الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذاكرة السياسية والعدالة: -المغرب/الأرجنتين- دراسة مقارنة:الجزء رقم عشرة

عبد الواحد بلقصري

2007 / 9 / 5
حقوق الانسان


المبحث الأول:
المكونات والأهداف وطريقة الاشتغال
إن إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة كما أكدنا سابقا يتدرج ضمن المسار المغربي لتسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والذي تبلورت انطلاقته منذ بداية السبعينات في القرن الحالي، ولإبراز أهمية هاته التجربة يجب إبراز مكوناتها القانونية واقصد التوصية التي أنشت بموجبها أولا، وثانيا كيف تعاملت الحركة الحقوقية مع هاته التوصية؟ وثالثا ما هم أهم أعضائها؟ وما هي طريقة اشتغالها؟ وسوف أحدد إجابات هاته النقط من خلال مطلبين: المطلب الأول: المكونات والأهداف، المطلب الثاني: طريقة الاشتغال.
المطلب الأول: المكونات والأهداف
سوف أوضح في هذا المطلب نقطتين: أولا نص توصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وثانيا: الانتقادات التي وجهت إلى التوصية من طرف الفاعلين الحقوقيين.
أولا: تأسست هيئة الإنصاف والمصالحة بمقتضى قرار ملكي سامي بتاريخ 6 نونبر 2003 بالمصادقة على توصية للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان صادرة بموجب المادة السابعة من الظهير الشريف رقم 1.00.350 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان .
هاته التوصية التي ركزت على بيان السباب انطلاقا من الإرادة العليا لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله من أجل ترسيخ قيم وفكر وثقافة حقوق الإنسان كخيار ثابت للمملكة المغربية، خيار أكده جلالته في أكثر من مناسبة بقوة وعزم لا يلين وعلى سبيل المثال لا الحصر تأكيد جلالته " نجدد التزامنا بحقوق الإنسان وبقيم الحرية، ذلك أننا نؤمن إيمانا راسخا أن احترام حقوق الإنسان والالتزام بالمواثيق الدولية المكرسة لهذه الحقوق ليست ترف أو موضة، بل ضرورة تفرضها مستلزمات البناء والتنمية والتقدم، ونحن نرى من جهتنا أن لا تنافر بين دواعي التنمية وحقوق الإنسان من أجل ذلك نرى أن القرن المقبل سيكون قرن احترام حقوق الإنسان أو لن يكون .
وانطلاقا من الأبعاد الفلسفية العميقة والإرادة السامية التي أكد عليها جلالة الملك بخصوص الطي العادل والمنصف لملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، والنفي لأسباب سياسية في أكثر من مناسبة تلك الإرادة التي تروم إنصاف الضحايا وإنصاف المجتمع في إطار استمرارية المغرب، متضامنا ومتصالحا ومتوجها بقوة إلى مستقبله المشرق، وعلى سبيل المثال لا الحصر إعلان جلالته " وقد أولينا عناية خاصة لقضايا حقوق الإنسان تجسدت في العديد من الإجراءات والخطوات الهادفة إلى مصالحة المغاربة مع تاريخهم وتسوية ما شابهها من تجاوزات وانتهاكات. وكان هدفنا لا يزال هو توفير الشروط الضرورية لتأمين المستقبل عبر جبر الضرر ورد الاعتبار للضحايا، وإعادة التأهيل وإرساء الضمانات الكفيلة بالوقاية والحماية من عدم تكرار الماضي" إلى تجاوز الضغينة وإرساء ثقافة التسامح مع الإنصاف لمن شأنها أن تفتح آفاق المستقبل ومتطلبات بنائه بكامل الاعتزاز والمسؤولية .
وقد أكدت التوصية على مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء التي أثرت الفضيلة والتسامح سلوكا وتربية، إضافة إلى استحضارها لمدى التزام المملكة المغربية بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ومدى تعهد الدولة المغربية بما التزمت به من اتفاقيات في هذا المجال. كما أن التوصية ركزت على استحضار الإنجازات والمكتسبات التي حققت في مجال التسوية العادلة ، بالإضافة إلى الإشارة إلى تأكيد رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتاريخ 13 مارس 2003 بخصوص تصميم جلالة الملك على الطي النهائي لصفحة الماضي بحزم وهدوء، وبعدل واتفاق والتزام المغرب بالتصفية والمصالحة بطريقة إنسانية ومتحضرة. بالإضافة إلى القوة الاقتراحية المسؤولة والبناءة التي بلورها الفاعلون الحقوقيون والسياسيون والضحايا في المناظرة الوطنية حول التسوية العادلة لماضي الانتهاكات الجسيمة، حيث أن هذه التوصية جاءت استمرارا للتراكمات الإيجابية في مجال استرجاع الذاكرة الجماعية والفردية التي بلورتها إنتاجات إبداعية ثقافية وفنية، وقوافل حضارية رمزية من أجل الحقيقة إلى مراكز الاعتقال.
وتثمينا للحوار الجدي الذي يؤشر بين ممثلي السلطات العليا والسلطات الحكومية وممثلي الضحايا والحركة الحقوقية، حول تسوية كافة الملفات العالقة ذات الصلة بالماضي. واستلهاما للخلافات الكبرى لمختلف التجارب الوطنية عبر العالم التي تصدت شعوبها وأممها بشجاعة للمصالحة مع الماضي.
مما سبق نستنتج أن الأسباب السالفة الذكر، والتي تم اقتراحها على جلالة الملك وبموجبها تم إحداث لجنة خاصة طبقا للمادة السابعة من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 15 محرم 1422 الموافق 10 أبريل 2001 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والتي تسمى " هيئة الإنصاف والمصالحة " تتكون من شخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة الفكرية والتشبع بمبادئ حقوق الإنسان، وتتولى داخل أجل تسعة أشهر قابلة للتمديد عند الضرورة لمدة أقصاها ثلاثة أشهر القيام بالمهام التالية:
وقد تضمنت التوصية عشرة نقط :
1- إجراء تقييم شامل لمسلسل تسوية ملف الاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي منذ انطلاقته من خلال الاتصال والحوار، مع الحكومة وهيئة التحكيم المكلفة سابقا بالتفويض.
2- مواصلة البحث بشأن حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها وتدل جميع المجهودات للوصول إلى نتائج بصددها.
3- العمل على إيجاد حلول لحالات ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي التي تبتت للهيئة أنها آلت إلى الوفاة، وذلك بتحديد أماكن دفنهم لتمكين أقاربهم من زياراتهم.
4- مواصلة العمل الذي قامت به هيئة التحكيم المستقلة للتعويض المترتب عن الضررين المادي والمعنوي كضحايا وأصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء القسري والاعتقال التعسفي اعتمادا على نفس الأساس التحكيمي.
5- تبقى للهيئة صلاحية تحديد أجل خاص بخصوص طلبات ذوي الحقوق في الحالات الواردة ضمن الفقرة الثانية أعلاه.
6- العمل على جبر الأضرار المتعلقة بالأشخاص ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وذلك بتقديم مقترحات وتوصيات بشأن قضايا الإدماج الاجتماعي والتأهيل النفسي والصحي للضحايا الذين يستحقون ذلك واستكمال مسلسل جل المشاكل الإدارية والوظيفية والقانونية بشأن الحالات العالقة والنظر في الطلبات المتعلقة بنزع الممتلكات.
7- متعلقة بإعداد تقرير بمثابة وثيقة رسمية لهيئة الإنصاف والمصالحة. يتضمن خلاصات الأبحاث ذات الصلة بالاختفاء القسري والاعتقال التعسفي. ويتضمن كذلك عرضا للإنجازات التي تم تحقيقها في الملفات المرتبطة بهذه الانتهاكات، والتوصيات والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة وضمان عدم تكرار ما جرى ومحو آثار الانتهاكات واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون واحترام حقوق الإنسان.
8- أكدت على أن الهيئة خلال أداءها لمهامها المحددة أعلاه، سوف تقوم ببذل جميع المجهودات للكشف عن الوقائع التي لم يتم إخلاؤها بعد وإصلاح الأضرار ورد الاعتبار للضحايا وترسيخ المصالحة وهذه الغاية والمؤسسات العامة على التعاون مع الهيئة وتمكينها من كل المعلومات والمعطيات الكفيلة بإنجاز مهامها.
9- تم التأكيد فيها على أن الهيئة تلتزم بالكتمان التام لمصادر معلوماتها وبالسرية المطلقة بخصوص مناقشاتها ومداولاتها.
10- تمت الإشارة فيها على أن عمل الهيئة تندرج ضمن مسلسل التسوية غير القضائية الجاري لطي ملف وإرساء ثقافة التسامح. كما تؤكد وثيقة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان عند صياغتهم للرأي الاستشاري المبادئ ومقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان وعلى اجتهادات الفاعلين الحقوقيين المغاربة لاسيما خلاصات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد كانت مواقف الحركة الحقوقية متباينة أغلبها اتجهت نحو الرفض فيما يخص الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وخلال تدارس المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في اجتماعه العادي ليوم 14 نونبر 2003 حيث استحضر في هذا النقاش الظرفية الحقوقية الراهنة والمواقف الثابتة للجمعية ولهيئة المتابعة من معالجة انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الماضي ولا يمكنها في أي حال من الأحوال، بعد إجراء الأبحاث اللازمة، إثارة المسؤوليات الفردية أيا كان نوعها كما لا يمكنها اتخاذ أي مبادرة يكون من شأنها إثارة الانشقاق أو الضغينة أو إشاعة الفتنة.
بعد تقديم هاته التوصية إلى جلالة الملك للنظر فيها انطلقت ردود فعل حول مضامين هاته الوثيقة. وقد أكد البعض على أن الوثيقة تؤكد على التقاء مختلف الإرادات لمعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة مستحضرة الالتزامات الملكية بحقوق الإنسان، منوهة بالتزاماته بقيم الحرية والمواثيق الدولية المكرسة لهذه الحقوق وتأكيد أن لا تعارض بين الإسلام وحقوق الإنسان، وعلى ضرورة مصالحة المغاربة مع تاريخهم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واستحضر البعض كذلك مضمون النقاش الذي جرى يوم 11 نونبر 2003 بين المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومكونات الحركة الحقوقية وقد استغرب لطرح المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بينما تتميز الظرفية الحقوقية الشهور الأخيرة بالخصوص (من سنة 2003) بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان السياسية والمدنية واعتبرت الجمعية أن مبادرة تشكيلها لن تكون لها مصداقية ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية لوضع حد للموجة الجديدة من القمع التعسفي. كما اعتبر أن التوصية تتضمن بعض الإيجابيات وفي مقدمتها الإقرار بضرورة إعادة فتح ملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وجبر الأضرار التي لحقت بالضحايا في هذا المجال. كما اعتبر أن التوصية لها موقف عدائي من مطلبي المساءلة وإعمال العدالة ، وعبرت الجمعية عن تشبثها بمفهوم المساءلة وعدم الإفلات من العقاب كحق من حقوق الضحايا والمجتمع. وأكد رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لم تستبشر في هذه التوصية خصوصا أنها طرف معني بالتوصية و"أكد على أننا نحن مع المصالحة والإنصاف والحقيقة والعدل، لكن المصالحة لابد وأن تكون نتيجة، ولابد أن تأتي بعد إقرار الدولة بمسؤوليتها واعتذارها للمجتمع وللضحايا ووضع كل الآليات التي تمنع من تكرار تلك المآسي، أي بعض وضع أسس دولة الحق والقانون وحينها تكون للمصالحة معنى .
أما الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان فقد اعتبرت أن هاته الفرصة هي فرصة حضارية للفعاليات الحقوقية .
أما منظمة العفو الدولية (امنستي) فرع المغرب فقد أكدت على أن نص التوصية بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة يتضمن عناصر سلبية لم يتردد فرع امنستي بالمغرب في تقديم حضورها ضمن نص التوصية حيث انتقدت Amensty تقليص الآجال الزمنية التي ستشغل فيها الهيئة مؤكدة على إعداد الملفات التي سوف تتولى معالجتها. بالإضافة إلى هاته المنظمات الحقوقية فقد عبرت هيئات حقوقية صحراوية أن هاته التوصية جاءت في سياق لازالت فيه منطقة الصحراء الغربية تشهد مسلسلا لسياسة ممنهجة متبنية على تضييق الحريات ومصادرة الحقوق بكل صنوفها 25 من خلال الانتقالات وتلفيق التهم والمحاكمات السياسية الجائرة بالإضافة إلى ذلك فلقد اقتصرت التوصية على الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي دون باقي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد أكد المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف بالدار البيضاء بتاريخ 1/11/2003 استنكاره ما ورد في الفقرة الأخيرة من التوصية من ربط تعسفي بين تحديد المسؤوليات الفردية وأعمال المساءلة مع الفتنة والضغينة والانشقاق وتنديده بالتغييب المقصود لمفهوم الحقيقة في نص التوصية .
وقد أكد محمد الصبار رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف أن التوصية من الناحية الشكلية على الأقل هي تعبير عن فشل المقاربة الرسمية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
أما المنظمة المغربية لحقوق الإنسان فقد أكدت في دورتها الاستثنائية ليوم 15/11/2003 عن عدم إقرار التوصية بصفة صريحة بالمطلب الثاني للمنظمة والحركة الحقوقية والمتعلق بالكشف عن الحقيقة، بل وعدم تسمية الهيئة بهيئة الحقيقة والإنصاف.
مما سبق نستنتج أن ردود الفعل حول توصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، كانت في أغلبها منتقدة بلغة حازمة وجريئة، في حين أن البعض القليل الذي اعتبرها إيجابية في مضمونها ودلالتها. والتساؤل الذي يطرح بعد دراسة هاته التوصية والانتقادات المرتبطة بها، والتي تم إحداث بموجبها هيئة الإنصاف والمصالحة، هو ما هي أهم مكوناتها البشرية (أعضائها) وما هي أهم المهام التي أوكلت إليها؟ وكيف تمت طريقة الاشتغال؟ هذا ما سأناقشه في المطلب الثاني؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د


.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي




.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا


.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر




.. اعتقال مصور قناة -فوكس 7- الأميركية أثناء تغطيته مظاهرات مؤي