الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنافذ

حسن كريم عاتي
روائي

(Hasan Kareem Ati)

2007 / 11 / 15
الادب والفن


لم يناد بالناس بمقتل الوالي...
بل تسرب الخبر بين الناس في غبش يوم مقتله مثل تسرب خيوط الفجر الى دور الولاية ومزارعها وساحاتها وأسوارها، فلم تبق دار الا ودخلها الخبر قبل أن تهيىء ربات البيوت فطور أولادهن، حيث سقط مع ندى الفجر،فغطى الولاية وصبغها بلون الفرح الحذر.
لم يكن مقتله مثيراً للاستغراب فحسب،بل كان مغايراً لتوقعات العامة من الناس،فلم يراود ذهن احدهم انه سيموت بإحدى مئات الميتات التي تمنوها له،برغم أنهم ابتكروا طرقاً غريبة لمقتله،إلا إنها جميعاً لم تؤد الى ذلك.حتى انه كان يزداد التصاقاً بألواح مقعدة المبطن بجلود أبناء الولاية.

لم يناد بالناس بمقتل الوالي...
ولم ينعه احد من بطانته،حتى إن كبير الحرس لم يشاهد ذلك اليوم في دار الولاية رغم وصول الخبر إليه، ويروى انه نام صباح ذلك اليوم حتى ارتفعت الشمس رمحاً.
لم يناد بالناس ولم يؤذن لهم بالتعزية أو بالترحم على روحه فعلقت أبصارهم بأبواب دار الوالي،لا يجرؤون على الاقتراب منها ولا يرغبون في الابتعاد عنها،فأصبحت خطواتهم تبطىء عند الاقتراب من الدار وتبقى الانظار ملتصقة بأبوابها حين تبتعد عنها. كانوا ينتظرون خروج الوالي معتلياً دابته أو محمولاً عليها.لم يجرؤ احد سؤال الحرس ولم يبد على الحرس شيء،حتى إنهم كانوا بذات الهيئة والوجوم التي اعتاد الناس رؤيتهم فيها.

لم تتغير الوجوه القادمة الى الولاية،ولم يتغير عدد القادمين أو الخارجين من أبوابها،ولم تزدحم أسواقها أو تفرغ،ولم تكتظ الطرق أو تقفر، فكل شيء كما كان قبل ليلة من سقوط الخبر مع الفجر على الولاية. إلا إن الذين يخرجون طلباً لأعمال لهم خارجها يزيدون من الالتفات الى أسـوارها وكأنـهم يحدسـون ارتـفاع رايات تبشر بمقتله،غير إن كل استدارة باتجاه الأسوار تكذب حدسهم الى أن تتوارى الأسوار عن أنظارهم فيكمدون رغبة عارمة للعودة إليها.

لازال أبناء الولاية يتذكرون النبأ الذي انتشر فيها والذي سربه إليها حاشية الوالي.ذهب النبأ الى إن الوالي يتغوط حبات ذهب بحجم حبة الحمص.وصدق النبأ لأكثر من عشرين مرة،كان يتقصد فيها ذلك ويبتلع في كل مرة حبات ذهب أكثر من المرة التي سبقتها حتى إن حبات الحمص الذهبية ازداد عددها في الولاية الى الحد الذي لم يعد هناك شك في إن للوالي مواهب وقدرات خارقة. وازداد صدق النبأ بزيادة شهوده وزيادة حبات الذهب الى الحد الذي كان أبناء الولاية يتمنون ان يتغوطها الوالي فوق وسائدهم، عندها توقف عن ابتلاعها.

لم يناد بالناس بمقتل الوالي...
ولم تمطر السماء دماً،ولم تترك جرذان الحقول أو فئران البيوت أماكنها خوفاً من زلزال قد يقع،حتى إن أبقار الرعاة كانت تقضم بترو حشائش الحقول،ومن المؤكد إنها ستعود عند المساء الى حظائرها.

لم يناد بالناس بمقتل الوالي...
ولم تحدد الكيفية التي قتل بها.فذهب الناس مذاهب شتى.حتى إن بعضهم أكد إن الوالي قتل وان قاتله رئيس الحرس.وذهب آخرون الى أن قاتل الوالي لم تكن الا محظيته، إلا إن هذا الخبر كذب ضحى ذات اليوم حيث خرجت محظية الوالي بموكبها الفخم قاصدة سوق الولاية من دون أن يبدو عليها أي من إمارات الانفعال مما أثار الشكوك حول الخبر.وذهب آخرون الى إن قاضي الولاية كانت له يد في مقتله.كاد الخبر يتأكد لولا إن القاضي أصدر قبل الظهر أحكاما تبدأ ديباجتها بتمجيد الوالي.مما دفع الناس الى تكذيب الخبر فور صدورها.

برغم إن المنادي لم يناد بالناس بمقتل الوالي إلا إن جثته تعفنت فأخرجت رائحة نتنة،مما حدا بحرس أبواب دار الولاية إلى الابتعاد عنها والوقوف قبالتها في الجانب الأخر من الطريق من دون يتركوا الأبواب من دون حراسة..انتشرت رائحة جثته حتى إنها اجتازت أسوار الولاية وغطت الحقول المجاورة لها،مما كان يضطر القادمين إليها إلى غلق أنوفهم بأيديهم قبل أن يدخلوا أبوابها.

لم يكن رئيس الحرس بحاجة إلى من يخبره،فان الرائحة منعته من نوم القيلولة،مما جعله يذرع غرفة نومه مئات المرات رغم إن غرفته قد بخرت مرات عدة وبأنواع مختلفة من البخور،مما اضطره الى مغادرتها خوفاً من الاختناق،إلا إن الرواق والغرف الأخرى وحدائق قصره كانت رائحتها لا تختلف عن رائحة غرفة نومه. مما جعل الشك يتسرب الى نفسه بان الرائحة النتنة قد تكون من تفسخ شفته العليا المخبوءة تحت شارب كث،فاضطر الى رفع شاربيه قليلاً بيده حين نظر في المرآة ليتأكد من إن شفته العليا ما زالت سليمة.

رغم التجهم الذي يعتلي وجوه حرس دار الولاية إلا إنهم لم يتمكنوا من امتلاك الشجاعة التي تمكنهم من البقاء في الطريق العام الذي تقع فيه دار الولاية،فتركوا الدار وجثة الوالي المتفسخة فيها هرباً لمكان يحتمون به من تلك الرائحة.

الغريب في الأمر، وكما روى احد المخبرين والذي قضى ليلته تلك بعيداً عن منزله مختبئاً من موت يظنه محققاً، روى إن جثة الوالي وفي الهزيع الأخير من الليل خرجت من دار الولاية تسير على قدميها يشيعها خيط دخان اسود كثيف ورائحة نتنة تبعث على التقيؤ،سارت بخطى وئيدة على الطريق العام متجهة إلى أسوار الولاية قاصدة أحد أبوابها،فخرجت و أغلقته خلفها بإحكام تاركة في الولاية خيط دخان كثيف لا يتبدد بيسر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با