مجرما. ومع ذلك، فقد يحصل أن يستتبع الإثم عقابَ الله. إلا أننا لسنا أنبياء. فالتلمود يعلمنا قائلا على لسان شخصية التقيّ : "أنا لا أصدر الأحكام لوحدي؛ فالواحد الأوحد هو وحدَه الذي يحكم وحدَه" (سفر أمثال الآباء: 4: 10).(*3)
لذلك، فلنتأسّى لضحايا تسونامي، ولنوفر عنهم إداناتنا. ولنقوّ إيماننا بالله ليس بناءً على قدرتنا على تعليل مقاصده، ولكن بناءً على إقرارنا بأن العلل الإلهية تتجاوزن فهمنا البشري. فلنعمل إذن على أن لا يكون سؤالنا الأول إزاء هذه المأساة هو "لماذا حصل ما حصل؟". فليكن سؤالنا بالأحرى "ماذا بإمكاني أن أفعل لكي أقدم نصيبي من المواساة؟"
-----------------------------------------

(*1) القرآن الكريم: النساء 164. (المترجم)
(*2) شريط سينمائي من إخراج Norman Jewison وإنتاج J. Pielmeier سنة 1985؛ بطولة Anne Brancroft و Jane Fonda. عنوانه الأصلي : "Agnes of God" . (المترجم)
(*3) لقد ورد في إنجيل يوحنى 8 على لسان المسيح مخاطبا فرقة الاعتزاليين من قومه بني إسرائل ":15 أنتم تدينون [= تصدرون الأحكام] انطلاقا من هوى جسديتكم. أما أنا فلا أدين أحدا. 16: وإن حاكمت وأدنت، فإن إدانتي حق؛ لأنني لست وحدي الذي أدين؛ بل أنا وأبي الذي أرسلني". (المترجم)










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة