الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لغز الوعي (2)

نبيل حاجي نائف

2007 / 9 / 26
الطب , والعلوم


إن الوعي هو القدرة على كف كل أوجه نشاط اللحاء و واردات الحواس ( منعها من دخول ساحة الشعور) فيما عدا المتعلق بناحية معينة , وهذه الناحية هي ما يمكن أن نسميه بسلسة أو قطار الأفكار .
فالوعي هو عبارة عن مصباح كشاف يضيئ ذلك الموضع في اللحاء أو بعض واردات الحواس , بنشاط هام ذي قيمة للبقاء على قيد الحياة , وبشكل عام يضيء الوعي فكرة أو مجموعة أحاسيس معينة , في وقت واحد . ولا يعني هذا أن العمليات اللا واعية ليست غير ذات أهمية , ولكن معالجة المعلومات المرتبط بالوعي , يبدو أنه عملية متعاقبة , فلا يمكن متبعة سوى نشاط واحد في الوقت الواحد . إلا أنه يحدث أحياناً أن تكون العمليات أو الإشارات اللا واعية قوية الشدة , فتجتاز مفتاح التحكم بالدخول وتندفع إلى الوعي .
ويتضمن عمل ( مفتاح الوعي ) في التكوين الشبكي أكثر من مسألة مجرد الفتح والغلق , فقد رئي أن هذه الشبكة من الخلايا هي في الواقع أداة اتخاذ القرارات في المخ , حيث أنها تختبر كافة المعلومات الحسية الداخلة إلى المخ , كما أن لها سلطاناً كبيراً على كافة مراكز الانفعال والحركة فيه .
وللتكوين الشبكي هذا بنية خاصة , تمكنه من تحقيق ذلك , فكل خلية عصبية فيه تتصل بمجموعة الخلايا الأخرى , بحيث تكًون قرصاً رقيقاً عبر ساق المخ , وتتصل مختلف الأقراص ببعضها , بطريقة تكاد تكون عشوائية , وهذه الأقراص مرتبة فوق بعضها البعض كعمود من قطع النقود , مكونة البنية العمودية لساق المخ , ومن الممكن أن نتصور أن كل قرص من هذه الأقراص , هو كومبيوتر صغير يعالج ويقيم مختلف المدخلات التي يتلقاها , وهو ينقل محصلة ذلك التأثير إلى بقية زملائه , التي عليها أن تضع تلك المعلومات في الاعتبار , بالإضافة إلى الإشارات الحسية الأخرى التي تتلقاها , والقرص الذي تكون استثارته أكبر ما يمكن , هو الذي يفوز على الآخرين , ويؤدي إلى حدوث استجابة مناسبة لما تلقاه هو بالذات , وهذا النموذج للطبخ أو المعالجة المتوازية لعمل النظام الشبكي , قدمه بنجاح منذ عدة سنوات الأستاذ " وارن ماكلوك" ومساعدوه في معهد ماساتشوست للتنلوجيا , ويمكًن هذا النموذج من اتخاذ القرارات السريعة , فيما يتعلق بنوع التصرفات المطلوبة , رغم الكمية الهائلة الداخلة من المعلومات المختلفة .
- نحن نستطيع أن نعتبر العقل مجموعة من العلاقات الفعالة بين نشاط المخ في الوقت الحالي ( الحاضر) والنشاط الذي حدث في الماضي أو ما سجل في الذاكرة عن أحداث هذا الماضي . أي أن النشاط الحالي للمخ يتبادل التأثير مع مخزون الذاكرة عن النشاطات السابقة له , فلن يستطاع (التفكير) دون تلازم نشاط المخ الحالي مع بعض نشاط المخ السبق المسجل على شكل ذاكرة وتعلم وآليات (ميكانزمات) موروثة أو مكتسبة – , أن تملك عقلاً معناه أن تملك أداة للمقارنة والقياس

إن مفتاح فهم الوعي هو " الطنين "
إن ظاهرة الطنين بشكلها الكهرطيسي لا يعرفها الكثيرون , وهي معروفة في شكلها الصوتي فقط , فالطنين الكهربائي عرف حديثاً . وعندما تعرفت على الطنين الكهربائي دهشت لهذه الظاهرة ووجدتها عجيبة , فدارة الطنين الكهربائي الأساسية مؤلفة من ملف ومكثف ضمن دارة كهربائية مغلقة , هذه الدارة يمكن أن يجري فيها تيار كهربائي متناوب , فإذا كان هناك دارة كهربائية تماثلها في قيمة الملف والمكثف وقريبة منها عندها ينشأ فيها تيار متناوب, ويكون هذا التيار المتناوب تردده مماثل لتردد الدارة الأساسية , هذه الظاهرة هي أساس كافة أنواع الاتصالات اللاسلكية .
إن ظاهرة الطنين موجودة لدى الكائنات الحية بأشكال متعددة , فقرون الاستشعار والسمع والبصر والشم ... , تعتمد على ظاهرة الطنين , فالصوت والضوء كما نعلم هما طنين(تردد لأمواج) , وأساس عمل كافة الحواس لدي الحيوانات يعتمد على آليات تحول التأثيرات والتي تكون غالباً على شكل ترددات, أي تيارات كهربائية عصبية على شكل نبضات , ترسل إلى الدماغ , وهو يقوم بتمييزها وتصنيفها , وتخزين معلومات عنها .
إن الوعي هو وعي بطنينات حسية ( أو بأفكار على شكل طنينات حسية) , فهو طنين لطنينات حسية أي طنين مكرر , فهو طنين مضاعف , أو طنين يتم تكرار بثه وانتشاره , فيصبح شامل أغلب بنيات الدماغ . وهذا يماثل البث لإذاعي أو التلفزيوني .
فالوعي لأنه طنين حسي يمكن إحداثه في العقل ويمكن نقله من عقل لآخر . وطبعاً يمكن أن يحدث أثناء النقل تغيير أو تحريف نتيجة تداخله مع طنينات أخرى , أو عدم استقبال مناسب مثل نقل أي رسالة.
الوعي وعلاقته بالذاكرة
إن الشعور" بالذات " بالنسبة لنا مرتبط بشكل أساسي بالذاكرة , وبانعدام الذاكرة تنعدم الذات( أو النفس) , فلا يبقى إلا أحاسيس لحظية غير مترابطة تبدأ وتنتهي فورا دون أن تترك أثر . و بتغيير ذاكرة شخص بذاكرة شخص آخر تنتقل ذات كل منهم إلى الآخر .
فالوعي الذاتي ( الوعي بالأنا ) تابع لمخزون الذاكرة بشكل أساسي , وهذا يدل على أن الوعي كل منا بذاته عندما يسترجعه بعد أن يصحو من نومه أومن التخدير العام , يتم استعادته بناء على ما هو مخزن في ذاكرته . وهذا يعني أن ذات كل منا تنعدم عندما يطفأ وعيه , وتعود وتتشكل عندما يعود يعمل وعيه , وبالاعتماد على ما يتم استدعاؤه من الذاكرة .
والذاكرة هي الطنينات الحسية التي تنتج عن إثارة المسارات العصبية لمحاور ومشابك الخلايا العصبية الهائلة العدد , والمترابطة بشكل معقد جداً , وهذه الطنينات تابعة للخصائص الفيزيائية والفزيولوجية والكهربائية للدماغ . والطنينات الحسية "الأساسية أو الخام" لدينا متشابهة بشكل كبير إلى حد التطابق الألوان والأصوات والروائح . . . .
لهذا يمكن أن نحل مشكلة الوعي عندما نعرف كيفية حدوث الطنين الحسي الأولي الخام , وكيفية تفاعله مع باقي الطنينات الحسية , وكيفية انتقاله وتفاعله مع بنيات الدماغ , وكيف يبث في الدماغ .
إن هذا يشبه عمل الأجهزة الإلكترونية ولكن أعقد بمراحل كثيرة لأن دارات الطنين الكهربائية الحسية هي دارات فيزيائية وكيميائية و فزيولوجية معقدة كثيراً , فالتفاعلات الفزيولوجية تعقد كثيراً عمل تلك الدارات , بالإضافة إلى التعقيد الهائل جداً لمسارات تلك الدارات .
ولكن مع كل هذا يمكن أن نقلد صنع الطنينات الحسية وبدقة كبيرة , بواسطة دارات إلكترونية فقط , واختصار التأثيرات الفزيولوجية بتمثيلها بدارات إلكترونية , أما من ناحية تعقيد اتصالات الخلايا العصبية فيمكن اختصاره بشكل كبير وذلك بتنظيمه , ومع ذلك تبقى مشكلة الوعي الذاتي تبقى معقدة وصعبة .
الأنا الواعية(سبورة الوعي) و الذات ( أي الشخصية)
ليست الذات أو الشخصية , الأنا فقط , فذات كل منا ينتجها ما هو مخزون في الذاكرة . أما الأنا أو ما يوجد على سبورة الوعي فهو الجزء الصغير الذي يبث في تلك اللحظة , فذات كل منا مضمرة دوماً , لأنها متوضعة بشكل بنيوي في الخلايا العصبية ومحاور ومشابك هذه الخلايا , ولا يظهر منها إلى الجزء الصغير جداً وهو الموجود على سبورة الوعي , وهو ما يبث بشكل كهرطيسي .
وهذا يشبه نظام الويندوز في الكومبيوتر, فالموجود على الشاشة يمثل ما هو موجود على سبورة الوعي , أما الباقي فهو المخزن في بنية الكومبيوتر . ونظام الويندوز سمح بوصل جيد وفعال لما هو مخزن في ذاكرة الكومبيوتر , مع ما هو موجود في ذاكرة مستخدم الكومبيوتر .
إن الوعي أو الشعور بالذات( الأنا اللحظية) هو ما يبث على سبورة الوعي , وهذا كما قلنا موجود بشكل كهرطيسي مبثوث في الدماغ . ونحن إذا استطعنا استخدام سبورة وعي أي إنسان لعرض ذات إنسان آخر, لما اختلفت تلك إلا قليل جداً , وهذا يشبه ما يبث من أي جهاز راديو أو تلفزيون أو فيديو , فالأجهزة مختلفة ولكن ما ينتج متشابه بشكل كبير.
والذي يبرهن على ذلك , انبثاق ذات كل كنا عندما نصحو من النوم أو من التخدير العام , فهذا يتم تكوينه بناءً على ما يتم استدعاؤه ( أو يأتي من تلقاء نفسه ) مما هو مخزن في الدماغ , وبثه على سبورة الوعي .
" فأنا" كل منا تنعدم أو تطفأ , وتعود وتظهر آلاف المرات . ويتم هذا الظهور بناءً على ما يتم بثه على سبورة الوعي , فالموجود بنيوياً ( بنية الدماغ وما تم بناؤه أثناء الحياة) لا يتم الوعي أو الشعور به إلا إذا تم بثه وأصبح كهرطيسياً .
وتنشأ الأحاسيس الواعية , لأنها تتكرر خلال زمن قصير أو طويل ولا تكون لحظية تجري لمرة واحدة وتنتهي فوراً , وأيضاً نتيجة تكرار حدوثها , وهي تنتشر في أغلب بنيات الدماغ . و هي التي تنتج الوعي الذاتي.
فالذي ينتج الوعي الذاتي هو تكرار جريان التيارات العصبية في بنيات الدماغ , بين التشكيل الشبكي والمهاد واللحاء والدماغ الحوفي وأحياناً المخيخ , فتكرر جريان هذه التيارات هو الذي يخلق " زمن الوعي " , وبالتالي الزمن البشري الذاتي .
فإذا لم يحدث هذا التكرار, فلا يمكن أن يحدث الوعي , لأنه سوف يحدث في زمن قصير جداً ولمرة واحدة وينتهي بعدها , فتكرار وجوده خلال زمن هو الذي يسمح بحدوث الجدل الفكري الذاتي بين الأفكار(الأحاسيس الواعية) والتي تجري معاً في نفس الوقت ونشوء " زمن الوعي أو الديمومة" .
ودور المهاد في إدارة وبث الوعي هام جداً, فهو يقوم بالتعاون مع التشكيل الشبكي والدماغ الحوفي واللحاء في إنشاء الوعي وبثه.
لقد كان المهاد لدى الأحياء الدنيا هو مركز قرع الأحاسيس , وكانت غير محددة بشكل دقيق في أول الأمر , وعندما تطور الدماغ وتشكل اللحاء , وأخذ الدور الأساسي في قرع الأحاسيس , وبمجال دقة وتحديد عالي , وأوسع بكثير من المهاد, بقيت الأحاسيس العامة والألم بشكل خاص تابعين للمهاد , وبالتالي أصبح دور المهاد نقل وترحيل التيارات الواردة من المستقبلات الحسية , عن طريق التشكيل الشبكي , إلى اللحاء والمراكز الأخرى , وهذا أعطاه الدور الأساسي في إدارة قرع الأحاسيس في اللحاء .
فهو يساهم يشكل كبير في تشكيل الوعي لدينا , فيتحكم بإدارة قرع الأحاسيس في اللحاء . ويقوم بذلك كما ذكرنا بالتنسيق مع الدماغ الحوفي ( الذي يقيم أهمية الأوضاع) , ومع التشكيل الشبكي , الذي ينظم ويدير واردات الحواس والاستجابات , ويقوم بالبث.
وإذا أردنا تحديد البنية الأكثر تأثيراً في إنشاء الوعي وبثه , فستكون المهاد , فهو ينسق و يكامل ويدير ألحان الوعي التي تعزف.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتشار الملاريا والدفتيريا في ولايتي برج باجي مختار وعين قزا


.. انتشار الملاريا والدفتيريا في ولايتي برج باجي مختار وعين قزا




.. تعمير- لقاء مع ‏د/رانيا علواني..وحديث عن أهمية حملة -سبورتيف


.. تعمير-م/ باسل شعيرة يوضح أهم التطورات حول توقيع أول عقد بالم




.. تعمير - ‏م/ خالد عباس يتحدث عن توقيع أول عقد بالمنطقة الصناع