الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة أخرى حول الفاشية ومكافحتها

دوف حنين

2007 / 12 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


(إيضاحات وإضافات لمقالتي السابقة "10 أسئلة حول الفاشية ومكافحتها في إسرائيل")


حظيت مقالتي حول الفاشية ومواجهتها (ملحق "الإتحاد"، الجمعة 23.11) بالكثير من ردود الفعل، أكثر الأسئلة ترددا كان "أتعتقد بأن هنالك إمكانية حقيقية لمواجهة الفاشية في إسرائيل؟! أتعتقد حقا بأن لنا في الحزب والجبهة دورا مركزيا في هذه القضية ؟!"
الجواب هو إيجابي بشكل قاطع.
وأبدأ بالإشارة إلى ما يبينه إستطلاع للرأي، نشر نهاية الأسبوع قبل المنصرم ("معاريف"، 23.11)، حول مواقف الجمهور الإسرائيلي عشية لقاء "أنابوليس"، نتائج الإستطلاع تقول الكثير، وإليكم بعضها:
65% يؤيدون إخلاء المستوطنات ضمن اتفاقية سلام، و 40% يؤيدون إخلاء الكتل الإستيطانية غير القانونية حالا و 26% يشترطون إخلاء هذه الكتل ضمن التوصل إلى تسوية فقط.
وأما بخصوص القدس، فقد أعلن 47% عن تأييدهم لتقسيمها إلى عاصمتين، هذا بينما لا تصل نسبة أعضاء الكنيست المؤيدين لتقسيمها إلى 20%.
أن يصل مؤيدو تقسيم القدس إلى النصف تقريبا يؤكد بأن ما يسمى بـ"الإجماع القومي" غير قائم بالفعل، بالمقابل فقد أعلن 23% عن تأييدهم لعودة عشرات ألوف اللاجئين الفلسطينيين إلى دولة إسرائيل، وهي أقلية كبيرة وهامة نسبة إلى الموضوع الشائك!
معطى آخر حول ثقة الجمهور الإسرائيلي بأولمرت يشير إلى أن 38% يؤمنون بنوايا أولمرت الحقيقية نحو السلام، بينما تعتقد الأغلبية، 53%، بأن همّ أولمرت الوحيد هو تعزيز موقعه فقط، وبالمقابل فقد حظي الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنسبة أعلى من المؤمنين برغباته بالسلم، اذ قال 48% بأنهم يرون لدى عباس رغبة حقيقية بالتوصل إلى السلام!
هذه المعطيات غير مرضية بما فيه الكفاية، لكنها تشير بلا شك إلى إرتفاع ملحوظ بالمواقف العقلانية (ولا أقول اليسارية) في الشارع الإسرائيلي، فما الجديد الذي طرأ؟!
أن نقول بأن هذه النتائج تؤكد بأن قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي استيقظت وبدأت تسبح ضد التيار بل وأوقفت الأنجراف المجنون نحو اليمين والمشهود بشكل خاص في السنوات السبع الأخيرة، هو كذب على الذات وسذاجة لا مكان لها.
ومع هذا، هنالك ما يقوله هذا الإستطلاع، يقول بأن المجتمع الإسرائيلي وكأي مجتمع بشري في العالم، إذا ما رأى أفقا سياسيا (حتى وإن كان سرابيا، كما هي الحال في أنابوليس) فإنه يميل إلى مزيد من الإعتدال.
هذه العلاقة الطردية مثبة حتى في المجتمع الإسرائيلي، فمواقفه المعتدلة نسبيا في منتصف التسعينيات مع توقيع اتفاقيات أوسلو انحرفت نحو اليمين مع غياب أفق السلام نتيجة السياسة الإحتلالية العدوانية.
أقول بأن الحقيقة نفسها المذكورة آنفا تكون صحيحة أيضا فيما يتعلق بقضايا الدمقراطية والمساواة داخل إسرائيل، فإذا ما وجد المجتمع الإسرائيلي بأن هنالك فرصة حقيقية للتعايش بين العرب واليهود في إسرائيل فإن مواقفه من هذه القضايا ستصبح أكثر عقلانية.
الصورة اليوم في كل ما يتعلق بالدمقراطية والمساواة القومية واليومية للجماهير العربية، قاتمة للغاية في ظل الهجمة الشرسة على الهامش الدمقراطي في البلاد ومحاولات زج الجماهير العربية وقادتها خارج حلبة التأثير وشرعية المواطنة.
هذه الهجمة وتماثل المجتمع الإسرائيلي معها هي النتيجة لنجاح اليمين بإقناع شرائح واسعة في المجتمع بأن الجماهير العربية في إسرائيل تشكل خطرا ديمغرافيا وسياسيا على الدولة.
نجاح اليمين بهذه المهمة، من خلال خطابه الشوفيني العنصري الديماغوغي المعتمد على الكذب والتهويل وانجراف المجتمع خلفه، من جهة، وانحناء التيارات الصهيونية الأقل تطرفا (أو ما يسمى بـ"اليسار الصهيوني") أمام هذا المد لا يجب بل وممنوع أن نسمح له بتوفير الذريعة لنا بالتخلي عن أداء واجباتنا التاريخية تجاه شعبي هذه البلاد.
فكما من الممنوع أن نتنازل- مهما أجرم الإحتلال ومهما بدا كنسه حلما بعيدا- عن واجبنا بالنضال من أجل السلم وإقامة الدولة الفلسطينية في حدود الـ 4 من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية وضمان الحل العادل لمأساة اللاجئين، ممنوع أيضا أن نتنازل عن واجبنا بإحداث التغيير الثوري في المجتمع الإسرائيلي، وتحريره من الإحتلال والعنصرية، وإثبات الحقيقة ألتي لا مفر منها: بأن العرب واليهود في هذه الدولة شريكان متساويان، وهنا لنا دور ومركزي!

**
من أجل إحداث هذا التغيير، علينا أن نقرأ الخارطة جيدا وأن ندرك بأننا لسنا وحيدين في الساحة. علينا أن ندرك أين نحن الآن بالضبط وأن نحدد بالضبط أيضا إلى أين نريد الوصول. علينا أن نسأل أنفسنا عن أنجع الطرق للوصول إلى الهدف من خلال أخذ كل الظروف الموضوعية والذاتية في حساباتنا عند كل خطوة وخطوة، وبناء عليه نقر سياستنا وشعاراتنا.
من أجل إحداث التغيير الحقيقي، فإن التصدي للخطاب اليميني بالشعارات والمواقف السياسية وحدها لا يكفي، علينا أن ندرس إلى العمق هذا الخطاب المتطرف وأن ندرك بأنه عادة يعتمد على ترسبات وتخوفات موجودة بالفعل لدى المجتمع، لكنه بدل معالجتها يضخمها بما يتساوق مع مصالحه، لذا علينا عدم السماح له بالإستفراد بهذه الترسبات أو التخوفات وعلينا أن نعالجها بما أوتينا من قدرة دون الوقوع في فخ المناحرات الإنشائية، حيث يتفوق هو علينا بقدرته الديماغوغية على تهييج المشاعر بينما نتفوق نحن بقدرتنا على توفير الإجابات الحقيقية، وبمتناول يدنا بطن اليمين الرخوة: القضايا الإجتماعية والطبقية التي بوسعها أن تكون نقطة لقاء أولى مع شرائح واسعة وبالإمكان إذا ما أحسنا استغلالها أن نطورها إلى سياسة متعددة الأبعاد.
من أجل تحريض وتجنيد أوسع شريحة ممكنة من المجتمع الإسرائيلي من أجل معارك السلام والمساواة، علينا في الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية،
أن نضع الشعارات المجندة حقا، التوفق بصياغة هذه الشعارات مرهوم بقدلاتنا على إيجاد نقطة التوازن الدقيقة ما بين الصحيح والحكيم.
وإذا ما كان أحد أهدافنا المركزية اليوم هو منع عزل الأقلية القومية الفلسطينية، فعلينا أن نبدد أكذوبة أن هذه الأقلية تشكل خطرا على الدولة ومستقبلها، وعلينا وضع الإجابة اعتمادا على قراءتنا الواضحة للأمور ودون تأتأة:
الأقلية العربية في إسرائيل، جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ومعركته العادلة، ومواطنتها في الدولة ليست منة من أحد، إنها مشتقة من بقائها في وطنها، ولأنها كذلك فإن لها كل الحق بالمساواة القومية والمدنية الكاملة في دولتها.
التاريخ يثبت بأن هذه الأقلية لم تكن في أي من الأيام عبئا على الدولة أو المجتمع الإسرائيلي، بالعكس فمعاركها عبر السنوات وانتصارها لقضايا السلم والمساواة والدمقراطية انعكست دائما بالإيجاب على الهامش الدمقراطي والمجتمع الإسرائيلي ككل، فليس صدفة أن تتعرض لمحاولات العزل وسلب الحق بالتأثير بعدما نجحت دوما من تعزيز مكانتها بفضل قيادتنا الحكيمة لها، صخرة صلبة في معسكر السلام الإسرائيلي الحقيقي. هذه الأقلية ليس فقط أنها غير معنية بالتقوقع، إنما تناضل من أجل بقائها في صلب معسكر السلام، بالأساس من منطلق إلتزامها التاريخي تجاه شعبها ومعركته.
علينا أن نؤكد بأن حفظ المساواة القومية والمدنية للمواطنين العرب في إسرائيل ليس هو ما يهدد المجتمع الإسرائيلي، إنما ما يحصنه، أما التهديد الحقيقي فيأتي من قبل المؤسسة الحاكمة وسياستها التي تحاول التعامل مع الحق المشروع للشعب اليهودي الإسرائيلي بتقرير المصير في إسرائيل كأداة لشرعنة التمييز وتكريسه.


**
أن نتحدث عن الشعارات الحكيمة والتجنيد الأوسع، هو أمر جميل، لكن ترجمته إلى أرض الواقع مهمة صعب للغاية، بل وليست صحيحة دائما، ففي أحيان كثيرة واجبنا يكون بالنزول إلى الشوارع ورفع صرختنا الصادقة دون مواربة حتى إن لم تكن ذات شعبية، في أحيان كثيرة تكون هذه العملية ناجعة (وكلنا نتذكر كيف تجندنا منذ اليوم الأول ضد حرب لبنان الثانية، بالضبط كما هي الحال في حرب لبنان الأولى)، لكن جرأتنا المثبتة وقدرتنا الواضحة على مواجهة التيار لا تعفينا من التفكير الإستراتيجي الشجاع وبعيد الأمد حول أنجع الوسائل لمخاطبة الشارع الإسرائيلي، في معركتنا مع السلطة عليه.

* عضو الكنيست من الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الإسرائيلي









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح