الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق موسم حصاد الأخطاء الأمريكية

فاخر جاسم

2003 / 11 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تشير تجربة احتلال العراق ، بعد مضي ستة أشهر، إلى إن إدارة الاحتلال وقعت بأخطاء جدية، يمكن أن تغير الإصطفافات السياسية القائمة الآن في المجتمع العراقي. فالأحزاب السياسية العراقية إنقسمت قبل الحرب، بين مؤيد ومعارض للخيار العسكري لحل الأزمة العراقية، فالحزب الشيوعي العراقي وبعض القوى الإسلامية  والقومية العربية ، رفضت الحرب كخيار وحيد، بينما ساندت مجموعة  الستة  ـ الحزبان الكرديان الرئيسيان، المؤتمر الوطني، الحركة الملكية، المجلس الإسلامي الأعلى والوفاق الوطني ـ الحرب لإسقاط نظام صدام حيسن وإزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية.
  إن مساندة مجموعة الستة للولايات المتحدة لم يخل من الخلاف مع تفاصيل الخطة الأمريكيةـ وخاصة فيما يتعلق بدور المعارضة العراقية، سواء في العمليات العسكرية أو في المرحلة التي تعقب التخلص من الدكتاتورية. فالاتفاق الوحيد بينهما هو ازاحة صدام وزمرته عن السلطة، وبقيت كل المسائل الأخرى عائمة وبدون تحديد واضح للأدوار بينها.
  لقد ساعد الإنتصار العسكري السريع للولايات المتحدة للإنفراد بالملف العراق وتجاهل حلفاءها من القوى والأحزاب السياسية العراقية لمدة زادت عن ثلاثة أشهر، إنغمست خلالها الإدارة الأمريكية بمحاولات كسب التأييد الدولي للاحتلال. فعملت على إجراء مساومات وقتية لإرضاء التحالف الدولي المعارض للحرب المتكون من فرنسا وألمانيا وروسيا الاتحادية ، فنجحت بإصدار مجلس الأمن للقرار 1483 الذي أقر بالأمر الواقع وأعطى لقوى الاحتلال الأمريكي البريطاني السلطة الفعلية على العراق لفترة مؤقتة. وقد ساهم هذا القرار بتعقيد الأوضاع السياسية في العراق بدلاً من الإنفراج الذي كانت تتوقعه القوى التي لها علاقة بالشأن العراقي، خاصة الأمم المحتدة ودورها في العملية السياسية وإعادة الأعمار وكذلك دول الجوار العراقي. 
  أما على الصعيد الداخلي، فقد أدى القرار إلى تعقيد العلاقة بين الولايات المتحدة وما كان يعرف بقوى المعارضة العراقية التي وجدت نفسها مهمشة وغير قادرة على التأثير على حركة الأحداث، وبإرادة أمريكية، حيث تم تجاهلها تماماً أثناء المشاورات التي كانت تجري في الأمم المتحدة بخصوص القضية العراقية،  كذلك ضعفت الرغبة الأمريكية  في التنسيق مع القوى و الأحزاب السياسية العراقية، بما فيها تلك القوى التي تؤيد مشروعها في العراق.
  إن التعقيدات أعلاه ترافقت مع استمرار الخلاف والجدل بين القوى والأحزاب السياسية العراقية حول طبيعة السياسة الأمريكية وأهدافها في العراق بعد الاحتلال وكيفية الخروج من الأزمة السياسية التي نتجت عن الفراغ في سلطة الدولة والإنفلات الأمني وتدهور الخدمات الاجتماعية والضائقة الاقتصادية الناتجة عن توقف مؤسسات الدولة المختلفة، الأمر الذي نتج عن اتساع البطالة بين السكان، وصلت إلى 70 بالمائة. ومما عطل جهود البحث عن الحلول المشتركة، محاولات بعض الأطراف السياسية إلى الإنفراد والتسلط من خلال السعي إلى تحويل المكاسب السياسية الفئوية الضيقة التي حصلت عليها عبر مساومات " مؤتمر لندن/ ديسمبر 2002 " إلى أرض الواقع.
   لقد استغلت الولايات المتحدة هذه الظروف ، بشكل سلبي، فبدأت بالتفتيش عن حلفاء جدد من بين المؤسسات الاجتماعية/السياسية العراقية القديمة، خاصة المؤسسة العشائرية، والفئة البيروقراطية المرتبطة بمؤسسات السلطة السابقة. كما تجاهلت المطلب الرئيسي، الذي أجمعت عليه القوى السياسية العراقية، المتعلق  بعقد مؤتمر وطني عام تشترك فيه كافة مكونات المجتمع العراقي، السياسية والقومية والطائفية والاجتماعية والعشائرية لتشكيل حكومة عراقية مؤقتة.
  وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من التجريب والتخبط السياسي والإداري، وعدم القدرة على ملء الفراغ في سلطة الدولة وتحقيق الاستقرار الأمني والانتعاش الاقتصادي الذي وعدت به، إضطرت إدارة الاحتلال على الموافقة على تشكيل مجلس الحكم، كحل وسط، بين التطلع لحكومة وطنية مؤقتة كاملة الصلاحيات، تهيء الظروف لإقامة حكومة وطنية منتخبة، تطالب بها القوى السياسية العراقية مؤيدة من المجتمع الدولي، وإدارة عراقية استشارية ترغب بها سلطة الاحتلال.
  إن متابعة مجريات الأحداث في العراق، خلال الفترة التي أعقبت تشكيل مجلس الحكم، تشير إلى أن الإدارة الأمريكية لم تحدد بعد المسار الذي تنقل فيه السلطة للعراقيين، وهذا ما تؤكده الكثير من المؤشرات، منها: 
ـ استمرار التنازع حول الصلاحيات بين الإدارة المدنية ومجلس الحكم والحكومة التي شكلها.
 ـ التردد في نقل الصلاحيات إلى مجلس الحكم والحكومة، من قبل الإدارة المدنية للاحتلال.
 ـ أصرار الإدارة المدنية على الإنفراد بالملف الأمني.
 ـ وفيما يخص دور الأمم المتحدة في العملية السياسية واعادة الإعمار، فما زال محدوداً حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن1511.
 

   إن استمرار سياسة المماطلة والتجريب من قبل الإدارة الأمريكية أدت إلى مضاعفات خطيرة تمثلت ب، أولاً، بطء عمل مجلس الحكم ومؤسساته، وثانياً، تأخرعودة الكثير من مؤسسات الدولة للعمل، على الرغم من، أهمية ذلك في المعالجة الآنية لأزمة البطالة، وهذا ما أكده تقرير بعثة الكونغرس الأمريكي التي زارت العراق وأصدرت تقريرها في منتصف تموز/ يوليو الماضي. ثالثاً، استمرار تحكم كبارموظفي الدولة من البعثيين بدوائر الدولة، على الرغم من صدور العديد من القرارت من الإدارة المدنية ومجلس الحكم حول تنحيتهم، الأمر الذي يعرقل كل الجهود التي تبذلها الحكومة لعودة الأمور إلى حالتها الطبيعية في دوائرالدولة ومؤسساتها المختلفة.
  أخيراً، إن على الإدارة الأمريكية التخلي عن النظرة الأمنية للتعامل مع تعقيدات الوضع  العراقي. إن ذلك يتطلب،  أمرين، الأول، التعامل بمسؤولية مع حرص أغلبية القوى السياسية العراقية، المنضوية وغير المنضوية  لمجلس الحكم، المتمثل بالمرونة في العلاقة والشفافية في تسوية الأمور المختلف عليها مع سلطة التحالف، وعدم الإنجرار إلى المحاولات التي تبذل من جهات عديدة، داخلية وإقليمية، بهدف إثارة الصراعات الجانبية. وثانياً، الإسراع في نقل الصلاحيات إلى مجلس الحكم ، خاصة الملف الأمني، لمعالجة الآثار الخطيرة التي نتجت عن إصرار الإدارة المدنية على الاحتفاظ بالملف الأمني والبطء في النقل التدريجي للسلطة للعراقيين طيلة الأشهر الستة الماضية.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا