الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوهام الانتقال الديمقراطي بالمغرب

المامون حساين

2008 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


بإمكاننا أن نستجلي إحدى الخصوصيات التي طبعت ولازالت تطبع مرحلة بكاملها من ثقافتنا وممارستنا السياسية ، وهو طابع العمومية والتسيب، وعدم الوضوح المفاهيمي والكفيل، لمراكمة ثقافة سياسية ، قادرة على الدفع بمسلسل الديمقراطية إلى أفق التجارب الرائدة في هدا المجال،وإخراجها من بوتقة الخصوصية التي تمتطى لرمي الرضيع مع مياه الغسيل.
وقصد القيام بعملية التفكيك لتجربتنا، انطلاقا من أدوات التحليل السوسيولوجي ،التي تكتسب مصداقية من صلب الواقع ،انطلاقا من قلب الممارسة السياسية لنخبتنا ألان،لكن قبل دلك دعونا نسلط الضوء على مفهوم الانتقال الديمقراطي ،نظرا لما يمثله تحديد المفهوم من خطوة أساسية ،في المنظومات الفكرية الغربية المعاصرة بحيث تحول إلى أداة مركزية للتحليل .
لن نتساءل كما هو معتاد ما الانتقال الديمقراطي؟،فتلك صيغة تضفي ضمنيا على المفهوم طابع صبغة الماهية و تقود حتما إلى جواب ممر كز، يسلب من الانتقال الديمقراطي سماته الأساسية،إن مفهوم الانتقال الديمقراطي المتكون تدريجيا من خلال السيرورة التاريخية الطويلة يحمل في نفسه تعقد التقلبات التي أفرزته،وهو يعني في آن واحد الانتقال من واقع وبناء قانوني ،سياسي،ومؤسساتي،بل نفسي ثقافي يستند في تركيبته الى البنية التقليدية،الى واقع مرغوب يه يستند فيه الى بنيات تشدنا الى طابع المؤسسات الحداتية،ادن فالانتقال الديمقراطي ليس مفهوما سوسيولوجيا ولا مفهوما سياسيا،وليس مفهوما تاريخيا بل هو عملية انتقال يتعارض مع النمط التقليدي ،مما يضفي عليه طابع الغموض ،فكيف يمكن قياس حجم الانتقال الديمقراطي ،هل يمكن الاكتفاء بالقول بان حضور مؤسسات حداتي كالبرلمان والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني... هو بالضرورة انتقالا نحو المجتمع الديمقراطي؟
وبما أن ليس (الانتقال الديمقراطي)مفهوما يصلح كأداة للتحليل ،فانه ليست هناك قوانين ومعايير نستند عليها للحديث عن هدا الأخير ،مما يؤشر على أن أي مفهوم يتخذه الانتقال الديمقراطي يظل مرتبطا بشروط اجتماعية ، فكل عقل جمعي (حزب سياسي)ينتج مفهومه للانتقال الديمقراطي،ولكن ما لايمكن الاختلاف حوله هو البعد المؤسساتي للانتقال الديمقراطي.
و ادا كان هدا الأخير من المفاهيم المستهلكة لدى العديد من الفاعلين السياسيين،فانه مفهوم حضاري لم تهضمه بعد ،أي انه لازال يسقط من الخارج ومن فوق على مجتمع لا يؤمن في قرارة نفسه بهدا الأسلوب من التعامل،فعلاقتنا بالسماء علاقة اوتوقراطية وكذلك علاقتنا بالحاكم أو على وجه التحديد علاقة الحاكم بنا، أما العلاقات داخل المجتمع فهي أيضا ذات تركيبة اوتوقراطية، ومن تم فالمؤسسات السياسية تعكس هي الأخرى الواقع الحضاري الاجتماعي النفساني،هل يمكن تجاوزه بمجرد شعارات واشهارات؟أو بمؤسسات كالأحزاب السياسية التي تستعملها الأنظمة الأوتوقراطية كواجهة ، وهنا أيضا تنبع المشكلة المتمثلة في تطور المجتمع نفسه والحركية الذاتية له التي لم تستطيع ،وللأسف،أن تفرض الديمقراطية وهي ككل الحقوق تنتزع و لا تمنح فالعلاقة الهرمية الاستبدادية لا تكون ممكنة وحتى فعالة إلا فـــــي مجتمعات جامدة وراكدة ينهشها الجهل والمرض والفقر والظلم…وهدا ما تجاوزته العديد من المجتمعات الرائدة في الديمقراطية والأمثلة متعددة ، مما يؤشر على كون الانتقال الديمقراطي ظاهرة من ظواهر نضج المجتمع ،وتزايد وعيه ونحن نعيش في المغرب مرحلة صراع بين تنظيمات ومؤسسات بل وأشخاص تشدنا إلى الماضي، ومؤسسات تحاول أن تركب قطار الديمقراطية ، وقد كانت النتيجة دوما في مختلف تجارب العالم لصالح الديمقراطية ومؤسساتها،حتى ولو قاومت المنظومة التقليدية ردحا من الزمن فلا شي يوقف عجلة التاريخ، بل العكس نلاحظ انه كلما اقترب الانتقال المنشود ،كلما كان العنف الذي تستخدمه المنظومة التقليدية لكبح جماح التغير المنشود، إلا أن دلك لا يزيد إلا في سرعة ولادة الانتقال.
ليس هدفنا الإدلاء المجاني بدلونا في سوق الكلام حول ما يسمى بالانتقال الديمقراطي في مملكتنا الشريفة ،كسوق وصل إلى حد الثمالة ، ولكن دافعنا إلى دلك هو وقوفنا على بضع شوائب تطال ممارسة أحزابنا المبجلة، التي كل مساحيق الديمقراطية على نحو فضفاض تعوزه الدقة وتغرق المفاهيم في نوع من الغموض والابتذال المشوه ، هناك ادن ضرورة ماسة للوقوف من جديد على المفهوم العميق للانتقال الديمقراطي ،باستحضار البيئية والمناخ الفكري والتاريخي الذي شكل شرط وجوده، والإحاطة بالفضاء الابستمولوجي والمعرفي الذي احتضن تبلوره .
إن مفهوم كالانتقال الديمقراطي بأبعاده المختلفة لجدير أن يتعرف من خلاله ناولا على العوائق "الممارستية" و "المعرفية"التي من خلالها نفكر ونمارس وننتج مفاهيمنا وتصوراتنا حول الديمقراطية، وثانيا نتعرف على العوائق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي تحول دون هدا الانتقال المنشود.
يمكن أنه مند عهد ما يسمى بتجربة التناوب لم يحصل أي تطور جوهري في التجربة الديمقراطية المغربية،وفي طريقة استجابة هده التجربة لمعطيات وحاجيات المجتمع،ويستطيع المتتبع النبيه أن يدرك بسهولة أن كل ما شاهدناه –ومازلنا- هو امتداد وتطوير جزئي للأطروحات الكبرى للمخزن،والتي تلعب فيها الأحزاب "التاريخية"والحديثة العهد بهدا المجال دور "الكراكيز" التي تمثل على خشبة مسرح محدد القواعد سلفا،وهدا لا يعني أن "التجربة المغربية" إن كانت فعلا تجربة لم تتأثر بالمحيط السياسي العام،لكن الشيء الأساسي هو أن البنيات الرئيسية لهدا الانتقال ثم تحديد أفقها مند البداية.
بل يمكن القول أن ما حصل مند تجربة التناوب هو تراجع مستمر عن المبادئ وفي اتجاه اللاقانون،وقد أدت هده التراجعات في أغلب المراحل إلى إفراغ هده التجربة من محتواها.
يمكن هنا الإشارة هنا إلى جمود وتوقف الهياكل الأيدلوجية للأحزاب عن إبداع مشاريع جديد حية وفاعلة بل وغياب مشاريع واضحة ، بل نجد كل الأحزاب تستنسخ "برامج"بعضها البعض وما مهزلة الانتخابات الأخيرة ببعيد عن أدهاننا.
نحن بهدا لا ندعو إلى عدمية معرفية تقوم على منطق الإلغاء التام والنهائي للاستعمال المفهوم السالف في ثقافتنا السياسية، و إنما ندعو إلى الحذر العلمي حين يتم توظيفه،واتخاذ المسافة المعرفية التي تمكننا من تحليل سوسيولوجي متعدد الأبعاد والأسس ،في السياق المعرف الذي أنتجت فيه والسياق الذي تنقل إليه وتوظف لمقاربته وتحليله،حتى لا تتحول إلى شعارات جوفاء ومساحيق تزين بها ممارسات أقل ما يمكن أن نقول عنها أنها بعيدة عن الانتقال الديمقراطي المنشود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإيراني يحتفل بيومه الوطني ورئيسي يرسل تحذيرات جديدة


.. زيلينسكي يطلب النجدة من حلفائه لدعم دفاعات أوكرانيا الجوية




.. الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 14 جنديا جراء هجوم لحزب الله الل


.. لحظة إعلان قائد كتيبة إسرائيلية عن نية الجيش اقتحام رفح




.. ماذا بعد تأجيل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية؟