الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرير الامريكي للعراق ..تحرير للذات العراقية ..ام تحرير للعراق منها؟ ( 1)

ثائر سالم

2008 / 1 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


العراق والاحتلال...درس من التاريخ ...

لم يكن التاسع من نيسان 2003 ، امتحان الغزو والاحتلال الاول للعراق . فقد غزا العراق واحتله ، كما يعرف الجميع ، غزاة ومحتلون عدة . وفي تاريخه الحديث، كان احتلاله من قبل القوة العظمى الاولى في العالم، مرتين. فبريطانيا، حينما اقدمت على احتلاله ، كانت القوة العظمى ، الاستعمارية الاولى في العالم حينها، مثلما ان الولايات المتحدة ، ايضا اليوم هي القوة الاولى بالعالم، وهي تقدم على احتلاله. ورغم عدم استبعاد احلام الاستعماريين البريطانيين ، حكاما أو مراكز قرار ونفوذ، بالعودة لاستعمار العراق، وربما ثأرا لذل هزيمتهم وخروجهم من العراق،... الا ان سحر النفط ، واغراء الوجود بقربه ، في العراق والمنطقة،.. والحاجة له، يبقى العامل الجوهري ، في السياسة.
والمفارقة ( مصادفة أو دلالة) الاخرى، ان الامبراطوريتين، اقدمتا على احتلاله ، لا في زمن صعودهما ، بل في زمن تراجع تاريخي لهما. ترى اهو سباق الوقت الضائع ، للحصول على طوق النجاة ، وكنز الامال؟ ام انها الفرصة التي لم تحن قبل الان ، رغم عقود او سنين الرصد والانتظار الطويلة ؟ ام هي مفارقة ، قدرية التاريخ والجغرافيا الاقليمية والدولية ؟
واستطرادا في منطق المفارقة والقدرية،.. نلحظ ان زمن نهاية الامبراطورية، التي لا تغيب عنها الشمس ( بريطانيا العظمى)، في العراق، قد ساهم الى حد ما، اسقاط حلف بغداد ، وبتزامن او تصادف تاريخي ، في نهاية عصر هذه الامبراطورية ، وغياب الشمس عنها والى الابد . فبريطانيا العظمى ، لم تعد بعدها ، الا تابعا، صغيرا، لامبراطورية باتت هي العظمى، بعد ان كانت احد مستعمراتها. وحلت محلها في منطقة نفوذها التقليدية ، الخليج والشرق الاوسط عموما. واسترسالا في المفارقة، وبقدرية الجغرافيا والتاريخ ،.. ارتبط تحرر العراق، من السيطرة العثمانية، وتزامن مع زمن هزائمها وافول امبراطوريتها، وانسحابها اخيرا من التاريخ ، كقوة استعمارية كانت احد الامبراطوريات ، التي تقاسمت العالم بينها .. وفي العراق ايضا، ابتدات هزيمة امبراطورية كسرى الفارسية ، والتي انتهت باحتلال بلاده( بلاد فارس)، على يد (اعراب ، بدو) ، كانوا اضعف منهم ، واقل شعوب المنطقة تطورا .
ويبدو ان العم سام، حسب احدث المؤشرات، السياسية والاقتصادية، الدولية والامريكية ، هو في مرحلة افول شبيهة ، كتلك التي تعرضت لها تلك الامبراطوريات، التي سبقته في غزو العراق . ورغم ان ، جدلية التطور ، ارتقاء وانحلا ل، نمو وافول ، نظم وحضارات ، كانت دوما الحقيقة التي تختزل مغزى التاريخ ، الا ان سر ان تأبى تلك الامبراطوريات ، مغادرة مسرح التاريخ ، دون ان تطأ اقدامها ، ارض السواد ، وتعفر وجهها ، بتراب حضارات مابين النهرين ،.. ظل لغزا لا يفسره تحد تلك الحضارة ، ..ولا الاكتشاف المتاخر ، لكل الغزاة والمحتلين ، لعبثية المحاولة مع ، الروح العراقية، العصية على ، الاحتواء ، التطويع ، والاذلال ..التي لا يمكنها ان تقبل بديلا عن استقلالها وسيادتها . ومع ذلك ، سيظل ذلك دوما ، كما في اي استعمار ، الجهل بمنطق التاريخ واحكامه او العناد معه .
سيفشل المحتل الامريكي ، لا في تدمير الروح العراقية ، وتحطيم تلك الهوية، فحسب وانما، حتى في البقاء في العراق، مثلما فشل المغول ، اللذين احرقوا كل مكتبات بغداد ، ومزقوا كتبها ، وقتلوا علمائها ومنعوا علمها،.. واطفؤ ا ضوء الحضارة فيها ، وضوء حضارتها الذي ملأ الدنيا كلها.
هنا تكمن علة تعثر المشروع الامريكي في العراق. وهي ذاتها التي تفسر سبب تركيز الامريكان، والمستعمرون الاخرون ، على هوية المواطنة العراقية.. كهوية وطنية جامعة.. ، بتنوعها وغناها. ومحاولة تحطيمها ، علاقة وثقافة. وتفسر لنا ايضا سبب السير في طريق تعظيم الفوارق والتمايزات ـ التي لم تكن يوما مشكلة ، تعيق علاقات التعايش المشترك ، ....كعلاقات صداقة ، وعلاقات عمل ، وعلاقات تصاهر . هويات وتمايزات ، ظلت دوما ، محترمة في الثقافة الشعبية ، والوجدان الوطني . باستثناء فترات ، اساءت فيها السياسات الحكومية ، بدرجات واوضاع مختلفة ، لذلك التلاحم الثقافي والوطني والسياسي ، ولكنها لم تبلغ يوما ، المدى الشعبي الذي بلغته اليوم .
المحتل يدرك اهمية هذا العامل، وله الخبرة الكافية في توظيفه في مشروع احتلاله . ويبدو ان لخبرة " ابو ناجي" البريطانيين ـ ومشاركتهم " العم سام" ـ الامريكان ، في احتلاله العراق، دورا هاما في هذا التوجه ، خصوصا بعد ان تمت تهيئته على نار هادئة ، سنين طويلة قبل الاحتلال ،... مع قوى التعصب الطائفي والقومي ، ومع القوى المستعدة لعمل كل شيء، من اجل الوصول الى السلطة، والقوى التي لم تعمل في السياسة ، او تكن معنية بالهم العراقي يوما، او تلك التي لا تمتلك برنامجا او رؤية سياسية ، للبلد ومستقبله .
السنوات التي مضت ، على احتلال العراق ، اكدت وبشكل لايقبل الخطأ، ان الخطر الاكبر الذي يهدد الاحتلال، والتحدي الاهم لمستقبل البلد والشعب العراقي ، لازال يكمن ، في مستقبل الهوية الوطنية العراقية ، وبقائها هوية ومظلة تتسع لكل الهويات المكونة لها ، ..تضمن حقوقها ، وتوفر فرص التكافوء والعدالة والمساواة بينها .
هدف تصفية الهوية الوطنية العراقية ، كان في التاريخ ولا زال حتى اليوم ، هو المحطة الحاسمة ، في نجاح مشروع الاحتلال ، او فشله . وهو ذاته الامر الحاسم ، في تطور العراق ، اجزاء ومكونات وهويات ، وحريتها او استعبادها ، ..البقاء في التاريخ ، جزءا فاعلا فيه في الحاضر او في المستقبل ، او الخروج منه ، والعيش على الهامش ،.. كيانا ضعيفا ، وهوية هزيلة ، مرتبكة الملامح ، هامشية التاثير والخصائص ، ..في زمن يتحد فيه البشر بالوانهم واجناسهم واديانهم ، امام ضرورات المدنية التي تفرضها علينا ، حضارة الزمن الذي نعيش التي توحد بين الناس ذوي المصالح الواحدة، رغم تنوع ثقافاتهم ورؤاهم .
فمستقبل العراق، سيبقى كما كان دوما ، رهين خيار المواطنة والوحدة، التي اثبتت قوتها وجدوتها في التاريخ الماضي ، وتطرح نفسها اليوم ، كاضمن الحلول ، واقلها كلفة ومعاناة ،.. وافضل خيار يصون الشخصية العراقية ، بتلاوينها وخصائصها .. وحضارة البلد ، التي صاغتها. ..والاهم انه، .. الخيار الاوسع افقا ، الاكثر انسجاما مع، شروط العصر الاقتصادية ، وعولمته ، التي لابد من انتصار الانساني فيها، حينما ينجح الانسان ، في فرض نموذجه في آخر الامر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست