الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتفاق المبادئ والانتداب القادم !

كاظم محمد

2007 / 12 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


الأعلان عن اتفاق المبادئ الموقع بين بوش والمالكي ، عبر الغرف التلفزيونية المغلقة ، اكد الاهداف المعلنة والسرية من الغزو والاحتلال للعراق في 2003 ، وأشر على استحقاقات تأطيرها القانونية مع اقتراب نهاية فترة الرئيس بوش في البيت الأبيض ، ومع متطلبات التجديد لأستمرار التواجد (الشرعي) للقوات المحتلة على ارض العراق من قبل حكومة الاحتلال وما رافقها من رسالة تبريرية موجه من المالكي الى الأمين العام للأمم المتحدة ، بصدد الطلب الاخير لعملية تجديد بقاء القوات لعام اخر ، حتى يصار الى عقد اتفاق امني وسياسي مع ادارة الاحتلال ، وبالتالي رفع العراق من تحت البند السابع ولينال العراق بعد ذلك (سيادته الكاملة) وتتمتع حكومته بالسيطرة على مقاليد الشؤون المختلفة في ادارة البلد .

كان الملفت ، طريقة الاعلان ، فكانت هادئة وبسيطة وخجولة ، ومررت من خلال وسائل الاعلام التابعة للاحتلال كخبر عادي غير مثير ودون ضجة تذكر ، كمن يحاول ان يستغبي مستمعيه ومشاهديه وباسلوب ساذج ، يعكس ادراك القائمين على هذا الفعل ما سوف ينتظرهم من ردود افعال شعبية وسياسية على خطوةٍ شائنة بحق الوطن وشعبه ، بعد كل ما اقترفوه ولأكثر من اربع سنوات مضت .
وهنا ، لا ضرورة للدخول بتفاصيل مبادئ الاتفاق المعلنة ، والتي تم تناولها ، وفك رموزمفرداتها في القاموس السياسي والاقتصادي والعسكري ، والتي يمكن اجمالها بوضع العراق وشعبه وثرواته وموقعه تحت انتدابٍ استعماري ، بصيغٍ تتناسب مع زمن العولمة الامريكي ، وهذا هو احد الاهداف الاساسية للحملة العسكرية لأدارة الحرب الامريكية على منطقة الشرق الاوسط ، لأنها كما تدعي منطقة مصالح حيوية للولايات المتحدة الامريكية ، الى جانب انها تنظر للمنطقة كلها من باكستان ، الى موريتانيا بنظرة واحدة وبمنظار واحد ، متناسق تسوده لمساتها وترتيباتها لشرق اوسط كبير، تسيطر عليه بالترغيب والترهيب ، فافغانستان والعراق ولبنان وسورية والسودان وفلسطين والصومال وو ، كلها مواقع مرسمة في خارطة المصالح الحيوية الامريكية ، التي تريدها وقفا لها ، ولمشاريعها غير الشرعية ، لكن ليست كل الرياح مضمونة العواقب والاتجاه .
فبتعثر مشروعها في العراق على ايدي مقاوميه البواسل ، وضعف امكانية امتداده واندفاعه الى ما بعد الحدود العراقية عسكريآ ، كرست ادارة بوش جٌل سياستها ، وخاصة في الاشهر الاخيرة ، على تهيئة الارضية الخصبة وفي كل الاتجاهات لتثبيت اقدام حكومة المالكي رغم ضعفها وهزالتها ، ومشطت الارض لها سياسيا وعسكريا ، داخليآ واقليميآ .
فعملت ادارة الاحتلال على استخدام اقسى الاساليب العسكرية في قتال المقاومة وحواضنها الشعبية ، واغرقت ذوي النفوس الضعيفة من بعض العشائر بالمال لتشكيل ما يسمى فصائل الصحوة ، وقسمت المدن والبلدات ، وحجرت على مئات الالوف من السكان ، وسهلت عمليات التهجير الطائفي ، وارهبت وقتلت الالوف من المعارضين والمناهضين للاحتلال وحكوماته ، واغضت الطرف عن ما تفعله مليشيا احزاب الاحتلال في الوسط والجنوب ، وسعت الى تحجيم التاثير السياسي لخروج وزراء بعض الجهات المشاركة في الحكومة ، من خلال تفاهمات ضاغطة لتطويق مضاعفاته ، وبنفس الوقت امنت عدم اهتزاز هذه الحكومة امام التصميم التركي باجتياح الشمال العراقي ، بعد ان فهمت القيادات الكردية مغزى الرسالة الامريكية باهمية خفض سقف طموحاتها وتشذيب خطابها الانفصالي والخضوع لبعض المطالب التركية ، فيما يخص حزب العمال الكردستاني التركي ، وتشددها في قضية كركوك ، والتي كانت نقطة خلاف واحراج لحكومة المالكي امام بعض اعضاء حزبه وبعض حلفائه .
وبنفس الوقت فقد كبحت ادارة الاحتلال جماح رئيس الوزراء الاسبق لحكومة الاحتلال ، اياد علاوي في تحركاته السياسية الداخلية والخارجية والهادفة لأسقاط هذه الحكومة ورئيسها ، وكما يبدو فان الرجل قد استجاب للطلب الامريكي ، على أمل ان تؤدي هذه الحكومة العرجاء ورئيسها ، المهمات الموكلة لها وترحل بعد ذلك .
لقد كان لتغير السلوك الامريكي تجاه حكومة المالكي ، بعد ان شهدت الاشهر الماضية تشددآ واضحآ تجاه رئيسها نتيجة تلكأه بتنفيذ المطالب الامريكية ، وخاصة ما يتعلق بالتوجهات السياسية لادارة الاحتلال في العراق ، كان لهذا التغير دوافعه وحساباته الجديدة المرتبطة بالاخفاق الامريكي ، ومحاولة ترميم نهجه ، مع المحافظة على تحقيق اهدافه الاستراتيجية عراقيآ واقليميآ .
لذلك حرصت ادارة بوش كما يبدو ، على عدم استبدال المالكي بشخصية اخرى ، وهي القادرة على ذلك (دستوريآ) بسحب الثقة منه من خلال برلمانها ، عبر الايعاز الى الحزبين الكرديين وجبهة التوافق وبالتفاهم التام مع اياد علاوي المتحمس لذلك بتوفير النصاب اللازم لأسقاطه برلمانيآ ، وبهذا فان ادارة بوش ليس في واردها الان تنصيب رئيس حكومة جديدة من غير الاحزاب المتحالفة مع ايران ، يثير ويستفز طهران وحلفائها في العراق ويخلق لها متاعب سياسية وعسكرية اضافية ، خاصة وانها حققت نجاحآ نسبيآ في التخفيف من اعبائها العسكرية في مناطق غرب العراق ، وكثفت من تواجدها العسكري في بغداد ، الذي ساعدها في الحد من نشاط المليشيات التابعة لأحزاب الحكومة ، اضافة الى اجراءتها العسكرية القسرية الاخرى .
وعليه لا مانع من استمرار المالكي في الحكم لفترة قادمة ، ما دام يحقق ويساعد في تطبيع تواجد الاحتلال عبر اتفاقيات امنية واقتصادية وعسكرية ، ليست ببعيدة عن تفاهمات مكتوبة او غير مكتوبة مع الجانب الايراني ، رغم الجعجعة الفارغة لبوش في تشدده الظاهر تجاه طهران وملفها النووي ، والتي لم تخفي التطورات الاخيرة ، في تراجع المواقف الامريكية من مؤشرات لتفاهمات مستقبلية معها ، ربما اكثر وضوحآ اذا ما تخلى الامريكان عن التهديد باستخدام القوة العسكرية ضدها .
لقد سعت ادارة بوش من خلال توقيعها لمبادئ الاتفاق مع المالكي ، الى أخراج سياسي للأتفاقات الأساسية القادمة ، هذا الاخراج الذي حاول من خلاله كلا الجانبين تضليل الاوساط الشعبية العراقية ، والتمهيد لتقبل عربي ودولي سلس ، وبنفس الوقت للبدأ في تكريس المتطلبات التشريعية والقانونية ، لحالة امنية وسياسية وعسكرية واقتصادية ، تؤسس لمعاهدة طويلة الامد ، تغطي الجوانب المذكورة وترهن العراق وشعبه وثراوته الوطنية لأنتدابٍ (متمدن) ووصايةٍ ( حديثة) ، يتم من خلاله ليس فقط السيطرة والهيمنة على مقدرات هذا البلد العريق بتأريخه وحضارته ، بل العمل على تفعيل دعمهم لدستور الاحتلال في الفدراليات والمناطقيات والتقسيم (القانوني) ، ليصار الى تكريس الاقطاعيات النفطية والكانتونات التابعة ، وانهاء حالة العراق البلد الواحد وتحت مسميات فضفاضة .
إنّ صك الانتداب الجديد، الذي تريد حكومة المنطقة الخضراء وإدارة بوش فرضه على شعبنا هو أخطر حلقة في مسيرة الاحتلال ، بعد ان شرعنة المؤسسات الدستورية الأمريكية ، قانون تقسيم العراق وبعد ان عملت إدارتها السياسية والعسكرية على صناعة مقوماته على أرض العراق بترسيخ المحاصصة السياسية والطائفية والعرقية، وضربت وبكل دموية مقومات الوحدة الوطنية، ومزقت وبالتعاون مع أتباعها من العراقيين النسيج الاجتماعي عبر القتل والتدمير والتهجير والتطهير الطائفي والعرقي، وحولت العراق إلى ضيعاتٍ تتحكم فيها مافيات السياسة وأمراء الطوائف.
فلا غرابة أن تُقدم حكومة الاحتلال برئاسة نوري المالكي وبدعم الأحزاب الطائفية والانفصالية، على إخضاع العراق وتسليم ثرواته وأرضه إلى سلطة الانتداب الأمريكي، إرضاءٌ لشهوة الحكم وتحقيقاً لمصالح أطرافه المختلفة ، ولا غرابة أن ان تتصدى قوى شعبية وفصائل مقاومة وتجمعاتِ واحزاب وشخصيات في الفضح والتنديد بأتفاق المبادئ هذا ، لكن الغرابة أن لا تحفز هذه الحلقة الخطيرة على مستقبل العراق وابنائه ، اليقظة الوطنية عند جميع هذه القوى ، لتجعلها تتجاوز عناصر مواقف الأختلاف بتوفير الأداة السياسية الفعالة ، الرافعة للمشروع الوطني الشامل بوجه الاحتلال واتباعه ، والدافعة والمعززة للحركة الشعبية الصاعدة في رفضها وتصديها لمشاريعه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم