الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل وحدة الوطنية و استقرار السياسي

عزو محمد عبد القادر ناجي

2008 / 2 / 10
ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع 


لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي إلا بحكم صالح قوامه الجد والعمل المثمر، القائم على حفظ كرامة الإنسان وصيانة حقوقه في الحكم والتشريع والمجتمع والحياة، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الديمقراطية، وحتى لو كان لها بعض الأخطاء فإن أفضل علاج لها هو المزيد من الديمقراطية، وهذا يضمنه دستور للبلاد يكون حارساً أميناً ودرعاً واقياً للحكومة، التي يجب عليها أن تتقيد به نصاً وروحاً، في كل أعمالها، أما التصرفات الغير دستورية، بما فيها التصرفات الدستورية التي تقوم من خلال دساتير نشأت بأسلوب غير ديمقراطي ، تلك الدساتير التي تسود فيها تصرفات الحاكم في إنشائه للدستور، من خلال إرادته هو أو بامتزاج إرادته مع إرادة الأمة، لأن الدستور الصحيح هو الدستور الذي تستقل فيه إرادة الأمة بشكل مطلق دون أي تدخل من الحاكم فيكون وليد إرادتها، وبالتالي فالدستور الذي قد يضطر الحاكم إليه، ويصدره، رغم عدم تنازله عن أي شيء من سلطته، والذي يسمى بالمنحة الاضطرارية، لا يكون شرعي على الإطلاق، فهذه التصرفات تضعف سلطان القانون وتوهن الرابطة التي تربط الشعب بالنظام والحكومة وكل مؤسسات الدولة، وتهدد التكوين القومي والخلقي للشعب بالانحلال.
كما أن التشريع في النظام يجب أن يقوم على أسس وقواعد عادلة وقويمة، وليس مهماً إن كان ذلك التشريع بطيئاً كما في نظام المجلسين، لأنه ليس الغرض من التشريع هو سن القوانين بكثرة وسرعة، فأي اختلال في نظام العدالة في المجتمع، فلن تنفع حنكة ولباقة السياسيين، ولا مهارة الإداريين في رأبه، وعلى ذلك فيجب أن يتمتع القضاء بالاستقلال المطلق بدون أي تدخل من السلطة السياسية أو أي سلطة داخل الدولة، وإلا فسوف يختل وسيؤدي هذا الاختلال إلى أن تتوقف ثقة الشعب بالحكومة وتأييده لها على ضمانها العدل والحرية والمساواة للجميع على السواء، وإقناعها الشعب بأن ذلك قائم قولاً وفعلاً، وبكل صدق، وإفهامها إياه أن الحكومة لم توجد إلا لخيره وخدمة مصالحه، لا للسيطرة عليه والتحكم به والتمتع بسلطان الحكم فقط، كما يجب على الحكومة أن تصارح الشعب حول الوضع الراهن وتقديمها له حسابات كاملة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في الدولة، لأن كتم الحقيقة يولد في نفوس الشعب سوء الظن بها، فيفقد ثقته وتأييده لها، فإذا ما حققت الحكومة تلك المصارحة، يتحول الشعب إلى كتلة متراصة فيعتقد أن كل ما يصيب بلده يصبه هو، وأن الدولة كلها ملكه، فيدافع عنها بكل أمانة وإيمان.
لكن هذا لا يعني أن يسير المسئول بوحي الشارع لأن الانسياق وراء جوه العاصف الصاخب وحماسه الملتهب يعد مجازفة بمصير الوطن، على اعتبار أن الشارع غير مسئول والجماهير غير عقلانية فيه، فالغير مسئول ينتقد ويعترض، ويطلب ويقترح، لكن المسئول يزن الأمور بميزان المصلحة والإمكانيات، لأنه عالم ببواطن الأمور، فيجب أن يميز بين ما يجب أن يكون وبين ما يمكن أن يكون، لأن أي خطأ يرتكبه المسئول قد يقلب الأمور رأساً على عقب، فالوطني الحق هو الذي يواجه الحقائق ويبتعد عن الخيال ويقدم على كل ما يعتقده خيراً وصواباً دون أن يبالي بمن يصفق أو يصفر، فالاحتراف الوظيفي للمسئولين هو الذي يبني ويصلح ويبعد الوطن عن كل خطر قد يتعرض له، وهذا الاحتراف قائم على الأخذ والرد والمداورة والمحاورة من أجل جلب منفعة أو دفع ضرراً، لأن الصراحة والخلق القويم والتصرف الحكيم، مع تجنب سياسة الخداع والمكر من أهم أسباب النجاح في معالجة المشاكل وحل القضايا الصعبة، مع أخذ الحذر للحاكم من أن ينتابه الغرور، خاصة إذا كانت حوله حاشية سيئة تزين له سوء عمله، وتجعله يحيد عن الطريق القويم ، ويجب عليه أيضاً أن يعترف أنه من الممكن أن يخطيء مهما بلغ من الحنكة والدهاء السياسي، لكن يجب أن يتلافى هذا الخطأ فور اكتشافه، وألا يكون خطأه في المبدأ لأن الخطأ فقط بالوسيلة لا في المبدأ، فلا يليق به أن يعد الشعب ولا يفي بوعوده، فالمصارحة وفق القدرات منذ البداية بدون أي رياء أو نفاق سيجعل الشعب يثق به ويتمسك به، وإلا فسيكون مصيره الزوال وابتعاد الشعب عنه، ويصبح ذكرى سيئة للشعب، في حقبة مظلمة من تاريخه، والتي مهما بلغت من القسوة فإنها إلى زوال، فالسحابة التي تمر مهما بلغت من الحجم والمدة فإنها لن تظلم الأفق ولن تدوم إلى الأبد.
كما أن العمل القومي في النظام الديمقراطي الدستوري، يحتاج إلى رأي عام نير مطلع على الحقائق، من خلال مؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام والصحف، لأنها تنقل أعمال الحكومة إلى الشعب، كما أنها تنقل رغبات الشعب وآماله للحكومة، وتهدي الحكومة أفضل الأساليب والوسائل التي يجب أن تسلكها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وتدلها على مواقع الخلل والخطأ، من خلال نقد موضوعي علمي غايته مصلحة الوطن قبل كل شئ، ولا يكون ذلك إلا بإعطاء وسائل الإعلام والصحف ومؤسسات المجتمع المدني، الحرية التي يكفلها لها الدستور، فلا حياة لمجتمع ولا ارتقاء له، بدون النقد، فالنقد للمعارضين أفضل للوطن من ثناء الموافقين المؤيدين، ولكن هذا النقد يجب ألا يسمح، لدعاة الحزبية الضيقة الذين يريدون الاستئثار بالحكم، وتهديد مصالح بعض الفئات وتهديدهم ، أن يصلوا إلى مرحلة من القوة بحيث يمكنهم من السيطرة على الحكم من خلال انقلاب أو عصيان أو ما إلى ذلك، لأنهم بذلك يكونوا أعداء للشعب وللحكم الديمقراطي، فشدة النظام في هذه الحالة يجب أن تكون ضرورية لقمعهم باعتبارهم يحملون أفكاراً هدامة للمجتمع والنظام والشعب، وبالتالي فإن وصول مثل هؤلاء إلى الحكم، سيدمر الديمقراطية، وسينشر الطغيان، وسيولد الحقد والضغينة في نفوس الشعب وسيدفعه إلى الانفجار الذي قد يهدد سلامة ووحدة الوطن، ولتجنب وصول مثل هؤلاء إلى هذه المرحلة يجب على النظام والحكومة، الاستناد بحركتهم الوطنية على مبدأ التربية الوطنية التي تجعل الشعب يقدس وطنه، بحيث يتساوى أفراد الشعب، كلهم في الحقوق والواجبات، من خلال إكسابهم مناعة، ضد هؤلاء المروجين للتفرقة الدينية والإقليمية والقبلية والحزبية، وكل تربية لا تقوم على هذا المبدأ، تكون سبباً في تخبط الرأي العام، وانقسام أبناء الشعب الواحد على بعضه، فانحلال الرابطة الوطنية في الشعب هو الذي يفسح المجال لنمو النزاعات الدينية، والإقليمية والحزبية والطائفية المنافية لمصلحة الشعب والوطن، وهذا ما يفسر –في الدول المتقدمة- إدراك وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، لواجبها، في الظروف الاستثنائية، حينما يتعرض الوطن للخطر سواءاً في الداخل أو في الخارج، فحبها لوطنها يجعلها تتناسى خلافاتها، وتنبذ الآراء والمشاكل التافهة، أمام مصلحة الوطن العليا، كما أن هذه التربية القومية، تجعل المواطن يشعر بالمسؤولية، فيؤدي واجبه في المعمل والإدارة والأرض والجيش والأعمال الحرة، بكل نزاهة وأمانة، وارضاءاً لضميره، وحباً باستقامة الحكم، وسعياً وراء خلق الثقة في نفوس الناس بالنظام والحكومة، دون أي شيء آخر، وبالتالي يكون هذا الشعب بالمقابل موضع ثقة النظام والحكومة، وموضع تقديرهما، أما أولئك الذين يهملون واجباتهم، ويسيؤون استعمال صلاحياتهم في الحكومة أو في الإدارات المختلفة للدولة، معتمدين على مركزهم أو على شخصيات تحميهم في الدولة، أو على حزب سياسي يستندون إليه، فيجب على الحكومة ألا تتردد في إقصائهم عن إدارتها، حرصاً على سمعتها وعدم نفرة الناس منها.
أما إذا أصبح الحكم أداة استغلال وأعطيت الوظائف والأعمال في الإدارات إلى المحسوبين والمنسوبين لأقارب وأنصار مسئولي الدولة الكبار، أو المسيطرين على الدولة من خلال الجيش أو الأجهزة الأمنية، فستسود الفوضى ويعم الفساد وستكون النتيجة النهائية سقوط الحكومة أو النظام، وانتشار المظاهرات والإضرابات والاعتصامات وما إلى ذلك ، ولحل هذه المعضلة يقتضي على الإداريين في الحكومة، أن ينموا روح المسؤولية الفردية، وأن يشعروا بواجبهم، كما أن على الحكومة، الإشراف الإداري القوي الذي يراقب سير أعمالهم، والخشية والرهبة من المسؤولية، كما يجب عليها أن تراعي في اختيارهم المؤهلات والكفاءات والأخلاق والمصلحة العامة، والاعتبارات المادية والمعنوية، وأن يخضع تعيينهم وترفيعهم وتسريحهم لقواعد وضوابط عادلة، منصفة، تحول دون التعيين والترفيع الاستثنائي والعزل التعسفي، وتوسع في صلاحياتهم بدرجة تقضي على الروتين الذي يسبب البطيء والتعقيد والفوضى في الإجراءات الحكومية، وعلى الإهمال لمصالح الشعب في الإدارات، ويبقى الاصلاح هو الطريق إلى نهضة الأمة، ذلك الاصلاح الذي يقوم على إدخال الاصلاح على المنهج القديم دون تقويضه ودون التضحية بشخصية الشعب، على شرط أن يكون هذا القديم قد أفرز من قبل الشعب.
من هذا المنطلق يرى البعض أن أسباب عدم استقرار الحكم الوطني الدستوري الشرعي يعود لعدة أسباب أهمها:
1- فقدان الزعامة القوية والقيادة الرشيدة.
2- نقص التربية السامية، والوعي القومي عند معظم المواطنين.
3- عدم وجود حزبية صحيحة، وتنظيمات شعبية أي مجتمع مدني يكون أساس الدعم والتطور السياسي.
4- أمراض الماضي ومفاسد الأخلاق العامة.
5- خلو البلاد من جيش يعتمد عليه في الأمن، ودعم الحكم وفرض الهيمنة.
6- فقدان الانتظام والتجانس بين قوى الدولة.
7- قلة الرجال السياسيين المجربين، أصحاب الإرادة والكفاءة والنزاهة.
8- ضياع المسؤولية بين موظفي الدولة، وعدم تجاوبهم مع التطورات في المجتمع .
9- الاتجاهات المنحرفة لبعض الجماعات في بعض الأحيان.
10- المعارضة الانتهازية.
11- طغيان المطامع الفردية على المصالح الخاصة.
12- عدم وجود منهاج مدروس معين لكيفية ممارسة الحكم أو برنامج معين لإصلاح الخلل في جهاز الدولة من خلال رجال الحكم .
وعلى هذا الأساس فإن معالجة هذه الأسباب ، مع التقيد بما ذكر سابقاً لابد أنه سيقود إلى الوحدة الوطنية ي الدولة ، ومن ثم إلى الاستقرار السياسي فيها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة