الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يقترب العالم من الحروب الدينية مجددا؟؟

حارث الحسن

2008 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


هذا الصعود في النزعة الدينية لايبدو حكرا على العالم الاسلامي فقط ، وان كان اكثر جلاءا بين المسلمين ، انه يبدو ظاهرة عالمية تستحق الوقوف عندها وفهمها والقلق منها. المحافظون الجدد حملوا معهم الى البيت الابيض نمطا من الايديولوجيا السياسية التي يتموضع الدين في قلبها وتصرفوا بوحي من رؤية تبشيرية وجدت بعض تعابيرها البسيطة في ادعاء الرئيس بوش ان الرب يكلمه ، غير ان تعابيرها الاكثر خطورة تجلت مع مابدا انه عدم تردد في تضمين الصراع السياسي الداخلي والخارجي روحا دينية ومقولات يسوعية واستدراج لنوع من اعادة التماهي بين الاخلاق والتعاليم الالهية المفترضة. ومن الخطأ التصور ان صعود الخطاب الديني حكر على سلوك وفكر المحافظين الجدد فهو اليوم جزء من المنظومة السياسية الامريكية في تجلياتها المابعد حداثية ، والتنافس الانتخابي الراهن داخل الحزبين لم يستثن الجدل الديني بل اخذ يزجه صراحة او ضمنا في الوقت الذي يعيش اليسار الغربي تيهانه بين العدمية المنقادة لفكرة التفكيك والرغبة بالتخلي عن المركزية الاثنية وبين صعود اليسار "المؤمن" الذي يعيد تعريف ذاته بعد انهيار الايديولوجية الشيوعية بالتحرك نحو يمين الطيف السياسي كما تجلى خصوصا في تحول حزب العمال البريطاني الى "حزب العمال الجديد" بقيادة توني بلير الذي اعلن مرارا ايمانه المسيحي في خروج عن تقاليد اليسار العقلاني قبل ان يعلن مؤخرا عن تحوله الى الكاثوليكية. انه التيهان الناتج عن مركب الانهيار الايديولوجي للاشتراكية العلمية وصعود الراسمالية الاستهلاكية ومنطقها الثقافي والتفكيكية الاجتماعية المرتبطة بالعولمة وثورة المعلومات وصعود الهويات ماتحت ومافوق القومية مع تراجع هيمنة الدولة القومية التقليدية.
وفي الجانب الاخر من العالم ، يغرق الاسلام السياسي عالمه بفوضى مهلكة تكشف عن عمق ازمة هذه المجتمعات التي تزدحم فيها صراعات الهوية والشرعية والنفوذ والثروة ، في الوقت الذي يفرض عليها اندراجها في السوق العالمية كخزان الطاقة المركزي نمطا من العلاقة المعقدة التي ترتهن اكثر فاكثر بمتغير الاسلام السياسي. فلأن ايديولجيا الاسلاميين تسيطر مجتمعيا اصبح خيار التغيير الديمقراطي او الثوري في هذه المجتمعات وصفة لتسلم الاسلاميين مقاليد امورها ، وقد اختار النظام العالمي دعم النخب الحاكمة عسكريا وامنيا واقتصاديا لتتمكن من قمع امكانيات التغيير الداخلي طوال العقدين الماضيين ، غير ان هذه المنهجية ادت الى تعزيز الشرعية الداخلية للاسلام السياسي في الوقت الذي اضطرت الانظمة تحت ضغط انغماسها في تشديد هيمنتها الامنية وتوجيه الموارد المحدودة لصالح الحفاظ على هذه الهيمنة الى ترك مساحات التثقيف الاجتماعي تدار من قبل الاسلاميين الذين نجحوا في اسلمة المجتمع كتعويض عن اخفاقهم "المرحلي"في اسلمة الدولة ، لنصل الى نتيجة مفادها ان الديمقراطية او الاصلاح سيقودان بالضرورة الى صعود الاسلام السياسي لسدة السلطة السياسية وان القمع سيؤدي الى تاجيل هذا الصعود كونه سيكرس سلطة الاسلام السياسي الاجتماعية التي وجدت تجلياتها في ظواهر مثل موجة التحجب وتكفير الليبراليين واصحاب الفكر الحر ومحاربة النزعات العلمانية والتضييق على المجتمع المدني واسلمة الانترنيت والاعلام . هذا الغول الاسلامي لايريد قطعا التوقف عند الاسلمة المجتمعية فالغاية النهائية هي فرض حكم الله كما يفهموه على الارض الامر الذي استدعى وسيستدعي مزيدا من الصراع مع الغرب طالما عجزت التيارات الاسلامية عن افراز نسخة معتدلة يمكن ان يتقبلها الغرب الذي لجأ بدوره الى تصعيد الحرب الاهلية الاسلامية بين الاصوليتين السنية والشيعية كوسيلة لاستنزاف موارد وقدرات التيارات الاسلامية وتوجيه انظارها بعيدا عنه .
غير ان الغرب يعيش ازمته التي قد تعقد الصراع وتاخذ به الى مديات ابعد ، فالتشدد الاسلامي الذي كشفت احداث 11 سبتمبر عن خطورته صار هاجسا في اي قراءة غربية لمخاطر المستقبل وتحدياته ، والانفجار الديموغرافي في العالم الاسلامي الذي يقابله انكفاء ديموغرافي اورو-اطلسي صار يطلق عنان الخيال نحو التحذير من تحولات هائلة كـ"اسلمة" اوربا و"مسخ"هويتها الثقافية ومايعنيه ذلك من خطر ان تظل "امريكا لوحدها " ممثلة للغرب بحسب اخر القراءات التحذيرية للمحافظين الجدد، غير ان امريكا التي"ستبقى لوحدها" لن تكون في الحقيقة امريكا "الغربية " لان الاسلمة السياسية في العالم لاسلامي والاسلمة الثقافية في اوربا قد تقود الى مزيد من التطرف اليميني الذي يستكمل التعريف "الخلاصي" المعتنق من المسيحية الجديدة في امريكا والذي يستثمر صعود المسيحية الاجتماعية ليحولها الى ايديولوجية سياسية مقابلة تعيد تعريف هوية امريكا وتبرر في مرحلة لاحقة ماهو اكثر من مجرد دعم الانظمة الديكتاتورية الراهنة في العالم الاسلامي او تصعيد الحرب الطائفية ، فربما تنتج الكراهية الدينية المتصاعدة والسذاجة السياسية المنشدة للمقولات الخلاصية الميتافيزيقية الى اطلاق نمط اخر من الحروب الدينية غير المحدودة التي تحيي اسوأ ماانتجه الفكر الانساني من نزعة مالثوسية ورؤى تطهيرية تضع حدا للكوابح العقلانية ولفلسفة حقوق الانسان التي انتجتها قيم الليبرالية والتنوير والحداثة والتي تنوء بحمل ثقيل اليوم تحت وطأة القتل المنفلت والمتجسد بوحشية متصاعدة في العالم الاسلامي تحديدا وعلى خلفية الاندراج المتواصل للفكرة الدينية في مضمون الصراعات السائدة . ان الفوضى الراهنة والمبشرة اصلا بمزيد من الفوضى لن تكون سوى مجرد استعراض بسيط لما يمكن ان تطلقه الكراهية المتراكمة والتي يؤدي تراكمها الى اطلاق مقولات ايديولوجية تبرر اكثر افعال البشرية قربا من السلوك الحيواني المتوحش. يمكن لذلك ان يحصل اذا لم تجر اعادة صياغة للسجال الفكري الراهن يؤدي الى احياء العقلانية الملتزمة ويواجه الاسباب الاجتماعية التي انتجت القوة المتصاعدة للاسلام السياسي ومن بينها فكرة ان النخب الحاكمة الراهنة هي بديله الوحيد ،فالعالم الذي تقطنه غالبية مسلمة هو مشروع لفوضى عالمية هائلة لايمكن ايقافها بتبني الحلول الترقيعية او تبسيطها بنشدان المخارج الانية ، انها مشكلة من التعقيد بحيث تستدعي حلا عالميا شاملا قبل ان تنتهي الى فوضى عالمية شاملة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو