الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدراما التلفزيونية العراقية الجديدة... هل هي جديدة حقا...؟(13)

قاسم علوان

2007 / 11 / 23
الادب والفن


إلى ذكرى صديقنا الناقد التلفزيوني.. الشهيد قاسم عبد الأمير عجام... وفاءا
عرضت بعض القنوات الفضائية العراقية بمناسبة شهر رمضان المبارك الماضي عددا من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي أنتجت مؤخرا خصيصا لهذه القنوات وبهذه المناسبة.. وكانت هذه الخطوة على غرار ما تعودت أن تنتجه القنوات الفضائية العربية الأخرى الرسمية منها وغير الرسمية على مر السنوات السابقة.. والتي تسوق مع إنتاجها هذا من المسلسلات الدرامية بهذه المناسبة عددا كبيرا وضخما من الإعلانات التجارية ذات المردود الاقتصادي العالي.. أو الإعلان عن أسم الجهات التجارية الراعية لتلك النتاجات. كما أن هذه القنوات معروفة أصلا بأن لها جمهورا واسعا في مختلف البلدان العربية يتابع هذا النوع من الدراما في هذه المناسبة.. فأصبح هذا النوع من الإنتاج لديها تقليدا سنويا يجرى الأعداد له على مدار العام وذلك بالتعاون مع شركات إنتاج فني متخصصة ومعروفة.. وبمعاونة أسماء نجومية معروفة أيضا على صعيد كل من التمثيل والكتابة والإخراج والتخصصات التلفزيونية الأخرى... فخصصت كما يبدو وكما هو واضح الى ذلك أموالا طائلة ورصدت لإنتاجها ميزانيات إنتاجية خيالية.. هذا البذخ في الإنتاج ظاهر في صناعة المناظر مثلا وبناء الديكورات لمدن أو قرى أو حارات بأكملها، وكذلك الإكسسوارات التي تظهر فيها أو التي يستعملها الممثلون، أو في أساليب الإنتاج الأخرى بشكل عام.. هذا بالمقابل مع نتاجات الدراما العراقية الجديدة التي نريد الحديث عنها.. بالتأكيد لا يمكن أن تجدي المقارنة نفعا بين تلك النتاجات والإنتاج التلفزيوني العراقي الجديد من ناحية الجوانب الرئيسية من مثل التأليف والإخراج أو الجوانب الفنية الأخرى أو المهنية التي تقع في الصميم من العمل الفني والمهني.. وسنتطرق أليها كلما دعت الحاجة الى المقارنة في هذا العرض..
الدراما التلفزيونية العراقية الجديدة التي تبنتها كما قلنا بعض القنوات الفضائية العراقية الجديدة أيضا اختلفت بشكل جلي عن مثيلاتها تلك التي عرضت بشكل موازي في القنوات العربية بتلك الجوانب التي أشرنا أليها آنفا أو غيرها.. كما اختلفت أيضا عن ما سبقها من انتاجات تلفزيونية عراقية درامية عندما كانت الحكومة السابقة فقط تملك وتدير قناة تلفزيونية واحدة أو أكثر كما هي الحال في سنواتها الأخيرة.. صحيح أن هناك الكثير من الأسماء الفنية العراقية الكبيرة قد تكررت في تلك المسلسلات، لكن لا ينكر أن الحلة الجديدة التي ارتدتها هذه النتاجات كانت ظاهرة للعيان بشكل جلي.. فتعددت تلك الأعمال الدرامية وانتشرت على مساحة زمنية كبيرة من وقت المشاهدة المسائية من ليالي شهر رمضان.. بحيث استحالت متابعتها جميعا بالموازاة مع المسلسلات العربية الاجتماعية والسياسية الجذابة والمهمة هي الأخرى.. وفي الوقت نفسه كان هناك عدد من (الاستعراضات الغنائية..) التلفزيونية المطعمة بمشاهد أريد لها أن تكون كوميدية أو ساخرة.. وهي أيضا احتلت وقت لابأس به من بث بعض تلك الفضائيات وشغلت المشاهدين معها، لكن هذه الأعمال مقارنة مع ما قدمته الكوميديا العربية، وتحديدا السورية والمصرية منها في سنواتهما السابقة.. كانت للأسف على درجة كبيرة من الابتذال والفجاجة الى حد الإسراف والتجني... غير أن هذه (الاستعراضات..) سوف لا تدخل في سياق موضوعنا هذا.. إذ سنقتصر في متابعتنا هذه على بعض الأعمال التي اعتقدنا نحن (على الأقل) بأهميتها أولا من ناحية النوع ، وثانيا هذه الأعمال فقط هي من أسعفنا الوقت بمشاهدتها ومتابعتها تقريبا... لذا سنعتذر عن عدم الإشارة الى الأعمال التلفزيونية المهمة الأخرى التي لم يرد ذكرها.. وربما فيها من الأعمال الدرامية المميزة في نظر البعض..
من الملفت للنظر أن قائمة العاملين في تلك المسلسلات قد احتوت على نحو من ابتكار جديد لتخصص لم يكن موجودا في قائمة الإنتاج التلفزيوني من قبل.. وهو ما أطلق عليه (الأشراف العام..) وغالبا ما تنسب لإدارة هذا التخصص في النتاجات الجديدة أحد الشخصيات الفنية المهمة، وعندما تحرينا عن عمل هذه الشخصية أو دور هذا التخصص وطبيعته في الإنتاج التلفزيوني الجديد.. ظهر أنه يعني بأن هناك من يكلف من الجهة المنتجة أي القناة الفضائية صاحبة الشأن.. بالأشراف على كيفية صرف المبالغ المخصصة للإنتاج بما في ذلك أجور الممثلين وجهات الصرف الأخرى، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تفسر هذه الظاهرة أو هذا التخصص الجديد شيء مهم وذي بال.. إلا وهو غياب المهنية المتعارف عليها في الإنتاج التلفزيوني التقليدي في إدارة الإنتاج.. أو أن وظيفة هذه الإدارة الجديدة أصبحت لا أكثر من مقاولة أو تعهد.. كما هو الحال في الإنشاءات أو تنفيذ الأعمال والمقاولات الأخرى...!! ليس في نيتنا النيل من الشخصية (الفنية) أو الشخصيات الأخرى التي تكلفت بمثل تلك المهمة... لكن هو الواقع ألتوثيقي الدقيق الذي اعتمدناه..
لابد من الإشارة أولا إلى أن الهاجس الرئيسي المهيمن الذي جمع تلك الأعمال ودفعنا الى متابعتها بشكل دقيق الى حد ما هو الخطاب السياسي المباشر والجلي الذي تضمنته وأفصحت عنه تلك الأعمال في مشاهدها وحلقاتها أو على لسان شخصياتها.. لا بل أصبح ذلك الخطاب أحيانا هو السائد والمهيمن فيها، بحيث غطى في معظم الأحيان.. على (المشكل) الدرامي.. الذي من المفترض أن تعالجه تلك النتاجات، أو المعالجات الدرامية فيها أو ما يتمخض عنه من نتائج.. فسحبه في معظم الأحيان (أي الدرامي) الى أرض السياسي المباشر.. السياسي الذي يطلق عليه أحيانا الـ (الفج..) فتكلم بلغته ولهج بمفرداته ونسى شروط الدراما.. وتحديدا الدراما التلفزيونية ومتطلباتها، بما في ذلك شروط الحوار الدرامي بين شخصياتها.. وإلا فما هو تفسير أن (تزعل) مثلا الزوجة على زوجها وتذهب إلى بيت أهلها عندما تجد مبرر لها أحيانا في (بعض سياسات القوات الأمريكية المحتلة...) لأن الزوج يعمل معهم ويعيل تلك الزوجة من المرتب الذي يستلمه منهم...!! وهذا ما شاهدناه في أكثر من مشهد من مسلسل (فوبيا بغداد) مثلا وهو من إنتاج (قناة الشرقية...) وكذلك عندما تمتدح الشخصية الرئيسية في مسلسل (بياع الورد) التغيير الذي حصل بعد الحرب وعلى أن من نتائجه الملموسة..(هذه الديمقراطية..) ولكنه يعود فينتقد الواقع الحالي (القاسي والمر..) شر انتقاد ويتكلم عن (الفوضى التي تنتشر في كل مكان..) وهذا في حلقة تالية وكان ذلك المشهد يدور في متنزه عام يفترض أنه في بغداد وهو نظيف جدا ومعتنى به الى درجة عالية من الدقة في التنسيق والاهتمام...!! وهذا المسلسل من إنتاج (قناة البغدادية) وهو أيضا وقع في الكثير من المطبات الفنية والواقعية.. ربما سنأتي على ذكرها فيما بعد...
من المعروف أن (إدارة..) الأزمة الدرامية.. أو العقدة أو الثيمة الرئيسية في أي عمل درامي.. وسواء كان في المسرح أو في التلفزيون أو في السينما.. لا يمكن أن تستقيم إلا بإقامة العلاقة الجدلية الواضحة والمفترضة بين كل من الخاص والعام.. وهما السمات المحددة لأي موضوع ينبغي معالجته دراميا.. الخاص أي كل ما يتعلق بالطابع الذاتي الشخصي للشخصيات الرئيسية أو البطل الدرامي، على أن يتقدم ذلك الخاص على العام دائما، وهذا الأخير أي العام.. هو كل ما يتعلق بالموضوع من الخارج أو الطابع الموضوعي للحدث.. أي الشأن العام بما في ذلك السياسي والاجتماعي.. ومتى ما تقدم العام سواء كان سياسي أو أي تلبس سائد آخر.. على الخاص أو السمة الذاتية في المشكلة.. حدث خلل كبير في بنية الدراما وسياقاتها أو نتائجها.. وهذا ما نراه بشكل واضح في أغلب المسلسلات المعنية.. وفي مسلسل (المواطن G ) مثلا وهو من إنتاج (قناة الشرقية) أيضا والذي سنأتي عليه بشيء من التفصيل أيضا..
من المشاكل الأخرى التي ظلت عصية على الدراما العراقية.. وبالذات الدراما التلفزيونية طيلة سنوات عديدة من عمرها، ويبدو أنها ستستمر معها حتى في حلتها الجديدة في الأعمال التي شاهدنا بعض منها.. هي ما يتعلق في كيفية بناء الشخصية الدرامية بأنماطها المختلفة، ومدى تبلور السمات الذاتية المميزة أو الملامح الخاصة بتلك الشخصية، والتي غالبا ما يعبر عنها عن طريق الحوار سواء مع الذات (الحوار الداخلي) أو في الحوار المتبادل مع الشخصيات الأخرى.. أو السلوك العام، أو علاقتها بالآخرين، أي الشخصيات الأخرى المقابلة لها في العمل الدرامي.. الشخصية الدرامية العراقية كما ألفناها شخصية نمطية.. جاهزة بشكل مسبق الى حد النخاع.. فهي تأتي من الخارج أو من ذهن المؤلف دون تدقيق أو وقوف على ماضيها أو حاضرها، وبالتالي دوافعها السلوكية، فهي أما إيجابية أو سلبية كما جاءت من رحم أمها..
من تلك المظاهر التي تتحكم في ذلك النمط السلوكي كما قلنا الحوار الذي يوضع على لسان تلك الشخصيات.. وهو كما يبدو المعضلة الرئيسية التي تعاني منها بنية تلك الشخصية الدرامية (العراقية..) هذه المشكلة القديمة استمرت في معظم الأعمال التلفزيونية التي تسنى لنا متابعتها في هذا الموسم.. لقد اعتقدنا بأن القيود الفكرية والسياسية التي فرضها النظام السياسي السابق على أشكال حرية التعبير.. ومنها الكتابة الدرامية، كانت عائقا أساسيا أمام كتاب الدراما سابقا في جعل شخصياتهم تنطق على سجيتها أو تعبر بتلقائية عن نفسها بدون تحفظ أو خوف من أشكال الرقابة المفروضة عليها آنذاك.. ومنها كما عهدناه وألفناه جيدا، حيث تضخم جيدا معنا.. فأطلقنا عليه مصطلح (الرقيب الداخلي..) صحيح إننا تلقينا في مسلسل (المواطن G) حوارات مختلفة نوعا ما من ناحية التعبير الدقيق عن مكنونات الشخصيات ومدى تآلفها مع طبيعة المشهد والبيئة... وهذا يعود بصراحة الى تغلب مرجعية كاتب محترف من مثل فلاح هاشم وكما هو معروف عنه في التأليف المسرحي على نصوص عديدة سابقا وناجحة جدا حتى على المستوى العربي... لكننا فوجئنا باستمرار معضلة الحوار الدرامي في المسلسلات التلفزيونية العراقية الجديدة حتى بعد نهاية ذلك (النظام السياسي) وتداول معايير ثقافية جديدة على المستوى المحلي وبشكل عام.. جرى تناول بعض المشكلات (الدرامية) من خلالها على مختلف الأصعدة.. في مسلسلات شهر رمضان الفائت.. مثلا نرى هذه المشكلة بشكل جلي في مسلسل (أمطار النار..) وهو من إنتاج (قناة البغدادية) أيضا والمسلسلات الأخرى.. (أمطار النار..) حيث تدور أحداثه في أهوار جنوب العراق.. (محافظة ميسان.. وما كان يسمى وقتذاك الجبهة الشرقية خلال الحرب مع إيران في ثمانينات القرن الماضي) فاللهجة المحلية لسكان تلك المناطق، وسكان الأهوار تحديدا حيث تدور معظم مشاهد المسلسل، كانت المشكلة التي عانى منها المسلسل طيلة حلقاته التي امتدت لأكثر من ثلاثين حلقة.. ومشكلة اللهجة الجنوبية المميزة تلك في الحوارات عند عدد كبير من الممثلين والممثلات العراقيين كانت واضحة جدا.. وحتى منهم من مثل الأدوار الرئيسية.. لا ينكر أن عدد من أولئك الممثلين تجاوز تلك المعضلة الى حد ما، لكنها تبقى المعضلة الرئيسية.. وهي طبيعية تلك الحوارات والتي سنأتي عليها في الحلقات التالية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا