الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدعوة الى إهانة الرئاسة في العراق

عبد الحميد الصائح

2003 / 10 / 24
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كانت بابل قبل أربعة آلاف عام تقيم مهرجان راس السنة وتختار ملكا وهميا تجلسه على العرش وتقدم له فروض الطاعة والاحترام والولاء ثم تشنقه فداءً للملك الحقيقي. وقد ذكرت الرقُم الطينية البابلية التي تعود الى القرن الثامن عشر قبل لميلاد ، أن الملك "إيرا أميني" أَ جلس على عرشه يوم المهرجان الفلاح "انليل باني" ليُحتفل به احتفالا شعبيا ثم يُقتل كالعادة فتنزل البركة على الأسرة الحاكمة والملك إيرا أميني ، غير ان رياح  القدر شاءت غير ذلك   ، فقد توفي أميني  في الليلة نفسها  بعد ان شرب مرقا ساخنا كما تقول الرواية. واضطر الرعية لاختيار الفلاح "باني" ملكا دائما وبقي على عرش بابل اربعا وعشرين سنة ، حكم الدولة خلالها بمقدرة فائقة. وتعتبر مقالب الحكم والملوك ونوادرهم  في بابل من اغرب النوادر في تاريخ البشرية، عادة ما تتصل بالموت ، الخوف على الحاكم  منه ، خرافة انتصاره عليه ، البحث عن الخلود الذي ينهي اسطورته ، وغير ذلك الكثير  من حيرة العراقيين  بالحكم والحاكم  ، حتى ا اصبحت هذه البلاد الوحيدة في الدنيا تتحمل مسؤولية حاكمها بدل ان يتحمل هو مسؤوليتها   ، فالشعب هو الذي يفكر بضجر الحاكم ورفاهيته وجوعه وزعله ونومه ويقظته واحلامه واوهامه وسلالته وخلوده ونسائه وابنائه  ويتحمل تبعات اخطائه ، اذا اصاب فهو الذي لايخطيْ واذا اخطأ فنحن الذين  لم نكن صالحين ، مما يجعل فكرة الموت الغرائبي  واستيلاء البسطاء على الحكم في هذه البلاد من النوادر والأساطير الشائعة في ثقافة بدائية عفوية ذكية كالتي شهدتها المنطقة. وقد ورثنا نحن العراقيين  هذا الالتباس  بين واقعية الحكم واسطوريته في العصر الراهن وكأن للحاكم صورة محددة لاتتغير ، اذا اختفى او قتل فلابد من العثور على صورة تشبهه تسمى " البديل". من هو البديل وماهي مواصفات البديل ؟ ذلك ماشغل الناس طيلة حكم العراق خلال الثلث الاخير من القرن الماضي ونيف من القرن الجديد.آراء وآراء تبحث عن الرئيس البديل والرئيس الحقيقي والقائد المناسب دون ان تجرؤ على تحديد مواصفات  هذا النموذج. فهناك من يرى ان صورة الديكتاتور هي صورة الرئيس لانه لم يعتد غيرها، فاذا ما وجد رئيسا عاقلا مسالما متواضعا مثقفا خلوقا  حكم بعدم صلاحيته ، واذا وجد رئيسا يتنازل  عن الحكم تداوليا او طوعيا ، استخف برئاسته. فالرئيس العراقي الناجح يقاس بعدد الحروب التي يشنها كيفما اتفق وعدد السجون وعدد الضحايا وافواج المهجرين وعدد الوزراء الاميين وعدد المجرمين الوزراء وليس بعدد الكتب التي قراها والجسور التي بناها ومستوى المعيشة والامان والرفاه الذي حققه، ولذلك  اعترض الكثير على فكرة تداول تسعة رؤساء على رئاسة الحكم في العراق . ومنهم من رأى أنها اهانة لفكرة الرئاسة التي ينبغي ان تكون ذات هيبة وفردية ودموية وغموض  .
فإذا كانت الحكاية البابلية  تميل الى حكم الشارع والناس والعامة للبلاد مقابل  خرافة الملك الحقيقي  الذي يموت عادة في الحكايات الشعبية، فأنا من مناصري مبدأ اهانة الرئاسة في العراق لصالح الناس ، لان الرئاسة في العراق أهانت الناس وحطمتهم وطالما كانت هدفا للعسكر والحرامية والجناة وقطاع الطرق، ومن مناصري مبدأ البحث عن رجل يشرف المنصب لا رجل يتستر بالمنصب ويسرق ويقتل ويعيث بالبلاد والناس والمصطلح فسادا. فالرئاسة أو أي  منصب في الدولة ينبغي ان يكون امتحانا  لانتيجة ، وجائزة لا إجازة . وربما يكون قدر العراق ان يموت فيه  الرؤساء والملوك ميتة غير مشرفة من اجل ان يعود حكم البلاد في النهاية الى "البستاني العراقي انليل باني" ورفاقه من عامة الشعب والاكفاء المستضعفين فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - القرصان أكلة شعبية سعودية بطريقة الإيطالية مع قمر


.. صنّاع الشهرة - لا وجود للمؤثرين بعد الآن.. ما القصة؟ ?? | ال




.. ليبيا: لماذا استقال المبعوث الأممي باتيلي من منصبه؟


.. موريتانيا: ما مضمون رسالة رئيس المجلس العسكري المالي بعد الت




.. تساؤلات بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على مسار ال