الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظلة بوش السياسية!

كاظم محمد

2008 / 2 / 14
السياسة والعلاقات الدولية


أقترح وزير الدفاع الامريكي (غيتس) في المنامة ، عند حضوره المؤتمر الاقليمي لأمن الخليج ، والذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الأستراتيجية في 8-12-2007 ، اقترح اقامة مظلة صاروخية لحماية دول الخليخ من امطار الصواريخ الايرانية القادمة ! .
ورغم ان هذا المقترح الامريكي ليس بجديد ، وهو تاكيد لموقف تقليدي امريكي ، مرتبط بمصالح شركات انتاج السلاح الامريكية ، وبطبيعة النهج المتغطرس لأدارة بوش ، إلا انه عكس قلق ادارة بوش من الاختراقات الدبلوماسية والسياسية الايرانية لدول الخليج العربي ، واستمرار تكريس النفوذ الايراني في الساحة العراقية ، والتي لا ترغب الادارة الامريكية في اثارة المواجهة مع ادواته العراقية ، على الاقل حاليآ ، وكذلك الدعوات الايرانية وعلى لسان الرئيس الايراني عند حضوره قمة التعاون لدول الخليج ، بأقامة نظام امني لدول المنطقة ، وتاسيس منظمة للتعاون الاقتصادي بين ضفتي الخليج.
لقد برر السيد غيتس مقترحه ، كون ايران اصبحت تشكل الخطر الاكبر، ليس لدول الخليج فحسب ، بل لجميع دول منطقة الشرق الاوسط مجتمعة ، وبنفس الوقت لم ينسى وزير الدفاع الامريكي إبعاد تهمة التهديد النووي الاسرائيلي لدول الخليج والمنطقة ، داعيا الى تعاون وثيق لتطويق هذ الخطر الداهم .
ولقد سبق لأدارة بوش بأن اعلنت تصميمها على نشر مظلة صاروخية في اوربا الشرقية ، وخاصة في بولندا والتشيك ، لحماية اوربا وامريكا من امطار الصواريخ القادمة من الدول المارقة ، والتي وجدت فيه روسيا ، اضافة لأقتراب حلف الناتو من حدودها ، وجدت فيه إخلالآ بالتوازن وبالأتفاقات السابقة ، والذي ادى الى تعليق روسيا العمل بمعاهدة الحد من الانتشار العسكري للقوى غير النوية في اوربا ، وكان هذا الرد الروسي ، رسالة واضحة وذات مغزى سياسي مهم في مواجهة المتعطشين من ارباب المجمع الصناعي العسكري الامريكي ، في اشغال الروس بسباق تسلح جديد ، ليس لأقتصادهم في طوره الحالي القدرة على تحمله ، رغم تآكيد الرئيس الروسي ، بان روسيا ستسعى لتحصين امنها الاستراتيجي ، وذلك في كلمته التي القاها في الاجتماع الموسع لمجلس الدولة ، من خلال اشارته إلى ضرورة تصنيع أنواع جديدة من الأسلحة باستخدام التكنولوجيات المتقدمة، وبأقل النفقات الممكنة.

ان الرغبة الامريكية في نشر المظلات الصاروخية ، هي الرغبة في محاولة تكريس الهيمنة السياسية التي فقدت الكثير من مقوماتها بسبب النهج الذي اغتطته الادارت الامريكية بعد انتهاء الحرب الباردة والتفرد في فرض ارادتها على المجتمع الدولي وعلى العديد من شعوب وبلدان العالم ، عبر الغزو والاحتلال والتهديد المباشر باستخدام القوة العسكرية ، وفي هذا السياق كانت ادارة بوش الابن ، من اشرس الادارات الامريكية في عنجهيتها وغطرستها ومن ثم في فشلها واستعراضيتها ومحاولة لملمة تداعيات اخفاقاتها ، بالاستمرار في صناعة اوهام التهويل والاكاذيب واختلاق الاخطار والاعداء ، لصالح خدمة ذات النهج الامبريالي الوحشي والاهداف التي سعت لتحقيقها في العراق وفلسطين ولبنان وسورية والصومال ومنطقة الخليج وفي مجابهة النهوض الوطني الروسي وبريقه الجديد تحت قيادة بوتين .
ففي زيارته الاخيرة لدول الخليج العربي ، ابتعد بوش في تصريحاته عن الاشارة الى مقترح وزير دفاعه بنشر مظلة صاروخية لحماية دول الخليج من الصواريخ الايرانية ، واستعاض عنها بتصريحات نارية وتحذيرية حول الخطر الايراني العالمي ، ووصفه لهذا الخطر بعبارات قاسية ، تصاعدت نبرتها وحدتها من الكويت حتى السعودية ، محطته الاخيرة في هذه الجولة ، والتي لخص من خلالها طبيعة بضاعته السياسية التي جاء ، ليس فقط للترويج لها ، بل لاقناع وفرض توجهاتها على حكام وانظمة هذه البلدان ، والذي برايه تتطلب حشد الجهود والطاقات والافعال تحت المظلة السياسية المناظرة لمظلة الصواريخ التي اقترحها وزير دفاعه ، مع تجاوزها بطبيعة اتجاهاتها ، في تصفية القضية الفلسطينية ، من خلال الغاء الدور الاممي والشرعية الدولية بقراراتها المعروفة ، عبر تحميل الامم المتحدة الفشل في حل القضية الفلسطينية ، واسقاطه لحق العودة لللاجئين الفلسطينين ، والطلب بشكل وقح وعلني بتوطينهم وتعويضهم ، اضافة لدعوته باعادة النظر باتفاقية الهدنة 1949 وهذا ما يعنيه من اسقاط لحق المطالبة بانسحاب اسرائيل لحدود 1967 ، ثم دعوته للاعتراف بيهودية اسرائيل ، وما يترتب على ذلك من امكانية هجرة فلسطينية ثالثة لعرب فلسطين .
لم يهمل بوش المبادرة العربية للسلام والتي اقترحتها السعودية ، بل اسقطها بكامل بنودها ، وليس هذا فقط بل دعا متبنيها من الدول العربية الى الاسراع بتطبيع علاقاتهم مع الكيان الصهيوني ، الذي تاخر كثيرا كما اشارت وزيرة خارجيته كوندليزا رايس ، والتي دعت العرب الى (تشجيع) اسرائيل للتفاوض مع الجانب الفلسطيني وعزل المتطرفين وتقديم الدعم اللازم للرئيس عباس في خطه (الاعتدالي) وسياسته .
لقد دعا بوش دول الخليج الى دعم وانجاح سياسة ادارته الاحتلالية في العراق ، وشجع بشكل علني وسري الجهود التي تبذلها دولآ مثل السعودية ومصر والاردن على اقناع ودفع المترددين والباحثين عن موقع سياسي وسلطوي من العراقيين في هذه البلدان ، على الانخراط في العملية السياسية وتسهيل (جهود المصالحة) التي تبذلها حكومة المالكي لخلق الاستقرار المطلوب امريكيا وتكتيكيآ ، لدواعي السياسة الداخلية في ابراز واعلان نجاح ما في القضية العراقية خدمة لمصالح الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية القادمة .
أن الآرباك العام للسياسة الامريكية في المنطقة وطبيعة التراجع النسبي لزخمها ، وانسداد الافق في مفاصلها الاقليمية ، استدعى كما يبدو حقننآ سياسيآ سريعآ طارئآ ، لكنه غير ملتبس لعقول المتابعين ، فكان مؤتمر انابوليس ببهرجته الاعلامية والسياسية ، وكانت الزيارات المكوكية لوزيرة الخارجية الامريكية كوندليزا رايس للمنطقة لرفع المعنويات للحلفاء المحليين ، اضافة الى تصريحات عنترية تهويشية ، تناول فيها اقطاب طغمة الحرب الامريكية ايران وسورية وحزب الله وحماس كونهم العائق والمعيق للسلام والاستقرار في المنطقة .
ان طبيعة هذه الحقن المقوية ، ارتبطت بأستراتيجية تعزيز جبهة (الاعتدال العربي) في مواجهة ايران واختراقاتها الاقليمية ، وخاصة في محاولة جر الدول الخليجية لتبني عناصر خطاب بوش ضد ايران ، والذي لم ينجح فيه بسبب القلق الواسع لهذه الدول من احتمال اي مواجهة عسكرية قادمة مع ايران ، وكان واضحا في هذا السياق ان السعودية خاصة ، لم تتقبل توظيف الرئيس الامريكي لزيارته لها في حرب ضد ايران ، حيث اشارت ( صحيفة الرياض) والتي تعبر عموما عن التوجه العام للسياسة السعودية "نرفض ان نكون اداة اشعال حروب او توترات مع ايران اذا كانت تسوية الامور بالقيم الدبلوماسية والحوارات اقرب من غيرها". واضافت الصحيفة " ان خطر ايران المفترض لا يقلل من خطر اسرائيل الحقيقي" .
ورغم النجاح النسبي له في تفعيل الضغوط السابقة بمحاصرة التعاملات البنكية والمالية الخليجية مع ايران ، إلا انه حقق نجاحآ واضحآ في جر انظمة الخليج عمومآ الى التماهي الكامل وشبه العلني مع توجهات ادارته واسرائيل في دعم شخوص بعينهم من الفلسطينين ، حيث قال بوش " الدول العربية والخليجية خصوصا تتحمل مسؤولية دعم الرئيس الفلسطيني( محمود عباس) ورئيس الوزراء (سلام فياض) وغيرهم من القادة الفلسطينيين خلال عملهم من اجل السلام، والعمل على مصالحة اوسع بين اسرائيل والعالم العربي." ، وهو بذلك يريد تكريس ليس الانقسام الفلسطيني فقط ، بل عزل حماس عربيآ واسقاطها حتى لو تطلب الامر ان تشترك كل انظمة الاعتدال في خنق قطاع غزة وتجويع ابنائه ، ليعود لسيطرة سلطة عباس ومجموعته في رام اللة .
ورغم ان ما حدث على الحدود المصرية الفلسطينية مع قطاع غزة ، من تدفق الالوف المؤلفة الى الحدود وكسرها ، قد شكل حالة شعبية جديدة ، اخافت واربكت خطط ابو مازن واسرائيل ، ووفرت امكانية الانفتاح علىخيارات اخرى بالنسبة لحماس ، إلا انها ، وخاصة في الايام الاخيرة فضحت الخنوع العربي الرسمي وخاصة المصري منه في الأمتثال لأهداف مؤتمر انابولس والخطط الامريكية الاسرائيلية ، وما تصريحات وزير الخارجية المصري (بتكسير ارجل الجياع الفلسطينين العابرين للحدود) واستهزائه بالصواريخ التي تطلقها حماس على اسرائيل ، إلا تعبير عن الموقف السياسي للنظام المصري ، بعد ان استلم التعنيف الامريكي والرد الاسرائيلي بضرورة عودة اوضاع الحدود لما كانت عليه واغلاق كافة المعابر .
ان النسخة الجديدة (لعملية السلام) الخاصة بالفلسطينين ، تتحدد كما ذكر بوش ، بأجراء "مصالحة " بين الفلسطينين والاسرائيلين ، تستند الى عناصر خطاب بوش في حل (مشكلة الفلسطينين) ، وتعتمد على البطانات الفلسطينية الجديدة المعتدلة من اليمين واليسار والمسمنة امريكيآ ، والمستعدة لتقديم التنازلات اللازمة لأستمرار دورها السلطوي في بعض المحميات على الارض الفلسطينية ، حتى لو تطلب الامر خنق وتجويع قطاع غزة واهله ، لأسقاط حماس ، او حتى لو تطلب الامر وبالتوافق مع قيادة ابومازن واسرائيل باعادة صياغة الحدود الادارية والعودة الى اتفاقية الهدنة قبل 1967 واعادة الحاق القطاع بمصر في مرحلة لاحقة ، ليجري اسقاط حماس سياسيا وعسكريا ، اذا فشلت اسرائيل من خلال اجتياحها القادم الذي يهدد به صقورها ، في اعادة القطاع لحضيرة ابو مازن ، عبر ترتيبات على شاكلة قوات دولية او مراقبين دوليين .
لذلك جاء مؤتمر انابوليس كغطاء لتصفية فعلية لقضية الشعب الفلسطيني ، وبأدواتٍ فلسطينية وعربية ، تخلت حتى عن مبادراتها الرسمية لهذه القضية ، واصبحت شريك فعال في تنفيذ استراتيجية تهشيم وتفتيت شعب وارض ، وتساهم اليوم ايضآ بتنفيذ الرغبة الامريكية في تجميد الحل التوافقي اللبناني ، وتمنع عبر تأثيراتها المالية والسياسية الى جانب اسرائيل في توصل الفرقاء اللبنانيين الى صيغة مقبولة من جميع الاطراف .
ان المهم وفي هذه المرحلة بالذات ، بالنسبة للادارة الامريكية ، هو تجميد الحالة اللبنانية وابقاء اللاحل هو سيد الموقف اذا لم تستطع قوى السلطة من فرض شروطها السياسية على المعارضة الوطنية ، وبنفس الوقت سد الطرق واسقاط اي مبادرة عربية ، تبغي المساعدة في خلق المناخ السياسي على طريق الحل الوطني المتوازن الذي يحفظ للبنان سيادته ومقاومته.
فكان واضحآ موقف ادارة بوش من مبادرة الجامعة العربية حين اعلانها ، وكان واضحآ اختلاف التفسيرات السعودية والمصرية لها من جهة والسورية من الجهة الاخرى ، بعد هذا الاعلان ، والذي يدخل في سياق التاثيرات الامريكية في متابعة هذه المبادرة وكيفية الالتفاف عليها عبر حلفاء امريكا في لبنان ، من خلال تداول تفاصيلها واليات تطبيقها ، حتى افشالها ، وافشال مهمة حاملها عمر موسى الامين العام لجامعة الدول العربية .
وهنا ايضآ لا يختلف الهدف الصهيوامريكي عن الساحة الفلسطينية ، بتكريس عناصر الفتنة الطائفية والاجتماعية ، وتعميق الاصطفافات المذهبية ، وخلق خطوط التماس المناطقية ، ودفع الانقسام السياسي لحالة العداء ، عبر خطاب سياسي مليشاوي ، يتعمد الاستفزاز والاساءة ، ويعبئ التابعين باتجاه الخطوات الاولى للفوضى المطلوبة ، والتي تعي الموالاة واطراف السلطة ان سقفها محدودآ في مدياته ، فيما اذا قررت اطراف المعارضة الوطنية حشرها في المساحة الضرورية سياسيا وعسكريا .
لقد كانت تصريحات سعد الحريري في 8/2 وكذلك الخطاب الناري لوليد جنبلاط في 10/2 ، تأكيد واضح على التناغم الكامل بين قوى السلطة في لبنان وطبيعة الهدف الامريكي والاسرائيلي ، خاصة وانها تزامنت مع مغادرة عمر موسى لبيروت دون تحقيق شيئ يذكر .
ان العديد من الاحداث التي حصلت خلال الاسابيع الماضية في بعض المناطق اللبنانية ، وخاصة الاغتيالات السياسية لضباط الجيش اللبناني وكذلك مجزرة الشياح التي قتل فيها عدد من الشباب اللبنانيين ، واطلاق النار على مجلس النواب اللبناني ، تحمل جميعها بصمات القوى الخفية والعلنية ، التي تخدم توجهات اطراف الموالاة في جر المعارضة لهستيريا الاجواء الساخنة المدبرة وربما لتفجير الوضع ، والذي من غير المضمون ان تسلم اسرائيل وحلفاء امريكا المحليين والعرب من تداعياته اللاحقة.
ان ادارة بوش ما بعد العراق وحرب لبنان ، ليست فقط اضعف ، بل وغير صادقة في صنع سلاما للفلسطينين وحل قضيتهم بشكل عادل يرتكز على قرارت مجلس الامن والامم المتحدة ، وهي إذ غيرت المسار هنا وهناك ، في محاولة بعدم المساس باستراتيجية اهدافها المتعثرة ، تحاول تهيأة ساحات المفاصل الاقليمية للتفكيك والتفتيت ولحرب الطوائف والامراء والعشائر، لأعادة التشكيل اللاحق لمحميات واقطاعيات وفدراليات وكانتونات تحكمها بطانات وامراء ولوردات الحروب ، الذي اصطدم ويصطدم برفض وممانعة ومقاومة ، تتعزز مع حافز الغليان الشعبي وافتضاح وافلاس حلفاء الغرب واتباع الاحتلال وليبراليه الجدد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث