الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
رؤية في شارع المتنبي/ متحف تعاد مسرحته لحياة حقيقية
محمد خضير سلطان
2007 / 11 / 18الادب والفن
تدرك جيدا الاوساط الثقافية والادبية في العراق ما لشارع الكتب(المتنبي) من اهمية كبيرة في اغناء المشهد الثقافي والابداعي العراقي وما يضفي عليه من كرنفالية شعبية عبر التجمعات العامة في سوق الجمعة ومزاد الشطري للكتب وحلقات المقاهي الادبية، يضاف اليها المنظمات المجتمعية الثقافية الجديدة بعد التغيير السياسي في العراق، غير ان هذا الاغناء الكرنفالي الثقافي لايتخذ شكل السوق المنتجة بين اطراف انتاج الكتاب وتسويقه خلال ابعاده في الفضاء الاجتماعي والتاريخي مثلما كان في السراي بداية الخمسينيات من القرن الماضي حين يصدر كتابا من المطبعة سرعان ما يأخذ مكانه على رفوف المكتبة القريبة جدا من موقع الانتاج لتستحيل المكتبة موقعا تسويقيا في انحا ء البلاد وانما يتخذ الآن شكل الندرة الاقتصادية لمطابع مشلولة عن العمل منذ الخمسينيات، وكانت تنتظر بوضعها الآلي والتقني حصول متغير سياسي من اجل ان تستعيد عصرها الذهبي ولكن حصول المتغير الآلي والتقني عبر البرامجيات الكومبيوترية الحديثة جعلها تتخلف بالرغم من التغيير السياسي الذي حصل في العراق واستعادة الحريات الصحفية والثقافية،
لقد كمنت مطابع المتنبي بانتظار التغيير وما ان حل حتى بلغت العجز عن طبع الكتاب في صناعته الابداعية والتصميمية الحديثة وتبعا لذلك تحول المكان من مستواه الانتاجي الى رمز للاصالة التي اضافت بعدا آخر الى كرنفالية الكتاب في شارع المتنبي.
منذ بواكير القرن الماضي وعلى مدى عقود طويلة، نشأ سوق السراي للكتب والقرطاسية بالقرب من مصانعه المنتجة والمسوقة عبر المكتبات والمطابع بجوارها الى جانب منشئات الحكومة( القديمة) الاساسية، التي استمرت بواقعها العملي في العهد العثماني والملكي كجزء من واقع عملي ، يحدد انطلاق العراق الحديث، ولاشك ان تلك المؤسسات ، تعد مهادا صالحا لنشوء الدولة وتدشينا لدخول البلاد في العصر الحديث الا انها بعد تلك الحقبتين من الزمان ، تحولت الى آثار تمثل فضاء اصيلا للاستذكار والتأمل ، لايحجبه عن الذاكرة الا بغداد في العصور الوسيطة، وليس بغائب عن اذهان المؤرخين ومؤسسة الاثار ايضا، ان تجري عمليات صيانة لتحدد في مكان آثارآ من حقب متعددة فتجد القصر العباسي الى جانب القشلة والمدرسة النظامية بالقرب من السراي، واضف الى ذلك قاعة الشعب ومحكمة المهداوي وما بينهما ،عبر اكثر من تشخيص مكاني في مسافات متقاربة، وفيه تجري الفعالية البشرية وتجر آثارها ومرجعياتها القديمة الحديثة في تواصل الآثر،تاركة لسطوة المكان الكثير امام تضاؤل الفعالية البشرية، لأنها ليس في مكان متكافىء مع تكامل مشترك بعناصر الزمان، اي انك لاتعمل بالرغم من العمل سواء كنت مفترشا الكتب او خطاطا وبائعا للعصير ، انها زيارة للمكان المنجمد منذ زمان والحياة الآنية في مكان آخر،
واذا كانت ممرات المدرسة المستنصرية قد اخلتها خطى الدارسين القدماء وابقت باحات الدرس فارغة الا من خيال الزائرين فان لغط باعة وقراء الكتب وجلاس مقهى الشابندر، هم التواصل الحي في زمن متواصل، يضاف الى المكان وليس العكس، وكذلك الزائر الى خان مرجان ، يحيا زمنين وهو يتناول وجبة طعام بتحضير حديث في مكان قديم،وهذا المكان ليس غريبا عن خطى اسلافه القريبين والبعيدين الذين ولدوا وعاشوا وماتوا ملء فضاءات قبة المسجد وفناء البيوت وازقة المحلات وسقوف الاسواق الا ان المكان القديم الجديد ، اجري عليه احياء صيانيا بدلا من هدمه واستبداله بمبنى حديث بدوافع الاعتزاز والاجلال لمنجز الماضي، وبدلا من ان نتأمله ونستذكره من موقع زمني لاحق، صرنا نهرع اليه هربا من زمن ، يحسب فيزيائيا علينا ولاينمو جدليا بمستويات الارتقاء والتطور، مثل متحف تعاد مسرحته لحياة حقيقية ومع ذلك فقد ادى المؤرخون والمهندسون مسؤولياتهم في احياء المكان في حقبة، يفترض ان تكون ريادية ليس في بعث التراث حسب وانما في استمرار نهضة الحياة ومرافقة آفاق التطور والارتقاء البشري، ولكن الذي حصل ان هؤلاء الرياديين الذين ابقوا لنا هذه الشواخص لنلوذ بها لا ان نحيا استذكارها ونندمج في زمنها مضطرين لا ان نفصل بين ذاكرتين ونرى افقنا القادم ، ومن المؤكد ان المؤرخين ومهندسي الصيانة الاثرية، كانوا يحسبون حتما البعد التطوري للمكان والانسان ويدركون الفصل بين الاستذكار والمعايشة والا ما سنحت الفرصة التاريخية لديهم لاقامة متحف الاستذكار الحي الا انهم لم يتوقعوا شلل المرافق والمؤسسات العامة عن الاتيان بمنجز ، تستمر فيه الحياة.
ان شارع المكتبات ( المتنبي) هو الشاهد الجميل للكرنفال الشعبي في ظل الركود الاقتصادي لسلعة الكتاب وعدم اكتمال دورته بين المؤلف والطباع والمستهلك، اننا آزاء مؤلف مخطوطة او كتاب مستنسخ وطباع
عاطل ومستهلك يقتني كتبا قديمة ولم تتضح على نطاق واسع بعد مكاتب تسويق الكتب لمطابع عربية واجنبية بالرغم من نمو بسيط في هذا المجال.
ربما ياتي اليوم الذي يزورالجمهور فيه شارع المتنبي ليجده مسرحا للاستذكار والتأمل في الماضي فقط لا ان يظل متحفا مستعادا لحياة حقيقية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. VODCAST الميادين | مع الشاعر التونسي أنيس شوشان | 2024-03-27
.. إصابة نجل الفنان الراحل فؤاد المهندس إثر حريق داخل شقة
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب