الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب واليونيسكو ... ومصر

محمد المدلاوي المنبهي

2007 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


تـــقـــديــــــم
أوردت يومية "الدستور" الأردنية (العدد 15594 الاربعاء 26 ايلول 2007) الخبر الموضوع أسفله بين قوسين مزدوجين:

((أعرب وزير الثقافة المصري فاروق حسني عن أسفه لإصرار المغرب على ترشيح مندوبته في اليونسكو ، عزيزة بناني ، لمنصب المدير العام اليونسكو، لما سينتج عنه من تفتيت الأصوات والتقليل من فرص فوز أي من العرب بالمنصب. وأكد فاروق حسني فى تصريحات صحفية بعد تأكيد ترشيح المغرب لبناني ، أنه كان يتمنى حدوث إجماع عربي واختيار مرشح واحد من الوطن العربي للمنصب ، حتى لا يحدث تفتيت للأصوات وبالتالي تقل فرصة العرب في الفوز بهذا المنصب الرفيع ، خاصة وان الاختيار دائما ما يكون وفقا للتوزيع الجغرافي وكان العالم العربي هو صاحب الدور هذه المرة لكونه لم يفز بهذا المنصب منذ إنشاء اليونسكو قبل نحو 60 عاما ، مشيراً إلى أنه تربطه علاقات قوية بالعديد من الشخصيات السياسية والثقافية بالمغرب الشقيق ، ولكن إذا كانت هناك رغبة أكيدة من المغرب على الترشيح فلا بأس؛ فهي انتخابات في النهاية؛ وليكن ما يكون؛ وليفز الأفضل الذي يختاره أعضاء المنظمة الدولية. وأوضح حسني أن ضماناته الأساسية للفوز بهذا المنصب المهم تتمثل في العلاقات القوية والطيبة التي تربط الرئيس حسني مبارك ومعظم قادة ورؤساء دول العالم ويحظى أيضا بتقدير واحترام الجميع ، بالإضافة إلى ثقل ومكانة مصر السياسية والثقافية)).

بمناسبة هذا "التأسف الوزاري" الرسمي على تجرؤ المغرب في "إصرار" على "تفتيت الأصوات" والخروج عن "الإجماع" ... و"تفويت الفرصة على العرب في الفوز بالمنصب الرفيع"، وفي إطار تذكير يربط الحاضر بالماضي، ويربط مواقف الرسميين بمواقف النخبة، أورد القسم الأول من مقال لي سبق أن نشر في يومية "الأحداث المغربية" قبل سنوات (28 نوفمبر 2003) تحت عنوان في صيغة تساؤل بصيغة "الرباط عاصمة للثقافة المغربية؟". وعنوان هذا القسم المقتطف المقال هو : "السؤال":

الســـــــــــــؤال
[[ إنه لسؤال مقلق، ذلك الذي حرك القلم لتحبير هذا المقال؛ إنه السؤال الآتي:
ماهي الدلالات السوسيوـ ثقافية لغياب الفاعلين التقليديين في الساحة الثقافية المغربية عن حدثين ثقافيين هامين عرفتهما العاصمة المغربية ،الرباط في الآونة الأخيرة؟ يتعلق الأمر بندوة دولية تحت عنوان "الأدب الأمازيغي: الشفاهة والكتابة، الخصوصيات والآفاق"، نظمها مركز الدرسات الفنية والتعابير الأدبية التابع للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أيام 23-24 أكتوبر 2003 بمدرج عريق ورمزي هو مدرج الشريف الإدريسي، بكلية عريقة بدورها ورمزية من حيث اختيارها، هي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط؛ ويتمثل الحدث الثاني في قراءة تقديمية ونقدية لترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الأمازيغية خلال لقاء بنادي الصحافة بحي حسان، من تنظيم شهرية "العالم الأمازيغي" مساء يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2003 ؟

لقد تألق أولئك الفاعلون بغيابهم ذاك عن دينك الحدثين الثقافيين اللذين عرفتهما العاصمة الرباط، التي كانت قد أثـثـت فيها أوجهٌ كثيرة من أولئك الفاعلين، قبل أيام معدودات، جلساتِ وأطوارَ "ملتقى الرواية العربية"، في إطار عرس "الرباط عاصمة للثقافة العربية"، أي باعتبار هذه المدينة ليس فقط عاصمة للمملكة، ولكن باعتبار دورها الظرفي، المراد لها من طرف أولئك الفاعلين أنفسهم، كعروس للثقافة العربية، ذلك العرس الذي نغصته مع ذلك - ورغم كرم أهل الدار وأريحيتهم الأسطورية - مقاطعةُ بعض من يستكثرون على تلك العاصمة أن تكون لقادتها، ولسياسيــيها، دبلوماسية مستقلة، وشخصية سياسية قائمة بذاتها، ولمفكريها وعلمائها إشعاعَـهم العالمي في هذا العالم المعولم. إنه استكثار أصبح من التقاليد الجيوسياسية، والديبلوماسية، والثقافية للأشقاء المصريين مثقفين ورسميين تجاه هذا البلد الأمين.
لقد انطلقت أصوات من عاصمة الكنانة منادية بمقاطعة العاصمة الرباط في عز استعدادات "عرسها العربي" الذي نظمته وزارةٌ يوجد على رأسها مثقف محترم، وزميل سابق لأغلب تلك الأصوات المستنكرة من أبناء الكنانة الذين دعوا إلى مقاطعة الاعتزاء والانتساب العربي للمغاربة وتتفيه احتفاءهم بالثقافة العربية، احتجاجا من أولئك الداعين على كبيرة من الكبائر، هي زيارة خاطفة لوزير الخارجية الإسرائيلي، سيلفان شالوم، للعاصمة الرباط، وذلك مزايدةً منهم على العاصمة الرباط، التي كانت مع ذلك قد فكت الارتباط مع اسرائيل في لحظة غضب التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية، وتحويلا منهم للأنظار عن العلم الإسرائيلي الذي بقي يرفرف فوق رؤوسهم في سماء عاصمة "أم الدنيا" ليس بشكل عرضي ولكن بمقتضى اتفاقية دائمة موقعة بين دولة مصر العربية ودولة إسرائيل العبرية. لم يوجه أولئك يوما مثل تلك الصفعة المخزية للعاصمة، أنقرة، الإسلامية لحزب "الرفاه"، فــ"الفضيلة"، فـ"العدالة والتنمية"، التي بلغ أمر ديبلوماسيتها الإسلامية درجة إبرام اتفاقية عسكرية مع إسرائيل، دون أن يزعج ذلك أصدقاءها من محترفي حـِسبـة محاربة لطائف الرمزيات الخفية للتطبيع في الرباط أو في مراكش. إنها مزايدة في شأن القضية الفلسطينية، التي تمّ هكذا تلغيمها من الخارج بألغام من النفاق المصلحي المتعدد الأوجه، والتي دأبت أقوام في المشرق وفي المغرب على أن يتخذوا من جوهرها العادل والبسيط (قضية تحرير أرض واستقلال شعب، لا غير) أساسا تجاريا يتم الاقتيات السياسوي على تعـقيــد أوجهه، وتعديد أطرافه واستكثارها، وذلك بإلباسهم ذلك الجوهر البسيط مختلف اللبوسات مما يهدف إلى الالتفاف على حصر مشروعية الحق في الشعب الفلسطيني دون غيره، واتخاذهم من شعارات تلك اللبوسات أوراقَ تينٍ يخصفون منها على عورات المصالح السياسوية بالنسبة للفاعلين السياسيين منهم، وعورات الجهل، والإفلاس، وضمور الإبداع الفكري، والأدبي والسياسي والقدرة على التأثير في الفكر العالمي لدى المثقفين منهم، بحيث يقفز كل فريق منهم على كل مناسبة أو كل محنة من محن الشعب الفلسطيني لكي يختبر "ثقله في الساحة"، ويمرر إشاراتِ مختلف أوجه المقايضة "لمن يهمه الأمر" في الداخل وفي الخارج.
ومثلُ ذلك كان قد فعله أولئك المزايدون مرة سابقة - لأن الأمر تقليدٌ وليس خبطة مزاج ظرفية - وذلك لما اتهموا الأديب المغربي، محمد برادة، بالوساطة الأدبية مع أطراف إسرائيلية قصد ترجمة بعض الآثار الأدبية العربية إلى العبرية، وذلك تفعيلا منهم لخطة الحِــسبــة ضد "الأساليب الملتوية الجهنمية للاختراق والتطبيع مع الصهاينة".

ولقد تأكدت سُـنّــة تغيـّـب الفاعلين التقليديين في الساحة الثقافية المغربية الذين راهنوا على الخارج فقاطعهم الإخوة المصريون، عن محافل وجه بارز من أوجه الثقافة المغربية، وزالت عن تلك السنـّـة كلُّ احتمالات الصدفة ومحض الاتفاق. فبعد أسبوعين من ندوة الأدب الأمازيغي الذي صاعرت له تلك النخبة خدها في قلب كلية الآداب بقلب العاصمة، كان لقاء القراءة التقديمية والنقدية لترجمة القرآن إلى الأمازيغية، فغصت قاعة نادي الصحافة في حي حسان بالمهتمين بالثقافة المغربية الأمازيغية، واكبت القناة الأولى، وكذا قناة الجزيرة الحدث، إلا ما كان من نفس الطيف من الفاعلين الثقافيين والإعلاميين الذين لم يثقوا بعد بالمغرب كعمق حضاري وليس كمجرد دولة للسكن "Etat dortoir". فقد تألق ذلك الطيف من جديد بغيابه الذي أصبح ديكورا بالسالب وبالمخالفة ملازما لهذا الوجه من أوجه الثقافة المغربية الغنية بتعددها وتكاملها وكونيتها. فبالرغم من الإعلان الواسع على أعمدة الصحافة، غابت عن تقديم ذلك الحدث الثقافي التاريخي المتمثل في ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأمازيغية كلُّ "العقول الكبرى" المتخصصة في فحص "عقول وأيديولوجيات العرب والعجم"، وفي تشريح الرؤوس والأدمغة وتشخيص حالاتها الأولى والفائضة، وفي دراسة علاقة كل ذلك بتجليات مظاهر الدولة في المجتمع والتاريخ. كما غاب فرسان الأدب وجهابدة البلاغة، والنقد، والإعجاز، والترجمة، والتفسير؛ وغاب الخواضون في عالم العقائد والملل والنحل، وغاب محترفو التفكير في الصيرورة والمصير، وتوارى نجوم "مهنة المتاعب" كما يسمونها، أي الصحافة، يبحثون في المظان الثانوية، والثالثية، والمنسية، عن اللاحــدث مما يرد من أخبار جزر الوقواق، أو بلاد هاجوج وما جوج، ليصنعوا منه "الحدث" فيحبروا به أعمدة صحف الغداة!
وللحق نقول بأنه لم يشذ عن هذا الموقف المتخاذل لفرسان القلم إلا الدكتور سعيد الدين العثماني ـ بالرغم من أنه سياسي قبل كل شيء ـ إذ سبق له أن احتفى بعمل الترجمة المذكور بأن خصه بدراسة قدمها في اللقاء الذي نظمته جمعية "أمريك"، ونشر نصها في يومية "التجديد" (انظر "التجديد" 11 نوفمبر 2003). وإذ المفارقة في المبادئ والسلوك على ما ذكرناه بالنسبة للمتغيبين هنا في الرباط، وبالنسبة لمحرري رسائل المقاطعة للعاصمة الرباط انطلاقا من العاصمة العربية الوحيدة التي تخفق في سمائها نجمة تُـرسِ داود على رقعة العلم الإسرائيلي الناصع، فإن للسؤال الذي افتتحنا به هذا المقال تعلقا بمدى حركية الفكر المغربي لذلك الطيف الذي يظهر في الخارج وما له علاقة خدمة بالخارج ويختفي في الداخل، ومدى صلة ذلك الفكر بحس المواطنة الحديثة للدولة الحديثة التي لها علم وطني ونشيد وطني ودستور وأطر مدنية لممارسة المواطنة]]. انتهى القسم المقتطف.

التعـــليــــــق
يتضح إذن من خلال ربط الماضي بالحاضر، وربط مواقف الرسميين بمواقف النخبة في مصر العامرة بأنه مهما كانت المهارشات بين النخبة المثقفة في هذا البلد وبين ساسته، يتفق الطرفان مند عدة عقود في "أم الدنيا" أو "الأخت الكبرى" كما تقدم مصر نفسها في المشرق على اعتبار بقية الأقطار من المحيط إلى الخليج، شعوبا ومنظمات ودول، مجرد أصوات دورُها السرمدي هو الحرص على "الإجماع" وعلى "وحدة الصف" سواء تعلق الأمر بالديبلوماسية، أم بالرياضة، أم بالثقافة، شريطة أن يكون ذلك الإجماع إجماعا إما على ديبلوماسية مصر، أو على إشعاعها الثقافي، أو تألقها الرياضي.
وتحتد لهجة الأخوة في مصر، في مهمتهم التربوية الوحدوية، على الأخص حينما يتعلق الأمر بالمغرب (وبالفضاء المغاربي عامة) الذي لا يحق له، بمقتضى أخلاقيات ذلك الإجماع العربي، أن يطمح لا إلى رئاسة منظمة سياسية إقليمية يعتبر نفسه عضوا فيها، ولا إلى رئاسية منظمة ثقافية للكتـّـاب بنفس الفضاء الإقليمي، ولا للترشح باسم فضاء أوسع هو القارة الإفريقية لاحتضان كأس العالم، الذي كشفت التجربة، مع ذلك، المسافة الضوئية التي تفصل " ثقل ومكانة مصر" عن ثقله ومكانته في أحقية احتضانه، ولا حتى الترشح لمنصب رئاسة منظمة عالمية كمنظمة اليونيسكو كان ممثله فيها في الستينات وعضو مجلسها التنفيذي، العلامة الراحل محمد الفاسي ممن صناع قرار اعتماد اللغة العربية فيها.
وعلى كل حال، فإن التاريخ يتحرك رغم سكونية الأوهام، وكما قال السيد وزير الثقافة المصري المتأسف، "فليكن ما يكون، وليفز الأفضل، الذي يختاره أعضاء المنظمة الدولية". فإذا كان ((رئيس الوزراء المصري قد دعم مرشحه بتصريحات صحفية قال فيها إن حكومته تدعم ترشيح فاروق حسني لمنصب مدير عام اليونسكو ، داعيا الوزارات المختلفة بتنسيق الجهود لدعم هذا الترشيح عربيا وعالميا)) كما جاء في خبر يومية الدستور، وإذا كان المرشح نفسه قد صرح، فيما يشبه إيماء إلى طابور خامس، بأنه ((تربطه علاقات قوية بالعديد من الشخصيات السياسية والثقافية بالمغرب الشقيق)) ، فإن للمغرب مؤهلاته العلمية والثقافية، وفيه نهضة سياسية وثقافية وفلسفية، وامتلاك لناصية اللغات، وانفتاح على العالم الحديث. وإذا حدث أن لم تواكب تلك المؤهلات، في هذه الفرصة أو تلك، إراداتٌ ومبادرات سياسية حازمة، فليس ذلك ما من شأنه أن يقلل من واقعية تلك المؤهلات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة