الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خلفية اطلاق سراح الممرضات البلغاريات... حقيقة الوضع الصحي في الجماهيرية العظمى... لقطة كبيرة بقدر ما تتيحه الشهادة

قاسم علوان

2007 / 10 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


وأخيرا كدأبها دائما خضعت (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية العظمى) للضغوط الدولية، وتحديدا دول الاتحاد الأوربي، وأطلقت سراح الممرضات البلغاريات الخمس وزميلهن الطبيب العربي الفلسطيني الأصل البلغاري الجنسية، بعد أن حكمت عليهم جميعا محكمة ليبية بالإعدام قبل أيام للمرة الثانية بتهمة نقل فيروس الأيدز عمدا الى 426 طفلا ليبيا يرقدون في أحد مستشفيات مدينة بنغازي الحكومية... أطلقت السلطات الليبية سراح هؤلاء.. أو بتعبير أدق سلمتهم الى السلطات البلغارية على (أن يقضوا مدة محكوميتهم هناك بحسب ما أعلن وذلك على خلفية اتفاقية أمنية ثنائية سابقة وقعت بين البلدين في العام 1984..) بعد أن خفضت أحكام الإعدام المحكمة الليبية العليا الى السجن المؤبد...!! لكن الحكومة البلغارية سارعت وقبل أن تهبط طائرة هؤلاء على أراضيها الى أعلان العفو الرئاسي عن الممرضات وزميلهن الطبيب الفلسطيني الأصل البلغاري الجنسية أيضا... العفو الرئاسي هذا لم يثر سلطات (الجماهيرية الشعبية..) الليبية في حينها... بل الذي أثار هذه السلطات ولجأت في وقتها مسرعة بالشكوى الى جامعة الدول العربية التي لم يسبق لهذه الدولة أن أعطتها أي اعتبار أو أهمية بعد أن سخرت منها علنا ومن اجتماعاتها في جميع وسائل اعلامها، فهي سبق وأن اعلنت الطلاق معها خلعيا.. ولكن ليس بالثلاث كما يقولون، بل أنه وكما يبدو طلاق رجعي وبحسب تعبير بعض الفقهاء المسلمين وليس جميعهم...!!
الذي أثار السلطات الليبية وليس الحكومة الليبية.. (لأنه ليس هناك حكومة تقليدية في ليبيا بمعنى من المعاني... وستكون لنا وقفة مع هذه القضية بعد قليل..) هو المؤتمر الصحفي الذي عقد في العاصمة لبلغارية لهؤلاء المطلق سراحهم بعد يوم واحد من وصولهم ... وتحديدا الطبيب الفلسطيني الأصل.. لأنه من وجهة نظر (الشعبية الجماهيرية الليبية..) عربي (خائن..) وأنه وكما يبدو سيكشف الكثير من المستور والمستخبى الليبي.. وخاصة في المستشفيات الليبية أو الوضع الصحي فيها بشكل عام... لأن هذا الأخير أمر داخلي يمنع التكلم فيه منعا باتا في ليبيا أبدا مثله مثل أي أمر عسكري أو سياسي آخر.. فلجأ الأخ رئيس الوزراء البغدادي المحمودي والأخ عبد الرحمن شلقم (الأمين العام للجنة الشعبية للشؤون الخارجية) أي وزير الخارجية فيها الى جامعة الدول العربية يشكوان إليها الحيف الذي لحق وسيلحق بالجماهيرية العظمى بعد أن أطلقت سراح الممرضات البلغايات والطبيب العربي الأصل....!! لكن وللأمانة أن (الجامعة...) أعطت (الأذن الطرشة) للشكوى الليبية لخلوها من أي منطق سياسي كما هو ظاهر...!!
لا نريد أن نتطرق الى ما جاء على لسان المعتقلين المطلق سراحهم في مؤتمرهم الصحفي في بلغاريا، خاصة وأنهم قضوا ما يقارب الثمان سنوات في السجون الليبية، ويمكن أن يدعوا عبر وسائل الاعلام المتاحة بأنهم خضعوا لأنواع التعذيب، وأن الاعترافات بنقل الإيدز الى الأطفال نزعت منهم قسرا... كما هو شائع في مثل هذه الحالات (العربية..) المألوفة في الوقت الحاضر وخاصة وأنه لا تتوفر لجهات مستقلة مساحة للتحقق من تلك الأدعاءات ومدى صدقها من الجهتين، لذا لا نريد أن نتكلم في هذه القضية.. ولأن هناك جهات أخرى ربما.. هي كفيلة بتلك النتائج التحقيقية كما سيتكشف ذلك فيما بعد.. لكن الجانب الذي يهمنا في هذه القضية هو اللقاء التلفزيوني مع نجل العقيد ألقذافي سيف الإسلام والأقرب الى (خلافته) في (قناة الجزيرة الفضائية) بعد ذلك الحادث مباشرة، وقد اعترف بصريح العبارة بأن المعتقلين قد تعرضوا للتعذيب حقا... يا سلام... وان إصابة الأطفال الليبيين بفيروس الإيدز هي على الأرجح من الإهمال الذي تعاني منه المستشفيات في ليبيا....!!! لأي مهتم بالشأن السياسي العام.. ألا يجب أن يكون لهكذا تصريح من شخص بهذا القرب من السلطة الحقيقية (ولا نقول السلطة التنفيذية..) وظيفة القنبلة...؟ قضية شغلت القضاء الليبي والعالم لمدة ثمان سنوات ليأتي نجل القائد العام للثورة الليبية وقواتها المسلحة وولي العهد المحتمل فيها ليقول بالحرف الواحد (أن المتهمين تعرضوا للتعذيب وأن مرض الإيدز قد يكون أنتقل للأطفال عن طريق الأهمال في المستشفيات....؟)
ونقول نحن ان الأهمال قضية رئيسية مفصلية مهمة جدا في الوضع العام هناك وليس في الوضع الصحي فقط..!!! الوضع الصحي والبيئي بشكل خاص في الجماهيرية الليبية.... وسأقدم (أنا كاتب هذه السطور..) هنا شهادة عيانية عن ذلك الوضع لأني عايشته لمدة أربع سنوات (من نهاية عام 1998 الى نهاية عام 2002) وفي أكثر من مدينة كبيرة من مدن الجماهيرية رغم الانتشار الأفقي لتلك المدن هناك وكثرتها... الإهمال قضية متأصلة وبعمق في النظام السياسي والاجتماعي المتبع في تلك البلاد وآلياته التنفيذية.. وهو نظام فريد من نوعه على المستوى العالمي.. كما يتفق معي كل مطلع على تحو دقيق على ذلك النظام...
وكما هو معلن في وسائل أعلامها كافة فهي (أول جماهيرية شعبية في التاريخ..) والشعبيات.. أو الشعبية هي المفردة الرئيسية التي يتكون منها ذلك النظام السياسي الذي يتجزأ بدوره الى مؤتمرات شعبية أيضا صغيرة تكون تلك الشعبيات، وهذه المؤتمرات والشعبيات التي تقوم مقام الحكومة في عموم ليبيا يتم أشغال عضويتها وفق ما يسمى بآلية (التصعيد..) وهذا التصعيد يتم بأن يرشح الشخص نفسه اثناء عقد المؤتمرات الدوري ويتم الثناء عليه أو بالعكس.. وغالبا ما يتم التصعيد على اعتبارات كثيرة.. منها بشكل رئيسي الاعتبار العشائري كما هو شائع في معظم أرجاء ليبيا الريفية والصحراوية، أو مدى قرب ذلك الشخص المرشح من دوائر الشعبيات الأعلى وشخصياتها الرئيسية في المدن الكبيرة.. وخلال عقد المؤتمر يتم أشغال كافة المناصب الأخرى الإدارية والمهنية في المنطقة التابعة لذلك المؤتمر بنفس الطريقة سالفة الذكر... أي التصعيد.. بأن يرشح أي شخص نفسه لشغل ذلك المنصب ويتم الثناء عليه أو رفضه علنا. وبذلك مثلا يمكن أن يكون مدير المستشفى في أي مؤتمر أو أي شعبية أي شخص من الموظفين أو الأشخاص النشطين في عمل (اللجان الثورية) أو العشائر المحيطة بالمنطقة.. بما في ذلك العمال المنظفين في تلك المستشفيات أو الحراس أو المضمدين وصغار الموظفين.. وهذا شائع جدا في ليبيا في الوقت الحاضر بما في ذلك الجامعات والمراكز العلمية والدوائر الأخرى الانتاجية والخدمية... لتشغل هذه المؤتمرات ومن بعدها الشعبيات مكان الحكومة أو السلطة التنفيذية في تمشية أمور البلاد.. وبالتالي وكما أشرنا آنفا بأن لا توجد حكومة بمعنى من المعاني لتدير شؤون المواطنين أو تحكم البلاد بالشكل المتعارف عليه...
أما ما يسمى بـ (اللجان الثورية) فهي التنظيم السياسي الوحيد والشرعي الذي يدير البلاد ويقودها بواسطة تلك المؤتمرات والشعبيات والفروع العديدة لتلك اللجان في جميع المدن الليبية... أحد الشعارات الكثيرة التي تتكرر بانتظام على جدران جميع المدن الليبية ومبانيها الرئيسية ومداخلها ومخارجها مثلا (اللجان الثورية تستقبلكم..) أو (اللجان الثورية تودعكم..) أو (اللجان في كل مكان...) إضافة الى الشعارات الأخرى، وكان من المفترض وكما هو معلن أن تلعب تلك اللجان دور الرقيب على عمل المؤتمرات والشعبيات وقياداتها، لكن البنية البيروقراطية، والشكل اللامركزي الذي وسم عمل تلك الهيئات.. وكذلك بعدها عن (المؤتمر الشعبي العام) الذي يمثل المركز والذي يعقد كل سنة مرة واحدة في مدينة (سرت) حيث مسقط رأس العقيد وموطن عشيرته، إضافة الى البعد الشمولي السياسي الذي يطبع النظام بطابعه على جميع الأصعدة.. كل هذا أتاح لتلك البنى ذات الصبغة العشائرية وكذلك الانتهازية السياسية المستشرية بشكل كبير في تأسيس وعمل تلك الهيئات، الى شلّ الوظيفة الرقابية الموكلة لتلك اللجان... إضافة الى ذلك الحدود السياسية المفتوحة مع بلدان الجوار وتحديدا الجنوبية منها باتجاه أفريقيا التي يميل أليها سيادة العقيد بعد خيبة أمله بالبعد القومي العربي حيث ملهمه الروحي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. وكذلك ظروف النقص في الغداء والدواء في تلك البلدان كما هو معروف وشائع، بما في ذلك البلدان العربية وتحديدا مصر من الشرق وتونس من الغرب حيث سيادة اقتصاد السوق في تلك الدول، وبالتالي عدم وجود الدعم الاقتصادي الحكومي للسلع الضرورية الأساسية (الغذاء والدواء) وتوفر تلك السلع مدعومة بوفرة في الأسواق الليبية، كل هذا فتح الباب على مصراعية أمام تجارة السوق السوداء بين الجماهيرية وبين تلك الدول المجاورة لها.. كل شيء خاضع للتهريب وتجارة السوق السوداء.. بما في ذلك الجرارات الزراعية وأبقار انتاج الحليب التي تستوردها الجماهيرية، وتوزعها (بعض) القيادات في الشعبيات والمؤتمرات الحدودية (عمدا) على (بعض) الفلاحين والمزارعين... وكذلك الأدوية والعلاجات الصحية... لغرض تهريبها.... مثلا تخلو معظم المستشفيات والمراكز الصحية في الجماهيرية من الحقن الطبية في معظم الأحيان.. وعلى المريض حتى في الحالات الخطرة جدا أن يشتريها من الصيدليات الخارجية هذا إن توفرت....!!! مرة في أحد البلدات النائية على جبل نفوسة في الغرب الليبي والتي يطلق عليها (مؤتمر... الشعبي) تعرض زميل لنا مساء أحدى الليالي للدغة عقرب، وعندما ذهبنا به للمستشفى الصغير في تلك البلدة قالوا لنا بأن الجرعة المضادة للدغة العقرب متوفرة لكن الحقنة الطبية اللازمة لزرق تلك الجرعة في عضلة المريض غير متوفرة....!!! مع العلم أن صيدلية خافرة لم تكن موجودة في تلك البلدة في ذلك الحين..
منذ وصولي الى البر الليبي لفتت نظري ظاهرة انتشار الفتيات المغربيات والتونسيات اللواتي يعملن في المطاعم والمقاهي والفنادق في معظم المدن الليبية، حتى منها المدن الصغيرة الغير موجودة على الخارطة الرسمية، وممارستهن البغاء بشكل ظاهر وعلني بدون أي شكل من الرقابة الصحية من السلطات المحلية.. في السنة الثانية لوصولي الى ليبيا واستقراري قريبا من العاصمة طرابلس وزياراتي المتكررة لها.. سمعت بقضية اعتقال الممرضات البلغاريات وتلك التهمة الموجهة لهن في مدينة بنغازي... ثاني كبرى المدن الليبية، وفي الوقت نفسه شاهدت بنفسي وعرفت ذلك جيدا فيما بعد ميدانيا مدى انتشار ظاهرة استقدام الممرضات الأجنبيات من اقطار مختلفة، بما في ذلك بلدان شرق وجنوب شرق آسيا، وأقطار شرق أوربا الأخرى في مختلف المدن الليبية، الصغيرة منها والكبيرة.. كما أن ظاهرة الأستغلال الجنسي لتلك الممرضات من قبل كبار الموظفين والمسؤولين في (اللجان الثورية) والمؤتمرات الشعبية شائعا بشكل ملفت للنظر... مما جعلني أتسائل عن مدى صحة ودقة موضوع توجيه الاتهام حقا للممرضات البلغاريات في مدينة بنغازي بنقل فايروس لإيدز الى الأطفال الليبيين في ذلك الخضم من الاختلاط المحدد والتحرر الجنسي المستورد....!! غير الخاضعين للرقابة الصحية في البلد عموما...؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل