الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منبرللتنوير والديمقراطية ومناهضة العولمة

سعيد مضيه

2007 / 12 / 16
ملف مفتوح : نحو مشاركة واسعة في تقييم وتقويم النشاط الفكري والإعلامي للحوار المتمدن في الذكرى السادسة لتأسيسه 9-12-2007


اعتدنا الرأي الأوحد، وركنّا إلى الصراط الضيق في مساره الوجل بين التحريفية اليمينية والتحريفية اليسارية. احتاجت الحركة الشيوعية إلى هزيمة مريرة كي تتوصل إلى أهمية الحوار وضرورته، داخل صفوفها ومع قوى اليسار غير الماركسي. ورغم الانهيار المريع فلا يزال "الحوار المتمدن"محيرا حيال تاريخ تسلل سوسة الخراب في التجربة الاشتراكية الأولى: هل يرجع إلى أواخر عشرينات القرن الماضي حين أوكل ستالين إلى البيروقراطية مهمة إدارة المجتمع ونصّب نفسه المرجعية الأخيرة للحقيقة، وأحل الإعدام بدل الحوار ؟ أم أنه تزامن مع صعود خروشتشيف إلى زعامة الحزب وتعرية عبادة الفرد وحقبتها في حياة الاتحاد السوفييتي ؟ على كل حال مضت حقبة خروشتشيف فترة زمنية قصيرة بالمقارنة مع فترة الردة إلى هيمنة البيروقراطية التي طالت وازدادت شراسة وجمدت أوضاع المجتمع السوفييتي في ظروف تطور عاصف للعلم والتكنولوجيا والتحولات الديمقراطية. في هذا المناخ ساد الرأي الأوحد، وتكرست واحدية الاجتهاد. ومثال ذلك مجلة "قضايا السلم والاشتراكية".
كانت مجلة " قضايا السلم والاشتراكية "، حسب شهادة ممثل أحد الأحزاب الشيوعية في هيئة تحريرها قد " تكرست خلال سنوات طويلة باعتبارها مجلة الرأي الواحد، الذي يجد مرجعيته الفكرية والسياسية في موقف الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي وسياساته، ما اضعف روح الجدل فيها ، وقلص فرص ازدهارها الفكري . وأحالها إلى مجرد منبر لترديد الكليشيهات السياسية المقررة بدون إضافة أو إبداع، ولإضفاء الشرعية على الممارسات السياسية للدولة السوفييتية وحزبها دون اكتراث بمواقف الآخرين المعارضين لها، ما تسبب في انسحاب بعض الأحزاب الأوروبية منها، حينما لم تستطع هذه الأحزاب أن تعبر بحرية عن مواقفها الخلافية على صفحاتها."[محمود شقير: مرايا الغياب- المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت 2007، ص184]
ينتقل الكاتب إلى فترة البيريسترويكا، فيقول " حاولت المجلة تمشيا مع نزعة البيريسترويكا ، أن تعيد بناء نفسها رغم أنها تأخرت في هذا المضمار، فبدأت بنشر المقالات لقوى سياسية ومفكرين كتاب من خارج إطار الحركة الشيوعية. وقد تركزت هذه المقالات في البداية على الموضوعات العامة التي لا تثير أية حساسيات، مثل الحفاظ على البيئة وصيانة السلام العالمي، ثم امتدت لتشمل القضايا الإشكالية ووجهات النظر الخلافية، وبعض المقالات التي رفض نشرها في السابق أعيد نشرها ودون أي نقصان ..."
فشلت البيريسترويكا لأنها تصدت للمرض دون ان تدرك مدى تطوره، وداوت بالتي كانت هي الداء. خاضت ميدانا مجهولا بأدوات بيروقراطية. هل هناك أسباب أخرى؟ لكن بالحتم ليس التآمر الخارجي. فشلت البيريسترويكا لكنها فتحت الأعين على الطابع التعددي والحواري والديمقراطي للثقافة. أرست البيريسترويكا تقاليد التعددية الفكرية والحوار المخصب للفكر، وفتحت قنوات التعارف والتلاقح وتبادل التجارب بين المناضلين الناطقين بالعربية. ولربما من تجربة الفشل طلعت مجلة " الحوار المتمدن" بهذه التعددية المثرية للأفكار والموسعة لآفاق التفكير الحر والتقدمي. أو لربما أن ثورة تقاني المعلومات لم تترك مجالا لاحتكار الحقيقة أو قمع حرية التعبير. بالطبع ارتفع مع تدفق المعلومات عبر قنوات الإعلام ، وفي عصر العولمة، منسوب الصراع الإعلامي والفكري والإيديولوجي إلى مرتبة أعلى، وباتت الثقافة والإعلام الوجه الأبرز للصراع الدائر بين التقدم والمحافظة، وبين التبعية والتحرر على الصعد المحلية والعالمية، والغطاء لمختلف الصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية. برز "صراع الحضارات " القناع الذي يغلف أنماط الصراع الذي تخوضه العولمة لتحقيق الهيمنة الكونية للرأسمالية المتوحشة، والمدخل الذي من خلاله تبرر حملات الغزو. ولا بد من منابر تفضح التشويه وتطرح الثقافة الإنسانية المكافحة للتجهيل والتزييف والتغريب.
احتلت مجلة " الحوار المتمدن" مكانة متميزة كأداة فكرية ونظرية لرد هجمات ثقافة العولمة. خاصة وأحزاب التغيير الديمقراطي اوقفت إصدار مطبوعاتها الدورية يذريعة شح التمويل!! قدمت المجلة مادة غنية لتعرية وفضح أساليب ثقافة العولمة ومكائدها في تقديم الوعي الزائف لنشر الإحباط والترويج لأزلية الرأسمالية وقيمها المتوحشة وثقافتها الهابطة. ويتناوب على صفحات المجلة العديد من الكتاب والباحثين التقدميين من ذوي الثقافة الواسعة والتجربة الغنية من مختلف أقطار المنطقة.
وطرحت التجربة الأولى لبناء الاشتراكية ضرورة الديمقراطية. برزت قضية الديمقراطية كإحدى أهم القضايا المؤرقة لشعوبنا العربية المنكوبة بأنظمة الطغيان. وقدمت المجلة النمط الديمقراطي اللائق بمجتمعات تنشد الخلاص من العصر الوسيط، والمغاير للنمط السائد في مجتمعات الرأسمالية المتطورة. فلا تقتصر الديمقراطية على التعددية وصناديق الاقتراع، حتى لو تمت عملية الاقتراع بنزاهة وحرية؛ وهي مرتبطة بعلاقة جدلية مع الثقافة ومع التحرر من قيود التخلف ونماذجه الاقتصادية والاجتماعية والقيمية. الديمقراطية ذات علاقة جدلية بالتحرر الوطني وهي إحدى ركائز التقدم. وفي أعداد المجلة نعثر دوما على ما يؤكد هذه العلاقة في مجال الممارسة وبنماذج عيانية ملموسة. غير أن التفاصيل المتعلقة بالخطوة الأولى في المسيرة الديمقراطية او فرضها في العلاقة بين السلطة السياسية والجمهور لم تزل غامضة. ما هو دور قوى الديمقراطية في ترسيخ المنهج الديمقراطي في حياة المنظمات والهيئات المدنية؟ كيف نربي العناصر الديمقراطية، ونفرض الديمقراطية من القاعدة دون استجداء وانتظار سماحة البيروقراطية المتسلطة؟ هل بالإمكان أن يعوض النشاط السياسي والتربية الثقافية من جانب قوى الديمقراطية غياب الثورة الصناعية والعلمية؟ ما هي معايير السياسة الديمقراطية، نهجا تنظيميا وممارسة، خاصة في ظروف العدوان العسكري المتكرر من جانب الرأسمالية المتوحشة؟
ثم هناك علاقة التحرر بالتراث. قدم المفكرون العرب في حركة التحرر الوطني إسهاماتهم في إبراز دور التراث في حركة التحرر، وابرزوا العناصر الديمقراطية والإنسانية في التراث، واعتبروها جزءا عضويا من الثقافة الوطنية. وقام الراحل حسين مروة بدور طليعي في الكشف عن العروق النفيسة المادية والتنويرية في الثقافة العربية –الإسلامية، وربط الصعود والهبوط في مسيرة هذه الثقافة بحركة دواليب التطور الاجتماعي.
لكن الدين بقي قضية مغفلة لدى الفكر التقدمي العربي، مع ان الدين والتدين الشعبي أحد مقومات الهوية الحضارية، وأحد عناصر الواقع الموضوعي المستوجب إدراكه والتعامل معه. وهو احد مكونات نفسية الجماهير التي ركز لينين على وجوب التغلغل في ثناياها واستيعابها لتيسير التعامل مع الجماهير وقيادتها. صبت الرجعية العربية أكوام افتراءاتها على الفكر الماركسي واتهمته بالإلحاد والخروج على التقاليد والنظام الاجتماعي، وذلك في حملتها لإحداث القطيعة بين الجماهير وطلائع التحرر من الامبريالية ومن تخلف العصور. لم تكن الحملة ردا على نشاط محلي لقوى ماركسية، بل تحصين وقائي ضد أفكار التقدم. ونجحت حملتها لحد كبير. كانت صحيفة التايمز البريطانية أول من أثار موجة العداء للشيوعية من خلال مقابلة صحفية مع الخليفة العثماني في القسطنطينية ثم مع شيخ الأزهر في القاهرة. اضطهدت حكومات الانتداب الماركسيين بالمنطقة ، وكثفت حملاتها ضد أفكار التقدم بعامة، والفكر الماركسي على وجه الخصوص، وذلك من خلال الدعاية وعبر البرامج الدراسية. بالنتيجة راكمت شعوب المنطقة معلوماتها عن الشيوعية من خلال الدعايات المضادة. وحتى عقد الخمسينات كانت الشيوعية مرادفة في نظر الكثيرين والكثيرات بالإباحية والانحلال الخلقي وتذويب الأسرة. وحتى وقت قريب تفوه الشيخ القرضاوي في معرض حديثه بالأكذوبة المبتذلة الدارجة "الشيوعية تقول لا إله والحياة مادة"، والمقصود بمفهوم "مادة" مغاير للفهم العلمي الفلسفي المعبر عن الواقع الموضوعي المستقل عن الوعي البشري؛ فكل صانع ماهر، حرفي او مهني ، عامل في مختبر طبي أو باحث علمي،مكتشف او مهندس .. كل هؤلاء مضطرون للتعامل الموضوعي مع المادة موضع البحث او موضوع التكييف والتحويل. كل عالم وباحث ومكتشف هم ماديون في وقت العمل. أما الفهم المغرض للمادية فيؤول شراهة في كسب المال ونشدان اللذة وعربدة الغرائز، وهي أمور عرف الشيوعيون بالابتعاد عنها والتنديد بها ، باعتبارها بعض ممارسات الرجعية وأساليبها في الإسقاط وإدارة الظهور لقضايا المجتمع . ومؤخرا طلعت العولمة بثقافة الاستهلاك بديلا لثقافة التنمية وأداة هدم للشخصية الإنسانية.
تحمل المناضلون بشجاعة العنت والاضطهاد باسم الدين دون أن يتعرضوا للدين. حقا وقفوا ضد تشويهات الدين وأيدوا الإصلاح الديني لتخليص الدين مما علق به من أوهام وخرافات وشعوذات. علاوة على ترسب عقد في النفسية الاجتماعية. أما السلفية فقد تعاملت بصورة انتقائية مع الدين ، وأغفلت منطوياته من دعوة العدل ودعوات العدالة الاجتماعية والسهر على كرامة الإنسان. لم تشارك السلفية في الحملات الاجتماعية ودعمت النهج الاقتصادي لللاستعمار والاستعمار الحديث والعولمة. السلفية الولى شرعت العمل في القرن الرابع الهجري ،وعبر التاريخ جرى تأويل مغرض للدين بهدف مطابقته مع حكم الاستبداد وتغييب الجماهير وتغريبها. أنعشت تيار الجبرية الذي ابتدعه حكم بني أمية لتبرير منافستهم للإمام علي واستئثارهم بالتسلط على أقدار المسلمين، وهم ليسوا السباقين لاعتناق الدين الجديد ولا صاحبوا الرسول، وما شاركوه في حروبه وفتوحاته. اقترنت مسيرة السلفية الأولى بالجمود الناجم عن توقف تطور المجتمع؛ ومهد الجمود للحكم المطلق وحظر المناظرات ومنع الاجتهاد والعداء للفلسفة والهندسة، كما جرى تفضيل النقل على العقل. وأعيد الاعتبار للأولياء والمزارات التي ندد بها القرآن الكريم وتحدى المشركين أن يثبتوا لها ضرا او نفعا. ومع خضوع البلاد الإسلامية لسيطرة الكولونيالية الامبريالية جرى وقف سيرورة التقدم ، فجرى تجميد الأوضاع الاقتصادية والسياسية والعلاقات الاجتماعية والثقافة والتعليم على النحو الذي ساد في عصور الظلام. فالسيطرة الامبريالية هي المسئول عن تخلف الأقطار الإسلامية وعن الفهم المتخلف والجامد للدين .
وكجزء من مقاومة الشيوعية حرصت البرامج التعليمية، التي أقرتها حكومات الانتداب واستمرت حتى الوقت الراهن، على عرقلة تطور التفكير الحر والعقلانية، وباتت العملية التربوية ورشة لإعادة إنتاج الأصولية وتعطيل مناهج الإبداع والنظرة التقدمية. وحاليا تحمّل الإدارة الأمريكية والمحافظون الجدد الدين الإسلامي وزر التخلف في المجتمعات العربية والإسلامية. وتزخر كتابات اكاديميين أمريكيين أمثال برنارد ليويس ودانييل بايبس بالتهجم على الإسلام، يشاركهم من العرب باحثون من أمثال كنعان مكية وفؤاد عجمية ووفاء سلطان.
الليبراليون العرب الجدد، المرتبطون بالمحافظين الجدد، ينادون بمفهوم للتقدم مناهض للدين. وفي كتاباتهم يعتبرون الدين أحد أهم أسباب تخلف المسلمين. وفي إطار الصراع الحضاري الذي اتكأ عليه المحافظون الجدد بات الإسلام موضع الإدانة كمظهر التخلف والإرهاب، ووسيلة لتبرير الغزو ونهب الثروات الوطنية ومنع شعوب الشرق الأوسط من ممارسة حق تقرير المصير. وأرى من المؤسف ان بعض أعداد " الحوار المتمدن" تضمنت حملات مناهضة للإسلام والمسلمين من النمط الذي تروجه الليبرالية الجديدة.
بلغ الشطط بوفاء سلطان انها جزمت، انطلاقا من نفس المنطلق، في إحدى مقالاتها المنشورة بالمجلة أن اليهود أحق بفلسطين!! وفي كل مقالاتها تحرص على الإشادة بالأخلاق الأمريكية وبالثراء الأمريكي. أفلا تساءلت وفاء سلطان عن جماجم العبيد التي قام عليها الثراء الأمريكي؟ زنوج جلبوا بطرق قرصنية من مجتمعاتهم في إفريقيا ونقلوا إلى حيث يسخرون عبيدا في المزارع الأمريكية . هل سألت ذوي "النزاهة" من معارفها الأمريكيين عن حكاية السود في الولايات المتحدة ، وعن موقفهم من قتل أصحاب البلاد الأصليين بالجملة والاستيلاء على أراضيهم؟ وفي جميع مقالاتها تحرص على إبراز فضل الدين المسيحي واليهودي في تحقيق تقدم المجتمعات الأوروبية، مغفلة بالطبع أثر الثورات الصناعية وما ولدته من ثورات في العلم والفكر السياسي والفلسفي. هي تعقد مقارنة منحازة بين الإسلام زمن الرسول والمجتمعات المسيحية في العصر الحديث. تتجاهل الكاتبة تجارب محاكم التفتيش والحرمانات وبيع براءات الغفران وتعذيب المعارضين التي حفل بها تاريخ الكنيسة المسيحية في العصر الوسيط. وتتجاهل دعوات الإبادة الجماعية وكراهية الأغيار في التوراة. كما تتجاهل الحروب الكونية وتغاضي الكنيسة والحكومات المسيحية عن الحروب الاستعمارية ومجازرها، وعن اضطهاد اليهود في أوروبا ثم سعيها للتكفير عن الخطيئة بالتغاضي عن تشريد الشعب الفلسطيني عن وطنه. كما تتجاهل، وهي الخبيرة في علم النفس وعلم النفس الاجتماعي، ان التدين الشعبي ظاهرة متعمقة بالوجدان لا يفيد استفزازها غير إلهابها في النفوس. وبدل الاختلاف حول جنة في السماء لنبحث عن جنة فوق الأرض.
يجب أن لا يبقى مبهما تسخير الأصولية المسيحية غطاءً فكريا للحروب الامبريالية، ولاهوتها يدرس في كليات الأركان والأكاديميات العسكرية. وتوزع كتب برنارد ليويس على نطاق واسع على الثكنات العسكرية، وتباهى فؤاد عجمي بكثرة زياراته لمواقع جيش الاحتلال الأمريكي في العراق. كذلك السلفية اليهودية، تزامن . لم تكن الحملة ردا على نشاط محلي لقوى ماركسية، بل تحصين وقائي ضد أفكار التقدم.انتعاشها مع الأصولية المسيحية في زمن تشكل الاحتكارات الامبريالية وشروعها في التوسع نحو بلدان آسيا وإفريقيا. هذه القضايا وغيرها يغيبها المحافظون الجدد، وهي ، شأن غيرها من فكر العولمة، تستحق اهتمام الباحثين التقدميين، كتاب المجلة.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بسبب سوء الأحوال الجوية


.. -الرد على الرد-.. ماذا تجهز إسرائيل لطهران؟| #الظهيرة




.. بوتين..هل يراقب أم يساهم في صياغة مسارات التصعيد بين إسرائيل


.. سرايا القدس: رشقات صاروخية استهدفت المدن المحتلة ومستوطنات غ




.. أصوات من غزة| ظروف مأساوية يعيشها النازحون في العراء بقطاع غ