الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحلام الجسد البهيجة .. قراءة في مأوى الروح لمحمد عبد السلام العمري

محمد سمير عبد السلام

2007 / 8 / 24
الادب والفن


في نصه الروائي " مأوى الروح " – الصادر عن دار الهلال بمصر 2007 – يجمع محمد عبد السلام العمري بين أحلام البهجة الجسدية في الوعي ، و اللا وعي ، و إمكانية تجاوز حدود الجسد الآلية ، و آلامه عندما يتداخل السياق الواقعي للذات بالفاعلية الأدائية ، للكوني ، و الثقافي ، و الحلمي حين تتبلور في الوعي ، و تكون الذات المدركة جزءا منها دون انفصال ، أو إعلاء من الحدود المهددة بالآلية ، أو الفناء .
تنكسر – إذا – شمولية السياق الواقعي للسرد الروائي ، و تصير لعبة الأداء الجسدي / التمثيلي بديلا لها ، يدفعها باتجاه إبداع خلاق تتولد فيه البهجة من الحياة ، و الموت معا دون انفصال ، و تشارك العناصر الكونية في اللعبة مثل الماء ، و الحيوان ، و الثقافية مثل أساطير الكهوف و مصر ، و الهند و غيرها في استكمال حلم البهجة المقاوم للوصف ، و التحديد ، و الأحادية .
عمرو الشرنوبي / البطل يطارد حدوده المعرفية بالجسد ؛ في اتجاه بهجة لا سياق لها ، فهي فراغ للحلم المستمر بالأداء الجسدي في صورته الكونية / الثقافية دون تحقق أبدا ، إنه يطارد التحقق النهائي من داخل البحث عنه في شخصيتي ليلى ، و آمال . و يبدو أن انفصام عواطفه يدفعه أن يتجاوز تجسده من خلال بحثه عنه ، فعندما أوشكت علاقته بليلى أن تتم فر من مصر إلى باكستان ثم الهند بحثا عن آمال ، و في رحلة البحث مارس الحب في صور أخرى يعلو فيها الأداء الاندماجي اللعبي غير المحدد ، و عند عودته لآمال بمصر عاين الالتحام الجسدي ممزوجا بقوة الماء ، و بهجة الأثر الجسدي في امتداده الأسطوري دون حضور للفاعل / عمرو ، فقد صارت الحركة الغريزية ممتدة وحدها كالهواء ، مستبدلة أعراف الواقع الذي بناه السارد منذ البداية .
تبدأ الرواية بمجموعة من اللقاءات بين عمرو ، و ليلى بمصر يستنفد فيها عمرو حدوده الشخصية ، و تعارضاته الفكرية مع ليلى من خلال ازدواج حدة الاختلاف بتذكر آمال التي تطارد عوالمه الداخلية لطرد ليلى ، أو بروز الرغبة الجامحة بداخله كالثيران الهائجة المرحة باتجاه ليلى في ذروة التحدي ، و تعارضات النقاش ، هل هو الأداء خارج الفاعلية ؟ خارج الحدود ؟ هل هو انفصام مزاجي بدائي يحول عمرو إلى لاعب لاستعادة مركزية الجسد في الحضارات القديمة ؟
لقد تحولت لغة الوصف في وعي عمرو ، إلى العناصر الطبيعية في هيئة ظاهراتية غير معروفة سلفا ، فهو يدرك ليلى كريح ، أو صواعق ، أو براكين ، لا يمكن توقع رد فعلها أبدا ، و لهذا قرر خطبتها ، أما هي فترى أنه غرس فيها سلوكا عدوانيا ، و رغبة في المبادأة مما جعلها لغزا . لقد ازدوج عبث الاختلاف ، برغبة في التفاعل الداخلى المتجاوز لحدود الإدراك و الذاتية ، لكن وهج هذا التجاوز نفسه يستبق وجود العلاقة ، و يحول الرغبة في المعرفة إلى لعبة أدائية حرة خارج سياق الخطبة ، فيقرر عمرو السفر إلى آمال . و قد لاحظت أن شخصية آمال أقل بروزا من الناحية الشخصية ، و أقرب إلى الحلم الأمومي / الجسدي القديم / البهيج ، و لهذا كان عمرو أقرب إليها ، و من جهة أخرى كان الفراغ الذي تركته في باكستان ، و الهند سياقا حرا لتحقق النشاط الجسدي المقدس لعمرو في رحلته ، و إيذانا بخروجه المستمر من آليته و حدوده ، و مخاوفه من الموت .
هكذا كانت آمال نقطة تغييب ، و مركزا لقوة خلاقة لتأويل التراث الحضاري للجسد في وعي عمرو .
يقيم سارد محمد عبد السلام العمري تداعيات نصية تقع في بنية الحدث الواقعي ، فتكشف عن ذوبان المتكلم في المادة الكونية ، و أخيلتها التي تدفع الحدث إلى تجاوز نفسه في تكراره الحلمي الاستقبالي مما يحول وحداته إلى الغياب في أساطير الماء ، و أحلامه المختلطة بجسد قيد التكوين ، و التجدد دون توقف ، أو ألم ، أو انقطاع ؛ فقد تداعى استمتاع عمرو بالماء ، و الذوبان فيه بباكستان أثناء نوبة الحمام ، المملوءة بالعطور ، و الإعلاء من حالة عضوية أسطورية يتضخم فيها الإحساس بالجسد ، مع احتفالية دعاه عامل الفندق إليها ، تتحرر فيها الممارسات الجسدية ، و الغرائز حيث العويل ، و الصراخ ، و المرح في مكان تتوسطه بحيرة ، و فيه نافورة يكتمل فيها الصخب الجسدي الحر .
لقد تلاشى الجسد في أنوثة الماء ، و اتساعه الكوني ، و تحولت الاحتفالية إلى حلم يفصم الجسد عن الذات ، و خصوصيتها باتجاه معاينة النشأة ، الصرخة الأولى كأثر كوني بهيج لا يتم أبدا ، و تبدو واقعيته مضادة لأصل السياق الإنساني المنتج للحدث .
يرى جاستون باشلار أن المياه النائمة تدمج كل شيء حيث لا يشعر الحالم بأي تعارض ذاتي ضمن حضور الماء ، و يتسع نطاق الروح في كل مكان ( راجع / باشلار / شاعرية أحلام اليقظة / ت : جورج سعد / المؤسسة الجامعية ببيروت سنة 1991 ص 170 ) .
لقد اتسع الحلم بالجسد أفقيا ضمن سياق الماء ، و محاكاته في الاحتفالية الاندماجية ، و بدا السكون إكمالا للذة الخدر الأنثوية في حمام الفندق ، أما النافورة فجسدت مرح التناثر المتعالي لإبداع تجسد جديد يحمل صرخة البداية .
عند زيارة البطل لمقابر الوثنيين وجدهم يدهنون الميت بدماء الحيوان المباح ، ثم يلتفون حوله رجالا و نساء ، و يمارسون الجنس حوله كنوع من التعويض ، ثم يستحمون في النهر .
يعاين البطل هنا الموت في صورة صاخبة ، تجمع بين الفراغ / الميت ، و تكرار عصابي لعناصر الحياة انطلاقا من طاقة الموت ، مما يجعل الفراغ مستبدلا بصخب أحمر عنيف ، يعلى من قيمة الجسد الذي كان هنا ، و يحتمل تكرارا أبديا مرحا ، و متجددا من خلال الماء .
و في الهند أقام علاقة مع فتاة تدعى ساندي تؤمن بتماثيل الجنس الشهواني ، و يمارس عمرو هنا حالة التناقض بين مركزية الجسد ، و سرعة تلاشيه ، أو محوه ؛ ففي وادي المطلقات للقضيب حضور مركزي يحقق أخيلة النشوة ، و تجددها ، و عند وفاة أحد الأزواج في مكان آخر تحرق الأرملة و يتعالى صوت المنشدين للتغطية على استغاثتها .
و في المشهدين السابقين يشكل الجسد هاجسا قويا كمعادل للوجود ، و العدم في آن ، و لكن المحو الممزوج بالنار ينقل الجسد من حدوده إلى مستوى الاندماج الكوني ، رغم التلاشي مما يجعل سياق المحو متداخلا مع نشوة اللمس ، في وادي المطلقات ، فالاندماج ، و تجاوز الحدود أساسان لتشكيل الرؤية .
و قد يستعيد اختلاط العناصر الكونية قوة الحيوان في بهائها الحلمي الأول ، في الوعي الجمعي ، ممزوجة بطاقة الأم ، و خصوبتها ؛ ففي مصر انتفض الحصان عندما ركبته آمال ، و ازداد عرقه ، و أراد أن يجامع أية مهرة ، فاستنكر أبو الخير المشهد .
هل امتد الحصان من الآثار المخيلة لقوته المقدسة ؟ هل امتد بنحت الماضي إلى مستقبل أسطوري تصير فيه الطوطمية ذات بعد كوني ؟
إن آمال نقطة إبداعية لا واعية ، ينتفض الحصان من مجالها مقاوما خضوعه للضرورة الأرضية باتجاه جماليات الحالة العضوية وحدها مقطوعة السياق عن مجال العمل .
يرصد جيمس فريزر في الغصن الذهبي ضمن حديثه عن مواكب الحيوانات المقدسة في الطقوس الدينية القديمة Types of Animal Sacrament ، التجول بالدب مثلا من بيت إلى بيت في القرية لاكتساب قوته ، و تأثيره قبل أن يذبح .
لقد أتى اكتساب القوة هنا في مجال مفتوح من البهجة الجسدية تستعيد أخيلة الدب المرحة في سياق جماعي يعارض حالة الانقطاع / الذبح . يمتد – إذا – الحيوان في حلم متكرر ، ذي تداعيات لا تنتهي بسعادة ما قبل الانقطاع ، فيبدو الأخير مؤجلا .
و تتحول ذروة لقاء عمرو بآمال ، إلى سيمفونية ينتفض السمك لسماعها ، و يمرح ، و يتجزأ في لغة تجمع الكوني ، و الثقافي ، و حركة الأعضاء الحرة في نشوة إبداع جسدي قوامه قوة الحيوان ، و مجاله أنوثة الماء ، و ذكرى صخب دموي ثقافي يقاوم العدم .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع