الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلاجون جدد

حسام السراي

2007 / 10 / 19
الادب والفن


روح الحلاج المتجدّدة والنّاقدة، تسوّغ لمبدعين هنا وهناك تقمّص شخصه وتَمثُلَ خطاه،حينما تتفكّك الانساق والقوالب والنّصوص التي لم تعد تنفع في ساعة هذا "المتمثل "أو "المتقمّص "،فالشّاعر الهنغاري يوسف عطيل الذي رمى نفسه تحت القطار ومات،

حَمَلَ من دون ان يدري كرّاسا من الدرس الحلاجيّ،برفضه القوى الحاكمة لبلده "سلطة دنيوية "،"لن أكون في خدمة هذه القوى التي أحالت وجودنا إلى جحيم،وقد إصطكّت أسناني"،وكزانتزاكيس الذي كتب للفاتيكان،بعد أن وضع كتابه "الإغواء الأخير للمسيح "ضمن القائمة السوداء،"أيها الأباء المقدسون لقد قدّمتم لي اللعنة،أما أنا فأقدِّم لكم الشّكر.اتمنى أن يكون ضميركم صافيا كضميري وان تكونوا أخلاقيين ومتدينين مثلي "،وتلك كانت سلطة دينية صارعها ادباء ومفكرون، ومنهم هذا اليوناني،للخلاص من سطوتها على الصعيد السياسيّ والإجتماعيّ والثقافيّ.السلطتان شكلان مختلفان لكنهما يتفقان في نمط الاستبداد.هذان المبدعان وغيرهما كثير،لم يتناغموا أو يأتلفوا مع أجواء وعوالم أحاطت بهم،رفضوها وخالفوا المنطوق المتسيّد فيها،فاقتربوا في مواقفهم من الحلاج وإن تباينت النهايات وتفاصيل الرّفض للسلطة أيا كان شكلها،بمعنى إن الحلاج "الحيّ "دائما لايعترف بالحدود أو بفارق الأزمان وإختلاف اللغات.
اليوم وفي العراق الذي يكون فيه السؤال عن الحلاج،سؤالا عن بغداد وعن وجهها المدنيّ الذي يضيع شيئا فشيئا،وعن "امنا المقدسة "، الحريّة التي تقاسي هي أيضا من الانحسار والتضييق المتصاعد، فهذا الوجه تنهش وجنتاه أصوليات متعددة وباتجاهات شتى، لاشك في ان سلاحها اقوى من سلاح "الخليفة المعتمد"، ترسانتها التراث الذي لايمسّ، واسانيدها البداهات المعهودة التي لاتقبل الانعتاق من سطور النّص الاصلي. الترسانة والأسانيد المستخدمتان في الظاهر فقط، بضاعتان صنعتا خصيصا لإلهاء الملأ واخذه إلى غياهب الولاء الاعمى. وامام المأساة الكبرى في الإستفهام الآنيّ عن دور اسمى للمثقف العراقي، وبالترميز المشار الى الحلاج الذي يستوعب الشاعر والمتصوّف.... الخ،نقول يمكن لروح الحلاج أن تتلبس شاعرا لوحده، أو متصوّفا او فيلسوفا بعينه، فنحتاج الشّاعر، لكن أيا منهم، شاعر حلاجيّ لا يأبه للأقدار في قوله الحقيقة، لذا فإن البحث عن حلاج واحد متشبث بالحياة امر بالغ الصعوبة في زمن الرّصاص والمفخخات، ولأن النقد لدى "المتسلّط " و"المتفقّه "، يعني النقض والنفي والاستبعاد، لا السعي نحو مخارج فيها من الجدّة والمعرفة ما لايقاس. بالتالي هذا "الحلاج الجديد" في "العراق الجديد"، لن تكتب له الحياة طويلا ولن يؤثر في جمهور واسع نتمناه،كون المدن وفي كل الأزمان" زوجات شرعيات لحكّامها"،كما تنبهنا لذلك مأساة اوديب، وحكّامها بلغة القوة والإقصاء من جماعات عنفية بعيدة عن احترام القانون، لاتخشى في اطلاق الرصاص على هذا الحلاج لومة لائم، الذي لو اراد إنتهاج خطى من سمي باسمه، عليه معرفة إن المسمى الاصل قال لمريديه-بعد سؤالهم له عن أصوات سمعوها وكانت للناي - وهو يدخل إحد شوارع بغداد: "إنه صوت الشيطان يبكي العالم، لانه يريد له ان يستمر برغم الدمار،إنه يبكي زوال الاشياء ويريد ان يمنحها الحياة أثناء سقوطها الأخير"، فالبحث عن حلاج عراقيّ واحد بجرأة الاصل، لا اجده هادفا ومؤثرا في المستقبل، لكنه قد يكون شرارة تقدح في نفوسنا سمة تقبُل النقد، غير إن الاساس ينبغي أن يتجلى في البحث عن "حلاجين جدد"، يؤسسسون لعلاقة جديدة بالسلطان، ضمن مسافة وحدة قياسها "السنتيمتر النقديّّ”، تبدأ بتجاوز الرعاية الكريمة لهذا المهرجان أو ذاك واللّهاث وراء تسلم حقيبة او عشرة ألاف دينار بعد بداية كل مربد من المرابد، او ماشئنا الحديث عنه من الفعاليات الثقافية التي تجهض في بالنا اي دور قادم لمثقف انتقاديّ. العلاقة بالحلاج تتجذر كلما ازدادت الحاجة إلى صنع الانا الغائبة في مجابهة الاخر الحاضر، وبالمعنى الحقيقي لمفردة النقد،التي ترمي إلى تفكيك النماذج العقائديّة والعقليات الدوغمائيّة والسلوكيات المتطرفة، للوصول الى حياة أكثر اتساعا ورحابة، فالآخر لا يتغير إلا بنقدنا له، وهذا المشروع لن ينطلق إلا بعد الانتهاء من نقد الذات بموضوعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا