الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول استبدال الأوطان بعلب السردين

مهند صلاحات

2007 / 10 / 12
القضية الفلسطينية



يخرج علينا يومياً الأخوة ممن يسمون أنفسهم جماعة الحل السلمي، بالعديد من المقترحات والمسميات الجديدة لحل القضية الفلسطينية، أو السير بما يسمى العملية السلمية، على أساس أن هنالك حرباً قائمة بين دولتين، ويجب التوصل لحل يرضي الطرفين كما يقول الأخ شعث أو غيره، ويشددون على ضرورة التوصل لحل نهائي.
إلا أن الغريب لدى هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على شعبنا الفلسطيني يتجاهلون تماماً منذ عودتهم من الخارج عام 1994، وبعد تلقيهم العديد من الدورات التفاوضية في أقبية المخابرات الأمريكية، والأردنية، والمصرية، والتونسية، أن التسوية التي ينادون فيها منطلقها الرئيسي المساواة، والعدالة، وهذا لا يمكن أن يتم في ظلَّ وجود سرطان استيطاني متنامٍ لا يرونه، أو بالأصح يرونه ويدعمونه عبر استيراد الأسمنت المصري له ليشتد عوده أكثر، بعد أن تحول العديد من رجالات منظمة التحرير لرؤساء شركات، ووسطاء تجاريين، وسماسرة أراضٍ، وهذا ما تؤكده العديد من التقارير الصحفية والشهادات الحية من الناس حول الدور المشبوه الذي تلعبه شركات يرأسها نبيل شعث وأحمد قريع وطيار الرئيس السابق، وغيرهم، نشطت مؤخراً في إقناع أصحاب الأراضي التي صودرت بعد بناء جدار الفصل العنصري، ببيعها بسعر زهيد بحجة أن هذه الأراضي ستصادر عاجلاً أم أجلاً، وتبين أن الهدف الحقيقي من وراء عملية الشراء الجماعية هذه مخطط مشترك بينهم وبين الإسرائيليين لتحويل هذه الأرضي بعد بيعها لمناطق صناعية مؤهلة، بمعنى نقل المصانع من داخل المدن الإسرائيلية إليها.
عملية التجارة بالأوطان هذه بهذا الشكل الوقح والصريح تضع الشعب الفلسطيني بمأزق أكبر واكثر ضحالة مما وضعه فيه أوسلو، وخاصة أنه ومنذ البداية كان متهماً ببيع أرضه.
فقد شَهِدَ العالم كله زوراً حول المذبحة الكبرى التي ارتكبت وما زالت مستمرة من سنة 1948 في فلسطين، ولم يقل أحد أن هنالك شيء حدث، الكل أجمع بشهادته الإعلامية أو السياسية، أو حتى الأدبية أن ما يحدث في الأرض الفلسطينية مجرد معارك داخلية، أو صراعات عشائر، وليس هنالك احتلال أو استعمار، معتبرين أن الستة ملايين يهودي مرتزق جمعوهم من كل بقاع الأرض بعد أن تقيأتهم كل شعوب العالم هم جزء من الأرض الفلسطينية، بل وفوق ذلك سطوا على التاريخ الفلسطيني وحرفوه، مدعمين كذبهم بأساطيرهم الدينية التي صدقناها نحن العرب، وسطوا على التراث وحتى على الموسيقى العربية.
وحتى من زعموا الفلسفة وأقاموا لها مدارسا مثل سارتر الذي طالما نادى بالوجودية، أنكر وجوديته في انحيازه الأعمى للصهيونية وشهد كذلك زوراً أن لا نقطة دمٍ سالت من عربي
ولم يقف الأمر عند ذلك، فقد هجّروا الناس، وسلبوهم بيوتهم وأموالهم وأرواح أطفالهم، وحاولوا أن يسترضوهم بمجموعة من علب السردين وتنك الزيت وأكياس الطحين، التي تزينها دوما كالعادة عبارة «تقدمة الشعب الأميركي» والتي حرصت وكالة التنمية الأميركية على أن تكون على أكياس الطحين وعبوات الزيت وصناديق الأدوية التي تقدمها في مختلف دول العالم للمنكوبين إما بفعل الطبيعة أو بفعل أمريكا.
بذات الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة، أو الويلات المتحدة أكياساً من الذخيرة، والصواريخ الحاملة لرؤوس نووية، ومليارات الدولارات لإسرائيل.
وحين حاولوا إبدال الشعب الفلسطيني وطنه بعلبة سردين منتهية الصلاحية، اتهمه العالم اجمع أنه فرط بالأرض، بل أنه من استبدلها برضاه بعلب السردين والزيت الفاسد والطحين المنخور بالسوس. حتى دولنا العربية شهدت زوراً ضد الضحية حين أخفقت متعمدة عن إرجاع الحق، فطائراتها دُمرت في ارض المطارات والطيارين يرقصون في الأندية الليلية التي عدت خصيصاً للدخول لها بالبزة العسكرية، والجيوش العربية الجرارة مجتمعة التي عجزت عن صد هجوم بعض مليشيات صهيونية، وادعت الجيوش المهزومة أن هذا الجيش الغربي لا يقهر، إلا أن الفضيحة الكبرى حدثت حين هزم بعض مقاتلين عرب في جنوب لبنان هذا الجيش الذي لا يقهر في الوقت الذي كان هذا الجيش يمتلك أكثر من مجموعة بنادق إنجليزية، فقد كان يمتلك قنبلة نووية وطائرات أف 16، ودبابات ميركافا، وبالرغم من ذلك هُزم.
فكيف سيرانا العالم اليوم، ذات العالم الذي شهد علينا زوراً حين كانت المذبحة والتشريد حقيقي، ونحن نجيّش أنفسنا بالسلاح والعتاد والإعلام لصد عدوان حماس في غزة متناسين العدوان الحقيقي المستمر منذ أكثر من ستين عاماً، وهل سيعطينا علب سردين جديدة غير منتهية الصلاحية حين نوقع أمامه برضانا على بيع أراضينا لتصبح مدناً مؤهلة، والكارثة أن عمليات البيع هذه تتم بإشراف ومباركة، ورعاية قادتنا المبجلين " حماة الحق السلمي".
وهل بقي ما نفقده من متعاطفين مع قضيتنا بعد أن فقدنا الصين التي اعترفت بإسرائيل بعد أوسلو بعد أن كانت رافضة الاعتراف شأنها شأن كوبا وفيتنام وفنزويلا وغيرها من الدول القليلة جداً في العالم ؟
حين كرر الغرب التجربة الدموية في العراق وأبدلوا الشعب العراقي وطنه وقيادته بطغاة جدد بدل الطاغية السابق، وبالدم بدل النفط ... بقي العالم صامتاً.
لم يشأ أحدٌ في هذا العالم أن يعيد النظر بما قاله سابقاً حول تبديل الأوطان بعلب السردين، لأن الجميع يتوقع أن تعاد التجربة في العراق، ويتحول زعماء الطوائف في العراق لسماسرة أراضٍ وسلاح.
فقط يثور العرب كالثيران حين ينطق أحدٌ من الشرق مثل إيران مثلاً وتنكر المذبحة اليهودية، فتعقد الدول العربية والإسلامية في أكبر دولة إسلامية "إندونيسيا" مؤتمراً ضخماً يدعى له كل الصحافيين والإعلاميين والكتاب المختصين بالتاريخ والمذابح في العالم للرد على أحمد نجاد حول إنكاره محرقة اليهود، فيما لا يلتفت أبداً أحداً من هؤلاء المجتمعين على روثهم لما يحدث يوميا في فلسطين والعراق والصومال. لأن ما يحدث في سجون حكوماتهم العربية والإسلامية بالتأكيد أعظم مما يفعله الأمريكيون فينا.
ولأن الأوطان صارت مثل أي سلعة تباع في الأسواق، وتسن لهذا الغرض الكثير من القوانين في الدول العربية، من أجل تقديم التسهيلات لمن يسمونهم "المستثمرون الأجانب".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد