الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور وسائل الإعلام في تشكيل المفاهيم المجتمعية

علي مهدي حسن

2008 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


كان الناس في الزمن الغابر لا يعرفون إلا سلطة الفرعون أو القيصر أو الإمبراطور أو الزعيم الذي كان حوله فئةٌ من الأعوان بمُسميات عديدة، تقوم بمقام السحرة في الإغواء والتضليل وتقديس الحاكم والتهليل بعظمته ثمّ توالت الإحداث إلى مُنتصف القرون الوسطى لتتجه الأمور في الغرب إلى نظام المُشاركة بما عُرف بنظام الطبقات – النبلاء ورجال الدين - فساءت الأمور أكثر من السابق ودخل الغرب في صراعات عنيفة كادت أن تقضي على وجودهم وكياناتهم ، في الوقت الذي كانت تنشأ حضارة الشرق متمثلة بالحضارة الإسلامية التي دخلت في صراع مع الغرب المُتخلف حينها الذي ثُمّ احتكّت الحضارات بعضها ببعض بسبب فطرة التدافع ، وتطورت المفاهيم الإنسانية إلى صناعة المؤسسات ، التي نتج عنها في نهاية المطاف سُلطات ثلاث ، تنفيذية وتشريعية وقضائية ، تُدير شؤون البلاد ، ولكن هذه المؤسسات سرعان ما أصابها الفساد بسبب عدم وجود الرقابة حتى منتصف القرن الثامن عشر ومطلع القرن الذي يليه ، فظهرت فكرة السلطة الرقابية الرابعة التي ينبع تأثيرها وقوتها من مدى التأثير في الرأي العام الحر ، الذي يؤهلها في بعض الأحيان لأن تكون سلطتها أقوى من كل السلطات ، نظرا لكشفها الفساد والمفسدين وأماكن الخلل في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ،
لذلك يتفق فقهاء الديمقراطية ومنظروها على ضرورة وجود إعلام ديمقراطي حر في إي المجتمع الديمقراطي، فبدونه تظل العملية الديمقراطية عرجاء ومنقوصة لأنها ركنا أساسيا من هيكلته. ولمواكبة للتطور التاريخي للعملية الديمقراطية تنظيرا وممارسة وضعت عدة نظريات إعلامية تحدد وظيفة الإعلام في المجتمع الديمقراطي ومساحات تحركه، ولعل أبرز تلك النظريات:-
1- نظرية الحرية والتي تعود إلى القرن السابع عشر حيث استطاعت الصحافة في أوربا الغربية الخروج من دائرة القيود والسيطرة الرسمية، وهذه النظرية تعد من الأسس التي تحكم عمل الوسائل المطبوعة في المجتمعات الديمقراطية الليبرالية.
2- نظرية المسؤولية الاجتماعية التي نشأت في الولايات المتحدة الأميركية في إعقاب الحرب العالمية الثانية، وقد حاولت هذه النظرية التوفيق بين استقلال وسائل الإعلام والتزاماتها تجاه المجتمع .
3- نظرية المشاركة الديمقراطية فقد برزت هذه النظرية من واقع الخبرة العملية كاتجاه ايجابي نحو ضرورة وجود إشكال جديدة في تنظيم وسائل الإعلام، وقد نشأت كرد فعل مضاد للطابع التجاري والاحتكاري لوسائل الإعلام الخاصة ومضادة لمركزية وبيروقراطية مؤسسات الإذاعة العامة .
وتحاول نظرية المشاركة الديمقراطية أن تثبت وجودها في المجتمعات الليبرالية المتقدمة، خاصة في الدول الاسكندينافية، رغم أنها تفتقر إلى وجود حقيقي في الممارسات المختلفة للمؤسسات الإعلامية .
ويعبر مصطلح المشاركة الديمقراطية عن معنى التحرر من وهم الأحزاب السياسية والنظام البرلماني الديمقراطي والذي بدأ وكأنه انفصل عن جذوره وانه يعوّق المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية بدلا من إن يدعمها ويسهلها حسب ما يرى واضعو هذه النظرية.

وبعيدا عن التنظير يكون السؤال المشروع عن إمكانية الإفادة من أطروحات هذه النظرية الإعلامية في الواقع العراقي بعد التغيير الديمقراطي
أننا نرى ان هناك بعض الأسس التي ترجح إمكانية الإفادة من نظرية المشاركة الديمقراطية في هيكلية الإعلام العراقي أبرزها وجود تعددية اجتماعية وثقافية بحاجة الى وسائل اتصال خاصة بها تلبي احتياجاتها الثقافية والاجتماعية.
الخوف المشروع من طغيان الطابع التجاري المحض على محتوى وسائل الإعلام الكبيرة في المستقبل لأسباب تتعلق بتحويل هذه الوسائل المكلف.
التجربة الفاشلة للإعلام الحكومي المركزي وطابعه البيروقراطي المقيد للطاقات والحريات.
حاجة المجتمع العراقي للاتصال الأفقي الواسع بين قطاعاته وشرائحه المختلفة لتعزيز روح المواطنة والوحدة الوطنية وفتح قنوات جماهيرية للحوار بعيدا عن أية وصاية سياسية.
افتقار الساحة الإعلامية العراقية لوسائل إعلام صغيرة محلية نشطة وفاعلة وذات تأثير قوي على متلقي.
لذلك تعد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة مصدرًا مهمًا من مصادر التوجيه والتثقيف في المجتمع، وهي ذات تأثير كبير في جماهير المتلقين المختلفين، المتباينين في اهتماماتهم وتوجهاتهم ومستوياتهم الفكرية والأكاديمية والاجتماعية. وهذا ما يكسبها أهميتها في عملية بناء المجتمعات، وهي احد العناصر الأساسية المساهِمة في تشكيل ملامح المجتمعات. وإذا كان دور وسائل الإعلام في أي بيئة مجتمعية يتحدد بالأثر الذي تستطيع أن تحدثه فيها، فمن الممكن أن نقسّم وسائل الإعلام باعتبار تأثيرها في المجتمعات قسمين: قسم مؤثر وفاعل، وقسم غير مؤثر وغير فاعل. ويمكن تفريع القسم الأول منهما إلى اتجاهين (سلبي وإيجابي) وذلك باعتبار الهدف الذي يسعى إليه القائمون على كل اتجاه، ولأن الإيجابية والسلبية من الأحكام النسبية، ليست ثابتة أو محددة. فإن الضابط الذي يُستخدم هذين الحكمين على أساسه هنا هو ضابط الانسجام مع متطلبات الهوية في ما يُقدَّم إعلاميًا عبر القنوات المختلفة، من حيث طبيعة المادة المقدمة، وما ترسخه من قيم فكرية وثقافية واجتماعية.
ويختلف القسم الثاني، وهو قسم وسائل الإعلام غير المؤثرة عن الاتجاه السلبي من القسم الأول في الجوهر الأساسي للموضوع، وهو حقيقة الدور الذي يؤديه كل منهما في تشكيل المجتمع وبنائه فوسائل الإعلام غير المؤثرة أو الفاعلة لا تؤدي أي دور في المجتمع، وبالتالي لا تقوده إلى أي اتجاه وهي غير معنية بما تقدمه للمجتمع وأفراده، ولا تقوم بأكثر من التوصيل لكن دون أسس واضحة، ودون معرفة حقيقية بما يجب أن يقدم، وما يجب أن تكون له الأولوية من بين ما يقدم والقائمون على مثل هذا النوع من وسائل الإعلام هم الذين دخلوا السلك الإعلامي إما مصادفة، أو دون رغبة أصيلة في الممارسة الإعلامية، أو دون هدف أو وعي حقيقي بالدور الذي تتحمل المؤسسة الإعلامية عبئه لتكون ذات فائدة ونفع للمجتمع ،أما الاتجاه السلبي من القسم ذي التأثير في المجتمع فيختلف من حيث وجود الهدف، ووضوح الرؤية والوسيلة أو الأداة التي تساعد على تحقيق الهدف، والقائمون عليه لا يتحركون بصورة عشوائية.
إنما وفق خطط ومنهجيات مدروسة بعناية، وهم يملكون تصورًا واضحًا لما يريدون الوصول إليه، ويسعون جاهدين إلى تحقيقه وكأنهم يريدون أن ينشروا ثقافة أو فكرًا أو نمطًا حياتيًا وسلوكيًا بين أفراد المجتمع ، ولأن سطور مقالة واحدة لا تكفي للكلام بشمولية عن الواقع الإعلامي في الدولة، مثال ذلك وهو الإعلام المسموع( الراديو) الذي لم يخبُ أثره، ولم يقل عدد المستمعين إليه، والمتأثرين به، والمتفاعلين معه.
ومع ما يقدم عبر أثيره من برامج رغم ظهور بدائل أخرى كثيرة، ربما تفوقه في كثير من المميزات، إلا أنه ظل محتفظًا بسحره مثبتًا قدرته على الاحتفاظ بجمهور عريض حريص على التواصل، بل والتنافس في ذلك، مع ما يكلفه هذا التواصل الحثيث من بذل وقت ومال لتحقيقه.
إن مثل هذه الصفات التي توافرت للإعلام المسموع جديرة بأن تجعله قبلة لأصحاب الفكر الهادف، وما تعانيه الدولة من ضغوطات على جميع المستويات، وما يمر به المواطن العراقي من مآس عديدة.
ورغم وجود بعض القنوات الإعلامية العربية والعراقية ومحاولاتهم الحثيثة في توعية الأجيال الشابة بواقعها المعاصر، لتنشأ نشأة مختلفة عما نراه اليوم بين شبابنا، الذين يتعرضون لتسطيح إعلامي يأخذهم نحو الانشغال بالأمور التافهة والشكلية، ويلهيهم عن القضايا المهمة والمصيرية، فينتج لدينا جيل جميل الشكل لكنه مجوّف ومفرّغ من الداخل، يتداعى مع أول هبة ريح، ولا تجدي محاولاتنا بعد ذلك في جبر الكسور الكثيرة المترتبة على سقوطه السهل لأنه هش وأضعف من أن يخضع لأي عملية إصلاح.
إن حالة الخواء الثقافي والفكري التي نلاحظها في كثير من شبابنا هذه الأيام لم تأتِ من فراغ، ولكنها نتيجة ما يتعرض له هؤلاء الشباب من قِبَل وسائل إعلام إما لا تعرف حقيقة دورها وأثرها في المجتمع، أو أنها تعرف ذلك وتدركه جيدًا وتوظف تلك المعرفة وذلك الإدراك لإنشاء جيل من الشباب الأجوف، اللاهي بملذات الحياة وشكلياتها كأن الدنيا أصبحت محصورة فيها، فأصبحنا نكرسها ونرسخ الاهتمام بها عبر وسائل إعلامنا الموقرة في كل لحظة، وبكل وسيلة، لا نوفر جهدًا ولا وقتًا، مغفلين القضايا الحقيقية والأمور المصيرية التي يجب أن نوجه إليها شبابنا كي يكونوا عدّة لنا في المستقبل وسط عالم محفوف بالمتغيرات.
إن الإعلام أمانة ومسؤولية، والمؤسسة الإعلامية كالمؤسسة التربوية من حيث أثرها في تشكيل بنية المجتمعات ورسم ملامحها، وقد يتفوق أثر المؤسسة الإعلامية على التربوية نتيجة عوامل مختلفة، منها طبيعة المادة التي تقدمها كل منهما ومدى مناسبتها لأهواء المتلقين وتنوع أشكال المؤسسات الإعلامية، ومرافقتها لأفراد المجتمع في مختلف الأوقات والأماكن بعكس المؤسسة التربوية، وعوامل اخرى مما يستوجب استثمار الإعلام في توجيه شبابنا نحو ما يعود بالخير والنفع على مجتمعنا على الأمد البعيد فالأجيال التي تنشأ على متابعة سباقات الأغاني، وتوزيع التحيات الصباحية شرقًا وغربًا. وإهداء الأغاني صباحًا ومساء، لن تستطيع أن تقدم شيئًا مفيدًا لمجتمعها ولوطنها، ولن تستطيع أن تنقل معرفة حقيقية للأجيال اللاحقة، وقد تكون حلقة في سلسلة لا يستطيع أحد أن يتوقع طولها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة