الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن أزمة الفقه الاسلامى

محمد مجدى عبدالهادى

2008 / 1 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثارت فى الفترة الأخيرة أزمة بسبب مجموعة الفتاوى الصادرة عن رجال علم منتسبون للأزهر الشريف ، و كان على رأس هذه الفتاوى تلك الفتوى القائلة بطهارة بول النبى - صلى الله عليه و سلم - ، و الأخرى النكبة و النكتة الزاعمة بجواز إرضاع الكبير كطريق لجواز الخلوة بين رجل و إمرأة .
و قد أثارت الفتوى الأخيرة بالذات جدلا كبيرا فى المجتمع ، و غضبا شديدا فى كثير من الأوساط ، حتى الشعبية منها ، لما تسببه مثل هذه الفتاوى و غيرها من تشويه لصورة الاسلام و ما تحمله من إساءة إليه .
فهل يا ترى نرى فى مثل هكذا رد فعل مؤشرا إيجابيا على صحوة جديدة فى المجتمع ترفض أن تقبل أى فتوى تتعارض مع العقل و الحس السليم ، حتى و إن جاءت مدعمة بالآيات و الأحاديث ، حسب الفهم السائد أو التراثى ؟
هل تغيرت العقلية الشعبية التى تقدس كل ما ينتسب للنبى و أصحابه و تابعيه ، بحيث أصبحت تبحث عن مدى صحة الخبر أو كذبه ، كذا عن مدى إختلاف الظروف و الأوضاع و غيرها من الاعتبارات الغائبة ، و التى ألح على ضرورة اخذها بالإعتبار الكثير من المفكرين و العلماء و جحافل من المثقفين .
بكلمة واحدة ، و سؤال واحد ، و بصيغة حاسمة :
هل اثمر التنوير ؟
هل هذه خطوات على طريقه ، و هل فى مثل هذه الحادثة إنتصارا لقواه ؟
هل يدفعنا ما حدث غلى الفرح ام إلى التامل ؟
- حقيقة الحدث :
تبدو الأسئلة السابقة ساذجة ، و لا أشك فى انه قد علت وجوه القراء إبتسامة سخرية كبيرة ، وحتى أدفع عن نفسى تهمة السذاجة فأننى اسارع بالقول بأن ما حدث لا علاقة له بالتنوير أو باى تغيير ذى صلة ، و ليس فيما حدث اى مؤشر على تطور حدث أو يمكن ان يحدث فى العقلية السائدة ؛ لأن ما حدث من رد فعل ثائر و ساخط لم يكن أساسا إلا مفرزا لذات العقلية ، بمنطقها و آليات حركتها ، فليس ما حدث إستثناءا من قاعدة إلا فى الظاهر فقط ، و لمن يسئ فهم الظاهرة فقط .
فمنطق رد الفعل لا يوجد فيه شبهة العقل و العقلانية ، و لا شبهة الاعتراف بهما ، و لا يعدوا الأمر تطبيقا لمنطق العقل السائد - و يمكن القول تجاوزا العقل السليم وفقا لمصطلحات إلياس مرقص - الذى ليس عقلانيا بالضرورة ( أو هو عقلانى نسبيا ) ، بل و ليس من ضرورته أساسا العقلانية ، لأنه ليس إلا التقاليد و المنطق المقيد بالمحدودية التاريخية ، و أذكر فى هذا المجال بمقولة ماركس " لقد أستخدم العقل دائما ، و لكن ليس دائما بصورة عقلانية " .
هذه هى الصورة ، إن الرد الشعبى ياتى فى هذا الإطار وحسب ، و ليس فى أى إطار آخر ، و لا يفسر فى أى ضوء آخر ، و البذرة السلفية فى عقل الجماهير باقية و راسخة ، تفعل فعلها على مستوى التقاليد ، و لا تعارض أى فتوى ما دامت لا تناقض العقل الذى تعتمده كعقل سليم ، لهذا يخطى من يظن فىما حدث تطورا فى الوعى الشعبى أو تغيرا فى النظرة الشعبية ، يخطى من ينظر إلى الظاهرة كظاهرة للعقل السلفى ، يخطئ من يعتقد بهزيمة هذا العقل و إنقلابه على اصنامه ، كذا لم تمت بذرته فى العقل الشعبى ، فجل ما حدث ان نسبت الفتوى غلى شخص بعينه ، تراجع بدوره خاضعا لآلية أخرى من آليات العقل السلفى ، لتنتهى القضية ، و يصبح المر كله مجرد لغو و هزل ، و لتصبح الفتوى المعنية مجرد نكتة يتبادلها الناس ، و لا يبيحثون فى اصلها ، و جذورها ، و لا يرون فيها عمق المأساة .
لقد فعلت العقلية السلفية فعلها هنا ، و لكن لتنقلب على نفسها فى الشكل ، و تنتصر فى المضمون ، فما انتصر فى الواقع هو ما تواضع عليه السلف - أيا كان هذا السلف - ، و ما إنهزم هو مجرد نص واحد نسب لهذا السلف .
- حقيقة الأزمة :
هنا نغير زاوية النظر ، وننظر فى جذور المشكلة ، لنرى و نعرف كيف تصدر هكذا فتوى ، فالأمر يتعلق بأزمة حقيقية يعانيها الفقه الاسلامى .
لن اتحدث هنا فى التفاصيل ، فلن اتناول الأحكام و غيرها من تفاصيل علم اصول الفقه ، فقط سأتحدث عن نقطة واحدة أراها الأكثر جوهرية فى المسألة ، مع شرح كيف فعلت فعلها على مستوى التطبيق فى الفتوى التى خرج بها السيد أستاذ الأزهر .
إن الفقه الاسلامى كعلم قائم بذاته اسس فى عصر ساده المنطق الصورى الأرسطى ، و هو كأى علم يخضع للمنطق و يطبقه ، فالمنطق الذى يحكم الفقه الاسلامى ، و حتى يومنا هذا هو المنطق الصورى الأرسطى .
و قد أنتج هذا المنطق ضمن ما انتج فى سياق الفقه الاسلامى من آليات آليه مهمة من آلياته هى آلية " التوليد الاشتقاقى " ، و هى إحدى تطبيقات منهج آخر أكثر عمومية هو منهج القياس ، و هو منهج صورى بالطبع .
و بتطبيق هذه الآلية ، يمكن إستخراج الأحكام على أساس أحكام اخرى ، مما يمكن القياس عليه بشكل مباشر أو غير مباشر .
و بتطبيق هذه الآلية تتوالد الأحكام من الأحكام من الأحكام .... ، مبتعدة بإستمرار عن الأصل ، و عن الواقع بالضرورة سابحة فى سماوات التجريد و المثال ، فاقدة علاقاتها الجدلية المفترضة بواقعها ، فلم يعد الحكم الفقهى يصدر من تفاعل جدى مع واقعه المباشر ، بل من التفاعل لبفكرى و اللفظى مع حكم آخر يتناول ذات المسألة ربما فى واقع آخر .
إن المتمعن فى الفتوى التى خرج بها أستاذ الأزهر ، سيجدها تطبيق مباشر لهذه الألية ، فقد قاس السيد على حكم الإختلاء بالأم المرضعة بإعتبارها أما بطريق الرضاع ، ليخرج بحكم مشابه تصبح بموجبه ، كل أو جل موظفات الدولة أو الأمة أمهات لموظفيها !!!
و على هذا القياس الخاطئ - أو العاجز بالدقة - أتت هذه الفتوى الحمقاء ، فالسيد التائه فى فيافى التجريد لا يعنيه شيئا من الواقع الذى يؤكده علم النفس من أن حرمة الأم على إبنها مدعمة بشعور سيكولوجى لن يتحقق ببضع رضعات !!!
إن الفتوى سليمة وفقا لآليات الفقه الاسلامى ، و هنا بالذات تتضح الأزمة ، و تتضح كارثية التطبيق العشوائى للمنطق الصورى بآلياته الاشتقاقية ، غير الجدلية ، بما ينتجه من نقض للعلاقة الجدلية المفترضة بين الحكم و موضوعه و واقعه ، تتضح مدى حاجتنا لإعادة بناء علم أصول الفقه على أساس المنطق الجدلى الأكثر تطورا ، تتضح ضرورة إستيعاب التطورات الجديدة فى المنطق و نظرياته .
- محاولة ابن حنبل :
ينسب الكثير لابن حنبل أنه السبب فى إغتيال العقل العربى و الاسلامى بمحاربته للمعتزلة اولا - و هذا صحيح - ، و بدعاواه و منهجه الفقهى ثانيا ، و هذا أيضا صحيح من الوجهة التطبيقية فقط ، فالانصاف يقتضينا الاعتراف بحسن نوايا الرجل و رغبته فى تصحيح مسار الفقه الاسلامى ، و إن كان قذ خانه التوفيق لأسباب خارجة عن إرادته ، نوردها فيما يلى .
جوهر المنهج الحنبلى فى الفقه هو الاعتماد على النظر بشكل مباشر بعيدا عن الابنية و الأنظمة التى وضعها أسلافه من أصول و قواعد حاولت الخروج بالمنطق الذى يحكم النصوص و الرؤية الاسلامية بعامة ، لتبنى على اساسها الأحكام ، و هو إن كان عملا إيجابيا ، إلا أنه بعدم مراعاته التطور المعرفى لإستكمال النقص المؤكد ، كذا عدم مراعاته لأخطائه المنهجية ن و عدم مواكبة تطورات علم المنطق الذى هو اساس كل علم ؛ بسبب كل هذا فقد علم أصول الفقه علاقته بالواقع ، و تحول إلى مجموعة من الأدولت الاشتقاقية تنتج نتائج من مقدمات ، بغض النظر عن نوع المقدمات و النتائج ، " عقل بدون عقلانية " - " المنطق علم آلى " .
أراد ابن حنبل التخلص من هذه المساوئ بالعودة للأصل ، إلى النص حسب فهمه المثالى ، و بسبب خلفيته الفلسفية الضعيفة ، كذا الرؤى العامة التى لم يتجاوزها عصره ، و ضعت حدود التجديد الحنبلى ، و بدلا من وضع النص فى الواقع و التاريخو قراءته فيه و على ضوئه ، إنتكس إلى مثالية أحادية الجانب ، تقرأ النص و تنفى الواقع ، تعبد المثال و المجرد ، و تنكر المادى و الملموس ، فالأول هو الماهية و الجوهر ، الثابت ، الحقيقى ، و الثانى هو الوجود و العرض ن النسبى ، الغير حقيقى ، فالأول هو ما يجب ان يكون ، فهو من الله ، اما الثانى فرجس من عمل الشيطان .
و هكذا ، و ضع الواقع الاجتماعى و المستوى المعرفى فى هذه المرحلة التاريخية حدود التجديد الحنيلى ، مختصرا إياه فى تثبيت النص ؛ لتثبيت التاريخ فى خدمة البنية الاجتماعية السائدة ، و فق منطق تكفيرى " خارجى" فى خدمة السلطة ضد كل ما هو متحرك و نسبى ( كل معارضة ) .
إن أى نهضة تاريخية تبنى على النسبى و المتحرك و التاريخى فى مواجهة المطلق و الثابت و اللا تاريخى ، فالأول هو موضع و إطار الفعل الانسانى ، و الثانى هو حد الفعل الذى هو الضرورة ، و بجدل الإثنين يبقى المطلق الضرورى حقا ، و يذهب المطلق الزائف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #