الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موتيفات اسلامية لدى ستريندبيرغ

سعيد الجعفر

2007 / 9 / 29
الادب والفن


إذا استثنينا مسرح خيال الظل العربي في القرون الوسطى والطقس المسرحي التراجيدي في ذكرى الإستشهاد البطولي للإمام الحسين ( استخدم الكاتب مصطلح مسرح الآلام وهو مصطلح تواضع عليه النقاد في الأدبيات الغربية بخصوص قيام بعض الفرق المسيحية بتمثيل مقتل السيد المسيح - المترجم) ، فليس هنالك حسب علمي شئ ذو قيمة فيما يخص المعلومات المتعلقة بالفن المسرحي في العالم الإسلامي. لكني وجدت من خلال مراجعتي السيرة الذاتية لأوجست ستريندبيرج التي كتبها أولوف لاجر كراتنز***، شيئاً مثيراً للإنتباه وهو أن مسرحية سويدية بطلها شخصية إسلامية خالصة. والأكثر إثارة أن تلك المسرحية إفتتحت بأية قرآنية. أقصد بما ذكرته مسرحية "حذاء أبو القاسم" والتي كتبها ستريندبيرج في خريف 1908.
كان ستريندبيرج قد انتقل للتو الى بلو تورنت**** وأقام علاقة غرامية مع فتاة أصغر منه بكثير هي فاني فالكنر، بنت صاحب المسكن. وبحسب لاجر كرانتز فإنه يمكن قراءة المسرحية كونها ترمز الى علاقة الحب المليئة بالمشاكل تلك.
فلدى التاجر أبو القاسم ابنة جميلة، إسمها زليخا. وفي المنام رأت رؤيا جرى فيها تحذيرها من خيانة الرجال ولذا قررت أن تبقى باكراً طيلة حياتها. أحد الأمراء يقع في غرامها ويتعذب حد المرض في داخله. ويفكر الإسكافي حسن بخطة تجمعهما " فالخيانة القائمة على التقوى يسمح بها القرآن".
الأمير يبقى طريح الفراش شاحباً وعليلاً، متخف في ملابس رجل عجوز ليوضع في سريره أمام باب غرفة زليخا. تمر هي فتأخذها الشفقة عليه، لكنها للإحتياط تسأل عن عمر الرجل المريض. " إنه كلب هرم"، يؤكد لها حسن الإسكافي.
" لو كان هرماً حقاً فانني سأرى إن كان باستطاعتي تخفيف مرضه"، قالت زليخا، فأجاب الإسكافي " بالتأكيد تستطيعين ذلك، أنت بالذات وليس أحد غيرك". تتجه زليخا نحو السرير، وتنادي المريض " الرجل الهرم المسكين"، تتناول يده كي تجس نبضه. وحين تكتشف أن نبضه أسرع من اللازم تضع يدها فوق قلبه. القلب في داخل صدره يتوقف عن الخفقان، فاللمسة المرة و اللطيفة في آن تثير لوعته، لكنه ما يلبث ثانية أن يعود الى الخفقان. زليخا من جانبها تفهم توقف النبض كونه علامة الموت لكن عيناها تلتقيان في اللحظة ذاتها عينيه – سهمي آمور المسومتين– وهكذا تغرق في قنوط الخسارة.
ويصف ستريندبيرغ المشهد بهذا الشكل:
والآن ماذا حل بك
أيها الرجل الهرم؟
هل هو القلب؟ وكيف هو النبض، ناولني يدك!
الله أكبر! لديك حمى ويدك ترتجف، لكنها جميلة.
بالنسبة لرجل هرم مثلك، دعني أجس نبضك.
على القلب! الأمر ليس على مايرام،
لقد توقف! ها هو ينبض ثانية،
النبض يبطأ، يتوقف – إنه يموت!
دعني أنظر في عينيك!
زليخا تحدق إذن في عينيه وتقع ضحية الحب. وتدرك أنها استدرجت الى فخ نصبه الإسكافي. " يا إبليس! ياجني! ياحسن يانذل!" تصيح هي بوسيط الزواج العنيد.
تضع زليخا يدها على قلبها، في حالة شبه إغماء: " أيها المحتال الآتي من أعماق الجحيم! رحمتك ياربي!" الإسكافي المحتال يفرك يديه منتشياً بالنصر: " لقد أصاب السهم هدفه! ها ها! الأمر يحتاج الى حفل!" الأمير ينهض، ينزع الملابس التي تخفي بها، ويرمي سترته.
المشهد الذي يصور زليخا عند سرير الأمير يمكن أن يقرأ كونه يرمز الى علاقة ستريندبيرغ بفاني فالكنر.فما الشيخوخة إلاّ قناع ، فأعماق روح الرجل الهرم تمور الشباب، وزليخا لا تحتاج الا اكتناه سر عيون الأمير المتخفي تحت مسوح رجل هرم! والأمير المتخفي في تلك الثياب من ينتظر أن يُكتشف- سترندبيرغ- هو من كان في بيت أهل فاني ، في البرج الأزرق.
ولم يكن اسم زليخا مجرد أسم فحسب، فقد كان لدى ستريندبيرغ " الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" وبنسخ عدة، هناك حيث نجد اسم بوخ زليخا، التي ترمز الى حب غوته القديم للصبية ماريانه فون ويليمر.
الفنانة الموهوبة فاني فالكنر وشت غلاف المسرحية بعبارة قرآنية بالعربية، من الصورة رقم 94: "ألم نشرح". والصورة في ترجمة تورنبيرغ من عام 1973 كانت كما يلي:
ألم نشرح لك صدرك
ووضعنا عنك وزرك
الذي أنقض ظهرك
ورفعنا لك ذكرك
فإن مع العسر يسرا
إن مع العسر يسرا
فإذا فرغت فانصب
والى ربك فارغب

ويعتبر جونار أولين جازماً في مقدمته للأعمال الكاملة لستريندبيرغ أنه ليس هناك من علاقة بين السورة القرآنية ومضمون المسرحية، لكنني أعتقد مستنداً الى ما طرحه لاجر كرانتز، أن مضمون السورة يرتبط على المستوى النفسي وبشكل جلي بالحالة التي كان يمر بها ستريندبيرغ في فترة كتابة المسرحية. ويتماهى الكاتب الآن، كما فعل قبل ذلك حين تماهى في عذابات المسيح، في النبي الذي أنهكه الفشل، فيجد عزاءاً ودعماً من الله، "أن مع العسر يسرا"، بمعنى أن ستريندبيرغ ليس بحاجة الى أن يكتئب فهو سيفوز بقلب "فاني"، ويخرج من علته ويأسه وثانية يرتشف سعادة الصبا. الهرم لا يعني شيئاً، فالإنسان يرميه كما يرمي سترته، أما في دواخله فهو انسان آخر، وسترندبيرغ متأكد الآن من أن عيني الإله آمور قد اكتشفتاه، تماماً كما رأت النبي عين الله التي ترى كل شئ.





بقلم: محمد عمر **
ترجمها عن السويدية
سعيد الجعفر


* محمد عمر كاتب وناقد وشاعر سويدي من أب آذري وأم سويدية ومن مواليد 1976. رئيس تحرير لمجلة المنارة بالسويدية والتي تعنى بالثقافة الإسلامية.
** نشر هذا المقال في مجلة "الثقافة" (كولتورن) التي صدرت حديثاً في السويد. أدناه الرابط لقراءةالمقال بالسويدية
http://www.tidningenkulturen.se/content/view/1296/57/
*** أولوف لاجركرانتز كاتب وناقد وصحفي سويدي من أهم ماكتبه السيرة الذاتية لكل من سترندبيرج وجونار أيكلوف و ستيج داجرمان. كما كان محرراً لفترة طويلة للصفحة الثقافية في الجريدة السويدية الواسعة الإنتشار داجينز نيهيترز.
**** بلو تورنت ( القلعة الزرقاء) تسمية أطلقها ستريندبيرج على آخر مسكن عاش فيه ويقع في مركز مدينة ستوكهولم. وهنالك آراء عديدة حول سبب هذه التسمية منها مقارنة سكنه بأحد القصور في كوبنهاجن الذي استخدم كسجن للارستقراطيين في القرون الوسطى، والذي يحمل أيضاً اسم بلو تورنت. وهناك تفسير عملي يرتبط بكون الأبواب الداخلية وبئر السلم ذات لون زرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل